اشتراط تأخر الصلاة عن التكفين - حكم تقديم الصلاة على الكفن 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5849


ــ[195]ــ

   [ 944 ] مسألة 3 : يشترط أن تكون بعد الغسل والتكفين (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيحاً إلاّ أنه استشكل في المقام في إجزائه وهذا هو الصحيح ، لما قدّمناه من أن ما دلّ على مشروعية عبادات الصبي لا يدل على كونها مجزئة عن المكلفين ، بل مقتضى إطلاق الدليل وجوبها عليهم أتى بها الصبي أم لم يأت بها ، وعلى تقدير عدم الإطلاق في البين فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم جواز الاكتفاء بعمل الصبي (1) .

    لزوم كون الصلاة بعد التكفين

   (1) أما كون التكفين بعد الغسل فقد تقدم الكلام فيه في بحث التكفين وذكرنا أن التغسيل مقدم على التكفين .

   وأما كون الصلاة بعد التكفين وقبل الدّفن فلأن الأخبار الواردة في الشهيد من أنه إذا أدركه المسلمون وبه رمق غسل وكفن وصُلِّي عليه ويدفن(2) وهكذا ما ورد في أكيل السبع ونحوه من أنه «يغسل ويكفن ويُصلّى عليه ويدفن»(3) وإن لم تكن لها دلالة على كون الصلاة مترتبة على الكفن وترتب الدّفن على الصلاة ، لأنه إنما عطف بالواو وهي لا تدل على الترتيب ، إلاّ أن الإمام (عليه السلام) في تلك الأخبار كان في مقام البيان ، وقد ذكر في جميعها الكفن عقيب الغسل والصلاة عقيب الكفن وذكر الدّفن في الأخير ، وهذا يدلنا على كونها اُموراً مترتبة ، إذ لولاه لذكر الصلاة مثلاً متقدمة على الكفن في بعضها ، هذا .

   على أ نّا اسـتفدنا من الأخبار أن الدّفن آخر ما يجب من الأفعال في التجهيز كما يأتي بيانه ، كما أ نّا استفدنا أن الكفن متقدّم على الدّفن وأنه قبل الصلاة ، ونتيجة ذلك العلم بأن الصلاة إنما هي بعد الكفن وقبل الدّفن فلا تجوز الصلاة بعد الدّفن إلاّ في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة  8 : 291 ، 374 .

(2) الوسائل 2 : 506 / أبواب غسل الميِّت ب 14 .

(3) الوسائل 3 : 134 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 1 ، 5 .

ــ[196]ــ

مورد نسيانها قبل الدّفن .

   ويدل على ذلك ارتكاز تقدم الصلاة على الدّفن وعقيب التكفين في أذهان المتشرعة ، لما ورد في موثقة عمار بن موسى قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر ، فاذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس عليهم إلاّ إزار ، كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه (به) ؟ قال : يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللبن وبالحجر ، ثم يصلى عليه ثم يدفن ، قلت : فلا يصلى عليه إذا دفن ؟ فقال : لا يصلى على الميِّت بعد ما يدفن ، ولا يصلّى عليه حتى توارى عورته» (1) .

   فانها مضافاً إلى دلالتها على كون الصلاة قبل الدّفن تدلنا على أن الصلاة بعد التكفين أمر مرتكز عند المتشرعة ، والإمام (عليه السلام) قررهم على هذا الارتكاز إذ لولا ذلك لم يكن وجه للسؤال عن كيفية الصلاة على الميِّت في الرواية بوجه ، فان الصلاة عليه كالصلاة على غيره من الأموات ، ولا ميز بينه وبين غيره إلاّ في أنه غير مكفن فسألوا عن أنه كيف يصلى عليه وهو غير مكفن .

   واحتمال أن يكون السؤال من جهة كونه مكشوف العورة فيقع نظرهم عليه ومن ثمة سألوا عن كيفية الصلاة عليه ، مندفع بأنه يمكن أن يصلى عليه مع غض البصر وعدم النظر إلى عورته ، أو بجعل لبن عليها خارج القبر فلا يكون هذا منشأ للسؤال .

   ثم إن ممّا ينبغي التنبيه عليه أن الرواية نقلها الشيخ مرتين ، فتارة بإسناده عن ابن أبي نصر البزنطي عن هارون بن مسلم واُخرى عن البزنطي عن مروان بن مسلم(2) وكذلك في الوسائل ، والرجلان كلاهما موثقان ، إلاّ أن واقع الأمر أن المروي عنه هو مروان بن مسلم لا هارون ، وذلك :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 131 / أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1 .

(2) لاحظ التهذيب 3 : 179 / 406 ، 327 / 1022 ، إذ الراوي في كلا الموردين هو مروان .

ــ[197]ــ

فلا تجزئ قبلهما ولو في أثناء التكفين عمداً كان أو جهلاً أو سهواً (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أوّلاً : لبعد أن ينقل البزنطي رواية واحدة بعين ألفاظها عن شخصين .

