حكم الرجوع إلى الأقران - منافاة ما تختاره المرأة من العدد مع حق الزوج 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6300


ــ[320]ــ

[ 740 ] مسألة 13 : ذكر بعض العلماء الرّجوع إلى الأقران مع فقد الأقارب ثمّ الرّجوع إلى التخيير بين الأعداد ، ولا دليل عليه ، فترجع إلى التخيير((1)) بعد فقد الأقارب (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   على أنّ ذيل المرسلة أصرح شاهد على ما ادّعيناه ، حيث إنّها بعدما قسمت السنن إلى ثلاث إلى آخر الرّواية قال «فإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنّتها السبع» (2) الحديث ، فإنّ مقتضى ذلك أنّ كلّ واحد من الدمين إذا كان مساوياً مع الآخر في وصف أو وصفين ولكن كان في أحدهما صفة زائدة لم تكن تلك الصفة في الآخر ليس لها أن ترجع إلى العدد ، لعدم كون الدم على حالة واحدة أو لون واحد .

   إذن فالمعرف هو الطبيعي على نحو صرف الوجود لا مجموع الأوصاف المتقدّمة .

   وعليه فالدم الواجد لوصف واحد متقدّم على الدم العـاري عن كلّ وصف لإشتماله على معرف الحيض كما مرّ ، كما أنّ الدم الواجد لوصفين منها مع الدم الواجد لوصف واحد متعارضان ، لإشتمال كلّ منهما على معرف الحيض وهو طبيعي الصفات المتحقّق في كليهما ، وقد عرفت أنّ الأمارة الواحدة تعارض الأمارتين .

   وكذلك الحال فيما إذا كان في أحدهما وصف وفي الآخر وصف آخر ، فلا يمكن أن يقال إنّ المرأة حينئذ متمكّنة من التمييز ، وحيث إنّ السّـنن منحصرة في ثلاث فلا مناص من أن يحكم على المرأة حينئذ بالرجوع إلى العدد ، لعدم تمكّنها من التمييز بالصفات .

    الرجوع إلى الأقران

   (1) قدّمنا أنّ الرّجوع إلى الأقارب ورد في روايتين :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ حكم ذلك [ في المسألة 728 ] .

(2) الوسائل 2 : 288 / أبواب الحيض ب 8 ح 3 .

 
 

ــ[321]ــ

   إحداهما : رواية زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثمّ تستظهر على ذلك بيوم»(1) وقد ادّعي أنّ الرّواية هكذا «فتقتدي بأقرانها» بدلاً عن «أقرائها» ، وبها استدلّ على أنّ المستحاضة إذا لم تتمكّن من الرّجوع إلى أقاربها ترجع إلى أقرانها .

   ويرد عليه أوّلاً : أ نّها ضعيفة السند ، لعدم وثاقة طريق الشيخ إلى ابن فضال كما تقدّم (2) .

   وثانياً : أنّ نسخة «أقرانها» لم تثبت صحّتها ، بل الصحيح هو «أقرائها» كما في الوسائل .

   وثالثاً : أنّ النسخة لو كانت هي أقرانها فهي إنّما تدلّ على الرّجوع إلى أقران نسائها لا إلى مطلق الأقران كما ادّعي .

   ورابعاً : مع الغض عن جميع ذلك أ نّها لو دلّت فإنّما تدلّ على الرّجوع إلى الأقران في عرض الأقارب ، فمن أين يستفاد منها الترتيب وأنّ الرّجوع إلى الأقران إنّما هو بعد عدم التمكّن من الرّجوع إلى الأقارب ، فلا دلالة للرواية على المدعى .

   وثانيتهما : موثقة سماعة قال «سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها ، فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها ، فقال : أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام وأقلّه ثلاثة أيّام»(3) وادّعي أنّ قوله «أقراء نسائها» عام يشمل الأقران كما يشمل الأقارب .

   ويرد عليه : أنّ هذه الدعوى لو تمّت فإنّما تثبت دلالة الموثقة على الرجوع إلى الأقران في عرض الأقارب ، وأمّا أنّ الرّجوع إلى الأقارب متقدّم على الأقران كما هو المدعى فلا يستفاد منها بوجه .

