عدم وجوب الغُسل للنوافل - وجوب الوضوء للنوافل 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8294


ــ[63]ــ

   نعم يكفي للنوافل أغسال الفرائض (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بين الصلوات ـ من المطلقات الواردة في المقام وهذا كما في صحيحة يونس بن يعقوب «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : امرأة رأت الدم في حيضها حتى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلِّي ؟ قال : تنظر ـ إلى أن قال ـ فإن رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كل صلاة» (1) .

   وصحيحة محمد الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سألته عن المرأة تستحاض ـ إلى أن قال ـ تغتسل المرأة الدميّة بين كل صلاتين» (2) .

   فإن مقتضاهما وجوب الغسل على المستحاضة خمس مرات ، فتغتسل بين الفجر والظهر ، وبين الظهر والعصر ، وبين العصر والمغرب ، وبين المغرب والعشاء ، وبين العشاء والفجر ، أو تغتسل عند وقت كل صلاة ، وإطلاقهما شامل للمقام أيضاً .

   وقد خرجنا عن إطلاقهما فيما إذا أرادت الجمع بين الصلاتين ، فالواجب حينئذ الغسل ثلاث مرات ، وهذا تخصيص وتقييد للمطلقتين لأنهما تقتضيان وجوب الغسل خمس مرات حتى فيما إذا جمعت بينهما ، إلاّ أن الأخبار الدالة على جواز اقتصارها على غسل واحد عند الجمع بينهما (3) مقيدة ومخصصة لاطلاقهما ، وهي تدل على وجوب الغسل خمس مرّات في كل يوم إلاّ فيما إذا أرادت الجمع فالواجب عليها ثلاثة أغسال وفي غير هذه الصورة تبقى تحت الاطلاقين ولابدّ من الغسل لكل صلاة .

    النوافل يكفيها أغسال الفرائض

   (1) قدمنا أن في المستحاضة بالقليلة لابدّ لها من أن تتوضأ لكل صلاة من غير فرق بين الفرائض والنوافل ، وأمّا وجوب الغسل في المستحاضة بالكثيرة ثلاث مرّات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 376 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11 .

(2) الوسائل 2 : 372 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 2 .

(3) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 .

ــ[64]ــ

فهل يختص بالفرائض ولا تحتاج إلى الغسل في النوافل بحيث إذا اغتسلت للصبح تأتي بها وبنافلتها وكذا في الظهرين والعشاءين ، أو لابدّ من أن تغتسل للنوافل أيضاً ؟

   والصحيح عدم وجوب الغسل للنوافل .

   وقد يتوهم أنه لا دليل على ذلك سوى الاجماعات المدعاة على أن المستحاضة إذا فعلت ما يلزمها من الوضوء والغسل وغيرهما كانت بحكم الطاهرة . ولا يمكن استفادة ذلك من النصوص (1) .

   إلاّ أن الأمر ليس كما توهم ، وذلك لامكان استفادة ذلك من نفس الأخبار ، ويكفي في ذلك المطلقات الدالّة على وجوب الوضوء على كل مكلّف يريد الصلاة(2) ، والمطلقات الدالّة على وجوب الوضوء على المستحاضة(3) ، لأنها تدل على أن المستحاضة كغيرها تتمكّن من الاكتفاء بالوضوء في صلواتها ، وذلك كقوله تعالى (إذا قُمْتُم إلى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وجُوُهكم ... ) (4) . حيث دلّ على أن كل مكلف محدث يريد الصلاة له أن يكتفي بالوضوء فقط ، خرج عنه الجنب لقوله تعالى (وإن كُنْتُم جُنُباً فاطَّهَّرُوا ) لدلالته على أن الجنب ليس له أن يكتفي بالوضوء ، بل لابدّ من أن يغتسل للصلاة ، وخرجنا عنه في المستحاضة الكثيرة وفي مسّ الميِّت وغيرهما لما دلّ على أن الغسل يغني عن الوضوء ، وأمّا غير ذلك من الموارد ، كما إذا أرادت المستحاضة أن تصلِّي نافلة ، فمقتضى إطلاق الآية المباركة وغيرها من المطلقات أن المستحاضة يمكنها أن تكتفى بالوضوء فحسب .

   وكذلك يمكن استفادة عدم وجوب الغسل للنوافل من النصوص الواردة في أن المستحاضة بالكثيرة تغتسل ثلاث مرّات ، وذلك لأنها على طوائف :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتوهم هو السيد الحكيم في المستمسك 3 : 394 .

(2) الوسائل 1 : 365 ـ 369 / أبواب الوضوء ب 1 ، 2 .

(3) الوسائل 2 : 278 ، 280 / أبواب الحيض ب 4 ح 1 ، 7 ، 8 ، 281 / ب 5 ح 1 ، 376 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13 .

(4) المائدة 5 : 6 .

