تكفين الشهداء العُراة - شرطية كون الموت في المعركة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5860


ــ[379]ــ

إذا كان الجهاد واجباً عليهم(1) ، فلا يجب تغسيلهم ، بل يدفنون كذلك بثيابهم إلاّ إذا كانوا عراة فيكفّنون ويدفنون(2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لاعلاء كلمة الإسلام موجب لسقوط التغسيل مطلقاً ، كان مقاتلة المقتول أيضاً بأمر من الشارع أم لم يكن ، وذلك لاطلاق قوله (عليه السلام) : «الّذي يقتل في سبيل الله» فانّ المفروض أنّ الجهاد أو الدفاع إنّما هو في سبيل الله ، فالقتل فيه يكفي في سقوط الغسل ، لصدق أ نّه مقتول في سبيل الله ولم يقتل في سبيل غير الله .

   (1) وذلك لحرمة تعريض النفس على القتل ، إلاّ أن يجب كما في الجهاد والدفاع فالجـواز في ذلك مساوق للوجـوب ، لأ نّه إذا جاز وجب وإذا لم يجب حرم ، ومع التحريم لا يحتمل سقوط التغسيل ، فالتقييد فيما إذا كان الجهاد واجباً من جهة أنّ المورد يقتضي ذلك ، لا لأ نّه مدلول لدليل خاص .

    العراة يجب تكفينهم في المعركة

   (2) هذه المسألة لا تناسب المقام ، لأنّ الكلام في التغسيل وسقوطه ، والمناسب تأخيرها إلى مبحث التكفين ، ويتعرّض هناك لموارد عدم وجوبه ، ويستثنى منه العراة من الشهداء فانّهم يجب تكفينهم .

   ثم إنّ الوجه في ذلك هو الاطلاقات الدالّة على أن تكفين كل مسلم واجب ، وقد خرجنا عنها في الشهيد ومن قتل في سبيل الله حيث ورد أنه يدفن بثيابه وقد فرض فيه الثياب . وأما من لم يكن له ثياب من القتلى في سبيل الله فهو غير مشمول للأخبار ، فلا محالة يبقى تحت المطلقات ، هذا .

   وقد يستدل عليه ـ كما في الحدائق(1) وغيره ـ  بصحيحة أبان بن تغلب المتقدِّمة الدالّة على أن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كفن حمزة لأنه كان قد جُرّد (2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 3 : 419 / الموضع السابع .

(2) الوسائل 2 : 509 / أبواب غسل الميّت ب 14 ح 7 .

ــ[380]ــ

ويشترط فيه أن يكون((1)) خروج روحه قبل إخراجه من المعركة ، أو بعد إخراجه مع بقاء الحرب وخروج روحه بعد الإخراج بلا فصل ، وأمّا إذا خرجت روحه بعد انقضاء الحرب فيجب تغسيله وتكفينه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأورد عليه في الحدائق بأن الصحيحة معارضة بصحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر من أن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كفن حمزة بثيابه وردّاه بردائه(2) فلا يمكن الاستدلال بها على وجوب التكفين في العراة .

   ثم جمع بينهما بحمل الصحيحة المتقدِّمة على أنه جُرّد من بعض أثوابه فجعل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الرداء قائماً مقام ما جرّد منه . وهذا الجمع كما ترى ليس من الجمع العرفي في شيء ، فالأخبار متعارضة والصحيح في الاستدلال ما ذكرناه .

    شرطية كون الموت في المعركة

   (1) ذكر جماعة ـ منهم المحقق (قدس سره) (3) ـ أن سقوط الغسل عمن قتل في سبيل الله مشروط بما إذا وقع القتل في المعركة والحرب قائمة ولم تنقض ، بلا فرق في ذلك بين أن يدركه المسلمون وهو حي وبين أن لا يدركه المسلمون كذلك ، فان الدرك وعدمه لا اعتبار بهما في المقـام ، وإنما المدار على القتل في المعركة والحرب لم تنقض وأما إذا اُخرج من المعركة فمات أو أنه مات بعد ما وضعت الحرب أوزارها فلا بدّ من تغسيله وتكفينه .

   وزاد الماتن على ذلك ما إذا خرج من المعركة ومات بعد ذلك بلا فصل يعتدّ به عرفاً .

   وشيء مما ذكره الجماعة والماتن (قدس سرهم) لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل يشترط فيه أن لا يدركه المسلمون وفيه قوّة الحياة .

(2) الوسائل 2 : 509 / أبواب غسل الميِّت  ب 14 ح 8 .

(3) المعتبر 1 : 311 / في أحكام الأموات .

 
 

ــ[381]ــ

مقتضى صحيحة أبان وحسنته المتقدمتين (1) أن المدار في سقوط الغسل وعدمه هو إدراك المسلمين له وبه رمق الحياة فيغسل ، وبين إدراكهم له وليس به رمق فلا يغسل بلا فرق في ذلك بين أن تكون الحرب قائمة أم لم تكن ، وكان الميِّت في المعركة أو في خارجها ، إذ المناط صدق القتل في سبيل الله .

