أدلّة وجوب تبديل المستحاضة القليلة القطنة لكل صلاة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6537


ــ[17]ــ

   [ 787 ] مسألة 1 : الاستحاضة ثلاثة أقسام: قليلة ومتوسّطة وكثيرة، فالاُولى أن تتلوث القطنة بالدم من غير غمس فيها، وحكمها(1) وجوب الوضوء لكل صلاة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلاّ في المستحاضة ، ومعناه أن كون الدم من القرح لا أثر له ، وإنما هو محسوب من الاستحاضة . هذا كله في الصورة الاُولى .

   وأمّا الصورة الثانية فقد اتضح أن مقتضى الأصل والقاعدة عدم الحكم بالاستحاضة حينئذ ، ولا تجري في هذه الصورة أصالة السلامة ، للقطع بوجود العيب في المرأة .

   وأمّا استصحاب عدم كون الدم دماً آخر ففيه :

   أولاً : أنه لا مجرى له في نفسه ، إذ لا أثر شرعي يترتب على عدم كون الدم دماً آخر ، اللّهمّ إلاّ أن يريد به إثبات الاستحاضة وهو من الاُصول المثبتة ولا اعتبار به .

   وثانياً : أنها معارضة بأصالة عدم كون الدم استحاضة إما على نحو العدم الأزلي وأن المرأة لم تكن متصفة بالاستحاضة قبل خلقتها ، والأصل عدم اتصافها بها بعد وجودها ، وإما على نحو العدم النعتي واستصحاب عدم خروج الدم من رحمها ، للقطع بعدم خروج الدم من رحمها قبل ذلك ، والأصل أنه الآن كما كان .

   وأصالة عدم الاستحاضة ممّا لها أثر شرعي ، وهو عدم ترتب شيء من آثار الاستحاضة عليها ، فلولا المعارضة لم يكن مانع من جريانها ، وهذا بخلاف أصالة عدم خروج دم آخر ، فإنه لا يجري في نفسه لعدم ترتب أثر شرعي عليه مع قطع النظر عن المعارضة .

    أقسام الاستحاضة ، وهي ثلاثة : القليلة :

   (1) يعنى حكم الاستحاضة القليلة ، وهو أمران :

   أحدهما : أنها تبدل القطنة لكل صلاة .

   ثانيهما : أنها تتوضأ لكل صلاة .

   فالمستحاضة كالمسلوس والمبطون إذا تطهرا من الحدث السابق على الصلاة ، فما

ــ[18]ــ

يخرج بعد طهارتهم من البول والغائط والدم في حال الصلاة لا يكون حدثاً ناقضاً للطهارة .

   أمّا وجوب تبديل القطنة عليها فلم يرد ذلك في نص ، إلاّ أن المعروف بين الأصحاب ذلك ، وقد استدلوا عليه بوجوه .

   منها : دعوى الاجماع على أن المستحاضة يجب عليها أن تبدل القطنة لكل صلاة .

   وفيه : أن الاجماع غير متحقق في المسألة ، لذهاب الأكثر من المتأخرين إلى عدم الوجوب ، على أنه على تقدير تمامية الاجماع ليس إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، وإنما هو معلوم المدرك أو محتمله ، وهو الوجهان الآتيان في الاستدلال ، ولا يمكن الاعتماد على مثله .

   ومنها : أنّ دم الاستحاضة ممّا لا يجوز الصلاة في قليل منه ، كما هو الحال في دم الحيض والنفاس ، ولأجل ذلك لا بدّ من تبديل القطنة لكل صلاة حتى لا تبطل صلاتها .

   وفيه أوّلاً : أن كون دم الاستحاضة مانعاً عن الصلاة بقليله وكثيره ليس بثابت إذ لم يرد فيه رواية، وإنما وردت الرواية في دم الحيض(1) ، والأصحاب ألحقوا المستحاضة والنفساء بالحائض من دون أن تشملهما الرواية ، والحكم في الحيض غير تام لضعف الرواية فضلاً عمّا اُلحق به .

   وثانياً : لو سلمنا أن دم الاستحاضة والحيض سيّان من هذه الجهة، فالمقدار الثابت هو عدم جواز الصلاة في ثوب فيه شيء من هذه الدماء ولو قليلاً إذا كان الثوب ممّا تتم فيه الصلاة منفرداً ، وأمّا ما لا تتم فيه الصلاة فمقتضى الرواية الدالّة على أن ما لا تتم فيه الصلاة وحده لا بأس بالصلاة فيه ولو كان متنجساً (2) عدم كون دم الحيض والاستحاضة فيما لا تتم فيه الصلاة مانعاً عن الصحة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 432 / أبواب النجاسات ب 21 ح 1 وهي ضعيفة بأبي سعيد المكاري .

(2) الوسائل 3 : 455 / أبواب النجاسات ب 31 .

