ما يُعرف به الغروب - الأقوال في المسألة ثلاثة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 22157


ــ[167]ــ

   ويعرف المغرب بذهاب الحمرة((1)) المشرقية عن سمت الرأس والأحوط زوالها من تمام ربع الفلك من طرف المشرق (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وكيف ما كان ، فعند طلوع الشمس يحدث ظل طويل للشاخص إلى جانب المغرب ، وكلّما تأخذ الشمس في الارتفاع يأخذ الظل في النقصان بطبيعة الحال إلى أن يصيب الدائرة ويريد الدخول فيها ، فيعلّم حينئذ نقطة الاصابة بعلامة معيّنة ، ثم يترصد موقع الخروج عن نقطة اُخرى من المحيط فيعلّم أيضاً بعلامة اُخرى ، ثم يوصل خط مستقيم بين النقطتين وبعدئذ ينصّف ذلك الخط ويوصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف الخط بخط آخر وهذا هو خط نصف النهار ، فمتى وقع ظل الشاخص على هذا الخط في الأيام الآتية كشف عن بلوغ الشمس كبد السماء ووسط النهار تحقيقاً ، ومتى تجاوز عن هذا الخط ومال رأس الظل إلى طرف المشرق كشف كشفاً قطعياً عن تحقق الزوال والتجاوز عن دائرة نصف النهار ، وهو كما ترى من العلائم القطعية غير المختصة بوقت دون وقت .

   والظاهر أنّ شيخنا البهائي (قدس سره) بنى الضلع الشرقي من حائط الصحن الشريف العلوي على هذا الخط ، ومن ثم ترى أن الظل متى بلغ هذا الحائط وانعدم وحدث من الحائط الغربي ، تحقق الزوال في تمام الفصول الأربعة على ما جرّبناه مراراً ، فكأنه (قدس سره) راعى الدائرة الهندية عند تأسيس الصحن الشريف ، اهتماماً منه بشأن الوقت وإن استوجب نوعاً من الاخلال بالاستقبال لولا البناء على الاكتفاء بالمواجهة في سبع الدائرة على ما سيجيء في محله إن شاء الله تعالى(2) .

   (1) غير خفي أنّ المستفاد من إطلاق قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل بسقوط القرص بالنسبة إلى الظهرين ، وإن كان الأحوط لزوماً مراعاة زوال الحمرة    بالنسبة إلى صلاة المغرب .

(2) في ص 431 .

ــ[168]ــ

الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(1) أن كل جزء من الآنات الواقعة بين الحدين صالح لايقاع الصلاة فيه ، غير أنّ الروايات المفسرة قيّدت هذا الاطلاق وبيّنت أنّ وقت الظهرين من الزوال إلى الغروب ، والعشاءين منه إلى منتصف الليل ، فمقتضى الآية المباركة بعد ملاحظة هذا التفسير جواز إيقاع المغرب لدى الغروب ، فلو كنّا نحن وهذا المقدار من الدليل لم يكن في البين إبهام ولا ترديد ، لوضوح مفهوم الغروب عرفاً وعدم إجمال فيه ، فانه عبارة عن استتار القرص في الاُفق الحسي وغيبوبته عن النظر من دون حاجب وحائل في قبال طلوع الشمس ، أي خروج العين عن الاُفق الشرقي .

   فلا إبهام في شيء من المفهومين في حدّ أنفسهما ، غير أن الروايات الخاصة الواردة في المقام أورثت الاختلاف في تحديد مفهوم الغروب بين الأعلام .

   والأقوال في المسألة ثلاثة :

   الأول : أن الغروب يتحقق باستتار القرص وغيبوبته عن النظر ـ كما مرّ ـ ذهب إلى هذا القول جمع من الأعلام ، وقد أفتى به في المدارك صريحاً(2) ، بل لا يبعد أن يكون هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وإن كان القول الآتي أشهر والقائل به أكثر كما تفصح عنه عبارة المحقق في الشرائع حيث إنه بعد اختيار هذا القول قال : وقيل بذهاب الحمرة من المشرق وهو الأشهر(3) فان التعبير بالأشهر ظاهر في كون القول الآخر مشهوراً معروفاً بين الفقهاء . والحاصل أن هذا القول ليس شاذاً نادراً كما قد يتوهم .

   الثاني : أن العبرة بذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس ، فلا يكتفى بمجرد الاستتار عن الاُفق الحسّي ، بل اللازم بلوغ الشمس تحت الاُفق إلى درجة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإسراء 17  : 78 .

