المتيمم لغاية بحكم الطاهر مع بقاء العذر ما لم ينتقض 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4405


   [ 1147 ] مسألة 9 : إذا تيمّم لغاية من الغايات كان بحكم الطاهر ما دام باقياً لم ينتقض وبقي عذره ، فله أن يأتي بجميع ما يشترط فيه الطّهارة (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   منها :  من أخّر الصلاة متعمداً حتّى ضاق وقتها بحيث لم يمكنه الوضوء أو الاغتسال . وقد قدّمنا أنّ مقتضى القاعدة حينئذ سقوط الصلاة عنه ، لعدم تمكّنه من الصلاة الواجبة في حقّه وهي الصلاة مع الطّهارة المائية . إلاّ أ نّا علمنا أنّ المكلّف لا تسقط عنه الصلاة بحال ، ومن ثمة وجبت عليه الصلاة مع الطّهارة الترابية وإن كان عاصياً بتفويته الصلاة مع الطّهارة المائية .

   ومنها :  من أراق الماء الموجود عنده مع العلم بعدم تمكّنه منه إلى آخر الوقت ، أو كان على طهارة فأحدث بالجنابة أو بغيرها مع العلم بعدم تمكّنه من الماء إلى آخر الوقت فيجب عليه الصلاة بطهارة ترابية أيضاً .

   ومنها :  من ترك الفحص الواجب في حقّه إلى آخر الوقت فيجب عليه أيضاً أن يتيمّم ويصلِّي إن كان الماء موجوداً في محل الطلب واقعاً . فانّه في هذه الموارد لا مانع من إعادة الصلاة بعد التمكّن من الماء احتياطاً .

    المتيمم لغاية بحكم الطاهر

   (1) هذا هو المعروف عندهم ، وخالف فيه بعضهم فذهب إلى أنّ المتيمم ليس له الدخول في المساجد أو اجتياز المسجدين أو مسّ الكتاب مستدلاًّ بقوله تعالى: (وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيل حَتَّى تَغْتَسِلُوا )(1) حيث جعل الغاية لحرمة دخول المساجد أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النِّساء 4 : 43 .

ــ[354]ــ

غيره هي الاغتسال دون التيمّم ، فلو كان التيمّم غاية أيضاً لجعلته الآية غاية اُخرى ومقتضى إطلاقها عدم كون الغاية غير الاغتسال .

   والصحيح هو ما ذهب إليه المشهور في المسألة . وتوضيحه :

   أنّ التيمّم إن قلنا بكونه رافعاً للجنابة كالاغتسال وإن كان رفعه مؤقتاً ـ  فإذا وجد الماء حكم بجنابته ، وليس هذا لأن وجدان الماء من أسباب الجنابة ، لانحصار سببها بالأمرين المعروفين ، بل من جهة السبب السابق على التيمّم ، وإنّما حكم بارتفاع جنابته مؤقتاً مادام معذوراً عن الماء  ـ فلا وجه للمناقشة المذكورة ، لأنّ التيمّم كالاغتسال ، إذ  كما أنّ الاغتسال غاية لارتفاع موضوع الجنابة وتبدله بغير الجنب نظير الغاية في قوله تعالى : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )(1) أي حتّى يتبدّل يُتمه بالبلوغ فيرتفع موضوع الصغر ، لأنّ الغاية ليست غاية لارتفاع الحكم مع بقاء الموضوع بحاله بل غاية لارتفاع موضوعه ، كذلك الحال في التيمّم ، فانّه موجب لارتفاع موضوع الجنابة أيضاً وتبدلها بغيرها فيسوغ له دخول المساجد واجتياز المسجدين ونحوهما من الغايات المتوقفة على الطّهارة وعدم الجنابة . فالمناقشة المذكورة ليست في محلها .

   وإن قلنا بكون التيمّم رافعاً للحدث لا للجنابة فان الجنب على قسمين : متطهر وغير متطهر ، والمتيمم جنب متطهر فهو غير رافع لموضوع الجنابة ، بل رافع للحدث فقط فيسوغ به كل غاية مترتبة على الطّهارة وعدم الحدث دون الآثار المترتبة على عدم الجنابة . فللمناقشة المذكورة وجه وجيه ، لأن دخول المساجد في الآية المباركة مترتب في حقّ الجنب على الاغتسال أي على عدم(2) تبدل موضوع الجنابة بغيرها .

   وحيث إنّ المفروض بقاء الجنابة بحالها مع التيمّم فلا يسوغ له الدخول في المساجد حتّى يغتسل ويرتفع موضوع الجنابة ويتبدل بغيرها ، إذ المفروض أنّ التيمّم يرفع الحدث لا الجنابة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنعام 6 : 152 .

(2) الظاهر زيادة كلمة (عدم) .

