صور الشك في وقوع المسّ بعد الغسل أو قبله 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6017


ــ[232]ــ

نعم ، إذا علم بالمس وشكّ في أ نّه كان بعد الغسل أو قبله وجب الغسل (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إذا شكّ في أنّ المسّ وقع قبل الغسل أو بعده

   (1) هذه المسألة لها صور :

   الاُولى : أن يشك في أصل الغسل وعدمه ، ولا إشكال في هذه الصورة في أن مقتضى الأصل عدم تحقق الغسل في الممسوس ، ومعه يجب الغسل على الماس ، لأنّ المسّ وجداني وعدم كونه مغسلاً محرز بالاستصحاب .

   الثانية : أن يعلم بحدوث كل من الغسل والمسّ ويشك في المتقدم والمتأخر منهما وهذا أيضاً له صور :

   الاُولى : ما إذا علم تاريخ المسّ كأوّل الصبح أو يوم السبت ويشك في أنّ التغسيل وقع يوم الجمعة أو يوم الأحد ، وهذه الصورة لا إشكال فيها في وجوب الغسل ، لأصالة عدم تحقق التغسيل قبل المسّ ، فالمس وجداني وعدم كون الممسوس مغسلاً محرز بالاستصحاب ، فيحكم عليه بوجوب غسل المسّ .

   الثانية : عكس الاُولى وهي ما إذا علم تاريخ التغسيل كيوم السبت وجهل تاريخ المسّ ، فقد يقال في هذه الصورة إن أصالة عدم تحقق المسّ قبل التغسيل يقتضي انتفاء موضوع الوجوب وهو المسّ قبل الغسل ، وبه يحكم بعدم وجوب الغسل على الماس .

   وكذا في الصورة الثالثة ، وهي ما إذا جهل تاريخهما ، وذلك لتعارض أصالة عدم تحقق المسّ قبل الغسل بأصالة عدم الغسل قبل المسّ وتساقطهما ، فيرجع إلى استصحاب طهارة الماس أو استصحاب عدم مسّ الميِّت الّذي لم يغسل .

   ولأجل هذا يحمل كلام الماتن (قدس سره) على الصورة الاُولى أعني ما إذا شكّ في أصل التغسيل ، كما يؤيّده ما فرعه عليه من الاشكال في مسّ العظام المجردة المعلوم كونها من الانسان ، للشك في وقوع الغسل عليها إلاّ أن يكون أمارة عليه ككونها في مقابر المسلمين ، هذا .

ــ[233]ــ

   والصحيح وجوب الغسل في جميع تلك الصور .

   أمّا الاُوليان فواضحتان .

   وأمّا الثالثة والرابعة فللأخبار الواردة في المقام الّتي دلّت على وجوب الغسل بمسّ الميِّت مطلقاً ، بل في بعضها لفظة «كل» وأن كل من مسّ ميتاً فعليه الغسل (1) ، ومقتضى تلك الأخبار عدم الفرق في وجوب الغسل بين مسّه قبل التغسيل وعدمه .

   وقد خرجنا عن عمومها أو إطلاقها بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «مسّ الميِّت عند موته وبعد غسله والقُبلة ليس بها بأس» (2) وغيرها من الأخبار ، فالخارج عن العموم أو الاطلاق عنوان وجودي وهو المسّ الّذي يكون بعد الغسل ، والموضوع لوجوب غسل المسّ المسّ الّذي لا يكون بعد الغسل ، ومن الظاهر أن أصالة عدم المسّ قبل التغسيل لا أثر لها حينئذ ، لأنّ الأثر مترتب على المسّ بعد الغسل أو المسّ المتّصف بالوصف العدمي وهو ما لا يكون بعد الغسل ، ففي الأوّل لا يجب الغسل ويجب في الثاني . وأصالة عدم المسّ قبل التغسيل ليس لها أثر بنفسها إلاّ بلحاظ إثبات أنّ المسّ بعد التغسيل إلاّ أ نّه من الاُصول المثبتة ، لأن نفي أحد الضدّين لا يثبت الآخر ، فأصالة عدم المسّ قبل الغسل غير جارية في نفسها .