(2) مدارك الأحكام 3  : 53 .

(3) الشرائع 1  : 72 .

ــ[169]ــ

معينة يكشف عنها ذهاب الحمرة المشرقية عن سمت الرأس . وهذا هو أشهر الأقوال كما عرفت .

   الثالث : تحديد الوقت بذهاب الحمرة المشرقية عن تمام ربع الفلك ـ أعني عن نقطة الشرق إلى دائرة نصف النهار بتمام نواحيها وجوانبها ـ من الجنوب إلى الشمال الذي يتأخر ذلك عن الذهاب عن خصوص القمة ببضع دقائق ، والقائل بذلك قليل جداً ، بل لم نعثر على قائل به صريحاً ، فالمعروف إنما هما القولان الأوّلان .

   وكيف ما كان ، فقد عرفت أن منشأ الاختلاف اختلاف الروايات الواردة في المقام فلابد من ذكرها والنظر فيها حتى يتضح الحال . وستعرف إن شاء الله تعالى أن الأقوى هو القول الأول .

   فيقع الكلام في الروايات التي استدل بها للقول الأشهر ، وهي وإن كثرت لكن شيئاً منها لا تدل على مطلوبهم ، لضعفها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو .

   فمنها : رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها»(1) رواها الكليني بطريقين(2)، وفي كليهما القاسم بن عروة ولم يوثق ، فالرواية ضعيفة سنداً ، وكذا دلالة ، فان غاية ما يقال في تقريبها : إن غيبوبة الشمس التي هي معنى الغروب إنما تتحقق بزوال الحمرة من ناحية المشرق وهو ملازم لزوالها عن قمة الرأس .

   وفيه : أن المراد من المشرق الوارد(3) فيها على ما يقتضيه ظاهر اللفظ هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 172 / أبواب المواقيت ب 16 ح 1 .

(2) الكافي 3  : 278 / 2  ، الكافي 4  : 100 / 2 .

(3) لو كان التفسير من الراوي أمكن تطبيق الجانب على ما لا ينافي مذهب الأشهر ، نظراً    إلى أن جانب المشرق غير خاص بمطلع الشمس ونقطة الشروق ، بل يشمل الأعالي أيضاً    كما لا يخفى .

ــ[170]ــ

خصوص موضع طلوع الشمس وشروقها ، في مقابل المغرب الذي يراد به النقطة التي تغرب فيها وتدخل تحت الاُفق ، كما يفصح عنه التعبير عنه بمطلع الشمس في رواية عمار الساباطي(1) لا جميع جهة المشرق وناحيته من قطب الجنوب إلى الشمال كما هو مبنى الاستدلال ، وحيث إن المشرق مطلّ على المغرب بمقتضى كروية الأرض وقد صرح به في رواية ابن أشيم الآتية ، فارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق يدل على استتار القرص ودخوله تحت الاُفق بطبيعة الحال . فهذا هو مفاد الرواية ولا دلالة لها بوجه على كاشفية ذهاب الحمرة عن تمام ناحية الشرق أو عن قمة الرأس عن الغروب كما توهمه المستدل .

   وبالجملة : فرض كروية الأرض والتقابل بين نقطتي المشرق والمغرب يستدعي وجود الحمرة في المشرق قبيل الاستتار وما دام القرص باقياً ، وبعد استتاره ودخوله تحت الاُفق ترتفع الحمرة شيئاً فشيئاً إلى أن تزول ، فيكون هذا الارتفاع الممكن مشاهدته لكل أحد كاشفاً عن ذلك الاستتار الذى هو المدار في تعلق الأحكام من وجوب الصلاة وانتهاء الصيام ، ولا تتيسر معرفته غالباً لمكان الجبال والاطلال ونحوهما من الموانع والحواجب التي لا تخلو عنها أقطار الأرض ، فجعل الارتفاع المزبور دليلاً عليه وأمارة كاشفة عنه . إذن فلا ارتباط للرواية بذهاب الحمرة من ناحية المشرق وتجاوزها عن قمة الرأس بوجه ، بل هي على خلاف المطلوب أدلّ وتعدّ من أدلة القول المشهور دون الأشهر ، فتكون الرواية قاصرة الدلالة لهذه العلة .

   وأما تضعيف دلالتها بعدم كون الجزاء معلولاً لشرطها ، بداهة عدم كون استتار القرص معلولاً لذهاب الحمرة ، بل هما متلازمان ومعلولان لعلة ثالثة .

