هل يجزئ الغسل الارتماسي التدريجي - اشتراط طهارة الأعضاء حين الاغتسال 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6669


   [ 665 ] مسألة 4 : الغسل الارتماسي يتصور على وجهين ((1)) : أحدهما : أن يقصد الغسل بأوّل جزء دخل في الماء(2) وهكذا إلى الآخر فيكون حاصلاً على وجه التدريج . والثاني : أن يقصد الغسل حين استيعاب الماء تمام بدنه (3) وحينئذ يكون آنياً ، وكلاهما صحيح ، ويختلف باعتبار القصد

ــــــــــــــــــــــــ
    للارتماسي صورتان

   (2) ليكون الغسل الارتماسي تدريجياً يشرع فيه من أوّل دخوله في الماء إلى أن يحيط الماء بتمام بدنه ، وهو حينئذ نظير الصلاة وغيرها من المركبات ، فكما أنه يشرع في الصلاة من حين دخوله فيها إلى أن ينتهي إلى آخرها كذلك الحال في الغسل الارتماسي حينئذ ، ومعه يمكن أن يتحقق الحدث في أثنائه كما يمكن أن يتحقق في أثناء الترتيبي على ما يأتي حكمه إن شاء الله تعالى(2) .

   (3) فيكون الغسل الارتماسي أمراً وحدانياً دفعي الحصول ولا يعقل تخلل الحدث في أثنائه . ولا يخفى أن الجمع بين القسمين المذكورين في الارتماسي والقول بأنه قد يتحقق بهذا وقد يتحقق بذاك أمر غير صحيح ، بل الصحيح أن يقال : إن الارتماسي إما أن يتحقق على نحو التدريج فحسب وإما أنه دفعي ووحداني ، فهو من قبيل أحدهما لا أنه قد يكون تدريجياً وقد يكون دفعيا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأحوط الاقتصار على الوجه الثاني ، وأحوط منه قصد ما في الذمّة بلا تعيين .

(2) في المسألة [ 691 ] .

ــ[398]ــ

   بيان ذلك : أن الأخبار الواردة في الغسل الارتماسي على قسمين : فقسم اشتمل على لفظة الارتماس وأنه إذا ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه ، وهذا ـ  أي الارتماس  ـ ورد في روايتين معتبرتين(1) . والارتماس معناه الستر والتغطية ، فيقال رمس خبره أي كتمه وستره ورمسه في التراب أي غطاه به . وقسم اشتمل على لفظة الاغتماس كما ورد في مرسلة الفقيه(2) ، وهو أيضاً بمعنى الارتماس ، وإن قيل إن بينهما فرقاً وهو أن التستر والتغطي بالماء إذا كان كثيراً بأن مكث تحته فهو اغتماس ، وأما إذا لم يمكث تحته فهو ارتماس ، إلاّ أنه لم يثبت . وكيف كان ، فسواء ثبت أم لم يثبت فهما بمعنى واحد ، ومن الظاهر أن التغطي والتستر بالماء لا يتحقق إلاّ باحاطة الماء تمام البدن بحيث لو بقي منه شيء خارج الماء لم يصدق الاغتماس والتغطي .

