صور الشك في الاضافة والاطلاق 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7708


    صور الشكّ في الاضافة والاطلاق

   (1) للمسألة صور عديدة :

   الصورة الاُولى : الشكّ في إطلاق المائع وإضافته من جهة الشبهة الموضوعية . وهو قسمان :

   أحدهما : ما إذا علم إطلاق الماء سابقاً ، ثم اُلقي عليه مقدار ملح أو غيره ، وشكّ في أن الخليط هل كان بمقدار منّ مثلاً كي يخرجه عن الاطلاق ، أو أ نّه أقل من ذلك فالماء باق على إطلاقه ؟ ففي هذه الصورة لا إشكال في جواز الرجوع إلى استصحاب بقاء الاطلاق السابق .

   ثانيهما : عكس ذلك بأن علم إضافة الماء سابقاً ، ثم صبّ عليه مقدار من الماء فشكّ في أن الماء هل كان بمقدار كر مثلاً حتى يخرجه من الاضافة إلى الاطلاق ، أو أ نّه كان أقل من ذلك فهو باق على إضافته ؟ وفي هذه الصورة يرجع إلى استصحاب بقاء الإضافة السابقة ، ويترتب عليه جميع أحكام المضاف كما كان يترتب عليه أحكام الماء المطلق في الصورة المتقدمة .

   الصورة الثانية : ما إذا كان الشكّ في الاطلاق والإضافة من جهة الشبهة الحكمية كما إذا ألقينا مناً من الحليب على منّ من الماء ، وشككنا في أن المركب منهما هل هو من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا كان الشكّ لأمر خارجي كما لعلّه المراد في المسألة ، وأمّا إذا كانت الشبهة مفهومية فلا  يجري الاستصحاب .

(2) الظاهر أ نّه ينجس ، ولا أثر للاحتمال المزبور .

ــ[43]ــ

مصاديق الماء عرفاً ، أو لا ينطبق عليه هذا المفهوم وإن لم يطلق عليه الحليب أيضاً فالشبهة مفهومية حكمية ، وقد تعرضنا لتفصيلها في محلّه ولا نعيد وحاصله : أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات المفهومية في شيء ، أمّا الاستصحاب الحكمي فلأجل الشكّ في بقاء موضوعه وارتفاعه ، وأمّا الاستصحاب الموضوعي فلأ نّه أيضاً ممنوع إذ لا شكّ لنا في الحقيقة في شيء ، لأن الأعدام المنقلبة إلى الوجود كلّها والوجودات الصائرة إلى العدم بأجمعها معلومة محرزة عندنا ، ولا نشكّ في شيء منهما ومعه ينغلق باب الاستصحاب لا محالة لأ نّه متقوّم بالشكّ في البقاء . وقد مثّلنا له في محلّه بالشكّ في الغروب ، كما إذا لم ندر أ نّه هو استتار قرص الشمس أو ذهاب الحمرة عن قمة الرأس ، فاستصحاب وجوب الصوم أو الصلاة لا يجري لأجل الشكّ في بقاء موضوعه، والموضوع أيضاً غير قابل للاستصحاب إذ لا شكّ لنا في شيء، فإن غيبوبة القرص مقطوعة الوجود وذهاب الحمرة مقطوع العدم ، فلا شكّ في أمثال المقام إلاّ في مجرد الوضع والتسمية ، وأن اللفظ هل وضع على مفهوم يعم استتار القرص أو لا ؟

   هذا وإن شئت قلنا : إن استصحاب الحكم لا يجري في الشبهات المفهومية ، لأ نّه من الشبهة المصداقية لدليل حرمة نقض اليقين بالشكّ ، وذلك لأجل الشكّ في بقاء موضوع الحكم وارتفاعه ، فلا ندري أن رفع اليد عن الحكم في ظرف الشكّ نقض لليقين بالشكّ ، كما إذا كان الموضوع باقياً بحاله ، أو أ نّه ليس من نقض اليقين بالشكّ كما إذا كان الموضوع مرتفعاً وكان الموجود موضوعاً آخر غير الموضوع المحكوم بذلك الحكم ، فلم يحرز اتحاد القضيتين : المتيقنة والمشكوكة ، وهو معتبر في جريان الاستصحاب .

   واستصحاب الموضوع أيضاً لا يجري في تلك الشبهات ، لعدم اشتماله على بعض أركانه وهو الشكّ ، فلا شكّ إلاّ في مجرد التسمية ، وعليه فلا بدّ من مراجعة سائر الاُصول ، وهي تقتضي في المقام بقاء الحدث والخبث وعدم ارتفاعهما بما يشكّ في كونه ماء .