   وحيث إنّا علمنا بالمس خارجاً ولم نحرز تحقق العنوان المستثنى عن العموم أو الاطلاق فلا مناص من الحكم بوجوب الاغتسال ، للشك في تحقق المسّ بعد الغسل والأصل عدمه .

   ومجمل الكلام في المقام أ نّه ورد في صحيحة الصفار «إذا أصاب يدك جسد الميِّت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل» (3) وظاهرها أنّ الموضوع لوجوب الغسل هو المسّ الّذي قبل التغسيل ، أي المقيد بالعنوان الوجودي لا العدمي كما ذكرناه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 295 /  أبواب غسل المسّ ب 3 ح 3 .

(2) الوسائل 3 : 295 /  أبواب غسل المسّ ب 3 ح 1 .

(3) الوسائل 3 : 290 /  أبواب غسل المسّ ب 1 ح 5 .

ــ[234]ــ

   ومعه يمكننا نفي هذا الموضوع بالأصل ونقول الأصل أنّ المسّ لم يتحقق قبل التغسيل ، فلا يجب الغسل في الصورتين الأخيرتين .

   إلاّ أن ظاهر الصحيحة غير مراد قطعاً ، لأن لازمها عدم وجوب الغسل بمسّ الميِّت إذا لم يقع بعد المسّ تغسيله إلى يوم القيامة ، لعدم تحقق المسّ قبل الغسل ، لأنّ القبلية والبعدية متضائفتان فلو لم يقع غسل بعد المسّ لم يتصف المسّ بالقبلية ، فلا يجب الغسل بالمس حينئذ مع أ نّه ممّا لا يمكن الالتزام به .

   فلا مناص من التأويل في الصحيحة بحملها ـ اي بحمل القبلية ـ على المعية والاقتران ، كما التزمنا بذلك فيما ورد من أن هذه قبل هذه (1) ، لأن صلاة الظهر لا يشترط في صحّتها أن تقع العصر بعدها، مع أن لازم الرواية اعتبار كونها واقعة قبل العصر والعصر واقعة بعد الظهر للتضائف بين القبلية والبعدية ، مع أ نّه لو صلّى الظهر ولم يصل العصر أصلاً أو صلّى العصر قبل الظهر وقعت صلاة الظهر صحيحة وإنّما تبطل العصر فقط ، ومن هنا حملناها على إرادة وقوع العصر لا مع الظهر ، وكذلك القول في المقام إلاّ أنّا نحتمل أن يراد بالمس قبل الغسل ، المسّ الّذي لا يكون بعد الغسل .

    توضيح هذا المجمل أن في المقام ضدّين : المسّ قبل الغسل والمسّ بعد الغسل وغسل المسّ إذا وجب في أحدهما لا يكون واجباً في الآخر لا محالة ، وليس لهما ثالث في المقام ، وبما أنّ المسّ بعد الغسل لا يجب معه غسل المسّ قطعاً فيكون المسّ قبل الغسل محكوماً بوجوب غسل المسّ معه ، وحيث إن القبلية كما عرفت لا يمكن أن تؤخذ في موضوع وجوب الغسل فيمكن أن يراد بالقبل غير الواقع بعد الغسل .

   ومعه يكون الموضوع لوجوب غسل المسّ هو المسّ الّذي لا يكون بعد الغسل ، وإطلاق أحد الضدّين اللذين لا ثالث لهما وإرادة غير الضد الآخر أمر ممكن ، ومعه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 126 ، 130 /  أبواب المواقيت ب 4 ح 5 ، 20 ، 21 وغيرها .

ــ[235]ــ

لا تجري أصالة عدم المسّ قبل التغسيل ، إذ لا أثر لها في نفسها ، وبهذا تصبح الصحيحة مجملة ولا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال .

   وحاصل ما ذكرناه في المقام : أنّ المسّ الّذي اُخذ موضوعاً لوجوب غسل المسّ مقيّد بأن لا يكون واقعاً بعد الغسل ، والخارج أمر وجودي وهو المسّ بعد الغسل ومعه لا بدّ من الحكم بوجوب الغسل في جميع الصور المتقدمة، كان تاريخ المسّ مجهولاً والتغسيل معلوماً أم انعكس أو كان كلا التاريخين مجهولاً .

