نقد مختار الحدائق من أنّ الوقت الأوّل للمختار والثاني للمضطر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5684


   وثانياً : ما ورد عن الصادق (عليه السلام) من قوله «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلا أنّ هذه قبل هذه ، ثم أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس» ، وهذا المضمون قد ورد في عدة من الروايات بطرق مختلفة ، غير أنّ أسانيدها لا تخلو عن خدش باعتبار وقوع القاسم بن عروة في طريق أكثرها ، إلا أن طريق الصدوق إلى عبيد بن زرارة خال عن هذا الرجل(2) . نعم في طريقه إليه حكم بن مسكين ، وهو وإن لم يوثق في كتب الرجال لكنه وقع في طريق كتاب كامل الزيارات وقد التزم مؤلفه جعفر بن محمد بن قولويه أنه لا يروي في كتابه إلا عن الثقات ، فروايته عنه توثيق له(3) وهو لا يقلّ عن توثيق النجاشي ونحوه ، فيحكم بوثاقة الرجل من هذه الجهة ، وهناك روايات اُخر تدل على القول المشهور سنتعرض لها في مطاوي الأبحاث الآتية .

   هذا وقد استدل صاحب الحدائق (قدس سره) لمذهبه بطائفة من الروايات لا دلالة في شيء منها على ذلك ، لقصورها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو ،

ـــــــــــــــ

(2) الوسائل 4 : 126 / أبواب المواقيت ب 4 ح 5 . الفقيه 1 : 139 / 647 .

(3) لكن في خصوص من يروي عنه بلا واسطة حسب نظره الأخير (قدس سره) فلا ينفع في    توثيق الرجل لعدم كونه منهم.

ــ[92]ــ

ولا بد من نقل تلك الروايات واحدة بعد اُخرى ، وبيان ما فيها من النقض والابرام توضيحاً للمرام .

   فمنها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقت أفضله ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا في عذر من غير علة»(1) . قال في الوافي قوله : «من غير علة» بدل من قوله «إلا في عذر»(2) .

   تقريب الاستدلال : أنّ المستفاد من الصحيحة أن لكل صلاة وقتين ، وأنّ الأوّل من كل منهما أي المبدأ من كل وقت أفضل من منتهاه . وقد دلت صريحاً على المنع عن اتخاذ الوقت الثاني إلا في حال الاضطرار . فالمتحصل منها أنّ الوقت الأوّل للمختار والثاني للمضطر وإن كان الأول من كل من الوقتين أفضل من آخره .

   والجواب : أنّ حمل قوله (عليه السلام) : «وأوّل الوقت أفضله» على ما ذكر غير صحيح ، كيف والوقت الأول ليس مبدؤه ـ وهو الزوال ـ أفضل مما بعده ، بل الأفضل التأخير بمقدار القدم أو الذراع رعاية للنوافل ، للأخبار المتقدمة الدالة على أن بين يديها سبحة كما مرّ ، بل المراد أنّ الوقت الأوّل أفضل من الوقت الثاني .

   وعلى هذا فالصحيحة على خلاف المطلوب أدلّ ، لدلالتها على اشتراك الوقتين في الفضيلة غير أنّ أوّلهما أفضل .

   ويؤيده قوله (عليه السلام) في الصحيحة الاُخرى لعبد الله بن سنان التي لا يبعد اتحادها مع هذه الصحيحة «وأوّل الوقتين أفضلهما»(3) بدل وأوّل الوقت .

   وعليه فيكون ذلك قرينة على أن المراد بقوله (عليه السلام) : «ليس لأحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 122 / أبواب المواقيت ب 3 ح 13 .

(2) الوافي 7 : 205 .

(3) الوسائل 4 : 119 / أبواب المواقيت ب 3 ح 4 .

