شرطية استمرار الدم في تجديد الأعمال - التخيير في تقديم الغُسل على الوضوء وبالعكس 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6689


ــ[93]ــ

   [ 792 ] مسألة 6 : إنما يجب تجديد الوضوء والأعمال المذكورة إذا استمر الدم ، فلو فرض انقطاع الدم قبل صلاة الظهر يجب الأعمال المذكورة لها فقط ولا تجب للعصر ولا للمغرب والعشاء ، وإن انقطع بعد الظهر وجبت للعصر فقط وهكذا . بل إذا بقي وضوءها للظهر إلى المغرب لا يجب تجديده أيضاً مع فرض انقطاع الدم قبل الوضوء للظهر(1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الظهر الواجبة والمستحبة ، ولهذا تجب في المعادة احتياطاً إعادة الغسل والوضوء لها مطلقاً وإن لم يجب الغسل في النوافل .

   ومن هذا يظهر الكلام في المعادة جماعة إماماً أو مأموماً ، فإنها وإن كانت نافلة إلاّ أنها لما كانت معنونة بعنوان الظهر أو غيرها فلأجل ذلك اعتبر فيها كل من الغسل والوضوء .

   نعم ، في المعادة الواجبة لا تجب إعادتهما لأنها هي الصلاة الاُولى بعينها إلاّ أن يفصل بينهما فصلاً زمانياً .

    شرطية استمرار الدم في وجوب التجديد

   (1) في المقام مسألتان :

   إحداهما : أن المرأة إذا رأت الاستحاضة الكثيرة مثلاً لحظة وآناً ما وانقطعت بعد ذلك فهل يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة أو صلاتين والوضوء لكل منها على المشهور أو الغسل فقط على مسلكنا ، أو يكفي الغسل أو مع الوضوء للفريضة الواقعة بعدها فحسب ؟

   ثانيتهما : أن المرأة إذا رأت الاستحاضة الكثيرة مثلاً قبل صلاة الفجر فاغتسلت وتوضأت لها فصلّت ثم بعد ذلك انقطع دمها فهل يجب عليها الاغتسال للفريضة الواقعة بعدها أو لا يجب ؟

   أمّا المسألة الثانية فيأتي التعرض لها في كلام الماتن (قدس سره) ونلتزم فيها

ــ[94]ــ

بالوجوب ، لاطلاق صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن امرأة نفست ـ إلى أن قال ـ إن كانت صفرة فلتغسل ولتصل»(1) ، وصحيحة ابن نُعيم الصحاف حيث ورد فيها «فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة» (2) ، فإن مفهومها المصرح به بعد ذلك بقوله «فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل» يدل على أن المرأة إذا رأت الاسـتحاضة الكثيرة بين الظهر والمغرب وجب عليها الاغتسال للمغرب ولا تكتفي فيها بالوضوء وهو الذي يقتضيه إطلاق الصحيحة الاُولى أيضاً  كما عرفت «تؤخر هذه وتغتسل لهما غسلاً واحداً» (3) .

   وأمّا المسألة الاُولى فهي التي تعرض لها في المقام ، فنقول : ذهب صاحب الجواهر (قدس سره) إلى أن رؤية الاستحاضة لحظة كافية في وجوب الأغسال الثلاثة أو الخمسة في الاستحاضة الكثيرة لولا مخافة خرق الاجماع ، وذلك لاطلاق الأخبار ، فإن المستفاد منها أن الاستحاضة حدث تحققه يقتضي الأغسال الثلاثة أو الخمسة (4) .

   ولكن الصحيح أن الاستحاضة لا توجب حينئذ إلاّ غسل الانقطاع ، ولا تجب معها الأغسال الثلاثة بوجه ، وذلك لأن الموضوع لوجوب الأغسال الثلاثة في جملة من الأخبار(5) هو المرأة المستحاضة لا ذات المرأة ، وهي غير صادقة مع الانقطاع .

