اعتبار نيّة الوجه في صحّة الغسل 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5695


ــ[353]ــ

ولا يجب فيه قصد الوجوب والندب ، بل لو قصد الخلاف (1) لا يبطل إذا كان مع الجهل بل مع العلم إذا لم يكن بقصد التشريع ((1)) وتحقق منه قصد القربة ، فلو كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وما عن أبي الحسن من أن المقدّمة لو لم تجب شرعاً جاز تركها ، فلو جاز تركها جاز ترك الواجب وذي المقدّمة (2) ، مندفع بأن عدم وجوب المقدّمة شرعاً غير ملازم لجواز تركها عند العقل ، لأنه مستقل بلزوم إتيانها كما مرّ هذا .

   على أن لنا أن نقلب الدعوى بأن نقول : هب أ نّا التزمنا بالوجوب النفسي في جميع تلك المقدّمات التي لا يمكن الإتيان بها في وقت الواجب فهل تلتزمون بوجوبها الغيري ولو مندكاً في وجوبها النفسي ، أو لا تلتزمون به وإنما هو واجب نفسي فقط فان أنكرتم وجوبها الغيري فليزمكم القول بتعدد العقاب عند ترك الواجب لترك مقدّمته ، ولا يمكن الالتزام به . وإن اعترفتم بوجوبها الغيري فتعود المناقشة السابقة وأنه كيف وجبت المقدّمة قبل وجوب ذيها . فما هو الجواب عن المحذور حينئذ هو الجواب عن محذور وجوب غسل الجنابة قبل الفجر .

   فتحصل : أن غسل الجنابة ليس بواجب نفسي ، ولا قائل به أخيراً ، كما لا دليل عليه وإن كانت له رنة في تلك الأزمنة من جهة عدم تصويرهم الواجب المعلق .

    هل يعتبر قصد الوجوب أو الندب في صحّة الغسل ؟

   (1) قدّمنا أن غسل الجنابة ليس بواجب نفسي ، كما أنه غير متّصف بالوجوب الغيري على ما ذكرناه في محلِّه من عدم وجوب مقدّمة الواجب شرعاً (3) ، وعليه فهو مستحب نفسي فقط وغير متصف بالوجوب أبداً . وبما أنه أمر عبادي كما هو المتسالَم عليه بين المسلمين فضلاً عن الإمامية فلا بدّ من أن يؤتى به بقصد القربة والامتثال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كيف لا يكون تشريعاً والمفروض أنه قصد الخلاف عالما .

(2) كما حكاه عنه في كفاية الاُصول : 127 .

(3) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 438 .

ــ[354]ــ

قبل الوقت واعتقد دخوله فقصد الوجوب لا يكون باطلاً ، وكذا العكس ، ومع الشك في دخوله يكفي الإتيان به بقصد القربة للاستحباب النفسي أو بقصد إحدى غاياته المندوبة أو بقصد ما في الواقع من الأمر الوجوبي أو الندبي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا يتحقّق في الغسل بوجهين :

   أحدهما : أن يأتي به بداعي استحبابه النفسي ، بلا فرق في ذلك بين ما قبل الوقت وبعده .

   وثانيهما : أن يأتي به بداعي أنه مقدّمة للعبادة وواقع في سلسلتها ، فانه أيضاً نحو امتثال وإضافة للعمل إلى الله . وهذا يختص بما بعد دخول الوقت .

   وأمّا بناء على أن مقدّمة الواجب واجبة فلا محالة يتصف الغسل بالوجوب الغيري بعد دخول وقت العمل وبه يرتفع استحبابه ، لتنافي الوجوب مع الاستحباب ، وعليه فلا بدّ في صحّته إذا اُتي به بعد دخول الوقت من أن يؤتى به بداعي الوجوب الغيري ولا يكفي الإتيان به بداعي استحبابه النفسي حيث لا استحباب حينئذ ، نعم يكفي ذلك عند الإتيان به قبل دخول الوقت .

   فلو أتى به بقصد استحبابه النفسي بعد دخول الوقت أو بداعي وجوبه الغيري قبل الوقت ، فان كان ذلك مستنداً إلى اعتقاده وحسبان أن الوقت غير داخل فقصد استحبابه النفسي أو أنه داخل فقصد وجوبه الغيري فلا إشكال في صحّته ، لأنه قد قصد أمره الفعلي وغاية الأمر أنه أخطأ في تطبيقه على الاستحباب النفسي أو على وجوبه الغيري ، ومثله غير مضر في صحّة العبادة بعد كون الطبيعة المستحبة نفساً أو الواجبة مقدّمة طبيعة واحدة . وأما إذا كان عالماً بالحال فأتى به قبل الوقت بداعي وجوبه الغيري متعمداً أو بعد الوقت بداعي استحبابه النفسي متعمداً فهل يحكم بصحّته أو أنه فاسد ؟ فقد فصّل فيه الماتن (قدس سره) بين ما إذا لم يكن بقصد التشريع وتحقّق منه قصد التقرّب وما إذا لم يكن كذلك . والكلام في ذلك يقع من جهتين :

ــ[355]ــ

   إحداهما : أنه مع العلم بعدم استحبابه النفسي لو أتى به بداعي استحبابه أو مع العلم بعدم وجوبه الغيري إذا أتى به بداعي وجوبه الغيري هل يعقل أن لا يكون تشريعاً محرماً ، أو أنه قد يكون كذلك وقد لا يكون ؟

   ثانيتهما : أن حرمة التشريع توجب بطلان العمل أو لا توجبه ؟

   أمّا الجهة الاُولى : فلا نتعقل انفكاك مثله عن التشريع ، لأنه عبارة عن إدخال ما علم أنه ليس من الدين أو لم يعلم أنه من الدِّين في الدِّين ، ومع العلم بعدم استحباب شيء ، إذا أتى به بعنوان أنه مستحب لا محالة كان من إدخال ما علم أنه ليس من الدِّين في الدِّين .

   وأمّا الجهة الثانية : فقد يقال بأن حرمة التشريع لا تسـتلزم بطلان العبادة مطلقاً بل إنما توجبه فيما إذا  كان التشريع في مقام الأمر والتكليف ، كما إذا علم بوجوب شيء فبنى على استحبابه وأتى به بداعي أنه مستحب فانه محكوم ببطلانه ، إذ لا يتمشى معه قصد القربة والامتثال . وأمّا التشريع في مقام الامتثال والتطبيق كما إذا سمع أن المولى أمره بشيء ولم يعلم أنه أوجبه أو ندب إليه ولكنّه بنى على أنه أوجبه وأن الأمر هو الوجوبي ، فلا يوجب هذا بطلان عمله ولا ينافي ذلك قصد القربة والامتثال كما فصّل بذلك صاحب الكفاية (قدس سره) والتزم بأن التشريع لا يستلزم بطلان العمل مطلقاً ، بل فيما إذا كان راجعاً إلى الأمر والتكليف(1) .

   ولا يمكن المساعدة على ذلك ، لعدم انحصار الوجه في بطلان العبادة مع التشريع بعدم التمكّن عن قصد التقرب والامتثال ليفصل بين الصورتين ، بل له وجه آخر يقتضي بطلان العبادة مع التشريع في كلتا الصورتين وهو مبغوضية العمل وحرمته المانعة عن كونه مقرباً ، لأن حرمة البناء والتشريع تسري إلى العمل المأتي به في الخارج وبه يحكم بحرمته ومبغوضيته ، ومعهما كيف يكون العمل مقرّباً به ليحكم بصحّته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 368 ـ 369 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net