نيابة من وظيفته التيمم عن الميت - التيمم لأجل مس كتابة القرآن 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4363


ــ[420]ــ

   [ 1167 ] مسألة 29 : لا يجوز الاستئجار لصلاة الميت ممّن وظيفته التيمّم مع وجود من يقدر على الوضوء ، بل لو استأجر من كان قادراً ثمّ عجز عنه يشكل جواز الإتيان بالعمل المستأجر عليه مع التيمّم ، فعليه التأخير إلى التمكّن مع سعة الوقت ، بل مع ضيقه أيضاً يشكل كفايته فلا يترك مراعاة الاحتياط (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لاستصحاب عدم ارتفاع العذر إلى آخر الوقت ، بل لا بدّ من الإعادة في الصورتين كما قدّمناه .

   ولا مجال للتشبّث في جواز البدار في الصلاة المنذورة واليومية وغيرهما بالمطلقات الدالّة على أن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد(1) ، وذلك لأ نّها إنّما تدل على كفاية التيمّم المشروع في الدخول في الصلاة أو غيرها ممّا هو مشروط بالطّهارة ، لأن معناه أنّ الآمر بالطّهارة المائية هو الّذي أمر بالطّهارة الترابية ، وقد فرضنا أ نّها إنّما تجوز للنافلة(2) ولا تكون مشروعة لواجد الماء لتكون بدلاً عن الطّهارة المائية .

   فلا إطلاق لها لتشمل الواجد أيضاً ، وإنّما هي تدلّنا على أنّ التيمّم كالوضوء في موردهما ، فكما أنّ الوضوء لازم على الواجد ولا يشرع في حقّ الفاقد ، كذلك التيمّم مشروع للفاقد ولا يشرع في حق الواجد بوجه ، ولا دلالة لها على البدلية في موارد عدم مشروعيته بوجه .

    المأمور بالتيمّم هل يصح استئجاره لصلاة الميت ؟

   (1) هذه المسألة تبتني على أمرين :

   أحدهما :  ما قدّمناه في محلِّه(3) من أن امتثال الأمر المتوجِّه إلى شخص غير معقول من الآخرين ، إذ لا يعقل أن يأتي المكلّف بالعمل الواجب على غيره بقصد الامتثال .

   وذكرنا أنّ الأجير في العبادات إنّما يمتثل الأمر المتوجه إلى نفسه لا الأمر المتوجه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 343 /  أبواب التيمّم ب 3 ، 23 ، ذيل ب 14 .

(2) لعلّ المناسب :  للفاقد .

(3) لم نعثر في مظانه ، لاحظ محاضرات في اُصول الفقه 2 : 142 .

 
 

ــ[421]ــ

إلى المنوب عنه ، حيث إن تفريغ ذمّة الأخ المؤمن من الديون من الاُمور المستحبّة على المكلّفين ولا سيما إذا كان من أقربائه ، وهذا أمر متوجه إلى المؤمنين الّذين منهم النائب ، لا أ نّه متوجه إلى المنوب عنه ، وإذا آجر المؤمن نفسه للعبادات الواجبة على الغير تبدل هذا الأمر الاستحبابي بالوجوبي وصار تفريغ ذمّة المنوب عنه واجباً عليه بعد أن كان مستحبّاً في حقّه .

   وبهذا دفعنا الإشكال في الاستئجار للعبادات من أنّ الأمر الناشئ من الإجارة أمر توصلي لم يؤخذ فيه قصد القربة بوجه .

   وحاصل الجواب : أنّ العبادية إنّما هي مستندة إلى أمر سابق على الأمر الإجاري وقد كان مستحبّاً في نفسه وانقلب إلى الوجوب بعد الإجارة .