   وعليه فالارتماس أمر وحداني دفعي لا أنه تدريجي ، إذ ليس هو بمعنى إحاطة الماء ليقال إنه أمر تدريجي الحصول ، بل معناه التستر والتغطي وهما أمران دفعيان وعلى هذا فلا بدّ من أن يقال إن الارتماس إن كان بمعنى إحاطة الماء للبدن فهو أمر تدريجي لا بدّ من أن ينوي الغسل من أوّل جزء دخل في الماء ، وإذا كان معناه التغطِّي والتستّر فهو دفعي وحداني لا بدّ أن يقصد الغسل حين استيعاب الماء تمام بدنه . فهو إمّا هذا أو ذاك لا أنه قد يتحقق بهذا وقد يتحقق بذاك ، وبما أن اللغة قد فسرته بالتستّر والتغطِّي وبيّنت موارد استعمالاته فهي أصدق شاهد على أنه بمعنى الستر والتغطي فهو أمر دفعي وحداني ومعه ينوي الغسل حال استيعاب الماء تمام بدنه . والأحوط أن لا ينوي شيئاً لاحتمال أن يكون الارتماس بمعنى إحاطة الماء وهو تدريجي ، والأولى من ذلك أن يقصد ما في الذمّة لأنه مبرئ على كل حال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهما صحيحة زرارة وصحيحة الحلبي . الوسائل 2 : 230 / أبواب الجنابة ب 26 ح 5 ، 12 . وكذلك ورد لفظ الارتماس في موثقة السكوني ، نفس الباب ح 13 .

(2) الوسائل 2 : 233 / أبواب الجنابة ب 26 ح 15 .  الفقيه 1 : 48 / 191 .

ــ[399]ــ

ولو لم يقصد أحد الوجهين صحّ أيضاً وانصرف إلى التدريجي (1) .

   [ 666 ] مسألة 5 : يشترط في كل عضو أن يكون طاهراً حين غسله فلو كان نجساً طهره أوّلاً ، ولا يكفي غسل واحد ((1)) لرفع الخبث والحدث كما مرّ في الوضوء ، ولا يلزم طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل وإن كان أحوط (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لأنه أسبق في الوجود من الاستيعاب التام .

    اشتراط الطّهارة في كل عضو حين غسله

   (2) في المقام بحثان : أحدهما : أنه هل يعتبر في صحّة الغسل طهارة جميع الأعضاء قبله بحيث لو كانت رجله مثلاً متنجسة لم يصح غسل رأسه أو لا يعتبر ذلك في صحّة الغسل ، فان قلنا باشتراط الطّهارة في جميع الأعضاء قبل الغسل فلا تصل النوبة إلى البحث الثاني ، وأما إذا لم نقل بهذا الاشتراط فيقع الكلام في أن الغسل يشترط فيه طهارة كل عضو قبل غسله وإن لم تعتبر طهارة المجموع قبل الغسل أو يكفي صبّ الماء مرّة واحدة لإزالة الخبث والحدث معاً ، وهذا هو البحث الثاني في المقام . وهذا بخلاف الوضوء فان البحث السابق لا يأتي فيه ، إذ لم يقل أحد باعتبار طهارة مجموع أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه ، بل يكفي تطهير كل عضو قبل غسله وإن كانت الأعضاء الباقية نجسة .

   أمّا المقام الأوّل فقد ذهب جماعة إلى اشتراط طهارة مجموع الأعضاء قبل الغسل في صحّته مستدلين عليه بالأخبار المتضمنة للأمر بغسل الفرج قبل صبّ الماء على الرأس والبدن (2) وبما دلّ على غسل ما في البدن من الأذى ـ أي النجاسة ـ قبل غسل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأظهر كفايته على تفصيل مرّ في باب الوضوء [ فصل شرائط الوضوء ـ الشرط الثاني ] .

(2) راجع الوسائل 2 : 229 / أبواب الجنابة ب 26 .

ــ[400]ــ

الرأس والبدن (1) بدعوى أنها ظاهرة في شرطية تطهير البدن قبل الغسل في صحّته .