ــ[93]ــ

أن يجعل . . .» الخ المبالغة في شدّة الاهتمام بشأن الصلاة ومزيد العناية بالمحافظة عليها في أوقاتها وعدم تأجيلها إلى الوقت الثانى من غير عذر ، إذ هي عمود الدين والمائز بين المسلمين والكافرين ، فلا ينبغي التساهل والتسامح بالتأخير عن الوقت الأول ، لا أنه عصيان وإثم كي يختص الوقت بالمختار ، وإنما هو أفضل من الوقت الثاني كما عرفت .

   ومنها : ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلاً قال : «قال الصادق (عليه السلام) أوّله رضوان الله وآخره عفو الله ، والعفو لا يكون إلا عن ذنب»(1) .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بالارسال ، أنّ من المظنون قويّاً أن يكون الذيل أعني قوله : والعفو لا يكون  . . . الخ من كلام الصدوق(2) لا من تتمة الخبر كما يتفق ذلك كثيراً في كلماته .

   وعليه فالمستفاد من الخبر مع قطع النظر عن الذيل ، أن الصلاة أوّل الوقت نتيجتها الرضوان من الله الذي اُشير إليه في قوله تعالى : (وَرِضْوَ نٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ)(3) فالربح المترتب عليها أكثر ، بخلاف الصلاة في آخره ، فان غاية ما يترتب عليها هو العفو عن السيئات وغفران الذنوب ، فمتعلق العفو هو سائر السيئات لا تأخير الصلاة كي يكون ذنباً .

   ومنها : ما رواه الشيخ في التهذيب عن ربعي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إنّا لنقدّم ونؤخّر ، وليس كما يقال : من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وإنما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها»(4) .

   وفيه أوّلاً : أنها ضعيفة السند باسماعيل بن سهل فانه لم يوثق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 123 / أبواب المواقيت ب 3 ح 16 ، الفقيه 1 : 140 / 651 .

(2) ولكن يبعّده ورود مضمونه في مرسلة الدعائم عن الصادق (ع) «والعفو لا يكون إلا عن    تقصير» [دعائم الاسلام 1 : 137] .

(3) التوبة 9 : 72 .

(4) الوسائل 4 : 139 / أبواب المواقيت ب 7 ح 7 . التهذيب 2 : 41 / 132 .

ــ[94]ــ

   وثانياً : أنّ الاستدلال موقوف على أن يكون مقول القول في قوله (عليه السلام) «وليس كما يقال» أمراً معهوداً بين الراوي والامام ولم يذكر في الرواية ، وأنّ قوله : «من أخطأ وقت الصلاة . . .»إلخ جملة مستقلة منقطعة عما قبلها .

   إلا أنّ هذا المعنى خلاف الظاهر من الرواية جداً ، بل المتبادر منها أن مقول القول هو قوله : «من أخطأ وقت الصلاة» إلى آخر الرواية ، ويشهد له قوله في صدر الحديث : «إنّا لنقدّم ونؤخّر» .

   فحاصل المعنى حينئذ : أنّ ما يقال من أنّ من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك وأنه إنما الرخصة للناسي والمريض . . . إلخ ليس بصحيح ، فانا نقدّم ونؤخّر فنصلّي أوّل الوقت وآخره من دون شيء من هذه الأعذار .

   وعليه فالرواية لولا ضعف سندها على مسلك المشهور أدلّ كما لا يخفى .

   ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام ، ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا من عذر أو من علة»(1) .

   وفيه : أنّ قوله (عليه السلام) : «وأول الوقتين أفضلهما» صريح في اشتراك الوقتين في الفضيلة ، غايته أنّ أوّلهما أفضل ، فيكون ذلك قرينة على إرادة المرجوحية ، والحزازة من كلمة «لا ينبغي» وإن كانت في حدّ نفسها ظاهرة في التحريم والمنع على الأصح كما قدمناه سابقاً ، وكذا قوله : «وليس لأحد . . .»الخ ، فالصحيحة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن الصدر وإن كانت ظاهرة في الحرمة إلا أنه يرفع اليد عنها وتحمل على الكراهة بتلك القرينة . وعليه فهي دليل للمشهور لا عليهم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 208 / أبواب المواقيت ب 26 ح 5 .