   وذلك لأنّ المسّ معلوم بالوجدان ونشك في أ نّه واقع بعد الغسل أو ليس بواقع بعده ، ومقتضى الأصل عدم كونه واقعاً بعد الغسل ، فهو مسّ بالوجدان وليس واقعاً بعد الغسل بالتعبّد ، أي ليس من القسم الخارج بالتعبد ، لأنّ الخارج أمر وجودي يمكن أن يحرز عدمه بالأصل ، فلا مناص من الحكم معه بوجوب غسل المسّ مطلقاً .

   وهذا بخلاف ما إذا كان المسّ مقيّداً بقيد عدمي آخر وهو أن لا يكون معه غسل فإنّه على ذلك لا نلتزم بوجوب الغسل فيما إذا كان تاريخ المسّ مجهولاً وكان تاريخ التغسيل معلوماً .

   فإن مقتضى استصحاب عدم كون المسّ واقعاً قبل الغسل عدم تحقق موضوع الحكم بوجوب الاغتسال ، أعني المسّ الّذي ليس معه غسل ، لأ نّه ينفي وجود المسّ قبل التغسيل ، فليس هناك مسّ لا يكون معه غسل ، فلا يجب غسل المسّ حينئذ بخلاف بقيّة الصور .

   فإذا عرفت الفارق بين القيدين العدميين والمدعى ، فنقول في إثبات ذلك :

   إنّ المطلقات دلّت على وجوب الغسل بالمس مطلقاً ، وقد دلّت صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة (1) على أنّ المسّ بعد التغسيل لا بأس به ، وإذا انضمّ هذا إلى المطلقات دلّتا على أنّ المسّ الواجب معه الغسل هو المسّ الّذي لا يكون بعد الغسل ، ومعه بما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 295 /  أبواب غسل المسّ ب 3 ح 1 .

ــ[236]ــ

وعلى هذا يشكل مسّ العظام ((1)) المجردة المعلوم كونها من الانسان في المقابر أو غيرها ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنّ المسّ معلوم بالوجدان وعدم كونه بعد الغسل بالاستصحاب لا بدّ من الحكم بوجوب الغسل في جميع الصور المتقدِّمة .

   نعم ، ورد في صحيحة الصفار : أنّ المسّ قبل الغسل موجب للغسل(2) ، إلاّ أن ظاهرها وهو كون المسّ مشروطاً وجوبه بالتغسيل بعده على نحو الشرط المتأخّر أمر غير محتمل ، لاستلزامه أن لا يجب المسّ فيما إذا لم يقع تغسيل إلى يوم القيامة ، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به .

   ومعه إمّا أن يراد بالقبل عدم الغسل بمعنى أنّ المسّ الّذي ليس معه غسل موضوع للوجوب ، ومعه تجري أصالة عدم تحقق المسّ قبل التغسيل في صورة العلم بتاريخ الغسل ، وبه ننفي وجود الموضوع لوجوب الاغتسال دون بقية الصور كما مرّ .

   وإمّا أن يراد به عدم كون المسّ واقعاً بعد الغسل نظراً إلى الواقع ، لأنّ المسّ إمّا أن يقع قبل الغسل وإمّا أن يقع بعد الغسل ولا ثالث ، فإذا لم يمكن إرادة القبلية قطعاً فلا مناص من حمل القبل على إرادة أن لا يكون المسّ هو الضد الآخر الّذي لا يجب فيه الغسل ، أي المسّ الّذي لا يكون بعد الغسل ، وهو القيد العدمي الّذي ذكرناه ، ومعه يحكم بوجوب غسل المسّ في جميع الصور كما مرّ .

   وحيث إنّ الصحيحة لا قرينة فيها على أحد الأمرين فتصبح مجملة ، والمجمل يحمل على المبين وهو صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على أنّ المسّ بعد الغسل لا يجب معه الغسل ، ومعه يكون المسّ الّذي يجب معه الغسل مقيّداً بأن لا يقع بعده غسل كما بيّناه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا إشكال فيه بناءً على ما ذكرناه من عدم الوجوب في مسّ العظم المجرّد .

(2) الوسائل 3 : 290 /  أبواب غسل المسّ ب 1 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net