   فيندفع بعدم اعتبار المعلولية في صحة القضية الشرطية ، وإنما العبرة بقصد الملازمة سواء أتسببت عن العلية والمعلولية ، أم عن جهة اُخرى كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 175 / أبواب المواقيت ب 16 ح 10 .

ــ[171]ــ

   كما أنّ تضعيفها أيضاً بأن ترتب الجزاء على الشرط في الرواية لم يكن بلحاظ الوجود الخارجي بل الوجود العلمي ، ومن البيّن أن ترتب الجزاء على الشرط علماً لا يقتضي تقارنهما حدوثاً ، بل من الجائز سبق حدوث الجزاء ، كما في مثل قولك إذا استطعمك زيد فهو جائع .

   مدفوع بظهور القضية في الاقتران ما لم تقم قرينة على الخلاف كما في المثال ، فالعمدة في المناقشة ما عرفت .

   هذا كله على تقدير أن يكون متن الرواية ما سمعت المطابق للكافي وأحد طريقي الشيخ(1) ، وأما على طريقه الآخر حيث رواها هكذا : «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني ناحية المشرق ـ فقد غربت الشمس في شرق الارض»(2) . فهي حينئذ تدل على ما نسب إلى بعض الأصحاب من اعتبار زوال الحمرة من تمام ربع الفلك ، فان الظاهر من «ناحية المشرق» هو ذلك(3) ولا ارتباط لها أيضاً بالقول الأشهر ، فالاستدلال بها لهذا القول لا يتم على التقديرين .

   ومنها : ما رواه علي بن أحمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق وتدري كيف ذلك ؟ قلت : لا ، فقال : لأن المشرق مطل على المغرب هكذا ، ورفع يمينه فوق يساره فاذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا»(4) .

   وهي مضافاً إلى ضعف سندها ـ لا بعلي بن أحمد نفسه فانه من رجال كامل الزيارات ، بل بالارسال فلا تصلح للاستدلال ـ قاصرة الدلالة كما يظهر مما قدمناه حول الرواية السابقة ، حيث عرفت أنّ المراد من المشرق خصوص مطلع الشمس لا ناحيته وجهته ، وأنّ زوال الحمرة عن تلك النقطة من علائم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 2  : 257 / 1021 .

(2) التهذيب 2  : 29 / 85 .

(3) بل الظاهر أن الناحية والجانب مترادفان، وقد عرفت الحال في الثاني فالأول مثله.

(4) الوسائل 4  : 173 / أبواب المواقيت ب 16 ح 3 .

ــ[172]ــ

الغيبوبة ولوازم استتار القرص ، بل إن هذه أصرح من سابقتها ، لما فيها من الايعاز إلى كروية الأرض بقوله : «إن المشرق مطلّ» الخ مع التصدي بيده للترسيم مبالغة في التفهيم ، فان مقتضى ذلك أن غيبوبة الشمس تتعقبها ظلمة تدريجية تبتدئ من النقطة المقابلة لسقوط القرص ثم ترتفع شيئاً فشيئاً إلى أن تستوعب ناحية المشرق ، أعني ربع الفلك . إذن فالملازمة بين استتار القرص وبين ارتفاع الحمرة من تلك النقطة لمكان الكروية واضحة جلية ، ومعه لا دلالة لها على القول الأشهر بوجه .

   ومنها : ما رواه الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : وقت سقوط القرص ووجوب الافطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق ، فاذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص»(1) وهي أصرح رواية يستدل بها على القول الأشهر ، بيد أنها ضعيفة السند بسهل بن زياد أوّلاً وبالارسال ثانياً ، ولا يصغى إلى دعوى إلحاق مراسيل ابن أبي عمير بمسانيده ، أو أن الأمر في سهل سهلٌ كما تكررت الاشارة إليه في مطاوي هذا الشرح .

   على أنه يمكن القول بعدم كونها مرسلة لابن أبي عمير نفسه(2) ، بل للراوي الذي ينقلها عن ابن أبي عمير فهو ذكره ، لكن الراوي عنه لم يذكره لغاية هو أدرى بها .

