الكلام في وجوب الاستبراء - التحقيق في جريان الاستصحاب في المقام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6369


ــ[230]ــ

   [ 723 ] مسألة 23 : إذا انقطع الدم قبل العشرة فإن علمت بالنّقاء وعدم وجود الدم في الباطن اغتسلت وصلّت ولا حاجة إلى الاستبراء(1)، وإن احتملت بقاءه في الباطن وجب(2) عليها  الاستبراء((1)) واستعلام الحال بإدخال قطنة وإخراجها بعد الصبر هُنَيئة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   هل يجب الإستبراء للعلم بالنّقاء

   (1) لأ نّه إنّما جعل لتحصيل العلم بالنّقاء ، ومع وجوده لا حاجة إلى الإستبراء .

   (2) من غير خلاف كما عن بعضهم ، والوجه فيه ما أشرنا إليه في أوائل بحث الحيض من أنّ الحيض بحسب الحدوث يعتبر فيه الرؤية والخروج ، فلو علمت المرأة بخروج الدم من رحمها ولكنّه لم يخرج إلى الخارج فهي ليست بحائض ، بل لها أن تمنع عن خروجه بجعل خرقة أو قطنة مانعة عن خروجه ، وأمّا بحسب البقاء فلا يشترط فيه الخروج والرؤية، بل وجوده في المحل والمجرى كاف في تحقّقه، فلا تجب عليها الصّلاة ولا تحل لها بقيّة المحرمات إلاّ بنقائها ظاهراً وباطناً ، وتفصيل الكلام في المقام يقع من جهتين :

   الجهة الاُولى :  في وجوب الاستبراء وعدمه .

   الجهة الثّانية :  في كيفيّة الاستبراء .

    أمّا الجهة الاُولى فالمحتملات فيها أربعة :

   الأوّل : عدم وجوب الاستبراء بوجه كما عن شـيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) لولا تسالم الأصحاب عليه، وذلك نظراً إلى أن صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم ترَ شيئاً فلتغتسل»(3) إنّما دلّت على وجوبه عند إرادة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بمعنى عدم جواز تركها الصّلاة بدونه وعدم جواز ترتيب الآثار على الغسل بدونه .

(2) كتاب الطّهارة : 226  السطر 29 / المقصد الثّاني في الحيض .

(3) الوسائل 2 : 308 / أبواب الحيض ب 17 ح 1 .

ــ[231]ــ

الاغتسال ، ولا دلالة لها على وجوب الإستبراء لا نفساً ولا شرطاً .

   ويدفعه : أنّ الصحيحة وإن لم يمكن إستفادة الوجوب النفسي منها كما اُفيد ، إلاّ أنّ دعوى دلالتها على وجوبه الشرطي بمكان من الإمكان ، حيث علّقت وجوب الإستبراء على إرادة الإغتسال ، فيمكن أن يدعى أنّ ظاهره كون الإستبراء شرطاً أو قيداً في الإغتسال ، فإنّ التعبير عن الوجوب الشرطي بذلك أمر متعارف ، كما في قوله تعالى : ( ... إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... )(1) حيث دلّ على أنّ الوضوء والغسل والتيمم واجب شرطي ، وأ نّهما قيدان في الصّلاة ، فليكن الحال في المقام أيضاً كذلك ، ولا يمكن حينئذ دعوى عدم دلالة الصحيحة على أنّ الإستبراء واجب شرطي ، بل لا بدّ في منع ذلك من جواب آخر هذا .

   على أنّ القائل بالوجوب النفسي في الإستبراء صريحاً غير معلوم ، فمراد القائل بالوجوب إنّما هو الوجوب الشرطي ، وقد عرفت أنّ الصحيحة يمكن دعوى دلالتها على ذلك .

   ويوضح ما ذكرناه ضمّ الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ الحائض إذا نقت وطهرت اغتسلت(2) إلى الصحيحة ، لأ نّها بضميمتها إلى تلك الأخبار تدلّ على أنّ الحائض ليس لها أن تترك الغسل بإستصحاب عدم النّقاء ، بل لا بدّ لها من الإغتسال ، وهي مأمورة بالإستبراء عند إرادة الغسل ، فكأنها بضميمة تلك الأخبار تدلّ على أنّ الحائض إذا طهرت أي نقت ظاهراً ـ  لأنّ المراد بالطهر فيها مقابل الرؤية لا الطّهر باطناً  ـ وجب الإستبراء والإغتسال ، فدعوى عدم وجوب الإستبراء رأساً ساقطة على أ نّها مخالفة لما تسالم عليه الأصحاب .

