الكلام في جريان قاعدة التجاوز في الغسل إذا شكّ في غسل الأيمن وهو في الأيسر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6650


ــ[35]ــ

   وقد دفعنا هذا أيضاً (1) بأنّ أدلّة القاعدة عامّة للصلاة وغيرها ، لقوله (عليه السلام) «كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (2) ، وإنّما طبّقه الإمام (عليه السلام) على الشكّ في السّجود بعد ما قام أو على الشك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، كما في رواية اُخرى (3)  . وعليه فلا قصور في أدلّة إعتبارها ، وإنّما لا نلتزم بجريانها في الوضوء للنص (4) ، وأمّا الغسل والتّيمم فلا محذور في جريانها فيهما .

    بقي هناك بحث صغروي :  وهو أ نّه إذا شكّ في غسل الأيمن وقد دخل في غسل الجانب الأيسر هل تجري فيه قاعدة التّجاوز ولا يعتني بشكّه ، أو لا بدّ من الإعتناء به ؟

   يبتني هذا على أنّ التّرتيب معتبر في غسل الجانبين أو غير معتبر ، فعلى الأوّل تجري القاعدة ، للتجاوز عن محل المشكوك فيه بالدخول في الجزء المترتب عليه ، وأمّا بناءً على عدم إعتبار التّرتيب بينهما كما هو الصّحيح فلا ، لعدم التّجاوز عن المحل . هذا كلّه إذا شكّ في غير الجزء الأخير وهو في أثناء العمل .

   وأمّا إذا شكّ في غير الجزء الأخير بعد الفراغ عن العمل فهو أيضاً مورد لقاعدة التّجاوز ، لأ نّها كانت تقتضي الحكم بإتيانه وصحّته عند الشكّ في الأثناء ، فما ظنّك بما إذا شكّ فيه بعد الفراغ .

   وأمّا إذا شكّ في الإتيـان بالجزء الأخير من الغسل ـ كالإتيـان بغسـل الجانب الأيسر بناءً على إعتبار التّرتيب بينه وبين غسل الجانب الأيمن ، أو الإتيان بغسل الجسد بناءً على عدم إعتبار التّرتيب بين الجانبين ، وهو مشتغل بالكتابة أو بأمر آخر مثلاً ـ فهل تجري قاعدة الفراغ ويحكم بصحّة العمل ، أو قاعدة التّجاوز ويحكم بإتيان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في مصباح الاُصول 3 : 280 .  وراجع المسألة [ 586 ] .

(2) الوسائل 6 : 317 / أبواب الرّكوع ب 13 ح 4 صحيحة إسماعيل بن جابر .

(3) الوسائل 8 : 237 /  أبواب الخلل الواقع في الصّلاة ب 23 ح 1 صحيحة زرارة .

(4) الوسائل 1 : 470 / أبواب الوضوء ب 42 ح 3 .

ــ[36]ــ

الجزء الأخير أو لا تجري القاعدة ؟

   قد يقال بجريان قاعدة الفراغ نظراً إلى أنّ المضي المعتبر في جريان القاعدة ليس هو المضي الحقيقي ، وإلاّ لم يعقل الشكّ في صحّة العمل وفساده ، للعلم بمضيّه وتحقّقه فالمراد بالمضي هو المضي البنائي والإعتقادي ، وهو متحقّق في المقام ، لأ نّه إعتقد وبنى على إتمام العمل ، ومن هنا إشتغل بشيء من الأفعال الاُخر وإن شكّ بعد ذلك في صحّة إعتقاده وعدمه ، فلا مانع من إجراء قاعدة الفراغ في المقام .