   نعم ، ورد في بعض الأخبار أن المرأة إذا رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كل صلاة (6) ، ويمكن أن يقال إن مقتضى إطلاقها وجوب الأغسال الثلاثة بمجرّد رؤية الاستحاضة ولو آناً ما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 393 / أبواب النفاس ب 5 ح 2 .

(2) الوسائل 2 : 374 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7 .

(3) الوسائل 2 : 375 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8 .

(4) الجواهر 3 : 330 / في الاستحاضة .

(5) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 .

(6) الوسائل 2 : 376 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11 .

ــ[95]ــ

   [ 793 ] مسألة 7 : في كل مورد يجب عليها الغُسل والوضوء يجوز لها تقديم كل منهما (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولكن يرده أن الأخبار الدالّة على أنّ الأغسال الثلاثة من وظائف المستحاضة(1) قرينة على أن المراد بالمرأة إذا رأت الدم صبيباً في هذه الرواية هو المرأة ذات الدم والمستحاضة لا مجرّد الرؤية ولو آناً ما .

   وثانياً : أن التمسّـك بإطلاق الرواية أمر لا محصل له ، أفهل يمكن أن يقال إن مجرّد رؤية الاستحاضة ولو آناً ما موجبة للأغسال الثلاثة إلى الأبد كما هو ظاهر الرواية فالاطلاق غير مراد قطعاً ، وتقييده بيوم أو يومين أو أكثر لا معنى له ، فيتعين أن يكون المراد بالمرأة في الرواية هي المستحاضة ذات الدم كما ذكرناه ، بل يدل على ذلك ما ورد في بعض الروايات من أنها «تقدم هذه وتؤخر هذه»(2) ، إذ لو كان الدم منقطعاً لم يكن أيّ موجب لتقديمها الصلاة وتأخيرها الصلاة الاُخرى ، بل لها الاتيان بها في أي وقت شاءت ، ومنه يعلم أن الأغسال وظيفة المرأة ذات الدم وهي التي تجمع بينهما بالتقديم والتأخير . هذا كله في الكثيرة .

   ومنه يظهر الحال في المتوسطة وأنها إذا رأت الدم لحظة سواء كانت كثيرة قبلها أم لم تكن لا يجب عليها إلاّ غسل ووضوء للفريضة الآتية كما يأتي ، وأمّا في غيرها فلا يجب أن تتوضأ لكل صلاة ، بل لها أن تأتي بذاك الوضوء جميع فرائضها إذا لم تحدث بحدث ناقض للوضوء .

   وكذا المستحاضة القليلة ، فإنها إنما تتوضأ للفريضة التي بعدها وحسب ولا تتوضأ بعدها لكل صلاة ، بل لها أن تكتفي بالوضوء الواحد في جميع صلواتها ما لم تحدث بحدث ناقض جديد .

   (1) كما في المسـتحاضة المتوسـطة ، وكذا الكـثيرة بناء على ما هو المشـهور من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 ، 4 ، 6 ، 12 ، 15 .

(2) الوسائل 2 : 371 /  أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 وغيره .

ــ[96]ــ

لكن الأولى تقديم الوضوء (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجوب الوضوء فيها مع الغسل . والوجه في جواز تقديم كل منهما إطلاق الأخبار (1) الواردة في أنها تتوضأ وتغتسل وتصلِّي ، لعدم تقيّد الغسل أو الوضوء فيها بكونه واقعاً قبل الآخر أو بعده حتى إنها لو اغتسلت ترتيبياً جاز لها أن تأتي بالوضوء في أثناء غسلها .

    أولويّة تقديم الوضوء

   (1) لما ورد من أن الوضوء بعد الغسل بدعة(2) ، فخروجاً عن احتمال البدعة الأولى تقديم الوضوء على الغسل ، وذلك لما قدّمناه من عدم تماميته فليراجع .