   الثّاني : وجوب الاسـتبراء نفساً ، وهذا الإحتمال أيضاً لا مثبت له من الأخبار لصراحة الصحيحة المتقدّمة في أنّ الاستبراء إنّما يجب إذا أرادت الإغتسال ، وأمّا أ نّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) الوسائل 2 / أبواب الحيض ب 1 ، 3 ، 4 ، 5 وغيرها .

ــ[232]ــ

واجب في نفسه فلا . وأصرح من ذلك موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قلت له : المرأة ترى الطّهر وترى الصفرة أو الشيء فلا تدري أطهرت أم لا ؟ قال : فإذا كان كذلك فلتقم فلتصق»(1) حيث صرحت بأن الإستبراء إنّما هو لمعرفة الحال وإستخبار أ نّها طاهرة أو حائض ، لا أ نّه واجب نفسي .

   وهاتان الرّوايتان هما العمدة في المقام ، ولا يعتمد على غيرهما من الرّوايات ، فهذا الإحتمال ساقط أيضاً .

   الثّالث : أنّ الإستبراء واجب شرطي فلو إغتسلت من دون إستبراء بطل غسلها لأنّ ذلك ظاهر الصحيحة المتقدِّمة نظير قوله تعالى : ( ... إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوْا وُجُوهَكُمْ ... )(2) .

   وهذه الدّعوى لا يمكن المساعدة عليها ، لأنّ الصحيحة وإن أمكن دعوى ظهورها في ذلك إلاّ أنّ الموثقة المتقدّمة كالصريحة في أنّ الإستبراء إنّما اُمر به لأ نّه الطريق إلى معرفة الحال واستخبار أ نّها حائض أو طاهرة ، حيث دلّت على أنّ الحائض عند إنقطاع دمها ظاهراً ليس لها أن تعتمد على إستصحاب عدم النّقاء باطناً مع أ نّه الغالب عند إنقطاع الدم ظاهراً ، لأنّ الحيض بحسب البقاء لا يعتبر فيه الرؤية والخروج ، بل إنّ وجود الدم في الباطن أيضاً يكفي في الحكم بالحيضيّة ، ومع الشكّ في أ نّه إنقطع أم لم ينقطع فالأصل عدم النّقاء والإنقطاع ، ومع كون هذا هو الأمر الغالب لم يرجعها الإمام (عليه السلام) إليه بل أرجعها إلى استدخال القطنة في كلّ من الصحيحة والموثقة .

   فعلمنا من ذلك أنّ الإستصحاب لا يجري في المقام ، ومع سقوطه لا طريق إلى معرفة الحال غير الإستبراء ، فهو إنّما اُمر به لأجل فائدة الإستخبار وتحصيل العلم بالحال ، لا أ نّه قيد في الإغتسال ، ولا يمكن قياسه بالوضوء ، لأنّ في المقام قد اُشير إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 309 / أبواب الحيض ب 17 ح 4 .

(2) المائدة 5 : 6 .

ــ[233]ــ

فائدة الإستبراء وأ نّه لمعرفة الحال لا أ نّه قيد معتبر في الغسل .

   الرّابع : أنّ الإستبراء واجب عقلاً ، والأمر في الرّوايات للإرشاد إليه ، وهذا هو الصّحيح .

   وتقريبه : أنّ الإستصحاب ساقط في حقّها كما عرفت ، ومع سقوطه تعلم المرأة بأ نّها إمّا حائض وإمّا طاهرة ، ولكلّ منهما أحكام إلزاميّة ، وليس لها أن تغتسل وتصلِّي لإحتمال كونها حائضاً ، ولا أن تتركهما لإحتمال كونها طاهرة ، فلها علم إجمالي بتوجّه أحكام إلزاميّة في حقّها ، ولقد تنجزت عليها بالعلم الإجمالي ، ولا مناص من أن تخرج عن عهدتها .