ــ[355]ــ

   ولعلّه لأجل ذلك استشكل العلاّمة في التيمّم للصيام(1) ، لأن موضوع المفطر فيه هو البقاء على الجنابة ، وهذا لا يرتفع بالتيمّم وإن ارتفع به الحدث ، ولكن لم يرتب الحكم فيه على البقاء على الحدث ليرتفع بالتيمّم ، بل الموضوع هو البقاء على الجنابة وهي لا ترتفع بالتيمّم . ومن هنا احتطنا في الصوم وقلنا إنّ التيمّم أحوط ، ولم نقل إنّه أقوى .

   ولكن يدفع هذا الاحتمال أنّ المرتكز في أذهان المتشرعة ومقتضى مناسبة الحكم والموضوع أنّ المراد بالاغتسال في الآية الكريمة هو طلب تحصيل الطّهارة ورفع الحدث لا الاغتسال بما هو اغتسال ، ولذا عبرت آية التيمّم عنه بالتطهّر ، قال عزّ من قائل : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )(2) فجواز الدخول في المساجد كالدخول في الصلاة وغيرهما من الغايات مترتبة على طلب الطّهارة أي على رفع الحدث لا على ارتفاع الجنابة بما هي جنابة .

   فتندفع المناقشة المذكورة ، فانّ التيمّم تحصيل للطهارة ورافع للحدث كالاغتسال فتصح به كل غاية تصح مع الاغتسال ، فلو تيمّم المجنب كفى في صحّة صومه ، لأنّ الموضوع فيه وإن كان هو البقاء على الجنابة إلاّ أن رافعها هو الاغتسال بمعنى طلب الطّهارة ورفع الحدث ، وهذا يتحقق بالتيمّم أيضاً .

   ويؤكّد ما ذكرناه أنّ السيرة قد جرت على ترتيب تلك الغايات على التيمّم ، لأنّ الابتلاء بالتيمّم بدلاً عن غسل الجنابة من أجل المرض أو فقدان الماء أو غيرهما من المسوغات كثير في زماننا وفي الأزمنة المتقدمة ، وهم كانوا يدخلون المساجد ويقيمون فيها الصلاة ، فلو كان دخول المساجد محرماً على المتيمم الجنب لبان حكمه وذاع واشتهر .

   هذا وقد ورد في بعض الأخبار(3) ـ  بل أفتى به بعضهم  ـ جواز إمامة الجنب المتيمم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهاية الإحكام 1 : 215 ، المنتهى 3 : 148 .

(2) المائدة 5 : 6 .

(3) الوسائل 8 : 327 /  أبواب صلاة الجماعة ب 17 .

ــ[356]ــ

إلاّ إذا كان المسوغ للتيمم مختصّاً بتلك الغاية كالتيمم لضيق الوقت فقد مرّ أ نّه لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ولا قراءة العزائم ولا الدخول في المساجد ، وكالتيمم لصلاة الميّت أو للنوم مع وجود الماء .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لغيره ، فيدلّنا هذا على أن رفع الحدث بالتيمّم كاف في ترتيب الآثار المترتبة على الطّهارة وغير الجنب ، وأ نّه مانع عنها بما هو حدث لا بما هو جنابة .

   وأمّا لو قلنا بأنّ التيمّم مبيح للدخول في الصلاة فللمناقشة المتقدمة وجه قوي وذلك لأن إباحة الدخول مع التيمّم مختصّة بالصلاة فلا يباح به الدخول في المساجد وغيره من الغايات المترتبة على الطّهارة ، فهو تخصيص في دليل اشتراط الصلاة بالطهور فلا يباح به غير الدخول في الصلاة من الغايات ، هذا .

   ولكن الظاهر عدم تمامية هذه المناقشـة على هذا الاحتمال أيضاً ، لأ نّه إن أريد بذلك أنّ التيمّم ليس بطهارة أصلاً فيدفعه الأخبار المتطابقة على أ نّه طهور ، وأ نّه فَعَلَ أحد الطهورين ، وأن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد (1) . فهو طهارة بالتنزيل وإن كان بحسب النتيجة تخصيصاً فيما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهور إلاّ أ نّه بحسب اللب لا  بحسب منطوق الروايات .

   وإن اُريد أ نّه طهارة في مورد خاص فيدفعه عموم التنزيل المستفاد من الأخبار المتقدمة ، وبعمومه يترتب عليه جميع الغايات المترتبة على الغسل والوضوء والّتي منها دخول المساجد وغيره ، وقد أشرنا إلى أن ذلك هو الّذي تقتضيه السيرة المتشرعية كما مرّ .

   هذا كلّه فيما إذا لم يكن التيمّم مختصّاً بغاية ، وإلاّ لم يجز بتيممه سائر الغايات ، وإليه أشار بقوله : إلاّ إذا كان المسوغ للتيمم مختصّاً بتلك الغاية . كالتيمم للنوم مع التمكّن من الماء ، والتيمّم لصلاة الجنازة ، والتيمّم لمن منعه الزحام وهو داخل المسجد وإن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 385 /  أبواب التيمّم ب 23 ، 370 / ب 14 ح 13 ، 15 ، 17 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net