   على أنّ الموثقة مشتملة على قرينة ظاهرة في أنّ المراد من نسائها هي الأقارب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 288 / أبواب الحيض ب 8 ح 1 .

(2) تقدّم صحّة طريق الشيخ إلى ابن فضال في الصفحة 70 .

(3) الوسائل 2 : 288 / أبواب الحيض ب 8 ح 2 .

ــ[322]ــ

   [ 741 ] مسألة 14 : المراد من الأقارب أعم من الأبويني والأبي والاُمِّي فقط (1) ، ولا يلزم في الرّجوع إليهم حياتهم .

   [ 742 ] مسألة 15 : في الموارد الّتي تتخيّر ((1)) بين جعل الحيض أوّل الشهر أو غيره(2) إذا عارضها زوجها وكان مختارها منافياً لحقّه وجب عليها مراعاة حقّه(3)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دون الأقران ، وهي قوله «فإن كانت نساؤها مختلفات» ، لأنّ النساء القابلة للانقسام إلى مختلفات بحسب العادة ومتّفقات هي الأقارب فحسب لقلّتهنّ فإنّهنّ قد يتّفقن في أيّامهنّ وقد يختلفن ، وأمّا النِّساء الأقران فهنّ لكثرتهنّ مختلفة في العادة دائماً ، ولا توجد نساء بلدة واحدة أو أكثر مثلاً متّفقات في عادتهنّ ، فالرّجوع إلى الأقران لا  دليل عليه .

   (1) لإطلاق الموثقة .

   (2) كما في ذات العادة العدديّة حيث بنى الماتن (قدس سره) فيها على أ نّها ترجع إلى عددها ، ومن حيث الزّمان تأخذ بما فيه الصفة ، ومع عدم التمكّن من التمييز تجعل العدد في الأوّل على الأحوط وإن كان الأقوى التخيير(2) ، وكذا في الناسية والمبتدئة والمضطربة فيما إذا قلنا برجوعهنّ إلى العدد من الثّلاثة والستّة والسبعة مخيّرة بين جعل العدد في أوّل رؤية الدم أو غيره(3) وإن إحتاط فيها الماتن (قدس سره) بجعل العدد في أوّل رؤية الدم ، وذكرنا نحن أ نّه الأظهر (4) .

    تنافي مختار المرأة وحق زوجها

   (3) لعدم تعيّن جعل العدد في زمان ينافي حقّ زوجها ووجوب إطاعة الزّوج وتمكينه ، ومن الواضح أنّ غير الواجب لا يعارض الواجب ، ومن ذلك يظهر الحال في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم أ نّه لا موضوع للتخيير .

(2) بنى عليه في المسألة [ 734 ] .

(3) راجع الصفحة 283 وما بعدها .

(4) راجع المسألة [ 730 ] وتعليقتها .

ــ[323]ــ

وكذا في الأمة مع السيِّد ، وإذا أرادت الاحتياط الإستحبابي فمنعها زوجها أو سيِّدها يجب تقديم حقّهما . نعم ليس لهما منعها عن الاحتياط الوجوبي (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاحتياط الاستحبابي ، كما إذا قلنا بإستحباب الإسـتظهار مثلاً ، لأنّ تمكين الزّوج واجب ، وهو مقدّم على غير الواجب ولو كان مستحبّاً .

   (1) قد يكون الإحتياط مشتركاً فيه بين الزّوج والزّوجة ، كما إذا قلّدا من يرى وجوب الإستظهار بيوم أو يومين أو أكثر ، فإنّ المرأة كما يجب عليها الإحتياط فيها فلا تتمكّن من مطاوعة زوجها كذلك الزّوج يجب عليه فيها الإحتياط ، فلا يتمكّن من وطء زوجته ، فلا يسوغ له مطالبة الزّوجة بالجماع ، كما لا يجب عليها قبوله لحرمة تمكين الزّوج من نفسها .

   وكذا الحال فيما إذا علم كلّ منهما إجمالاً بأنّ عادة المرأة إمّا في آخر الشـهر أو أوّله إذ يجب على كلّ منهما الإحتياط ، وفي هذه الموارد لا إشكال في عدم وجوب الطاعة من الزّوجة والأمة للزوج والسيِّد .