   وأمّا انّه هل ينفعل بملاقاة النجاسة أو لا ينفعل ، وتجري فيه قاعدة الطهارة أو

ــ[44]ــ

لا تجري ؟ ففيه تفصيل وذلك لأ نّا إن قلنا بما بنى عليه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) من أن الاسـتثناء إذا علّق على عنوان وجودي وكان المستثنى منه حكماً إلزامياً أو ملزوماً له كما في المقام ، فلا بدّ من إحراز ذلك العنوان الوجودي في الخروج عن الالزام أو ملزومه ، مثلاً إذا نهى السيد عبده عن أن يأذن لأحد في الدخول عليه إلاّ لأصدقائه فلا يجوز له الإذن لأحد في الدخول إلاّ بعد احراز صداقته ، فلا محالة نلتزم بعدم جريان قاعدة الطهارة في المقام ، لأن المستثنى من الحكم بالانفعال عنوان وجودي أعني الكر من الماء وهو غير محرز على الفرض ، واحرازه معتبر في الحكم بعدم الانفعال . وأمّا إذا لم يتم ما أفاده كما لا يتم ذلك لما بيناه في الاُصول ويأتي تفصيله في محلّه فلا مانع من جريان قاعدة الطهارة فيه للشك في طهارته ، هذا فيما إذا كان الخليط بمقدار كر ، وأمّا إذا كان أقل منه فهو محكوم بالانفعال بالملاقاة مطلقاً كان أم مضافاً ولا شكّ في نجاسته .

   الصورة الثالثة : ما إذا توارد على المائع الملاقي للنجس حالتان متضادتان ، كما إذا علمنا بإطلاقه في زمان وإضافته في زمان آخر وشككنا في المتقدم والمتأخر منهما، وقد عرفت أن الاستصحاب الحكمي غير جار في المقام لأجل الشكّ في بقاء موضوعه وارتفاعه ، ومعه لا يجري الاستصحاب في الأحكام لأ نّه من الشبهة المصداقية . وأمّا الاستصحاب الموضوعي فهو أيضاً لا يجري في المقام ، لأ نّه بناء على ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره) لا مجرى له أصلاً ، لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشكّ وإحرازه معتبر عنده (2) ، وأمّا بناء على المختار فهو وإن كان يجرى في نفسه ، إلاّ أ نّه يسقط من جهة المعارضة باستصحاب مقابله ، والنتيجة على كلا المسلكين عدم جريان الاستصحاب على كل تقدير .

   وأمّا قاعدة الطهارة في نفس الماء عند الشكّ في انفعاله فالكلام فيها هو الكلام المتقدم في الصورة الثانية ، إذ لا مجرى لها على مسلك شيخنا الاُستاذ (قدس سره) كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 464 .

(2) كفاية الاُصول : 419 .

ــ[45]ــ

لا مانع من جريانها على مسلكنا . وكذا الحال في الرجوع إلى سائر الاُصول من استصحاب الحدث والخبث ، فإن حالها حال الصورة المتقدمة من هذه الجهات .

   الصورة الرابعة : ما إذا شكّ في إطلاق المائع وإضافته من غير علم بحالته السابقة أو من غير وجود الحالة السابقة أصلاً ، وجريان الاستصحاب في هذه الصورة لاثبات النجاسة مبني على القول بجريان الأصل في الأعدام الأزلية كما بنينا عليه في محلّه وفاقاً لصاحب الكفاية (قدس سره) (1) وعليه فلا بدّ من الحكم بنجاسة المائع المشكوك بالملاقاة .

   وذلك لأن مقتضى الأدلة المتقدمة أن المائعات كلّها يتنجس بالملاقاة وإنّما خرج عنها عنوان الكر من الماء ، فهناك عام قد خصص بعنوان وجودي والمفروض أنا أحرزنا وجود الكر خارجاً ، ولا ندري هل وجد معه الاتصاف بصفة المائية أيضاً أم لم يوجد معه ذاك الاتصاف ؟ والأصل أ نّه لم يتصف به ولم يوجد معه الاتصاف ، لأ نّه قبل أن يوجد لم يكن متصفاً بالماء ، والاتصاف إنّما هو بعد خلقته لا قبلها ، فإن الاتصاف بالماء ليس قديماً بل هو أمر حادث مسبوق بالعدم بالضرورة فيستصحب عدم اتصافه به ، وأ نّه الآن كما كان لا اتصافه بعدمه كما لا يخفى ، فإذا ثبت عدم اتصافه بعنوان المخصص وهو الماء الكر ، فيبقى المائع تحت عموم ما دلّ على انفعال المائعات بالملاقاة ، كما ذكرنا نظيره في الشكّ في قرشية المرأة وعدمها .

   وأمّا إذا منعنا عن جريان الأصل في الأعدام الأزلية كما عليه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (2) خلافاً لصاحب الكفاية وما اخترناه ، فلا مانع من الحكم بطهارة المائع المشكوك بقاعدة الطهارة أو استصحابها ، فإن المانع عنهما ليس إلاّ استصحاب عدم المائية المقتضي لاحراز موضوع النجاسة ، وقد فرضنا عدم جريانه ، وكم لجريان الأصل في الأعدام الأزلية من فوائد وثمرات في باب الطهارة ، وتأتي الإشارة إليها في مواردها إن شاء الله تعالى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 223 .

(2) أجود التقريرات 1 : 464 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net