حكم حمل الميتين على سرير واحد - دفن الميتين في قبر واحد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6229


ــ[309]ــ

كما لا يجوز ((1)) الدّفن في قبر الغير قبل اندراس ميّـته (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   بل يمكن أن يقال : إن الدّفن في المساجد مزاحم للعبادة فيها ، لأن الصلاة على القبر مكروهة ، وجعل المسجد مدفناً يوجب منقصة فيه وهي تنافي العبادة التي لأجلها جعلت الأرض مسجداً ، كما أن الدّفن إذا كثر كرهت الصلاة فيه ، لأنها من الصلاة بين القبور وهي مكروهة ، نعم لو دفن في المسجد على نحو لا يصدق عليه عنوان القبر كما إذا دفن فيه بفرسخ من قعر الأرض لم يكن به بأس .

   وما يقال من أن المساجد مساجد من تخوم الأرض إلى عنان السماء فهو مما لم يثبت بدليل ، نعم ورد ذلك في الكعبة وأنها كذلك من تخوم الأرض إلى عنان السماء (2) ، إلاّ أنه ضعيف ، فهذا المعنى لم يثبت بدليل معتبر في البيت الحرام فضلاً عن المساجد .

   (1) سيتضح الوجه في ذلك في ضمن المسألة الآتية فلاحظ .

    كراهة حمل الميِّتين

   المعروف بينهم كراهة حمل الميِّتين : الرجل والمرأة على سرير واحد . وقد استدل عليه بالمرسلة الناهية عن ذلك ، إلاّ أن الرواية مما لم يثبت لها أصل ، على أن الرواية لو كانت موجودة لا يمكن الاعتماد عليها لإرسالها .

   نعم ورد في صحيحة محمد بن الحسن الصفار قال : «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : أيجوز أن يجعل الميِّتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس ، وإن كان الميِّتان رجلاً وامرأة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما ؟ فوقع (عليه السلام) : لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد» (3) وهي من حيث الدلالة والسند ظاهرة لا إشكال فيها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه منع ، بل الظاهر الجواز إذا كان القبر منبوشا .

(2) الوسائل 4 : 339 / أبواب القبلة ب 18 ح 3 .

(3) الوسائل 3 : 208 / أبواب الدّفن ب 42 ح 1 .

ــ[310]ــ

    دفن الميِّتين في قبر واحد

   وأما دفن الميِّتين في قبر واحد فقد استدلوا على كراهته بتلك الرواية ، لأن حمل الميِّتين على سرير واحد إذا كان مكروهاً لدى الشارع مع كون المدة ـ مدة الاجتماع والاقتران ـ قليلة فيكون دفنهما في محل واحد مكروهاً بطريق أولى ، لأن المدة فيه طويلة .

   وفيه : أن الرواية أخص من المدعى ، لاختصاصها بما إذا كان أحد الميِّتين رجلاً والآخر امرأة، فلا يستفاد منها الكراهة فيما إذا كان الميِّتان كلاهما رجل أو كلاهما امرأة.

   على أن حملهما في السرير الواحد يستلزم عادة اتصال أحدهما بالآخر بل كون أحدهما فوق الآخر وفيه من الحزازة ما لا يخفى ، وهذا بخلاف ما إذا دفنا في قبر واحد ، لعدم اتصال أحدهما بالآخر ولا كونه فوق الآخر ، بل يجعل أحدهما بجنب الآخر ويفصل بينهما بالتراب . هذا كله فيما إذا دفناهما مرة واحدة .

   وأما إذا كان أحدهما مدفوناً سابقاً واُريد دفن الآخر منه بعد ذلك فقد قالوا بحرمته واستدلّوا عليه بوجوه :

   منها : أن ذلك يستلزم نبش القبر وهو حرام .

   وأورد عليه في المدارك (1) وغيره بأن النبش لازم أعمّ ، وكلامنا إنما هو في جواز الدّفن في القبر بما هو كذلك لا من جهة استلزامه النبش ، كما إذا انفتح القبر بزلزال ونحوه أو جاز نبشه كما إذا ظهر أن الميِّت دفن من دون غسل مثلاً ، فهذا الوجه لا يرجع إلى محصل .

   على أن صاحب الذخيرة(2) ناقش في شمول الإجماع القائم على حرمة النبش للمقام لأنه دليل لبِّي ويقتصر فيه على المقدار المتيقن وهو غير صورة النبش لأجل دفن ميت آخر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 2 : 151 .

(2) الذخيرة : 444  السطر 14 .

ــ[311]ــ

   ومنها : أن الميِّت أحق بالقبر بدفنه فيه فالدّفن الثاني تصرف فيما هو حق الغير وهو غير جائز .

   وفيه : أنه لم يقم دليل على أن القبر حق للميت ، وإنما الثابت جواز دفنه فيه وكونه قبراً له ، وأما أنه حقه بحيث يمنع عن جواز دفن الغير عنده فهو محتاج إلى الدليل .

   ومنها : ما رواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة ، قال «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من جدّد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج عن (من) الإسلام»(1) ، لدلالتها على أن جعل القبر قبراً الذي هو معنى «جدد» محرم وخروج من الإسلام .

   وفيه : أن الرواية غير قابلة للاستدلال بها سنداً ودلالة :

   أمّا سنداً فلأن طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى وإن كان صحيحاً كما مرّ(2) إلاّ أن محمد بن سنان ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه . على أن السند يحتوي على أبي الجارود وهو زياد بن المنذر رئيس الفرقة الجارودية الذي عبّر عنه الباقر (عليه السلام) بسرحوب ، وسرحوب اسم شيطان أعمى يسكن البحر ، وأبو الجارود كان أعمى أيضاً ، وقد ذكر الكشي أنه كان مكفوفاً أعمى ، أعمى القلب(3) ، وقد ورد أنه كذّاب ملعون ، فلا يمكن الاعتماد على روايته (4) .

   وأمّا من حيث الدلالة فلأنه لم يثبت أن لفظ الرواية هل هو «جدد» أو «حدد» بمعنى جعل القبر كقبور العامّة محدّداً ، أي مع التسنيم كما ورد في رواية سعد بن عبدالله (5) . وعن المفيد (قدس سره) (6) أنه «خدد» أي نبش ، أو أنه «حدث» أي جعل القبر قبراً، ومع عدم ثبوت أن لفظة الرواية أي شيء هي لا يمكن الاستدلال بها بوجه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 208 / أبواب الدّفن ب 43 ح 1 ، التهذيب 1 : 459 / 1497 .

(2) في ص 282 ـ 283 .

(3) رجال الكشي : 229 / 413 .

(4) وقد عدل عن ذلك (دام فضله) وبنى على وثاقة الرجل فليراجع المعجم 8 : 335 .

(5) الوسائل 3 : 208 / أبواب الدّفن ب 43 ح 1 .

(6) كما حكاه الشيخ في التهذيب 1 : 459 ذيل ح 1497 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net