تغيّر بعض الماء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7180


    تغيّر بعض الماء

   (1) فهل يحكم بطهارته لأجل اتصاله بالكر وهو عاصم ولا يشترط فيه الامتزاج أو لا يحكم بطهارته حتى يمتزج مع الكر المتصل به لعدم كفاية مجرد الاتصال في طهارة ما زال عنه تغيره ؟

   ربّما يستدل على طهارته من دون مزج بأن الماء الواحد لا يحكم عليه بحكمين متضادين بالإجماع ، فإمّا أن يقال بنجاسة الجميع أو يقال بطهارته ، لا سبيل إلى الأوّل لمكان الأدلّة الدالّة على اعتصام الكر غير المتغيّر بشيء لأن الباقي على الفرض كر لم يتغيّر في أحد أوصافه ، فيتعيّن الثاني أعني القول بطهارة الجميع وهو المطلوب .

   وفيه : أن هذه الدعوى ـ  الماء الواحد لا يحكم عليه بحكمين  ـ لم تثبت بدليل وعهدتها على مدّعيها ، ولا يقين لنا بصدورها من المعصوم (عليه السلام) فأي مانع من الالتزام بنجاسة الجانب المتغيّر من الماء وطهارة الباقي ، فالقول بطهارة الجميع كالقول بنجاسة الجميع يحتاج إلى إقامة الدليل عليه .

   ويمكن أن يستدل على طهارة الجميع بالأخبار الواردة في ماء الحمّام لدلالتها على طهارة ماء الأحواض الصغيرة بمجرد اتصاله بمادته ، وإطلاقاتها تشمل الدفع والرفع والحدوث والبقاء ولتوضيح ذلك نقول :

   الروايات الواردة في ماء الحمّام على طائفتين :

ــ[76]ــ

   إحداهما : ما دلّ على أن سبيله سبيل الجاري (1) وهذه الطائفة خارجة عن محل الكلام .

   وثانيتهما : ما دلّ على اعتصام ماء الحمّام لاتصاله بالمادّة ، وهي موثقة حنان قال : «سمعت رجلاً يقول لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أدخل الحمّام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك فأقوم فأغتسل، فينتضح عليّ بعد ما أفرغ من مائهم ؟ قال : أليس هو جار ؟ قلت : بلى، قال : لا بأس»(2). حيث نفت البأس في صورة جريانه واتصاله بمادته فإن جريانه إنّما هو باعتبار اتصاله بالمادّة بانبوب ونحوه ، وهي لأجل ترك الاستفصال مطلقة فتعم الدفع والرفع بمعنى أ نّه إذا اتصل بالمادّة يطهر سواء أ كان الماء متنجساً قبله أم لم يكن وسواء وردت عليه النجاسة بعد اتصاله أم لم ترد ، فهو محكوم بالطهارة على كل حال ، وهي كما ترى تقتضي عدم اعتبار الامتزاج ، فإنّ المادّة بمجرّد اتصالها بماء الحياض لا تمتزج به بل يتوقّف على مرور زمان لا محالة . وبالجملة أ نّها تدل على كفاية الاتصال .

   وبتلك الطائفة الثانية نتعدى إلى أمثال المقام ونحكم بطهارة الماء بأجمعه عند زوال التغيّر عن الجانب المتغيّر :

   إمّا للقطع بعدم الفرق بين ماء الحمّام وغيره في أن مجرد الاتصال بالعاصم يكفي في طهارة الجميع ، إذ لا خصوصية لكون المادّة أعلى سطحاً من الحياض .

   وإمّا من جهة تنصيص الأخبار بعلّة الحكم بقولها : لأن لها مادّة ، والعلّة متحقِّقة في المقام أيضاً ، إذ المفروض أن للجانب المتغيّر جانباً آخر كرّاً وهو بمنزلة المادّة له .

   وإمّا من جهة دلالة الأخبار المذكورة على أن عدم انفعال ماء الحياض مستند إلى اتصالها بالمادّة المعتصمة فهي لا تنفعل بطريق أولى ، وبما أن الجانب الآخر كر معتصم في مفروض الكلام ، فالاتصال به أيضاً يوجب الطهارة لا محالة . وهذا الاستدلال هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة داود بن سرحان : قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في ماء الحمّام ؟ قال : هو بمنزلة الماء الجاري» وورد في رواية ابن أبي يعفور «إنّ ماء الحمّام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً» المرويّتين في الوسائل 1 : 148 / أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1 ، 7 .

(2) الوسائل 1 : 213 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8 .

ــ[77]ــ

الذي ينبغي أن يعتمد عليه دون الاجماع المدعى للعلم بمدرك المجمعين ، ولا الروايات النبويات لعدم ورودها من طرقنا بل ولم توجد من طرقهم أيضاً .

   ومن جملة ما يمكن أن يستدل به في المقام : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأن له مادّة»(1) والمراد بأن ماء البئر واسع ... أ نّه ليس بمضيّق كالقليل حتى ينفعل بالملاقاة فيكون مرادفاً لعدم فساده في قوله (عليه السلام) لا يفسده شيء ... وكيف كان فقد دلت على طهارة ماء البئر إذا زال عنه تغيّره لأجل اتصاله بالمادّة ، وبتعليلها يتعدى عن البئر إلى غيرها من الموارد .

   وعن شيخنا البهائي (قدس سره) (2) أن الرواية مجملة ، إذ لم يظهر أن قوله (عليه السلام) «لأن له مادّة» علّة لأي شيء فإن المتقدم عليه اُمور ثلاثة : ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، فينزح حتى يذهب ، ومجموع الجملتين .