ــ[95]ــ

   وقد يقال بعدم دلالتها على التحريم في محل الكلام حتى مع قطع النظر عن الصدر ، لظهور الذيل في أنّ مورد المنع هو اتخاذ آخر الوقتين وقتاً دائمياً ويستمر على ذلك ، ولا ريب في الحرمة في هذا الفرض ، لما فيه من الإعراض عن السنّة وعدم الاعتناء بها ، المتضمن لنوع من الاستهانة والتخفيف بالشريعة المقدسة ، دون مَن يؤخّرها أحياناً أو لاعتقاد التوسعة من دون رغبة عن السنة وإعراض عنها الذي هو محل الكلام .

   وهذا الاستظهار وإن كان قابلاً للمناقشة لكنه لا بأس به من باب التأييد .

   ومنها : رواية إبراهيم الكرخي قال : «سألت أباالحسن موسى (عليه السلام) متى يدخل وقت الظهر ـ إلى أن قال ـ فمتى يخرج وقت العصر ؟ فقال : وقت العصر إلى أن تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع ، فقلت له : لو أنّ رجلاً صلى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام ، أكان عندك غير مؤد لها ؟ فقال : إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم يقبل منه ، كما لو أنّ رجلاً أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمداً من غير علة لم يقبل منه ، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وقّت للصلوات المفروضات أوقاتاً وحدّ لها حدوداً في سنته للناس ، فمن رغب عن سنّة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض الله»(1) .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بابراهيم الكرخي فانه لم يوثق ، أنّها ظاهرة في أنّ مورد المنع إنما هو الاعراض عن السنة باتخاذ الوقت الثاني وقتاً دائمياً وسيرة يستمر عليها رغبة عما سنّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا ريب في حرمة التأخير بهذا العنوان الذي هو أجنبي عن محل الكلام كما عرفت آنفاً .

   ومنها : صحيحة داود بن فرقد المروية في الكافي قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) قوله تعالى : (إنَّ الصَّلَوةَ كَانَت عَلَى الْمُؤمِنِينَ كِتَـباً مَوْقُوتاً)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 149 / أبواب المواقيت ب 8 ح 32 .

ــ[96]ــ

قال : كتاباً ثابتاً ، وليس إن عجّلت قليلاً أو أخّرت قليلاً بالذي يضرّك ما لم تضيّع تلك الاضاعة ، فان الله عزوجل يقول لقوم (أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَو تِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً)»(1) .

   وهذه الرواية صحيحة السند كما لا يخفى ، فعدم توصيف صاحب الحدائق إيّاها بالصحة مع أنّ دأبه التعرض لذلك غير ظاهر الوجه .

   لكنها قاصرة الدلالة فان قوله (عليه السلام) : «ما لم تضيّع تلك الاضاعة . .» إلخ حمله صاحب الحدائق على الوقت الثاني ، وهذا اجتهاد وتأويل منه ، بل الظاهر أنّ المراد من تلك الاضاعة كان معنى معهوداً بين الراوي والامام (عليه السلام) وهو لا يخلو عن أحد أمرين : إما الصلاة خارج الوقت أي بعد مغيب الشمس ، أو تأخيرها إلى أوان اصفرارها بحيث يكون ذلك عادة له ووقتاً دائمياً يستمر عليه إعراضاً عن السنة ورغبة عنها ، والحرمة في كلا الفرضين ظاهرة ، وهما أجنبيان عن محل البحث كما عرفت .

   ومنها : موثقة أبي بصير المروية في التهذيب قال : «قال أبوعبدالله (عليه السلام) إنّ الموتور أهله وماله من ضيّع صلاة العصر ، قلت : وما الموتور ؟ قال : لا يكون له أهل ولا مال في الجنة ، قلت : وما تضييعها ؟ قال : يدعها حتى تصفرّ أو تغيب»(2) هكذا نقلها في الحدائق عن التهذيب عاطفاً «تغيب» على «تصفر» بأو(3) لكن الموجود في الوسائل نقلاً عنه هو العطف بالواو .