   وثانيهما :  ما قدمناه في الصلاة عن الميت من أ نّها واجبة على المكلّفين وجوباً كفائياً (1) ، فالأمر متوجه إلى الطبيعي دون الأشخاص ، ومن هنا لو لم يتمكّن أحد من الطّهارة المائية لعذر لم تصح منه الصلاة ، لأنّ الأمر متوجه إلى الطبيعي وهو متمكّن من الطّهارة المائية ، نظير ما لو عجز عن القيام فلا تصح منه الصلاة ، لوجود من يتمكّن من القيام ، والمأمور هو الطبيعي دون الأشخاص .

   نعم إذا فرضنا أ نّه لم يوجد هناك من يصلِّي مع الطّهارة المائية لا لأجل عدم كون الماء ميسوراً لهم ، بل لأ نّهم لا يصلّون باختيارهم ولو للعصيان صحّ للعاجز عن الماء أو عن القيام أن يتصدّى للصلاة عن الميت .

   وعلى هذا نقول في المقام : إن تفريغ ذمّة الميت عمّا اشتغلت به أمر مستحب عبادي في نفسه ، وهو متوجه إلى طبيعي المكلّفين يسقط عن ذمّتهم بقيام أحدهم به ، وقد عرفت أنّ هذا الأمر المستحب هو الّذي تعلّق به الوجوب عند الاستئجار .

   وعليه إذا فرضنا أن أحداً لا يتمكّن من الوضوء لم يصح استئجاره للصلاة عن الميت ، لأن المأمور هو الطبيعي وهو واجد للماء وغير فاقد له لينتقل الأمر إلى بدله وخصوص الفرد ليس بمأمور على الفرض .

   كما أ نّه إذا طرأ العجز عن الطّهارة المائية بعد استئجاره وجب عليه تأخير الصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المناسب : مستحبّة ... استحباباً كفائيّاً .

ــ[422]ــ

   [ 1168 ] مسألة 30 : المجنب المتيمِّم إذا وجد الماء في المسجد وتوقف غسله على دخوله والمكث فيه لا يبطل تيمّمه ((1)) بالنسبة إلى حرمة المكث وإن بطل بالنسبة إلى الغايات الاُخر ، فلا يجوز له قراءة العزائم ولا مسّ كتابة القرآن ، كما أ نّه لو كان جنباً وكان الماء منحصراً في المسجد ولم يمكن أخذه إلاّ بالمكث وجب أن يتيمّم للدخول والأخذ كما مرّ سابقاً ،ولا يستباح له بهذا التيمّم إلاّ المكث فلا يجوز له المسّ وقراءة العزائم (1) .

   [ 1169 ] مسألة 31 : قد مرّ سابقاً أ نّه لو كان عنده من الماء ما يكفي لأحد الأمرين  من  رفع  الخبث عن ثوبه أو بدنه ورفع الحدث قدّم رفع((2)) الخبث وتيمّم للحدث ، لكن هذا إذا لم يمكن صرف الماء في الغسل أو الوضوء وجمع الغسالة في إناء نظيف لرفع الخبث ، وإلاّ تعين ذلك ، وكذا الحال في مسألة اجتماع الجنب والميت والمحدث بالأصغر ، بل في سائر الدورانات (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى زمان التمكّن من الماء ، بل لو لم يتمكّن من التأخير لضيق الوقت أو لعلمه بعدم ارتفاع عذره إلى آخر الوقت كشف ذلك عن بطلان إجارته في المقدار الّذي لم يتمكّن من إتيانها مع الوضوء .

   كل ذلك لما عرفت من أنّ المأمور بالعمل هو الطبيعي وهو متمكّن من الطّهارة المائية ، فلا يصح العمل من الفرد العاجز عن بعض شرائطه ، اللّهمّ إلاّ أن لا يوجد من الطبيعي فرد يقوم بهذا العمل فيجوز حينئذ استئجار الفاقد للماء باعتبار أنّ الطبيعي فاقد له أو أن غيره لا يقوم بذلك العمل .

   (1) قدّمنا الكلام في هذه المسألة(3) فليلاحظ .