   وقد يجب الإحتياط على المرأة ولا يجب على الزوج ، وهذا يتحقّق في كلّ من الشبهات الحكمية والموضوعيّة ، كما إذا قلّدت الزّوجة من يرى وجوب الإستظهار بيوم أو بيومين أو أكثر واعتقد الزّوج عدم وجوبه إجتهاداً أو تقليداً ، ونظيره من حيث إختلاف الزّوج والزّوجة ما إذا قلّدت المرأة من يرى حرمة وطء الزّوجة بعد نقائها وقبل الإغتسال والزّوج رأى جوازه ، أو قلّدت هي من يرى حرمة وطء الزّوجة في دبرها أيّام حيضها أو مطلقاً والزّوج رأى جواز ذلك إمّا مطلقاً أو في أيّام حيضها .

   وكذلك الحال في الشبهات الموضوعيّة ، كما إذا علمت المرأة إجمالاً بأنّ وقتها إمّا هو آخر الشهر وإمّا أوّله ، ولكن الزّوج علم بأنّ وقتها أوّل الشهر معيّناً .

   وفي هذه الموارد إذا كان الإحتياط متعلّقاً للأمر المولوي ، كما في أيّام الإستظهار بناءً على وجوبه والأوامر الواردة في التوقف والإحتياط إذا قلنا أ نّها مولويّة شرعيّة

ــ[324]ــ

أيضاً لا كلام في أنّ السيِّد والزّوج ليس لهما منع الأمة أو الزّوجة عن الإحتياط ، لأنّ المرأة مأمورة بذلك ويحرم عليها المطاوعة والتمكين من نفسها ، ومعه لا يمكن الحكم بجواز المطالبة لهما ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولأ نّه يستلزم الأمر أو الترخيص في المعصية ، إذ لو كانت المرأة مأمورة بالمطاوعة مع فرض حرمتها في حقّها كان ذلك من الأمر بالمعصية .

   وأمّا إذا لم يكن الإحتياط متعلّقاً للأمر المولوي وإنّما وجب عقلاً ، كما في موارد العلم الإجمالي أو الشبهات قبل الفحص وقلنا بأنّ أوامر التوقّف والإحتياط أوامر إرشاديّة وليست بمنجزة للواقع لأنّ الحكم الواقعي يتنجز قبلها فهي إرشاد إلى ما إستقلّ به العقل ، فقد يقال : إنّ أمر المرأة يدور بين الحرمة والوجوب ، لأ نّها إن كانت حائضاً فقد حرمت عليها المطاوعة من زوجها ، وإن كانت مستحاضة وجب عليها التمكين والقبول ، والزّوج غير مكلّف بالإحتياط وترك المطالبة ، فله أن يطالب بحقّه كما أنّ لها القبول ، لأ نّها مخيّرة لا محالة ، لدوران أمرها بين المحذورين .

   ويدفعه : أنّ المرأة وإن لم تكن مأمورة بالإحتياط حينئذ شرعاً إلاّ أن تمكينها معصية لا محالة ، وذلك لأنّ المعصية لغة وشرعاً غير متوقّفة على العلم بالحكم الواقعي أو بما قامت عليه الحجّة شرعاً ، بل المعصية هي كلّ عمل لم يرد فيه ترخيص من قبل المولى ، لأ نّه تصرّف في سلطانه وخروج عن زيّ العبوديّة ووظيفة الرقيّة وإن لم يكن هناك حكم واقعي ولا ظاهري ، ومن ثمة قلنا إنّ المتجري يستحق العقاب مع عدم إرتكابه المحرّم الواقعي ، فإنّ إقدامه على ما لا مسوّغ للإقدام عليه هتك وتمرّد على المولى .

   ومن جملة الموارد الّتي استعملت فيها المعصية في غير موارد الحكم الواقعي أو الظاهري قوله تعالى ( ... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى )(1) ، وذلك لمّا بيّناه في التفسير من أنّ نهيه تعالى عن أكل الشجرة كان نهياً إرشاديّاً إلى ما يترتب عليه من المفاسد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طه 20 : 121 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net