   والصحيح هو العطف بالواو ، لمسبوقية الغيبوبة بالاصفرار دائماً ، فلا معنى لجعل الغاية كلاً منهما برأسه كما يقتضيه العطف بأو ، بل العبرة بأحدهما لا محالة ويكون ذكر الآخر مستدركاً ، أما إذا كان بالواو فالغاية إنما هي الاصفرار الذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 29 / أبواب أعداد الفرائض ب 7 ح 4 . الكافي 3 : 270 / 13 .

(2) الوسائل 4 : 152 / أبواب المواقيت ب 9 ح 1 . التهذيب 2 : 256 / 1018 .

(3) الحدائق 6  : 92 .

ــ[97]ــ

يصح إطلاق الغيبوبة عليه أيضاً بنحو من التجوّز والعناية من باب المجاز بالمشارفة ، لقرب اصفرار الشمس من غيبتها . هذا مع أن المفروض في الموثق على ما يستفاد من قوله (عليه السلام) : «يدعها حتى  . .»إلخ وكذا ما قبله ، عدم ترك الصلاة في الوقت رأساً ، بل يصليها فيه غير أنّه يضيّعها من جهة المسامحة والتأخير ، وهذا لا يناسب العطف بأو المستلزم لتركها فيه وإيقاعها خارج الوقت كما لا يخفى .

   وكيف ما كان ، فهذه الموثقة على خلاف المطلوب أدلّ ، لدلالتها على استحقاق المصلي آخر الوقت الجنة غير أنّ مقامه فيها وضيع ، حيث إنه موتور لا مال ولا أهل له ، بل هو كَلٌّ وضيف على غيره الذي لا ريب في اشتماله على نوع من الخفة والمهانة ، فليس عمله هذا إلا أنه مرجوح وترك للافضل قبال من يصليها أول الوقت المترتب عليه ذلك الثواب العظيم لا أنه عمل محرّم ، كيف ولازمه العقاب وترتب العذاب دون الجنة ، وإن كانت في أدنى مراتبها كما هو ظاهر جداً .

   ومنها : رواية الفقه الرضوي(1) وحيث إن هذا الكتاب لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة تركنا نقلها والتكلم في سندها أو دلالتها خوف الاطالة .

   ومنها : صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : يا أبان الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ وحافظ على مواقيتهنّ لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ، ومن لم يقم حدودهنّ ولم يحافظ على مواقيتهنّ لقي الله ولا عهد له إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له»(2) .

   وهذه الرواية قد رواها الكليني بطريقين : أحدهما صحيح والآخر في سنده

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 3 : 109 / أبواب المواقيت ب 6 ح 8 . فقه الرضا : 71 .

(2) الوسائل 4 : 107 / أبواب المواقيت ب 1 ح 1 .

ــ[98]ــ

محمد بن عيسى العبيدي(1) الذي هو موثق على الأقوى ورواها الصدوق أيضاً بطريق آخر صحيح(2) ، فالرواية مروية بثلاث طرق كلها معتبرة .

   غير أن دلالتها على مطلب صاحب الحدائق قاصرة ، فان غايتها أنّ من حافظ على مواقيت الصلوات له عند الله عهد أن يدخله الجنة المساوق لغفران معاصيه ، وأما من لم يحافظ فليس هو مورداً لذلك العهد ، ولم يكن دخوله الجنة حتمياً ، بل إن شاء غفر له وأدخله الجنة ، وإن شاء عذّبه على سائر معاصيه ولم يغفرها له ، لا أنه يعذّبه على عدم المحافظة كي تكون معصية وحراماً . فهذه الصحيحة يقرب مضمونها من مرسلة الصدوق المتقدمة(3) المتتضمنة أن الصلاة أوّل الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله ، بالبيان الذّي قدمناه هناك فلاحظ .