   ولا تتمكّن من الامتثال بالاحتياط بالجمع بين أحكام الحائض والطاهرة ، لدوران أمرها بين المحذورين ، فإنّ زوجها إذا طلب منها التمكين للجماع يجب عليها ذلك إن كانت طاهرة كما أ نّه يحرم عليها إذا كانت حائضاً ، وكذلك الأمر في الصّلاة بناءً على أنّ حرمة العبادة على الحائض ذاتية فإنّ الصّلاة حينئذ إمّا واجبة في حقّها لو كانت طاهرة وإمّا محرمة لو كانت حائضاً . فلا تتمكن المرأة من الخروج عن عهدة تلك التكاليف المنجزة بالإحتياط ، ولا يرخّص العقل في إهمالها ، لتمكنها من الإمتثال بتحصيل المعرفة بالحال .

   فالإستبراء والإستخبار واجبان عليها بالعقل وإن كانت الشبهة موضوعيّة ولا يجب فيها الفحص ، وذلك لتنجز الحكم في حقّها وتمكنها من الإمتثال بالفحص والإختبار ، ومعه لا إشكال في لزوم الخروج عن عهدة ما توجهت عليها من أحكام إلزامية ، والأخبار الآمرة بالإستبراء إنّما وردت إرشاداً إلى ذلك الحكم العقلي ، ونتيجة ذلك أ نّها إذا إغتسلت ولم تستبرئ وكان قد إنقطع دمها واقعاً صحّ غسلها وصلاتها لعدم إشتراط الغسل في حقّها بشيء .

   نعم بناءً على أنّ حرمة العبادة على الحائض تشريعيّة لا ذاتيّة تتمكّن المرأة من الخروج عن عهدة ما توجه عليها من الحكم الإلزامي بالصلاة مثلاً بالإحتياط ، بأن تغتسل وتصلِّي رجاءً ، لعدم حرمتها في ذاتها ، ولا مانع من التقرّب بما ليس بمبغوض على نحو الرّجاء ، وهذا بخلاف مثل التمكين لدوران أمره بين المحذورين .

ــ[234]ــ

    فذلكة الكلام

   إنّ الحائض إذا انقطع دمها ظاهراً واحتملت عدم نقائها باطناً وإن لم يخرج الدم إلى الخارج لضعفه يتردّد أمرها بين كونها حائضاً أو طاهرة ، ولكلّ من الحالتين أحكام إلزاميّة ، وهي متنجزة في حقّها لعلمها الإجمالي ، فلا مناص من أن تخرج عن عهدتها ، وطريق ذلك أحد أمرين : إمّا الإحتياط بالجمع بين أحكام الحائض والطاهرة ، وإمّا الفحص والإختبار بالإستبراء ، وهذا في مثل الصّلاة وغيرها من العبادات بناءً على أ نّها محرمة على الحائض حرمة تشريعيّة لا ذاتيّة .

   وأمّا في مثل ذات البعل إذا طلب زوجها الوقاع فلا يتيسر فيه الإحتياط ، لدوران الأمر في التمكين بين المحذورين ، لأ نّه واجب عليها إن كانت طاهرة وهو محرم عليها إن كانت حائضاً . وكذلك الحال في العبادات بناءً على أنّ حرمتها على الحائض ذاتيّة ومعه يتعيّن عليها الفحص والإختبار وإن كانت الشبهة موضوعيّة ولا يجب فيها الفحص كما حررناه في محله ، إلاّ أ نّه في المقام لمّا كانت الأحكام متنجزة في حقّها وهي متمكنة من إمتثالها بالفحص والإختبار فقد وجب عليها الفحص عقلاً ، لإنحصار طريق إمتثال الأحكام المنجزة بالفحص ، ومعه تكون الأوامر الواردة في الرّوايات إرشاديّة لا محالة . وإن شئت فقل : إنّ الإستبراء واجب شرطي ظاهراً ، لأنّ مفادهما واحد .