   وثانياً : أن هارون من أصحاب العسكري (عليه السلام) والبزنطي من أصحاب الرضا (عليه السلام) فكيف يمكنه الرواية عن هارون ؟ فيتعين أن يكون المروي عنه هو مروان .

   وممّا يشهد على ما ذكرناه أن البزنطي لم يذكر كونه رواياً عن هارون ، وأن ابن فضال يروي عن مروان من دون شبهة ، وابن فضال والبزنطي في طبقة واحدة لأن الفاصل بين موتيهما بضع شهور ـ  أي أقل من سنة  ـ فيمكن أن يروي البزنطي عن مروان أيضاً .

   ويؤكِّده أن الكليني رواها باسناده عن مروان لا هارون .

   والذي يسهل الخطب أن الرواية بهذا الطريق ـ صح أم لم يصح ـ يغنينا عنها روايتها بطريق الصدوق ، حيث رواها باسناده عن عمار بن موسى من دون توسط هارون أو مروان (1) ، وطريقه إلى عمار معتبر .

    عدم إجزاء الصلاة قبل التكفين

   (1) تقدّم أن الصلاة يعتبر وقوعها عقيب التكفين ، فلو فرضنا أنه قدم الصلاة على التكفين جهلاً أو نسياناً أو أتى بها في أثناء التكفين فهل تجب إعادتها بعد التكفين أو لا تجب بل يكفي ما أتى به جهلاً أو نسياناً ؟

   الصحيح وجوب الإعادة بعد التكفين ، وذلك أما في صورة الجهل سواء كان في الشبهات الموضوعية أو الحكمية فلأن الحكم الواقعي في موارد الجهل باق بحاله ، وما أتى به إنما كان مأموراً به بالأمر الظاهري ، وقد تقدم مراراً أن الأحكام الظاهرية غير مجزئة عن الأحكام الواقعية فلا بدّ من إعادة الصلاة بعد التكفين. وأما حديث لا تعاد فهو مختص بصلاة ذات ركوع وذات سجود ولا يأتي فيما لا ركوع ولا سجود فيه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 1 : 104 / 482 .

ــ[198]ــ

   وأمّا في موارد النسيان فقد يقال بعدم وجوب الإعادة بعد التكفين ، نظراً إلى أن التكليف يرتفع في موارد النسيان واقعاً ، لاستحالة تكليف الناسي والغافل حين نسيانه ، وبعدما ارتفع عنه الأمر بالصلاة واقعاً حال نسيانه يحتاج عوده بعد الارتفاع وبعد التكفين إلى دليل عليه ، بل مقتضى حديث رفع النسيان عدم وجوب الإعادة في المقام .

   ويرد عليه : أن الناسي وإن لم يمكن تكليفه حال نسيانه إلاّ أنه في المقام لا يقتضي رفع الحكم الواقعي لنحتاج في عوده إلى دليل ، وذلك لأن ما تعلق به التكليف لم يتعلق النسيان به وما تعلق به النسيان لم يتعلق التكليف به .

   والسر في ذلك : أن المكلف به هو الطبيعي الجامع بين الأفراد الطولية والعرضية بين التكفين والدّفن ، وهذا مما لم يتعلق به النسيان لتوجّه المكلف إلى وجوبه ، وإنما تعلق النسيان بالفرد وما أتى به قبل التكفين ، والفرد لم يتعلق به التكليف بوجه ، ومعه إذا التفت بعد التكفين إلى أنه قد صلّى قبله فمقتضى إطلاق ما دل على وجوب الصلاة على الميِّت بعد التكفين وجوب الإعادة لا محالة .

   وهذا نظير ما لو غفل المكلف عن وجوب صلاة الظهر في ساعة ، فانه لا يمكن أن يقال إن التكليف بصلاة الظهر قد ارتفع عن المكلف بنسيانه وبعد تلك الساعة لو التفت لم تجب عليه الصلاة إذ لا دليل على عود التكليف بعد الارتفاع . ولا وجه له سوى أن ما تعلق به النسيان ليس إلاّ فرداً من أفراد الصلاة ، وهو ليس بمتعلق التكليف ليرتفع بنسيانه ، وإنما المتعلق هو الجامع بين أفرادها الطولية والعرضية وهو مما لم يتعلق النسيان به .

   ومن هنا قلنا إن مقتضى القاعدة الأولية وجوب الإعادة عند نسيان جزء أو شرط من الصلاة ، لأن ما تعلق به النسيان غير مأمور به والمأمور به هو الطبيعي الجامع بين أفرادها الطولية والعرضية بين المبدأ والمنتهى كالزوال والمغرب مثلاً ، فاذا التفت إلى الحال بعد ذلك الفرد وجبت عليه الإعادة والإتيان بالطبيعي المأمور به بجميع ما يعتبر فيه من القيود والأجزاء .

   نعم لا نلتزم في تلك الموارد بوجوب الإعادة بمقتضى حديث لا تعاد وإن كانت




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net