   فإن أرجعنا العلّة إلى صدرها فمعناه : أن ماء البئر واسع لا يفسده شيء لأن له مادّة ، فتدل على أن ما له مادّة لا ينفعل بشيء ، وأمّا أ نّه إذا تنجس ترتفع نجاسته بأي شيء فلا تعرض له في الرواية ، فتختص بالدفع ولا تشمل الرفع .

   وإذا أرجعناها إلى ذيلها فيكون حاصل معناه : أن البئر ليست كالحياض بحيث إذا نزح منها شيء بقي غير المنزوح منها على ما كان عليه من الأوصاف ، بل البئر لاتصالها بالمادّة إذا نزح منها مقدار تقل رائحة مائها ويتبدل طعمه لامتزاجه بالماء النابع من المادّة ، فالعلّة تعليل لزوال الرائحة والطعم بالنزح ، وعليه فهي أجنبية عن الحكم الشرعي ، وإنّما وردت لبيان أمر عادي يعرفه كل من ابتلى بالبئر غالباً ، وهو تقليل رائحة المتغيّر وطعمه في الآبار بالنزح .

   ويحتمل أن يرجع التعليل إلى طهارة ماء البئر ومطهّريتها بعد زوال تغيّرها بالنزح ، إذ لو لا ذلك لما كان للأمر بنزح البئر وجه ، فإن زوال تغيّرها إن لم يكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 172 / أبواب الماء المطلق ب 14 ح 6 .

(2) حبل المتين : 117 .

ــ[78]ــ

مجدياً في رفع نجاستها فلا غرض لنا في نزح مائها ، وأي مانع من بقائها على تغيّرها وحيث أمروا (عليهم السلام) بنزحها فمنه نستكشف أن الغرض إذهاب رائحة مائها وطعمه حتى يطهر لأجل اتصاله بالمادّة ، وعلى هذا تعم الرواية لكل من الدفع والرفع وتكون مبينة لعلّة ارتفاع النجاسة عنها بعد انفعالها وهي اتصالها بالمادّة المعتصمة التي لا تنفعل بملاقاة النجس .

   ويحتمل أن تكون العلّة راجعة إلى أمر رابع ، وهو مجموع الصدر والذيل بالمعنى المتقدم ومعناه : أن ماء البئر واسع لا يفسده شيء وترتفع نجاسته بالنزح ، وكلاهما من أجل اتصاله بالمادّة . وهذه جملة الاحتمالات التي نحتملها في الرواية بدواً ، وبها تتصف بالاجمال لا محالة .

   والصحيح منها : ما ذكرناه من أن الرواية تدل على كفاية مجرد الاتصال بالمادّة في طهارة الماء بعد زوال تغيّره بيان ذلك : أن إرجاع التعليل إلى صدر الرواية خلاف الظاهر ـ  وإن كان لا بأس به على تقدير اتصاله بالصدر  ـ لما ذكرناه في تعقب الاستثناء جملاً متعدّدة ، من أن رجوعه إلى خصوص الجملة الاُولى خلاف الظاهر حيث لا خصوصية للاستثناء في ذلك وحال سائر القيود المتعقبة للجمل هو حال الاستثناء بعينه ، فإذا ورد صم وسافر يوم الخميس ، فرجوع يوم الخميس إلى الجملة المتقدِّمة خاصّة خلاف الظاهر على ما  فصّلناه في محلّه (1) . كما ان رجوع التعليل إلى ذيل الصحيحة بالمعنى المتقدم حتى يكون تعليلاً لأمر عادي يعرفه كل أحد مستبعد عن منصب الإمام (عليه السلام) جداً ، فإن ما هذا شأنه غير جدير بالتعليل ، حيث إنّ وظيفة الإمام (عليه السلام) إنّما هي بيان الأحكام ، وأمّا بيان علاج المتغيّر وإزالة خاصيتها فهو غير مناسب لمقام الإمامة ، ولا تناسبه وظيفته .

   فيدور الأمر بين احتمال رجوعها إلى الذيل بالمعنى الثاني الشامل لكل من الدّفع والرّفع ، واحتمال رجوعها إلى مجموع الصدر والذيل ، وعلى كل تدل الرواية على كفاية الاتصال بالمادّة في طهارة المتغيّر بعد زوال تغيّره ، وذلك لأن الإمام (عليه السلام)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 304 .

ــ[79]ــ

   [ 86 ] مسألة 14 : إذا وقع النجس في الماء فلم يتغيّر ، ثم تغيّر بعد مدّة فإن علم استناده إلى ذلك النجس تنجس ، وإلاّ فلا (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 بصدد بيان طهارة ماء البئر بعد زوال تغيره لأجل اتصاله بالمادّة فإن ماء البئر إذا نزح منه شيء وإن امتزح بما نبع من المادّة لا محالة إلاّ أ نّه (عليه السلام) لم يعلل طهارته بامتزاجهما بل عللها بأن له مادّة بمعنى أ نّها متصلة بها ، ونستفيد من ذلك أن مجرّد الاتصال بالعاصم يكفي في طهارة أي ماء من دون أن يعتبر فيها الامتزاج وإن كان هو يحصل بنفسه في البئر لا محالة . والنزح حتى يذهب .. مقدمة لزوال تغيّره واتصاله بالمادّة ، ومن هنا لو زال عنه تغيّره بنفسه أو بعلاج آخر غير النزح نلتزم بطهارته أيضاً لاتصاله بالمادّة ، وهو ماء لا تغيّر فيه وعليه فيتعدى من البئر إلى كل ماء متغيّر زال عنه التغيّر وهو متصل بالمادّة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net