   ونحو هذه الصحيحة مرسلة الصدوق(4) المتحدة مع هذه في المضمون ، فانه مضافاً إلى ضعف سندها بالارسال يرد على دلالتها ما عرفت .

   ومنها : موثقة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) الواردة في قضية نزول جبرئيل لبيان تعيين الأوقات من أنه أتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ـ إلى أن قال : ـ ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر ـ إلى أن قال : ـ ما بينهما وقت»(5) ، ونحوها غيرها إلا أنه حدّد في بعضها بالقدمين والأربع ، وفي البعض الآخر بالذراع والذراعين ومآلهما إلى شيء واحد كما لا يخفى .

   وأما القامة التي في هذه الرواية فاما أن يراد بها الذراع أيضاً ، لما روي ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3 : 267 / 1 ، 2 .

(2) ثواب الأعمال : 48 / 1 .

(3) في ص 93 .

(4) الوسائل 4 : 110 / أبواب المواقيت ب 1 ح 10 ، الفقيه 1 : 134 / 625 . [ولكن رواها في    ثواب الأعمال مسندة] .

(5) الوسائل 4 : 157 / أبواب المواقيت ب 10 ح 5 .

ــ[99]ــ

عن كتاب علي (عليه السلام) ، أو يتحفظ على ظاهرها ، ويحمل الاختلاف على اختلاف مراتب الفضيلة ، فانه كلّما كان أقرب إلى الزوال كان أفضل كما مرّ .

   وكيف كان فهذه الرواية أيضاً لا دلالة لها على مدعاه ، فانه لا بد من حملها على وقت الفضيلة ، وذلك لدلالة نفس هذه الرواية على أنه (صلى الله عليه وآله) صلى في اليوم الثاني الظهر بعد القامة ، مع أنه لو كان بين الزوال والقامة حدّاً للظهر للمختار لما جاز التأخير عنه .

   مضافاً إلى أن الرواية حددت وقت العصر بما زاد على القامة إلى ما زاد على القامتين ، مع أنه لا إشكال كما لا خلاف حتى من صاحب الحدائق نفسه في جواز تقديم العصر على ذلك ، فانه يجوز له أن يصليها بعد أن يصلي الظهر بعد الزوال إلا أنّ بين يديه سبحة ونوافل على ما ورد ذلك في الروايات الكثيرة .

   والحاصل : أنه لو كان المراد كما ذكره صاحب الحدائق لكان معارضاً لتلك الروايات الكثيرة ، فلابد من حملها على وقت الفضيلة دون وقت المختار .

   ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا صليت في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك»(1) .

   وجه الاستدلال بتوضيح منا : أنه لا إشكال في أنه ليس المراد منها جواز تأخير الصلوات إلى خارج أوقاتها كما لو صلى الظهرين بعد المغرب فانّ هذا غير جائز لا في السفر ولا في الحضر بالضرورة ، بل المراد جواز تأخير الصلوات عن وقتها الأوّل في السفر ، فيكون مفهومها عدم جواز تأخير الصلاة إلى غير وقتها الأول في غير السفر وهو المدعى .

   لكن هذه الرواية أيضاً قاصرة الدلالة على المطلوب ، وذلك لأنه فرق واضح بين قولنا : لا يضر تأخير الصلاة في السفر إلى غير وقتها ، وبين قولنا : لا يضر إيقاع الصلاة في السفر في غير وقتها ، فان الثاني ـ الذي هو مفاد الصحيحة ـ يشمل التقديم والتأخير معاً ، بخلاف الأول ، وحيث إن هذا من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 168 / أبواب المواقيت ب 13 ح 9 .

ــ[100]ــ

خواص النوافل حيث إن نبذاً منها يجوز تقديمها على الوقت للمسافر كصلاة الليل ، فلتكن الصحيحة محمولة عليها ولا سيما وأنها بمقتضى تنكير ـ شيئاً ـ في سياق الاثبات لا تدل على الحكم إلا على سبيل الموجبة الجزئية ولا تفيد العموم لجميع الصلوات لتشمل الفرائض .