   أضف إلى ذلك : إمكان تطرق الخدش في الدلالة أيضاً :

   أوّلاً : بعدم تطابق مضمونها مع ما هو المشاهد بالعيان ، فان الناظر إلى جانب المشرق من الاُفق لدى الغروب يرى أن الحمرة ترتفع شيئاً فشيئاً إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 173 / ابواب المواقيت ب 16 ح 4 ، الكافي 3  : 279 / 4 .

(2) فيه : ما لا يخفى ، فان مبنى حجّية مراسيل ابن ابي عمير دعوى أنه لا يروي ولا يرسل    إلا عن الثقة ، إذن فالمروي عنه أياً من كان فهو ثقة بشهادة ابن ابي عمير ، سواء أكان    مذكوراً أم لا . فحذف شخص آخر اسمه لا يكاد يضر بحجية روايته بوجه .

ــ[173]ــ

أن تزول ثم تحدث حمرة اُخرى من ناحية المغرب ، لا أن تلك الحمرة تبقى وتتعدى عن قمة الرأس إلى ناحيته كما هو صريح الرواية ، فليس شأنها شأن الشمس لدى الزوال ، حيث عرفت أنها ترتفع وتعلو حتى تتجاوز دائرة نصف النهار وبه يتحقق الزوال ، والتجربة خير دليل وأكبر برهان .

   وثانياً : أنه إن اُريد من السقوط في قوله : « . . . وسقط القرص» سقوطه عن النظر ، ودخوله تحت الاُفق الحسي ، فمن الواضح جداً تحقق ذلك قبل ذهاب الحمرة عن قمة الرأس بأكثر من عشر دقائق ، وإن اُريد به معنى آخر كدخوله تحت الاُفق الحقيقي فهو أمر مبهم غير بيّن ولا مبيّن وإحالة إلى أمر مجهول(1) كما لا يخفى .

   ومنها : ما رواه الكليني باسناده عن أبان بن تغلب قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أيّ ساعة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوتر ؟ فقال : على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب»(2) .

   بتقريب دلالتها على أن ما بين غيبوبة الشمس إلى وقت صلاة المغرب فاصل زماني كان النبي (صلى الله عليه وآله) يوتر في مقدار هذا الفصل مما قبل طلوع الفجر ، ومن البيّن أنه لا نظر في ذاك الفاصل إلا إلى تجاوز الحمرة عن قمة الرأس .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف السند باسماعيل بن أبي سارة فانه لم يوثق ، أنّ الدلالة إنما تستقيم لو كان التعبير هكذا : إلى وقت صلاة المغرب ، بدلاً عما هو المذكور فيها من «صلاة المغرب» ومن الواضح أنّ نفس الصلاة تتأخر عادة عن أول الوقت لأجل بعض المقدمات ، ولا أقل من الأذان والإقامة ، ولا سيما في انعقاد الجماعات لانتظار المأمومين(3) فلا دلالة فيها على أن الوقت بنفسه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا جهالة فيه بعد أن جعل زوال الحمرة في الرواية طريقاً وكاشفاً عنه .

(2) الوسائل 4  : 174 / أبواب المواقيت ب 16 ح 5 ، الكافي 3  : 448 / 24 .

(3) هذا المقدار من التأخير يشمل عامة الصلوات ولا يختص بالمغرب ، فما هو وجه    التخصيص بالذكر لولا ما ذكره المستدل من تأخير نفس الوقت عن استتار القرص . على    أن التأخير المذكور أمر غير منضبط ، لاختلاف مقداره حسب اختلاف الموارد ، فالإحالة إليه إحالة إلى أمر مجهول .

ــ[174]ــ

متأخر عن الاستتار .

   ومنها : صحيحة بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه سأله سائل عن وقت المغرب ، فقال : إن الله يقول في كتابه لابراهيم : (فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّى) وهذا أول الوقت . .»الخ(1) .

   بتقريب(2) أن الكوكب لا يرى عادة إلا عند حلول الليل الملازم لذهاب الحمرة ولا يمكن رؤيته بمجرد الاستتار والغيبوبة .

   فيندفع : بمنع الملازمة ، لقضاء الوجدان بمشاهدة بعض الكواكب النيرة ذات الأجرام الكبيرة قبل ذهاب الحمرة ، بل عند الغروب والسقوط ، بل قد يرى قبل السقوط أيضاً ولا أقل من كوكب واحد وهو الوارد في الآية المباركة . إذن فالرواية على خلاف المطلوب أدل وفي قول المشهور أظهر .