   ولكن الصحيح عدم دلالتها على الاشتراط ، وذلك لأنا وإن قلنا إن ظاهر الأمر هو الوجوب النفسي وأن هذا الظهور الأوّلي انقلب إلى ظهور ثانوي في المركبات والمقيّدات ، حيث إن ظهور الأمر فيهما في الإرشاد إلى الشرطية أو الجزئية كما أن النهي فيهما ظاهر في الإرشاد إلى المانعية إلاّ أن هذا إنما هو فيما إذا كان المولى بصدد المولوية ، بأن يكون الأمر مولوياً ، فان الإرشاد إلى الشرطية والجزئية أو المانعية أيضاً من وظائف المولى . وأما إذا لم يكن المولى بهذا الصدد وإنما كان بصدد بيان أمر عادي طبيعي فلا ظهور لأمره في الإرشاد إلى أي شيء ، والأمر في المقام كذلك ، لأن الغالب نجاسة الفرج بالمني في موارد غسل الجنابة ، والمني ليس كالبول ليزول بصب الماء عليه لأنه ماء كما في الخبر(2) والمني لزج في نفسه وتحتاج إزالته إلى دلك أو صابون وإعمال عناية ، وهذا بحسب الطبع والمتعارف إنما يتحقق في الكنيف أو موضع آخر ثمّ يغتسل في موضع آخر لا أنه يزال في أثناء الغسل ، لأن غسله في أثناء الغسل صعب حيث إن الماء عند صبه على الرأس يصيبه لا محالة وهو نجس فيتنجس ما يلاقيه ، كما تتنجس الأرض حيث يقطر منه الماء على الأرض ويحتاج إلى تطهير ذلك كلّه ، والإمام (عليه السلام) بأمره بانقاء الفرج ناظر إلى بيان أمر طبيعي عادي ومعه لا ينعقد له ظهور في الإرشاد إلى الشرطية بوجه .

   ويدلّ على ما ذكرناه صحيحة حكم بن حكيم المتقدّمة (3) الآمرة بغسل الرجلين بعد غسل الرأس والبدن إذا كان الموضع قذراً ، لتنجسهما بوصول الماء إليهما ومعه لم يحكم ببطلان غسل رأسه وبدنه ، بل أمره بغسلهما بعد ذلك حتى يطهرا ويصح غسلهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 230 / أبواب الجنابة ب 26 ح 7 .

(2) الوسائل 1 : 343 / أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 3 .  3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 4 ، 7 .

(3) الوسائل 2 : 233 / أبواب الجنابة ب 27 ح 1 وورد صدرها في 230 / ب 26 ح 7 . وقد تقدّم ذكرها في ص 378 .

 
 

ــ[401]ــ

وهذا بخلاف ما إذا كان المحل نظيفاً ، إذ لا حاجة حينئذ إلى غسلهما ، لأن الماء بطبعه يصل إلى تحت القدمين عند صبه على الرأس والمنكبين ، وعليه فلا يشترط تطهير جميع أعضاء الغسل قبله .

   وأمّا المقام الثاني أعني اشتراط تطهير كل عضو قبل غسله فقد ذهب إليه المشهور . والمستند لهم في ذلك أحد أمرين :

   أحدهما : أن العضو لو كان متنجساً تنجس به الماء عند وصوله إليه ولا يصح الغسل مع الماء المتنجس ، إذ لا بدّ في إزالة الحدث من أن يكون الماء طاهراً ، بل وكذلك الحال في إزالة الخبث ، إذ الماء المتنجس بوصوله إلى العضو لا يكفي في تطهيره وإزالة الخبث ، فلا يحصل به إزالة الخبث ولا الحدث .

   نعم لا بدّ في إزالة الخبث من أن نعتبر طهارة الماء قبل أن يصل إلى المحل المتنجس فالنجاسة الحاصلة بنفس الغسل أي بوصول الماء إلى المحل غير مانعة عن حصول الطّهارة به ، وذلك للضرورة الملجئة إلى ذلك ، حيث إن الماء القليل لو اشترطنا طهارته حتى بعد وصوله إلى المحل مع القول بنجاسة الغسالة مطلقاً لزم عدم إمكان تطهير شيء من المتنجسات به ، وهو خلاف الأخبار والضرورة . وأما في إزالة الحدث فلا ضرورة ملجئة إلى تخصيص اشتراط الطّهارة بما قبل وصول الماء إلى العضو ، بل نلتزم فيه باشتراط الطّهارة في الماء مطلقاً قبل وصوله إليه وبعده ، وغاية ما يلزمه بطلان الغسل به قبل تطهير العضو المتنجس وهو مما لا محذور في الالتزام به ، ومن هنا نعتبر في صحّة الغسل بالماء القليل تطهير كل عضو قبل غسله .