   (2) قدّمنا الكلام في هذه المسألة(4) أيضاً  كما يأتي .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قد مرّ أ نّه من فاقد الماء وأ نّه لا يجوز له المكث في المسجد ، وبه يظهر حال بقية المسألة .

(2) قد مرّ حكم ذلك [ في المسألة 286 ] .

(3) في ص 180 .

(4) في ص 144 ، 407 .

ــ[423]ــ

   [ 1170 ] مسألة 32: إذا علم قبل الوقت أ نّه لو أخر التيمّم إلى ما بعد دخوله لا يتمكّن من تحصيل ما يتيمّم به فالأحوط أن يتيمّم قبل الوقت ((1)) لغاية اُخرى غير الصلاة في الوقت ويُبقي تيمّمه إلى ما بعد الدخول فيصلِّي به ، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الوضوء ((2)) إذا أمكنه قبل الوقت وعلم بعدم تمكّنه بعده فيتوضأ على الأحوط لغاية اُخرى أو للكون على الطّهارة (1) .

   [ 1171 ] مسألة 33: يجب التيمّم لمسّ كتابة القرآن إن وجب، كما أ نّه يستحب إذا كان مستحبّاً ، ولكن لا يشرع إذا كان مباحاً ، نعم له أن يتيمّم لغاية اُخرى ثمّ يمسح المسح المباح (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) هذه المسألة(3) والمسألتان اللّتان قبلها قد تكلمنا فيها سابقاً فلا نعيد .

   وقد ذكرنا في المسألة الاُولى أ نّه لايجوز التيمّم لأجل المكث في المسجد في مفروض المسألة .

   وذكرنا في المسألة الثّانية أ نّه لا وجه لتقديم الطّهارة من الخبث على الطّهارة من الحدث ، نعم أضاف في المقام أنّ الحكم بتقديم رفع الخبث إنّما هو فيما إذا لم يمكن صرف الماء في الغسل أو الوضوء وجمع الغسالة في إناء نظيف لرفع الخبث ، وإلاّ تعين ذلك .

   وكذلك الحال في المسألة الثالثة الّتي فرضت اجتماع الجنب والميت والمحدث بالحدث الأصغر ، بل في سائر الدورانات ، والأمر كما أفاده .

    وجوب التيمّم لمس كتابة القرآن

   (2) قد ذكرنا غير مرّة أن عبادية الطهارات الثلاثة لم تنشأ عن الأمر الغيري المتعلق بها الناشئ عن الأمر النفسي بما يتوقف عليها ، وذلك :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل لا يخلو من قوّة .

(2) عدم الوجوب بالنسبة إليه أظهر .

(3) تقدّم البحث عنها في ص 105  وفي شرح العروة 5 : 212 .

ــ[424]ــ

   أمّا أوّلاً : فلعدم وجوب المقدمة وعدم كونها مأمور بها بالأمر الغيري على ما فصّلناه في محلِّه (1) .

   وأمّا ثانياً : فلأ نّه على تقدير الالتزام بوجوب المقدمة فهو أمر توصلي لا يعتبر فيه قصد الأمر والامتثال .

   بل العبادية في الطهارات نشأت عن الأمر الاستحبابي النفسي الثابت عليها في أنفسها ، لأ نّها اُمور راجحة ومندوب إليها في الشريعة المقدّسة ، فالعبادية مأخوذة فيها سابقاً على أمرها الغيري ، فهي عبادات جعلت مقدمة لغاياتها ، فلا يفرق في استحبابها ومشروعيتها بين أن تكون غاياتها واجبة أو مستحبّة أو مباحة .

   نعم العبادية لا تتوقف على قصد الأمر وحسب ، بل تتحقق بالإتيان بالعمل وإضافته إلى الله سبحانه نحو إضافة ، وعليه إذا كانت الغاية واجبة أو مستحبّة كفى في صحّة الطهارات الثلاثة وعباديتها الإتيان بها بعنوان كونها مقدمة للأمر الراجح ـ  أي لأجل التوصّل بها إلى أمر محبوب ـ فانّه نحو إضافة إلى الله وموجب لأن تكون عبادة مقربة إلى الله سبحانه ، وهذا يختص بما إذا كانت الغاية واجبة أو مستحبّة ، ولا يتحقق فيما إذا كانت الغاية مباحة .

