الجمع الصحيح بين الطائفتين 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6143


    ما هو الجمع الصحيح بين الطائفتين

   وبهذا يتّضح الوجه للجمع الصحيح بين الطائفتين ، حيث إنّ النّسبة بين أخبار وجوب الإستظهار وتلك الأخبار الدالّة على وجوب الصّلاة والإغتسال للمستحاضة عموم مطلق ، لأنّ أخبار الاستظهار أعمّ من أن تكون المرأة مستحاضة من الابتداء

ــ[252]ــ

أو تكون كذلك بعد دورها الأوّل أي بعد أيّام عادتها ، وتلك الرّوايات مختصّة بالمستحاضة من الابتداء ، فمقتضى قانون الإطلاق والتقييد حمل روايات الاستظهار على المرأة المستحاضة بعد أيّام عادتها أو قبلها بيوم أو يومين ، لأنّ الدم قد يتعجّل ويحكم في المستحاضة بعد العادة بوجوب الاستظهار يوماً واحداً ، وبالتخيير في بقيّة الأيّام حتّى يتبيّن الحال ، ويحكم في المستحاضة من الابتداء بعدم وجوب الاستظهار . وهذا الوجه أليق من الوجوه المتقدّمة ، وبه يجمع بين الطائفتين كما عرفت .

   وقد يتراءى أنّ الأخبار المقتصرة على أيّام العادة في المستحاضة من الابتداء معارضة برواية الجُعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ، فإذا هي رأت طهراً (الطّهر) إغتسلت» (1) .

   ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين» (2) .

   ورواية فضيل وزرارة عن أحدهما (عليه السلام) «قال : المستحاضة تكفّ عن الصّلاة أيّام أقرائها وتحتاط بيوم أو إثنين» (3) .

   حيث إنّها دلّت على أنّ المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين .

   إلاّ أنّ دلالتها مورد المناقشة ، وذلك لعدم ظهورها في أنّ المراد بالمستحاضة هي المستحاضة من الابتداء وقبل العادة ، بأن رأت الدم واستمرّ بها في غير أيّام عادتها إلى أن دخلت في أيّام عادتها وتجاوزها الدم أيضاً ، ولا قرينة على إرادتها منها ، وإنّما هي مطلقة وليكن المراد منها المستحاضة بعد عادتها ، أعني المرأة الّتي رأت الدم في عادتها وتجاوز عنها ، وقد ذكرنا أنّ الإستظهار متعيّن حينئذ .

   وعلى الجملة إنّهما إنّما يعارضان الأخبار المتقدّمة على تقدير ظهورها في إرادة المستحاضة من الابتداء ، وقد عرفت عدم ظهورها في ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 375 / أبواب الإستحاضة ب 1 ح 10 .

(2) الوسائل 2 : 304 / أبواب الحيض ب 13 ح 14 .

(3) الوسائل 2 : 376 / أبواب الإستحاضة ب 1 ح 12 .

ــ[253]ــ

   ومع كونها مطلقة يكون حالها حال بقيّة الأخبار المتقدِّمة، حيث جمعنا بين ظهورها و [ بين ] نصّ المرسلة وصحيحتي معاوية وعبدالله بن سِنان وموثقة سَماعة في عدم وجوب الإستظهار على المستحاضة قبل العادة بحملها على المستحاضة بعد العادة، هذا.

   ولكن الإنصاف أنّ روايتي الجُعفي وزرارة الثّانية لا وجه للمناقشة في دلالتهما حيث إنّ المستحاضة فيهما ظاهرة في المستحاضة قبل العادة ، وقد دلّتا على وجوب الإستظهار عليها بيوم أو يومين ، وذلك لقرينة حكمه (عليه السلام) بأ نّها تقعد أيّام قرئها ، حيث فرضها مستحاضة أوّلاً ثمّ حكم عليها بالقعود في أيّام قرئها الآتية بعد إستحاضتها ، فهما معارضتان مع الأخبار المتقدّمة إلاّ أنّ سنديهما ضعيف .

   أمّا رواية الجعفي فليست المناقشة في سندها مستندة إلى أبان بدعوى أ نّه من الواقفة ، فإنّه وإن كان من الواقفة(1) ولم يرد توثيق صريح في حقّه إلاّ أ نّه من أصحاب الإجماع فاتّفقوا على تصحيح ما يصح عنه ، وقد ذكرنا في محله أنّ غاية ما يستفاد من هذا الإجماع أ نّه ممّن تعتبر روايته ، على أ نّا استفدنا وثاقته من الشيخ في عدّته (2) حيث وثّق جملة من مشايخ الواقفة وغيرها من الفرق غير الاثني عشريّة ، فلا تتوقّف في الرّواية من جهة أبان وإن توقّف فيها بعضهم كالعلاّمة (3) (قدس سره) .