   ومنها : رواية بريد بن معاوية العجلي في أحد طريقي الشيخ قال : «سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول : إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ، يعني ناحية المشرق ، فقد غابت الشمس من شرق الأرض ومن غربها»(3) .

   وقد تقدم البحث حول هذه الرواية(4) وعرفت دلالتها(5) على اعتبار زوال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 174 / أبواب المواقيت ب 16 ح 6 .

(2) بل بتقريب آخر يسلم عما اُورد عليه في المتن وهو : أن الصحيحة ناظرة إلى وقت جن    الليل عليه وفي اللغة إن جن الليل على الشيء هو ستره له ، ولا ستر إلا مع الظلمة    المتأخرة عن الاستتار بكثير أقله زوال الحمرة المشرقية عن قمة الرأس ، فالعبرة برؤية    الكوكب في هذه الحالة لا غير .

(3) الوسائل 4  : 175 / أبواب المواقيت ب 16 / ح 7 ، التهذيب 2  : 29 / 84 .

(4) في ص 169 ، 171 مع اختلاف يسير في الألفاظ .

(5) وقد عرفت المناقشة فيها [راجع ص 169] .

ــ[175]ــ

الحمرة عن تمام ربع الفلك من القطب الجنوبي إلى القطب الشمالي من ناحية المشرق ، ومن البيّن أنّ أرباب القول الأشهر لا يعتبرون ذلك بل يكتفون بذهابها عن قمة الرأس . فهذه الرواية على تقدير تماميتها والغض عمّا في سندها من الضعف بالقاسم بن عروة تدل على ثالث الأقوال في المسالة ولا ربط لها بالقول الأشهر .

   ومنها : ما رواه محمد بن علي قال : «صحبت الرضا (عليه السلام) في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد»(1) فان الفحمة إنما تقبل بتجاوز الحمرة عن قمة الرأس .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف السند إذ لا توثيق لمحمد بن علي ، وإلى أن فعله (عليه السلام) لا يدل على التحديد لاحتمال التأخير لغاية اُخرى ولو من باب استحباب التمسية بالمغرب قليلاً كما ستعرف ، أن الدلالة قاصرة إذ الفحمة إنما تقبل(2) عند سقوط القرص واستتاره كاقبال البياضة عند الطلوع ، فلدى غروب الشمس ترتفع الحمرة من نقطة المشرق تدريجاً ويتبعها السواد مباشرة كما يقضي به الحسّ والتجربة . إذن فالملازمة إنما هي بين إقبال الفحمة وبين الاستتار لا بينه وبين الزوال عن قمة الرأس كي تدل على القول الأشهر ، بل هي في الدلالة على القول المشهور أظهر حسبما عرفت .

   ومنها : رواية شهاب بن عبد ربّه قال : «قال أبوعبدالله (عليه السلام) : ياشهاب إني اُحب إذا صليت المغرب أن أرى في السماء كوكباً»(3) .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بمحمد بن حكيم(4) وإلى أنّ المحبوبية تجتمع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 175 / أبواب المواقيت ب 16 ح 8 .

(2) يمكن ان يقال : إن الاقبال هو مجيء الشيء نحو الانسان واقترابه منه ، واقتراب الفحمة    إنما هو بصيرورتها فوق الرأس كما لا يخفى ، وعليه فالدلالة تامة .

(3) الوسائل 4  : 175 / أبواب المواقيت ب 16 ح 9 .

(4) ولكنه (قدس سره) ذكر في المعجم 17  : 36 / 10647 أنّه ممدوح .

ــ[176]ــ

مع الأفضلية فلا تدل على اللزوم ، أن الكوكب يرى(1) لدى سقوط القرص أيضاً كما تقدم . فهي إذن ظاهرة في مذهب المشهور لا الأشهر .

   ومنها : ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس ، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب وكان يصلي حين يغيب الشفق»(2) ، دلت على أنّ العبرة بزوال الحمرة المشرقية فلا يكفي مجرد الاستتار .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بعلي بن يعقوب الهاشمي ، أن الدلالة قاصرة ، إذ المراد من مطلع الشمس ـ كما سبق ـ هو مكان طلوعها ونقطة خروجها ، لا الشرق كله ، وقد عرفت أنّ زوال الحمرة من تلك النقطة إنما يتحقق عند الاستتار وأول الغروب ، فهي إذن على خلاف المطلوب أدل .