   ولا يخفى أنه لا تترتب النتيجة على هذا الاستدلال إلاّ على نحو الموجبة الجزئية أي فيما إذا اغتسل بالماء القليل مع القول بنجاسة الغسالة مطلقاً ، وأما إذا اغتسل في الكر أو الجاري أو غيرهما من المياه المعتصمة فلا يتنجس الماء بوصوله إلى العضو المتنجس حتى يشترط في صحّة الغسل به طهارة العضو قبل غسله ، وكذا إذا اغتسل بالماء القليل مع القول بطهارة الغسالة مطلقاً كما التزم به بعضهم أو فيما إذا كانت متعقبة بطهارة المحل ، فان الماء لا يتنجس في هذه الصورة فلا يبطل به غسله .

ــ[402]ــ

   ثانيهما : أن غسل البدن يتعلق للأمر من جهتين : من جهة إزالة الخبث كما في موثقة عمار : «فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء»(1) وغيره من الأوامر الواردة في غسل البدن أو صبّ الماء عليه لتطهيره(2) ، ومن جهة إزالة الحدث كما في صحيحة زرارة الآمرة بغسل البدن من القرن إلى القدم(3) ، وحيث إنّ الأصل عدم التداخل فلا بدّ من أن نلتزم بتعدد غسل البدن فتارة من جهة الأمر بغسله لإزالة الخبث واُخرى من جهة الأمر بازالة الحدث ، لاستحالة تعلق أمرين أو أزيد على طبيعة واحدة فلا محالة يقيد متعلق كل منهما بما هو غير متعلق الآخر هذا .

   ولا يخفى أن الطبيعة الواحدة إذا تعلق بها أمران فصاعداً وإن كان مقتضى الأصل عدم التداخل فيه ، لأن كل شرط وسبب يستدعي مسبباً عليحدة ، ويستحيل أن يبعث نحو الشيء الواحد ببعثين ويطلب مرّتين ، كما إذا ورد إن أفطرت فكفّر وإن ظاهرت فكفّر ، فيقيد متعلق كل منهما بفرد دون الفرد الآخر الذي تعلق عليه الطلب الآخر . إلاّ أن ذلك فيما إذا كان الأمران مولويين تكليفيين كما في المثال ، وأما إذا كانا إرشاديين فلا مانع من تداخلهما ، وليس الأصل فيهما عدم التداخل .

   والأمر في المقام كذلك ، لأن الأمر بغسل البدن من جهة إزالة الأخباث إرشاد إلى نجاسة البدن باصابة الماء المتنجس أو غيره له كما أنه إرشاد إلى أن نجاسته لا ترتفع بغير الغسل ، وكذا الأمر بغسل البدن من جهة إزالة الحدث لأنه إرشاد إلى شرطية غسل تمام البدن في الغسل . وأي محذور في اجتماعهما على طبيعة واحدة ؟ بل لا مناص عنه أخذاً باطلاقهما ، فنلتزم أن الغسل مما يزال به نجاسة البدن كما أنه شرط في صحّة الغسل فلا موجب لتقييد كل منهما بفرد غير ما تعلّق به الآخر ، فانّ الموجب للقول بعدم التداخل إنما هو استحالة طلب الشيء مرّتين وعدم معقولية البعث نحو الشيء ببعثين الذي هو نظير محذور اجتماع المثلين في شيء واحد ، وهذا كما ترى مختص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

(2) الوسائل 1 : 343 / أبواب أحكام الخلوة ب 26 وغيره من الأبواب .

(3) الوسائل 2 : 230 / أبواب الجنابة ب 26 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net