   ويدفعه : أنّ المعتبر في جريان القاعدة هو المضي الحقيقي على ما إشتملت عليه أخبارها ، وحمله على المضي بحسب البناء والخيال يحتاج إلى مؤونة زائدة ولا دليل عليه ، ودعوى أ نّه مع إعتبار المضي الحقيقي لا مجال للشكّ في صحّة العمل وفساده إنّما يتمّ إذا إعتبر في جريان القاعدة مضي العمل الصّحيح ، وأمّا إذا إعتبر مضي الجامع بين الصّحيح والفاسد لا تتوجّه عليه هذه المناقشة ، لأ نّه ممّا يمكن إحرازه مع الشكّ في صحّة العمل ، فكلّ ما أحرزنا مضي الجامع بين صحيح العمل وفاسده يحكم بصحّته ، وهذا كما إذا شككنا بعد الإتيان بالجزء الأخير في صحّة العمل وفساده من جهة الشك في أ نّه أتى بأحد أجزائه أو شرائطه غير الجزء الأخير ، أو من جهة الشكّ في الجزء الأخير أيضاً فيما إذا أخل بالموالاة ، لعلمه حينئذ بمضي العمل المحتمل صحّته وفساده فيحكم بصحّته ، وأمّا في المقام الّذي يشكّ فيه في الجزء الأخير من دون أن يعتبر فيه الموالاة ، لعدم إعتبارها في الغسل فلا يحرز مضي الجامع بين الصّحيح والفاسد ، إذ يحتمل أن يكون بعد في أثناء العمل ، لإحتمال أ نّه لم يأت بعد بالجزء الأخير ، ولم تعتبر فيه الموالاة حتّى يقطع بمضيه عند فوات الموالاة .

   فتحصل أنّ المورد ليس من موارد قاعدة الفراغ ، كما أ نّه ليس من موارد قاعدة التّجاوز ، كما إذا كانت عادته جارية على عدم الإشتغال بشيء من الأفعال الاُخر قبل إتمام غسله ، بأن اعتاد الموالاة في غسله ، فإنه إذا رأى نفسه مشتغلاً بشيء من الكتابة والمطالعة فلا محالة يعلم بتجاوز المحل العادي للجزء الأخير ، لأنّ محله إنّما هو قبل الشّروع في بقيّة الأفعال وقبل فوات الموالاة .

ــ[37]ــ

   والوجه في عدم جريانها ما تقدّم من أنّ التّجاوز عن المحل الإعتيادي لا اعتبار به (1) فإنّ المعتبر هو التّجاوز عن المحل المقرّر الشرعي ، وهو غير متحقّق في المقام فالمتحصل إلى هنا أنّ الشكّ في الجزء الأخير ليس بمورد لشيء من القاعدتين .

   نعم ، نلتزم بعدم الإعتبار بالشكّ في الجزء الأخير من غسله فيما إذا دخل في الصّلاة ، وهذا لا لعموم أدلّة قاعدة التّجاوز أو إطلاقاتها ، وذلك لما مرّ من عدم جريان القاعدة حينئذ ، ومن هنا لو شكّ في أصل طهارته وهو في أثناء الصّلاة قلنا بعدم جريان قاعدة التّجاوز في وضوئه وغسله ، لأنّ الطّهارة من الشّرائط المقارنة للصلاة وليس محلّها قبل الصّلاة ، بل الوجه فيما ذكرنا هو الصّحيحة الواردة في «رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة ، فقال : إذا شكّ وكانت به بلة وهو في صلاته مسح بها عليه ـ إلى أن قال ـ فإن دخله الشكّ وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شيء عليه» (2) .

   وعليه فلو شكّ في أ نّه غسل جانبه الأيسر أم لم يغسله وهو في الصّلاة لم يعتن بشكّه ، لهذه الصّحيحة ، إلاّ أ نّها لمّا كانت على خلاف القاعدة لم يكن مناص من الإلتزام بأمرين :

   أحدهما : تخصيص الحكم بموردها ، وهو ما إذا كان داخلاً في صلاته ، فلو دخل في غيرها من الأفعال لم يحكم بصحّة غسله، نعم ورد في رواية الكافي «وقد دخل في حال اُخرى»(3) ، بدلاً عن قوله «وقد دخل في صلاته» إلاّ أنّ الترجيح مع رواية الشيخ المشتملة على قوله «وقد دخل في صلاته» وإن كان الكليني أضبط ، وذلك لأنّ ذيلها قرينة على أنّ المذكور هو الدّخول في صلاته، حيث قال «فليمض في صلاته» إذ لو كان الوارد هو قوله «وقد دخل في حال اُخرى» لم يكن معنى لقوله «فليمض في صلاته» ، بل كان الصّحيح أن يقول فليدخل في صلاة أو غيرها ممّا يشترط فيه الطّهارة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم في ص 33 .

(2) الوسائل 2 : 260 /  أبواب الجنابة ب 41 ح 2 .

(3) الكافي 3 : 33 / 2  باب الشكّ في الوضوء .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net