نقد ما ذهب إليه ابن أبي عقيل من جواز التوضؤ بالمضاف 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7489


   وأمّا ابن أبي عقيل ، وهو الذي ذهب إلى جواز الوضوء بالمضاف فقد يستدل عليه بما رواه عبدالله بن المغيرة عن بعض الصادقين قال : «إذا كان الرجل لا يقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلا يتوضأ باللبن إنّما هو الماء أو التيمم فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذ ، فإنّي سمعت حريزاً يذكر في حديث : أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد توضأ بنبيذ ولم يقدر على الماء» (1) .

   واُجيب عنها بأن المراد بالنبيذ فيها ليس هو النبيذ المعروف لأ نّه نجس فكيف يصح الوضوء بمثله ، حتى أن ابن أبي عقيل أيضاً لا يرضى بذلك ، بل المراد به على ما في بعض الأخبار (2) هو الماء المطلق الذي تلقى عليه تمرة أو تمرتان أو كف من التمر حتى يكتسب بها ما يمنع عن تسرع الفساد إليه ، من دون أن يخرج بذلك عن الاطلاق ، فضلاً عن أن يتصف بالاسكار أو يحكم عليه بالنجاسة .

   ولا يخفى ما في هذا التأويل والجواب من المناقشة فإنّ ما يسمّى بالنبيذ لو كان كما ذكره المجيب ماءً مطلقاً ـ  لوضوح أنّ إلقاء كف من التمر على الماء لا يخرجه عن الاطلاق  ـ لما كان معنى محصل لقوله (عليه السلام) في الرواية : «فإن لم يقدر على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 202 / أبواب الماء المضاف ب 2 ح 1 .

(2) وهو رواية الكلبي النسابة ، انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن النبيذ ؟ فقال : حلال فقال: إنّا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك . فقال : شه شه تلك الخمرة المنتنة . قلت : جُعلت فداك فأي نبيذ تعني ؟ فقال : إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تغير الماء وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره . فقلت : وكم كان عدد التمر الذي في الكف ؟ قال : ما  حمل الكف فقلت : واحدة أو اثنتين ؟ فقال : ربّما كانت واحدة وربّما كانت اثنتين ، فقلت : وكم كان يسع الشن ماء ؟ فقال : ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك . فقلت : بأي الأرطال ؟ فقال : أرطال مكيال العراق . الوسائل 1 : 203 / أبواب الماء المضاف ب 2 ح 2 .

ــ[23]ــ

الماء وكان نبيذ ...» فإن النبيذ على هذا ماء مطلق ، فما معنى عدم القدرة على الماء كما هو واضح ، فهذا الجواب على خلاف مفروض الرواية حيث فرض فيها عدم القدرة على الماء ، ففرض النبيذ من الماء المطلق والقدرة عليه خلاف مفروضها .

   فالصحيح في الجواب عن الرواية أن يقال : إنّه لم يعلم أن عبدالله بن المغيرة رواها عن أحد المعصومين (عليهم السلام) فإنّه نقلها عن بعض الصادقين والمراد به بعض العدول ، لأن صيغة الصادقين التي هي صيغة جمع في الرواية ـ  لمكان البعض  ـ لم يرَ استعمالها وارادة الأئمة منها في شيء من الموارد . نعم ، الصادقين بصيغة التثنية يطلق على الباقر والصادق (عليهما السلام) من باب التغليب كالشمسين والقمرين ، وقد عرفت أن الصادقين في المقام ليس بتثنية . وبالجملة أن تعبيره ببعض الصادقين مشعر بعدم ارادته المعصوم (عليه السلام) هذا أوّلاً .

   وثانياً : لو سلمنا أ نّه رواها عن الإمام (عليه السلام) فلم يظهر أن ذيلها ـ  وهو ما  اشتمل على حكم الوضوء بالنبيذ  ـ منه (عليه السلام) ولعلّه مما أضافه عبدالله بن المغيرة من عنده نقلاً عن حريز . ولم يعلم أن الواسطة بين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحريز من هو ؟ وهذا الاحتمال يسقط الرواية عن الاعتبار ، ومعه لا يمكن إثبات حكم مخالف للقواعد بمثلها .

   وثالثاً : هب أن ذيل الرواية من الإمام (عليه السلام) لكنه لم يظهر منها إمضاؤه لما نقله عن حريز ، فإنّه لو كان مورداً لامضائه لما كان وجه لاسناده إلى حريز ، بل كان يحكم بعدم البأس من قبله ، فاسناده ذلك إلى حريز مشعر بعدم رضائه وأ نّه نقله تقية حيث ظهر من حكمه بعدم جواز الوضوء باللّبن أ نّه لا يرضى بالوضوء بالنبيذ النجس بطريق أولى ، وكأ نّه تصدى لدفع هذا الاستظهار بإظهاره الموافقة مع العامّة بنقل ما حكاه حريز عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهذا بناءً على صحّة ما  نسبه بعض أصحابنا إلى العامّة من ذهابهم إلى جواز الوضوء بالنبيذ (1) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي الخلاف 1 : 55 بعد حكمه بعدم جواز الوضوء بشيء من الأنبذة المسكرة ما هذا نصّه : وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة بجواز التوضي بنبيذ التمر إذا كان مطبوخاً عند عدم الماء وهو قول أبي يوسف . وقال محمد : يتوضّأ به ويتيمّم . وقال الأوزاعي : يجوز التوضي بسائر الأنبذة .

ــ[24]ــ

   ولكنا لم نقف عليه في الفقه على المذاهب الأربعة ولا نكتفي بذلك في الجزم بعدم صحّة النسبة ، فلا بدّ في تحقيق ذلك من مراجعة كتبهم المفصلة (1) . وعلى الجملة فلا يثبت بهذه الرواية على علاتها حكم مخالف لما كاد أن يكون ضرورياً من مذهب الشيعة ، هذا كلّه في المسألة الاُولى .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net