ــ[65]ــ

   منها : ما دلّ على أنها تغتسل للفجر وغسلاً للظهرين وغسلاً للعشاءين ، كما في صحيحة معاوية بن عمار (1) ومرسلة يونس (2) الطويلة المتقدمة وغيرهما .

   ومنها : ما دلّ على أنها تغتسل عند صلاة الظهر وعند المغرب وعند صلاة الصبح كما في صحيح ابن سنان (3) .

   ومنها : ما دلّ على أنها تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرّات ، كما في صحيحة الصحّاف (4) .

   وهي بأجمعها تدل على أن الغسل إنما يجب في الفرائض فقط عند الجمع بين الظهرين والعشاءين ولا يجب في غير الفرائض ، وإلاّ لوجب أن تتعرّض الأخبار لوجوبها في النوافل لأنها في مقام البيان . والنوافل كانت مورداً لابتلائهم في الأزمنة السابقة أكثر من الأزمنة المتأخرة ، لأنهم كانوا ملتزمين بها كالتزامهم بالفرائض ، ومع الابتلاء بها لا وجه لعدم تعرضهم لوجوب الغسل فيها سوى عدم كونه واجباً في النوافل .

   ولا سيما صحيحة الصحاف التي صرحت بأن الواجب من الغسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، إذ لو كان الغسل واجباً في النوافل أيضاً لكان الواجب في اليوم والليلة أكثر من ثلاث مرات .

   وأظهر من الجميع ما ورد في طائفة اُخرى ، وهي ما دلّ على وجوب الغسل عند وقت كل صلاة ، كما في صحيحة يونس بن يعقوب حيث ورد فيها «فإن رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كل صلاة» (5) وهو ثلاثة أوقات : بعد الفجر فإنه وقت صلاة الصبح ، وبعد الزوال فإنه وقت الظهرين ، وبعد المغرب فإنه وقت العشاءين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 288 / أبواب الحيض ب 8 ح 3 .

(3) الوسائل 2 : 372 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4 .

(4) الوسائل 2 : 374 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7 .

(5) الوسائل 2 : 376 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11 .

ــ[66]ــ

   ومقتضى إطلاقها أنها لو اغتسلت في هذه الأوقات الثلاثة كفتها في صلواتها الفرض والندب ، لدلالتها على أن اللازم هو الغسل في وقت الفريضة أتت بنافلة معها أم لم تأت بها ، وعليه لو اغتسلت للفرائض أمكنها إتيان النوافل أيضاً ، إلاّ أنها لابدّ من أن تتوضأ للنافلة .

   ثم إن في رواية إسماعيل بن عبدالخالق ورد «فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلِّي ركعتين قبل الغداة ثم تصلِّي الغداة ...» (1) وقد توهم من ذلك دلالتها على أن الاغتسال للفريضة كاف لفعل النافلة أيضاً .

   وفيه : أن الرواية لا دلالة لها على عدم وجوب الغسل للنوافل بوجه ، وذلك لأنها إنما دلت على أنها لو اغتسلت للصبح جاز لها أن تأتي بها وبنافلتها ، وهو خارج عن محل الكلام ، لأن مقتضى الأخبار المتقدِّمة أن المستحاضة تتمكن من الجمع بين الصلاتين بغسل واحد ، سواء أ كانتا فريضتين أم نافلتين أم فريضة ونافلة ، ومن المعلوم أن الصبح ونافلتها صلاتان فأمكن الجمع بينهما بغسل واحد ، ومثل ذلك خارج عن محل الكلام .

   بل البحث فيما لو اغتسلت المستحاضة للفريضة هل تتمكن من أكثر من صلاتين كما لو اغتسلت للظهرين فهل يسوغ لها الاتيان بهما وبنافلتهما ـ والمجموع عشر صلوات ـ أو لا يسوغ ؟ ولا دلالة للرواية على جوازه أو عدمه .

   مضافاً إلى أن سندها غير تام بمحمد بن خالد الطيالسي الواقع في سندها (2) .

   والصحيح في الاستدلال ما قدمناه ، وعليه إذا اغتسلت المستحاضة للفريضة أمكنها الاتيان بالفريضة مع الاتيان بأية نافلة أرادت قلّت أو كثرت من دون الاغتسال للنافلة .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 377 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15 .

(2) الطيالسي موجود في كامل الزيارات فالرواية معتبرة على مسلك سيدنا الاُستاذ (دام ظله) .