   وحمل إدراك المسلمين له على إخراجه من المعركة أو إدراكه حيّاً بعد انقضاء الحرب كما ذكره المحقق الهمداني(2) (قدس سره) .

   مما لا موجب له ، لأنه ارتكاب خلاف ظاهر الروايتين ولا يمكن المصير إليه إلاّ بدليل ولا دليل عليه ، بل الادراك باق على معناه من وصول المسلمين إليه .

   ودعوى : أن المسلمين جمع محلى باللام وهو يفيد العموم ، فلا يمكن إرادة إدراك واحد أو اثنين منهم ، ولا بدّ من حمله على إخراجه من المعركة أو على إدراكه بعد انقضاء الحرب ليشاهده عامّة المسلمين .

   مندفعة بأنه وإن كان جمعاً محلى باللام وهو قد يراد منه العموم ، إلاّ أنه غير محتمل الارادة في المقام ، لعدم امكان أن يشاهد الشهيد جميع المسلمين في العالم .

   وكذلك الحال إذا حملناه على جميع المسلمين المقاتلين ، لأنهم بأجمعهم لا يشاهدون القتيل لاشتغالهم بالحرب أو بسائر الأشغال. فلابد من حمله على إرادة الطبيعة والجنس كما يستعمل فيه بكثير ، نظير قوله تعالى (إنّما الصَّدَقاتُ للفُقَرَاءِ والمَساكين...)(3) أو (فأنَّ للهِِ خُمُسه وللرَّسُولِ ولِذي القُرْبى وَاليَتامى والمَساكين...)(4) فان الألف واللاّم فيهما بمعنى الطبيعة والجنس فيصدق على درك واحد من المسلمين أو اثنين أو أكثر .

   فتحصل : أن المدار في سقوط التغسيل وعدمه إنما هو على إدراك المسلمين له وفيه رمق الحياة أو إدراكهم له وليس فيه رمق ، ولا اعتداد بكونه قتيلاً في المعركة وكانت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 509 / أبواب غسل الميِّت ب 14 ح 7 ، 9 .  وتقدّم ذكرهما في ص 377 .

(2) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 367  السطر 34 .

(3) التوبة 9 : 60 .

(4) الأنفال 8 : 41 .

ــ[382]ــ

الحرب قائمة أو منقضية ، هذا .

   وقد أيّد المحقق الهمداني (قدس سره) ـ ما ذكره من أن المراد من إدراكه المسلمين إخراجه من المعركة أو إدراكه حياً بعد انقضاء الحرب ، وكون المدار في سقوط التغسيل هو القتل في المعركة والحرب قائمة ـ بقضية عمار بن ياسر ، فان الظاهر حضور المسلمين عنده حين استسقى فسقي اللبن الذي كان آخر شرابه من الدنيا مع أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يغسله كما يدل عليه أخبار مستفيضة (1) . فدلّ ذلك على أنه لا عبرة بإدراك المسلمين وهو حي في وجوب التغسيل ، بل يسقط عنه التغسيل وإن أدركه المسلمون حيّاً ، لأنه قتل في المعركة والحرب لم تنقض .

   وفيه : أن الأخبار الدالة على أنه (عليه السلام) لم يغسل عماراً ليست بمسـتفيضة ولا أنها بموثقة كما عبّر عنها في الحدائق (2) .

   أمّا أنها ليست بمستفيضة ، فلأن جميع الأخبـار تنتهي إلى مسعدة بن صدقة (3) وغاية الأمر أنه قد يروي ذلك عن عمّار (4) عن أبي جعفر ، واُخرى عن بعض ولد عدي بن حاتم ، فهي مستفيضة من مسعدة لا من الامام (عليه السلام) فلا استفاضة في هذه الأخبار .

   وأما أنها ليست بموثقة فلما ذكرناه في محلِّه (5) من أن مسعدة عامي أو بتري لم تثبت وثاقته، فما استشهد به من الأخبار ساقط عن حيِّز الاعتبار ، هذا كلّه في هذه المقدِّمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 507 / أبواب غسل الميِّت ب 14 ح 4 .

(2) الحدائق 3 : 414 .

(3) نعم في آخر باب 14 من أبواب غسل الميت رواية اُخرى تنتهي إلى أبي البختري ولكنها ضعيفة ، وأما مسعدة بن صدقة فانه موجود في أسناد كامل الزيارات ، وكذلك في تفسير علي بن إبراهيم القمي (قدس سرهما) .

(4) كذا في مورد من التهذيب [ 1 : 331 / 968 ] وفي الاستبصار [ 1 : 214 / 754 ] مصدق بن صدقة كما أن في مورد آخر من التهذيب [ 6 : 168 / 322 ] والاستبصار [ 1 : 469 / 1811  ]مسعدة بن صدقة عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) .

(5) معجم الرجال 19 : 151 / 12305 وبمضمونه في رجال الكشي : 33 / 64 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net