ــ[19]ــ

   فإن قلت : إن الرواية الدالة على أن ما لا تتم فيه الصلاة تجوز الصلاة فيه لو كان نجساً ، معارض بما دلّ على أن دم الحيض وما اُلحق به مانع عن الصلاة بقليله وكثيره ومع المعارضة لا يمكن الاعتماد عليها .

   قلت : لو سلمنا ثبوت الرواية الدالة على مانعية دم الاستحاضة عن الصلاة كما إذا ألحقناه بدم الحيض وأغمضنا عن سند الرواية الواردة فيه ، فالمعارضة بينهما بالعموم من وجه ، ومعه إن قدمنا الرواية الدالة على جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة ولو كان متنجساً على معارضها بدعوى أنها مشتملة على أداة العموم ـ أعني قوله (عليه السلام) : كل ما لا تتم فيه الصلاة  ـ والعام متقدم على المطلق فهو .

   وإذا لم نقل بذلك من جهة أن العموم فيها من جهة أفراد ما لا تتم فيه الصلاة لا بالنظر إلى النجاسة والحكم المترتب على ما لا تتم فيه الصلاة ، فالقاعدة تقتضي تساقطهما والرجوع إلى الدليل الفوق ، وهو قد دلّ على جواز الصلاة فيما دون الدرهم من الدم ، ولا مخصص لاطلاقه ، لسقوط المقيد عن الحجية بالمعارضة .

   وثالثاً : لو أغمضنا عن تمام ذلك وقلنا إن دم الاستحاضة بقليله وكثيره مانع عن الصلاة ، بلا فرق في ذلك بين ما تتم فيه الصلاة وما لا تتم فيه الصلاة ، لم يمكن الاستدلال بذلك في المقام ، وذلك لأن القطنة ليست من قبيل ما يصلى فيه ليقال إنها مما تتم فيه الصلاة أو مما لا تتم فيه ، وإنما هي محمولة ، والمحمول المتنجس ولو بدم الاستحاضة لا يمنع عن الصلاة ، إذ لا يصدق أنها صلّت في القطنة .

   ورابعاً : لو أغمضنا عن ذلك أيضاً وقلنا إن دم الاستحاضة مانع عن الصلاة فيه حتى فيما هو من قبيل المحمول منعنا عن كونه كذلك في المقام ، لأنه إنما يكون مانعاً فيما إذا كان المصلي طاهراً من الدم ، وأمّا في مثل المقام فلا يمنع ، لأنها ذات الدم على الفرض ، وإذا بدلت القطنة تتلوث القطنة الجديدة بدم الاستحاضة ، إذ لو لم يجر فيها الدم فهي طاهرة وليست بمستحاضة ، والمفروض أن دم الاستحاضة مانع عن الصلاة فما فائدة التبديل حينئذ ، وحيث إن الدم في القطنة المتبدلة غير مانع عن الصلاة عندهم ، فمن هنا يستكشف أن دم الاستحاضة غير مانع عن صلاة المستحاضة فيما

ــ[20]ــ

تحمله من القطنة . فهذا الوجه غير تام أيضاً .

   ومنها : أنّ الدليل على وجوب تبديل القطنة في الاستحاضة القليلة إنما هو النص الوارد على وجوبه في المستحاضة الكثيرة (1) ، وذلك لعدم إمكان التفكيك بين أقسام الاستحاضة في ذلك بعد ورود النص عليه في قسم منها ، هذا .

   وفيه : أن النص الدال على وجوب التبديل في الاستحاضة الكثيرة لو تم ولم نناقش في دلالته فهو مختص بالكثيرة ، ولا وجه للتعدي عنها إلى غيرها .

   ودعوى أنه لا يمكن التفكيك بين أقسام الاستحاضة مدفوعة بأنه قياس ، إذ بأي ملازمة عقلية يثبت حكم الكثيرة في القليلة ، مع أنّا نرى أن أحكامهما مختلفة ، فإن المستحاضة القليلة يجوز لها الدخول في المساجد والمرور من المسجدين ويجوز لزوجها أن يأتيها ، وهذا بخلاف المستحاضة بالكثيرة فهي مورد الخلاف في تلك الأحكام .

   وعليه فالصحيح أنه لا دليل على وجوب تبديل القطنة في الاسـتحاضة القليلة وإنما هو حكم مشهوري ، والشهرة في الفتوى لا تكون دليلاً على الحكم الشرعي مضافاً إلى أن تبديل القطنة في المستحاضة القليلة لو كان واجباً في حقها لاُشير إليه في شيء من تلك الأخبار الواردة في مقام البيان، فسكوتهم (عليهم السلام) وعدم تعرضهم لذلك أقوى دليل على عدم الوجوب .

   هذا كلّه في الحكم الأول على المستحاضة بالقليلة .
ــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 372 ، 375 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 3 ، 10 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net