   ولعلّ نظر الماتن (قدس سره) إلى ذلك ، وهو ما إذا أتى بالطهارات بعنوان كونها مقدمة من دون قصد غاية اُخرى من غاياتها ، فلو كان نظره الشريف إلى ذلك صحّ التفصيل بين ما إذا كانت الغاية واجبة أو مستحبّة وبين ما إذا كانت مباحة .

   وعلى هذا يمكن أن يقال بصحّة الطهارات وعباديتها إذا كانت غايتها مباحة حتّى إذا أتى بها بعنوان كونها مقدمة ، وذلك لأنّ الإتيان بها مقدمة للمباح ليس بمعنى كونها مقدمة لذات المباح ، فانّه في ذاته لا يتوقف على التيمّم أو غيره ، بل المراد الإتيان بها مقدمة للمباح بما أ نّه مباح ، ومن الظاهر أن المس المباح إنّما هو المس حال الطّهارة فانّ المس في غير حال الطّهارة محرم ، فيرجع الإتيان بها مقدمة للمباح بوصف كونه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 434 .

ــ[425]ــ

مباحاً إلى الإتيان بها مقدمة لارتكاب غير المحرم وفراراً عن المبغوض المحرم وهو المس حال الحدث ، وهذا أمر راجح أيضاً ومقرب ونحو من الإضافة إلى الآمر سبحانه وهو كاف في صحّتها وعباديتها .

   إذن لا فرق في عبادية الطهارات بين كون غاياتها ـ مثل المس ـ واجبة أو مستحبّة أو مباحة ، هذا .

   وقد يقال(1) : إن إتيان الطهارات الثلاثة مقدّمة للمس الواجب أو المستحب لا يوجب صحّتها وكونها عبادة ، وذلك لأ نّها ليست مقدمة للمس الواجب أو المستحب أو الجائز ، ونعبِّر عنها بالجواز بالمعنى الأعم .

   بل الطّهارة مقدمة لجواز المس ـ بالمعنى الأعم ـ إذ لولا كونها لم يكن المس جائزاً فلو أتى بها مقدمة للمس الجائز لم تصح إذ لا مقدمية لها للمس ، بل لا بدّ من الإتيان بها لغاية اُخرى من غاياتها حتّى يكون متطهراً فيجوز له مس الكتاب العزيز حينئذ .

   ويرده : أوّلاً :  أنّ المستفاد من الأدلّة أن للمس قسمين وحصّتين : إمّا جائز بالمعنى الأعم أو غير جائز ، والطّهارة مقدمة للحصّة الجائزة ، فتكون الطّهارة قيداً للجائز ومقدمة له لا أ نّها قيد للجواز ، فلا مانع من الإتيان بالطّهارة لكونها مقدمة للحصّة الجائزة من المس .

   وثانياً :  أن كون الطّهارة مقدمة للجواز ـ دون الجائز ـ أمر غير معقول في نفسه لأنّ الطهارات إذا كانت قيداً للوجوب أو الاستحباب أو الجواز لم يكن وجوب قبلها ، وإذا لم تكن الطّهارة واجبة فيجوز للمكلّف تركها ، إذ لا يجب عليه إيجاد ما هو مقدمة للتكليف ، فأي داع للمكلّف لإتيانه بها ؟

   فجعل الطّهارة قيداً ومقدمة للوجوب ـ أي الجواز بالمعنى الأعم ـ يفضي إلى عدم وجوب الطّهارة ، ومع عدمها لا يجب المس ، وهذا خلف لأنّ المفروض أنّ المس واجب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والقائل هو السيد الحكيم (ره) في المستمسك 4 : 490 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net