   بل من جهة القاسم الّذي يروي عن أبان ، لأنّ من يروي عنه بهذا الاسم راويان : أحدهما القاسم بن محمّد الجوهري ، وثانيهما القاسم بن عروة ، ولم تثبت وثاقتهما (4) .

   نعم ، ذكروا أنّ القاسم بن عروة ممدوح إلاّ أ نّه لم تثبت وثاقته ، وغاية ما يمكن استفادته أ نّه إمامي ، لأنّ الشيخ(5) والنجاشي(6) لم يغمزا في مذهبه .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم منه في ص 245  أ نّه ناووسي ، فراجع .

(2) عدّة الاُصول : 56  السطر 12 / في العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر .

(3) رجال العلاّمة الحلّي : 21 / الباب الثّامن ترجمة أبان بن عثمان الأحمر .

(4) نعم القاسم بن محمّد الجوهري لم يوثق في الرّجال غير أ نّه ممّن وقع في أسناد كامل الزّيارات ، فبناءً على مبنى سيِّدنا الاُستاذ لا بدّ من الحكم بوثاقته .

(5) الفهرست : 126 / الرقم [ 577 ] ترجمة قاسم بن عروة .

(6) رجال النجاشي : 314 / الرقم [ 860 ] ترجمة قاسم بن عروة .

ــ[254]ــ

   ولكن الأردبيلي في جامع الرّواة(1) أضاف إليهما القاسم بن عامر ، وذكر أ نّه روى عن أبان في زكاة الحنطة من التّهذيب (2) ، ونحن قد راجعنا المورد من التّهذيب وهو كما نقله فيما هو المطبوع من الكتاب .

   ولكن الظاهر أنّ الأردبيلي إشتبه عليه الأمر من جهة غلط النسخة ، بل الصحيح أنّ الرّاوي عن أبان في زكاة الحنطة من التهذيب عبّاس بن عامر ، لأنّ صاحبي الوافي والوسائل(3) قد نقلاها بعينها عن عبّاس بن عامر عن أبان ، هذا كلّه .

   على أ نّا لو سلّمنا أ نّه القاسم بن عامر كما ذكره الأردبيلي (قدس سره) فهو أيضاً كسابقيه في عدم جواز الإعتماد على روايته ، لإهماله في الرّجال حتّى أنّ الأردبيلي بنفسه لم يتعرّض له في كتابه ، فالمتحصل أنّ الرّواية ضعيفة كما ذكرناه .

   وأمّا المناقشة في سند الرّواية الثّانية لزرارة فهي مستندة إلى ما تقدّم من أنّ طريق الشيخ إلى ابن فضال غير صحيح (4) ، ثمّ إنّ في سندها محمّد بن عبدالله بن زرارة ووثاقته وإن كانت محل الكلام ، لكن الظّاهر وثاقته لتوثيق ابن داود إيّاه(5) .

   وليعلم أنّ ابن داود هذا قميّ متقدّم على النجاشي ، لأ نّه ذكره في رجاله وأثنى عليه(6) ، فلا مناص من الإعتماد على توثيقه ، وليس هو ابن داود الرّجالي المعروف حتّى يستشكل في توثيقه بأ نّه اجتهاد منه (قدس سره) لتأخّر عصره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الرّواة 1 : 14 / ترجمة أبان بن عثمان .

(2) التهذيب 4 : 19 / الرّقم 49 .

(3) الوافي 10 : 80 / الرقم 9198 ، الوسائل 9 : 178 / الرقم 11780 .

(4) وقد تقدّم غير مرّة أنّ المناقشة في طريق الشيخ إلى الرّجل ممّا عدل عنه سيِّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) أخيراً فبنى على اعتباره فلا تغفل . راجع الصفحة 70 .

(5) راجع تنقيح المقال 3 : 143  السطر 28 / ترجمة محمّد بن عبدالله بن زرارة ، جامع الرّواة 1 : 214  / ترجمة الحسن بن علي بن فضّال . معجم الرجال 17 : 253 .

(6) رجال النجاشي : 384 الرقم [ 1045 ] ترجمة محمّد بن أحمد بن داود .

ــ[255]ــ

   وأمّا رواية زرارة الاُولى فهي مطلقة كما ذكرنا ولا قرينة فيها على أنّ المستحاضة من الابتداء ، فلا بدّ من حملها على المستحاضة بعد العادة ، لصراحة ونصوصيّة الأخبار المقتصرة على العادة في عدم وجوب الإستظهار على المستحاضة من الابتداء.