   على أنا لو سلّمنا عمومها بل صراحتها في أنّ تأخير الفرائض عن الوقت الأول لا يضر في السفر فلا تكاد تدل على أنه يضر في الحضر ، إذ القضية الشرطية لا مفهوم لها في مثل المقام مما يكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، بداهة أن مفهومها أنه إذا لم تصلّ في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فهو يضرك ولا محصّل له ، فانه لا موضوع رأساً كي يضر أو لا يضر .

   نعم ، بناء على ثبوت المفهوم للوصف بالمعنى الذي نرتأيه ـ أعني عدم تعلق الحكم بالطبيعي المطلق ودخالة الوصف حذراً عن اللغوية ـ فلا جرم تدل الصحيحة على أنّ للسفر مدخلية في الحكم بعدم الضرر ، ولكنه يكفي فيه الالتزام بوجود نوع من الحزازة والمنقصة في الاتيان في غير الوقت الأوّل في الحضر وانتفائه في السفر . وهذا كما ترى لا يقتضي إلا أفضلية الوقت الأوّل لا تعيّنه كما هو المدعى .

   ومنها : موثقة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث : «إن الصلاة إذا ارتفعت في أول وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيّعتني ضيّعك الله»(1) .

   هكذا رواها في الوسائل والكافي(2) ، وأما في التهذيب(3) والحدائق(4) فهي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 108 / أبواب المواقيت ب 1 ح 2 .

(2) الكافي 3 : 268 / 4 .

(3) التهذيب 2 : 239 / 946 .

(4) الحدائق 6 : 93 .

 
 

ــ[101]ــ

خالية عن كلمة «أول» وحيث إن الكافي أضبط فيقدّم .

   وعليه فلا دلالة لها على المدعى بوجه ، ضرورة عدم وجوب إيقاع الصلاة في أوّل الوقت الأوّل ، ولم يلتزم به حتى صاحب الحدائق نفسه (قدس سره) إذن فلا مناص من حمل الرواية على معنى آخر كما ستعرف .

   نعم ، بناء على رواية التهذيب فللاستدلال بها مجال ، إلا أنّ للمناقشة فيه أيضاً مجالاً واسعاً ، نظراً إلى ما تضمنته من التقييد بغير الحدود ، فانّ معنى الرواية حينئذ ـ بناءً على إرادة الوقت الأول ـ أن الصلاة في غير الوقت المزبور من دون مراعاة الحدود المقررة والشرائط المعينة تكون باطلة ورجعت سوداء مظلمة ، وهو خارج عن محل الكلام من افتراض الاخلال بالوقت فحسب لا بسائر الحدود والشرائط فلاحظ .

   ومنها : ما عبّر عنه في الحدائق(1) بالموثق عن عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية وهي تهتف به تقول : حفظك الله كما حفظتني وأستودعك الله كما استودعتني ملكاً كريماً ، ومن صلاها بعد وقتها من غير علّة ولم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة وهي تهتف به : ضيّعتني ضيّعك الله كما ضيّعتني ، ولا رعاك الله كما لم ترعني» الحديث(2) .

   وهي متحدة مضموناً مع الرواية السابقة ، والجواب هو الجواب ، وإنما الكلام في السند حيث وصفها في الحدائق بالموثقة ـ كما سمعت ـ وليست كذلك ، إذ الصدوق(3) يرويها عن شيخه الحسين بن إبراهيم بن تاتانة (ناتانة) ولم يوثق ، ومجرّد الشيخوخة لا يكفي في الوثاقة ، كيف وفيهم البرّ والفاجر ، بل الناصب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 6 : 97 .

(2) الوسائل 4 : 123 / أبواب المواقيت ب 3 ح 17 .

(3) أمالي الصدوق : 328 / 11 .

ــ[102]ــ

كالضبي ، ولم يلتزم بما التزم به النجاشي من عدم الرواية إلا عن الثقة(1) فتوصيفها بها ولا سيما من خبير بفن الحديث مثله لا يخلو عن غرابة .