   لكن ذلك كلّه مبنيّ على عدم جريان استصحاب عدم النّقاء في المقام ، وإلاّ لو جرى الإستصحاب في حقّها ـ لما بيّناه في محلّه(1) من أنّ الاستصحاب كما يجري في الاُمور القارّة كذلك يجري في الاُمور التدريجيّة الّتي لها وحدة عرفية ، والأمر في المقام أيضاً كذلك ، فإنّ خروج الدم وسيلانه تدريجي ، وقد علمنا بخروج مقدار منه ونشك في خروج مقدار آخر منه إلاّ أ نّه لكونه أمراً واحداً بالنظر العرفي لا مانع من استصحابه ـ لانحلّ به العلم الإجمالي ويتعيّن كونها حائضاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في مصباح الاُصول 3 : 126 .

ــ[235]ــ

    سقوط الاستصحاب عند الشكّ في النَّقاء

   فالعمدة في المقام تحقيق أنّ الاستصحاب جار أو أ نّه ساقط في محلّ الكلام .

   والظاهر أنّ الاستصحاب ملغى في المقام ، وذلك لموثقة سماعة المتقدِّمة حيث أرجع الإمام (عليه السلام) فيها إلى الإستبراء عند إستكشاف أنّ المرأة حائض أو طاهرة ولم يرجعها إلى الإستصحاب مع أ نّه مورد الإستصحاب لليقين بخروج الدم وجريانه والشك في بقائه ، فمن هذا يستكشف أنّ الإستصحاب ساقط في حقّه ، ومع عدم جريانه يدور أمر المرأة بين الإحتياط والإختبار كما عرفت .

   ثمّ إنّ المنع عن جريان الإستصحاب بالموثقة لا يكشف عن أنّ الإستبراء شرط في صحّة الغسل بحيث لو إغتسلت من دون إستبراء بطل غسلها ، وذلك لدلالة الموثقة على أنّ الغرض من الأمر به إنّما هو معرفة الحال وأ نّها حائض أو طاهرة ، ولا دلالة لها على أنّ الإستبراء شرط في صحّة الغسل نظير شرطية الوضوء للصلاة .

   وكذلك الحال في الصحيحة ، فإنّها إنّما تدل على أنّ المرأة بعد انقطاع دمها ظاهراً ليس لها أن ترتب أحكام الطاهرة على نفسها وتغتسل إلاّ أن تستبرئ ، وأمّا أنّ الإستبراء شرط في صحّة غسلها فلا يمكن إستفادته من الصحيحة ، بل الإستبراء واجب عقلاً ، أو إن شئت قلت : إنّه واجب شرطي ظاهراً ، فإذا إغتسلت وتركت الإستبراء وكانت نقيّة واقعاً صحّ غسلها لا محالة . هذا كلّه فيما إذا كانت متمكنة من الإستبراء .

   وأمّا إذا فرضنا عدم قدرتها عليه إمّا لشلل في يدها أو لعدم تمكنها من قطنة وما يشبهها من الأجسام ، فهل يجري الإستصحاب في حقّها أو لا بدّ من أن تحتاط ؟

   ظهر ممّا بيّناه آنفاً عدم جريان الإستصحاب في المقام لدلالة الموثقة على أنّ المرجع هو الإختبار دون الإستصحاب ، ولا وجه لتقييد الموثقة بحالة تمكن المرأة وقدرتها على الإستبراء ، لأ نّه ليس من الواجبات التكليفيّة ليتقيّد بصورة القدرة عليه ، وإنّما هو واجب عقلي وشرط ظاهري ، ولا يفرق في مثله بين صورتي التمكّن وغيرها كما سبق غير مرّة ، فإذا لم يجر الإستصحاب في حقّها ولم تتمكن من الإستبراء

ــ[236]ــ

ينحصر الطريق إلى امتثال الأحكام المنجزة في حقّها بالإحتياط فتجمع بين أحكام الطاهرة والحائض ، كما في العبادات بناءً على أ نّها محرمة على الحائض تشريعاً ، وأمّا بناءً على حرمتها ذاتاً في حقّها أو ذات البعل الّتي طلب زوجها منها الوقاع فلا محالة تتخيّر المرأة بين الوظيفتين ، لدوران أمرها بين المحذورين . هذا تمام الكلام في الجهة الاُولى .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net