ــ[67]ــ

   لكن يجب لكل ركعتين منها وضوء (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    وجوب الوضوء لكل ركعتين منها

   (1) قدّمنا أن المرأة في الاستحاضة الكثيرة يجب أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرّات ، وهي مختصة بالفرائض ولا تجب الاغتسال للنوافل ، وهل يكفي غسلها للفرائض عن التوضؤ للنوافل بحيث إذا اغتسلت للمغرب جاز أن تنتقل للمغرب من دون وضوء ، وكذا في صلاة الصبح ، أو يجب أن تتوضأ لنوافلها ولا يغني الغسل عنه ؟

   الصحيح هو الأخير ، وذلك لأ نّا وإن بنينا على أن كل غسل يغني عن الوضوء إلاّ أن غسل المرأة عن الاستحاضة الكثيرة لا يجزئ عن الوضوء للنافلة ، وذلك لأن النافلة إمّا أن تكون متأخرة عن الفريضة كما في صلاتي المغرب والعشاء ، وإما أن تكون متقدمة عليها كما في صلوات الصبح والظهرين .

   أمّا النافلة المتأخرة عن الفريضة فلا ينبغي التردد في عدم كفاية الغسل للفريضة عن التوضؤ لها ، وذلك لأن المستفاد من الأدلّة الدالة على أن المستحاضة تغتسل وتصلِّي أو تغتسل وتتوضأ وتصلِّي أن الغسل والوضوء طهارة في حقها وأنها تصلِّي عن طهارة، وهي مخصّصة للأدلّة الدالّة على ناقضية الحدث للطهارة ، بمعنى أن الدم الخارج منها بعدها إلى آخر الصلاة لا يكون ناقضاً لطهارتها ، كما ذكرنا نظيره في المبطون والمسلوس ، لا أن تلك الأدلّة مخصّصة للأدلّة الدالّة على اشتراط الصلاة بالطهور وأن المستحاضة أو المبطون والمسلوس مع كونهم محدثين فتجوز الصلاة في حقهم ، وذلك للقطع بأن المستحاضة لو أحدثت بالنوم أو البول والمبطون والمسلوس لو أحدثا بالنوم ونحوه لم يشرع في حقهم الصلاة بوجه وإن اغتسلوا أو توضؤوا قبله .

   وكيف كان فالاغتسال والتوضؤ طهارة في حق المستحاضة والدم الخارج منها بعد اغتسالها ليس بناقض لطهارتها ، إلاّ أن المقدار الثابت من التخصيص في أدلّة النواقض ، إنما هو مقدار فريضة واحدة كما في صلاة الصبح أو مقدار فريضتين كما في الظهرين أو العشاءين على تقدير الجمع بينهما ، فالدم الخارج منها إلى آخر الفريضة أو الفريضتين محكوم بعدم الناقضية بمقتضى الأخبار .

ــ[68]ــ

   وأمّا إذا اغتسلت فصلّت الفريضة الواحدة ثم أتت بعدها بنافلة فلا دليل على عدم ناقضية الدم الخارج بعد الفريضة ، والمفروض استمرار الدم ، فالدم الخارج منها أثناء النافلة أو قبلها أي بعد الفريضة ناقض للطهارة بمقتضى أدلة النواقض ، فلا تتمكّن المرأة من الاتيان بالنافلة بعد الفريضة بالغسل الذي أتت به لأجل الفريضة .

   وأمّا النافلة المتقدمة على الفريضة فهي أيضاً كذلك ولا يجوز للمستحاضة أن تأتي بها بالغسل الذي أتت به قبل النافلة لأجل الفريضة ، وذلك لما أسلفناه من وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الاغتسال ، ومع التراخي كما إذا اغتسلت وأتت بالنافلة وبعدها أرادت الاتيان بالفريضة ، لا تصح صلاتها ولا غسلها ، فإن الغسل الصحيح هو الذي يتعقب بالفريضة من دون تأخير ، وأمّا معه فلا دليل على مشروعية الغسل بوجه إلاّ أن يقوم دليل على عدم قادحية التأخير بإتيان النافلة بين الغسل والفريضة ورواية إسماعيل بن عبدالخالق المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) «فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلِّي ركعتين قبل الغداة ثم تصلِّي الغداة» (1) وإن كانت واردة فيما نحن فيه ، ولا إشكال في دلالتها على الجواز وصحة إتيان النافلة بالغسل الذي أتت به للفريضة ، إلاّ أنها ضعيفة السند بمحمد بن خالد الطيالسي ، فلا يمكن الاعتماد عليها في شيء (2) ،

   ومع بطلان غسلها لا معنى لكونه مجزئاً عن الوضوء ، لأن الذي يغني عن الوضوء هو الغسل المأمور به دون غيره ، وعليه فالمرأة المستحاضة لا تتمكن من الاتيان بالنوافل إلاّ بوضوء بمقتضي إطلاق ما دلّ على أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة أو أنها تتوضأ وتصلِّي .

   نعم ، إذا انقطع دمها وطهرت فلا مانع من أن تأتي بنافلتها بالغسل الذي أتت به للفرائض ، وذلك لما قدّمناه(3) من إغناء كل غسل عن الوضوء .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 377 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15 .

(2) تقدم أن محمد بن خالد الطيالسي ثقة لوجوده في أسناد كامل الزيارات .

(3) في شرح العروة  7 : 402 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net