   ومنها : ما رواه الحسن بن محمد الطوسي في المجالس ، وكذلك الشريف الرضي في نهج البلاغة فيما كتبه أميرالمؤمنين (عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر لمّا ولاّه مصر وفيه : « . . ثم ارتقب وقت الصلاة فصلّها لوقتها ، ولا تعجّل بها قبله لفراغ ولا توخّرها عنه لشغل ، فانّ رجلاً سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أوقات الصلاة ، فقال : أتاني جبرئيل (عليه السلام) فأراني وقت الظهر (الصلاة) حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ، ثم أراني وقت العصر وكان ظل كلّ شيء مثله ، ثم صلّى المغرب ـ إلى أن قال ـ فصلّ لهذه الأوقات والزم السنّة المعروفة والطريق الواضح . . .»إلخ(2) .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف السند(3) لاشتماله على عدّة من المجاهيل ، وإلى اشتمالها على ما لم يقل به أحد من لزوم الاتيان بالظهر حين الزوال ، مع أن وقت الفضيلة يمتد إلى بلوغ الظل مثله ، بل ينبغي التأخير إلى ما بعد القدم ، ومن أنّ وقت العصر صيرورة ظل كل شيء مثله مع جواز الاتيان بها قبل ذلك اتفاقاً ، أنها قاصرة الدلالة ، لأنّ ظاهر النهي عن التأخير بقرينة المقابلة مع التقديم هو التأخير عن أصل الوقت لا عن الوقت الأول ، فغايتها الدلالة على الحث والترغيب في الاتيان بها في وقت الفضيلة لا لزومه وتعينه كما هو المدعى .

   بقيت في المقام روايتان ربما يتوهم الاستدلال بهما على مقالة صاحب الحدائق .

   إحداهما : معتبرة معمّر بن عمر قال : «سألت أباجعفر (عليه السلام) عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع معجم الرجال 1 : 50.

(2) الوسائل 4 : 161 / أبواب المواقيت ب 10 ح 12 ، أمالي الطوسي : 29 / 31 ، نهج البلاغة :    384 / 27 .

(3) والسند مذكور في الوسائل 1 : 397 / أبواب الوضوء ب 15 ح 19 .

ــ[103]ــ

الحائض تطهر عند العصر تصلي الاُولى ؟ قال : لا ، إنما تصلي الصلاة التي تطهر عندها»(1) .

   ثانيتهما : موثقة الفضل بن يونس قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة ؟ قال : إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي إلا العصر ، لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج عنها الوقت وهي في الدم فلم يجب عليها أن تصلي الظهر ، وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر»(2) .

   وفيه : أن الروايتين لا عامل بهما منّا ، ولم يكن بُدّ من حملهما على التقية ، لموافقتهما للعامة(3) ومعارضتهما مع النصوص الكثيرة الدالة على امتداد وقت الظهرين إلى الغروب ، بل ومعارضتهما مع النصوص الواردة في خصوص المقام التي منها مارواه الشيخ باسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء»(4) .

   نعم ، إن هذه الروايات بأجمعها ضعاف ، لأنّ الشيخ يرويها باسناده عن علي ابن الحسن بن فضال وطريقه إليه ضعيف(5) والعمدة هي الطائفة المتقدمة .

   أضف إلى ذلك أن مورد الروايتين هو الاضطرار ، فان الحيض من أعظم الأعذار ، ولا شبهة أنها تسوّغ التأخير إلى الوقت الثانى حتى عند صاحب الحدائق ، فهو أيضاً لم يعمل بهما في موردهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 362 / أبواب الحيض ب 49 ح 3 .

(2) الوسائل 2 : 361 / أبواب الحيض ب 49 ح 2 .

(3) المغني 1 : 441 .

(4) الوسائل 2 : 364 / أبواب الحيض ب 49 ح 10 ، التهذيب 1 : 390 / 1204 .

(5) ولكنه (قدس سره) صحح الطريق أخيراً فلا تغفل .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net