   على أنّ سندها ضعيف (1) لأ نّه ـ مضافاً إلى أنّ طريق الشيخ إلى ابن فضّال لم يثبت اعتباره ـ في سندها جعفر بن محمّد بن حكيم ، ولم تثبت وثاقته بل ذمّه بعضهم إلاّ أ نّه غير ثابت لجهالة الذامّ ، فإنّ الكشي نقل عن حمدويه أ نّه كان عند الحسن بن موسى يكتب عنه أحاديث جعفر بن محمّد بن حكيم إذ لقيه رجل من أهل الكـوفة ـ  سمّـاه الكشي(2) ـ وفي يده كتاب فيه أحاديث الرّجل ، فقال له الكوفي : هذا كتاب من ؟ قال له : كتاب الحسن بن موسى ، عن جعفر بن محمّد بن حكيم ، فقال له الكوفي : أمّا الحسن فقل له ما شئت ، وأمّا جعفر بن محمّد بن حكيم فليس بشيء ، وجهالة الكوفي الذام يمنعنا عن الحكم بذمّه (3) .

   فما ذكرناه من الوجه ممّا لا إشكال فيه وإن كان الإحتياط بعد العادة وقبل العشرة بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ولا سيما فيما إذا كانت مستحاضة من الابتداء ممّا لا بأس به ، لأ نّه يولد العلم بالخروج عن عهدة الوظيفة الواقعيّة على كلّ تقدير .

   وعليه يجب على المستحاضة بعد عادتها ـ أعني من رأت الدم في أيّام عادتها وتجاوز عن عشرة أيّام ـ أن تستظهر بيوم واحد وجوباً ، ويومين أو ثلاثة أو عشرة مخيراً ، بمعنى أ نّها مخيّرة في غير اليوم الواحد بين أن تستظهر فتترك الصّلاة وغيرها من العبادات وبين أن تغتسل وتصلِّي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أمّا طريق الشيخ إلى ابن فضّال فقد عرفت الكلام فيه في الصفحة 70 ، وأمّا جعفر بن محمّد بن حكيم فهو وإن لم يوثق في الرّجال غير أ نّه ممّن وقع في أسانيد كامل الزّيارات ، وقد بنى سيِّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) على وثاقة كلّ من وقع فيها ولم يضعّف بتضعيف معتبر .

(2) بل لم يسمّه الكشي ونسي ذكر اسمه .

(3) رجال الكشي 545 /  الرّقم 1031 في جعفر بن محمّد بن حكيم .

ــ[256]ــ

   والوجه في ذلك أن الأخبار الواردة (1) في أ نّها تستظهر بيوم أو يومين أو بثلاثة وما ورد في أ نّها تستظهر بعشرة أيّام وإن كانت متعارضة لدى العرف ، حيث وردت محدّدة للحيض لأ نّه الموضوع لترك الصّلاة وغيرها من أعمـال المرأة الحائض والحيض أمر واقعي قد دلّت بعض الرّوايات على تحديده بيوم وبعضها الآخر بيومين وهكذا ، فهي من الأخبار المتعارضة لدى العرف بلحاظ تحديدها .

   وليست تلك الرّوايات نظير ما إذا ورد الأمر بإتيان شيء مرّة واحدة وورد أمر آخر بإتيانه مرّتين وثالث بإتيانه ثلاث مرّات حتّى يؤخذ بالقدر المتيقن وهو المرّة الواحدة ويحكم بوجوبها ويحمل الباقي على الإستحباب ، بل الرّوايات متعارضة .

   إلاّ أ نّه لا مناص في المقام من الحكم بالتخيير بين الإستظهار وعدمه في اليومين والثّلاثة والعشرة ، وذلك لدلالة الأخبار على ذلك في نفسها ، حيث ورد في رواية واحدة كما في موثقة سعيد بن يسار(2) أ نّها تستظهر بيومين أو ثلاثة ، وهي نص في التخيير بينهما .

   نعم لم يذكر فيها الإستظهار بعشرة أيّام ، إلاّ أنّ تلك الرّواية تدلّنا على أنّ الأخبار الواردة في المقام ليست ناظرة إلى التحديد ليكون بعضها معارضاً لبعض ، وإنّما هي واردة لبيان أنّ المرأة مخيّرة في الإستظهار بيومين أو ثلاثة أو عشرة فلا يبقى بينهما تعارض .

   نعم ، يقع الكلام حينئذ في أ نّه ما معنى كونها مخيّرة بين الإستظهار وتركه ، لأ نّه يرجع إلى أ نّها مخيّرة بين أن تصلّي وأن لا تصلّي ، وكيف يمكن الحكم بالتخيير في الواجب كالصلاة ، إذ لا معنى لوجوبها مع كونها متمكنة من تركها .

   ويندفع بأنّ التخيير في تلك الرّوايات إنّما يرجع إلى أنّ التحيّض اخـتياره بيد المرأة ، فلها أن تجعل نفسها حائضاً في تلك الأيّام كما أنّ لها أن تجعل نفسها مستحاضة ، وهما الموضوعان لمثل وجوب الصّلاة أو وجوب تركها ، ومع إختيار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 300 / أبواب الحيض ب 13 ، 382 / أبواب النّفاس ب 3 .

(2) الوسائل 2 : 302 / أبواب الحيض ب 13 ح 8 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net