   وعلى تقدير تماميته فالنسبة بينه وبين ما دلّ على جواز الجمع بين الغسل والوضوء في الاستحاضة نسبة العموم والخصوص المطلق ، لدلالة الأخبار على عدم حرمة الوضوء بعد الغسل في المقام ، فإن العبرة بـإطلاق دليل المخصص لا العام ، وهو قد دلّ على جواز الوضوء قبل الغسل وبعده في الاستحاضة .

   وتوضيح ذلك : أن جملة إن الوضوء بعد الغسل بدعة إن اُريد بها أن الغسل يغني عن الوضوء ، فالوضوء الواقع بعد الغسل لا أمر له فيقع بدعة لا محالة كما هو الظاهر منها ، فهي أجنبية عن محل الكلام ، لما عرفت من دلالة الأخبار على عدم إغناء الغسل عن الوضوء في المقام ، فهو تخصيص من عموم إغناء الغسل عن الوضوء ، فلا دلالة لها على بطلان الوضوء الواقع بعد الغسل في الاستحاضة .

   وإن اُريد بها أن الغسل يشترط في صحته أن يقع بعد الوضوء ، فلو وقع الوضوء بعده وقع الغسل باطلاً مع وقوع الوضـوء صحيحاً لعدم اشـتراطه بشيء ، ففـيه أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 374 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6 وغيرها .

(2) الوسائل 2 : 245 ، 246 / أبواب الجنابة ب 33 ح 5 ، 6 ، 9 ، 10 .

ــ[97]ــ

اللاّزم على تقدير إرادة ذلك أن يقال الغسل قبل الوضوء بدعة ، لا أن الوضوء بعد الغسل بدعة ، فلا وجه لاحتمال إرادة ذلك من تلكم الجملة .

   وأمّا إذا اُريد بها أن الوضوء يشترط في صحته أن يقع قبل الغسل بحيث لو وقع بعده بطل لعدم الأمر به ، فحينئذ وإن أمكن إرادته من الجملة المذكورة إلاّ أنّا نسأل عن أن المكلف إذا اغتسل قبل الوضوء وتوضأ بعد ذلك فهل يجب إعادة الغسل الأوّل أو لا يجب لوقوعه صحيحاً ؟

   فإن قلنا بوجوب إعادة الغسل فهو يرجع إلى الاحتمال المتقدم من اشتراط كون الغسل واقعاً بعد الوضوء بحيث لو وقع قبل الوضوء بطل ، وقد عرفت فساد إرادته من الجملة المذكورة .

   وإن قلنا بعدم وجوب إعادة الغسل ، لأنه غير مشروط بشيء بل وقع صحيحاً والمشروط هو الوضوء امتنع امتثال الأمر بالوضوء واستحال التكليف به ، لأنه تكليف بما لا يطاق حيث لا يتمكن المكلف من امتثاله ، إذ المفروض أنه اغتسل قبل الوضوء فلا يمكنه إيقاع الوضوء قبل الغسل ، لأنه تحقق أوّلاً وحكمنا بصحته ، فلو توضأ بعد ذلك فهو من الوضوء بعد الاغتسال .

   فتحصل أن الجملة المذكورة لايمكن أن يراد بها سوى أن الغسل يغني عن الوضوء، وعليه فهي أجنبية عن المقام ، لدلالة الأخبار على عدم إغناء الغسل في الاستحاضة عن الوضوء وعدم كون الوضوء بدعة . هذا كلّه فيما إذا أوجبنا الوضوء مع الغسل .

   وأمّا إذا لم نفت بالوجوب بل اعتبرناه احتياطاً كما في الاستحاضة الكثيرة إذا قلنا بالاحتياط فلا يجوز تقديم الغسل على الوضوء ، وهذا لا من جهة أن الوضوء بعد الغسل بدعة ، إذ معه يمكن الاتيان به رجاء ولا يكون الوضوء بدعة ، بل لما اعتبرناه من المبادرة إلى الصلاة بعد الطهارة ، فإنه يحتمل أن لا يكون الوضوء واجباً مع الغسل في الكثيرة واقعاً ، ومعه لا تتحقق المبادرة لتخلل الوضوء بينها وبين الاغتسال .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net