   ومنها : رواية محمد بن شريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن وقت المغرب ، فقال : إذا تغيّرت الحمرة في الاُفق وذهبت الصفرة ، وقبل أن تشتبك النجوم»(3) بتقريب أن تغيّر الحمرة كذهاب الصفرة لا يكونان إلا عند الزوال عن قمة الرأس .

   وفيه أوّلاً : أن السند ضعيف بعلي بن الحارث وبكار بن بكر ، فان الأول مجهول ، والثاني لم يوثق .

   وثانياً : أن الدلالة قاصرة بشهادة التجربة ، فانّ تغيير الحمرة إنما يكون في أول الغروب ومنذ استتار الشمس في الاُفق وهو زمان ذهاب الصفرة أيضاً ، وكل ذلك قبل اشتباك النجوم(4) فهذه أيضاً على خلاف المطلوب أدل .

   ومنها : صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لكن الرؤية لم تكن دائمية وفي جميع الفصول .

(2) الوسائل 4  : 175 / أبواب المواقيت ب 16 ح 10 .

(3) الوسائل 4  : 176 / أبواب المواقيت ب 16 ح 12 .

(4) لكن اشتباك النجوم إنما يكون بعد زوال الحمرة عن قمة الرأس بزمان معتد به فقبله    ينطبق عليه .

ــ[177]ــ

لي مسّوا بالمغرب قليلاً ، فان الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا»(1) .

   ويندفع : بأن مقتضى كروية الأرض اختلاف الطلوع والغروب حسب اختلاف البلاد والأصقاع ، فتغرب الشمس في بلد في ساعة ثم في آخر في ساعة اُخرى وهكذا ، بل هي لا تزال في طلوع وغروب ، ومن الضروري أن العبرة في كل بلد بطلوعه وغروبه ، سواء أتحقّق في بلد آخر أم لا . ومن ثم ورد : «وإنما عليك مشرقك ومغربك . .»(2) .

   وعليه ، فلم يتضح وجه صحيح للأمر بالتأخير في هذه الصحيحة إلا الحمل ـ بعد فرض اتحاد اُفق البلدين ـ على غيبوبة الشمس في بلد الراوى واستتارها عن الأنظار قبل دخولها تحت الاُفق لمكان الجبال والاطلال ، فأمره (عليه السلام) بالتأخير رعاية للاحتياط الناشئ من احتمال عدم تحقق الغروب واقعاً ، لا أنه قد تحقق ومع ذلك يأمر بالتأخير لمكان تجاوز الحمرة عن قمة الرأس كما هو المدعى ، هذا أوّلاً .

   وثانياً : سلّمنا أن الأمر بالتأخير كان بعد تحقق الغروب ، لكن المأمور به لما كان هو التمسية قليلاً المحقق ـ طبعاً ـ قبل التجاوز عن قمة الرأس ، فهو محمول على الاستحباب بقرينة ما دل على دخول الوقت باستتار القرص وبرؤية الكوكب ـ كما تقدم ـ المتحققين قبل ذلك . على أن التمسية القليلة أمر متعارف لجريان العادة على الصلاة بعد المغرب بشيء ، إذ لا تؤدى الفريضة عند سقوط القرص غالباً(3) .

   ومنها : رواية عبدالله بن وضاح قال : «كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعاً وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة ويؤذّن عندنا المؤذّنون أفأُصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 176 / أبواب المواقيت ب 16 ح 13 .

(2) الوسائل 4  : 198 / أبواب المواقيت ب 20 ح 2 .

(3) لكن هذا لا يختص ببلدهم دون بلده (عليه السلام) وقد فرّق بينهما في الرواية .

ــ[178]ــ

أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل ؟ فكتب إلي : أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك»(1) دلت على عدم كفاية الاستتار المفروض في السؤال ولزوم الانتظار حتى تزول الحمرة ، غير أنه (عليه السلام) علله بالاحتياط لمراعاة التقية .

   وفيه : أنه لم يفرض في السؤال تيقّن الراوي(2) باستتار القرص ومواراته تحت الاُفق ، وإنما المفروض مواراته عن النظر ، ولعله يكون خلف الجبل  ، بل إن قوله «وترتفع فوق الجبل حمرة» يكشف عن كونه شاكاً في ذلك كما لا يخفى .

   وعليه ، فلا وجه لحمل التعليل على الاحتياط في الشبهة الحكمية ليلزم حمله على التقية من أجل امتناع إرادته من الامام العالم بالأحكام الواقعية ، بل هو ناظر إلى الاحتياط في الشبهة الموضوعية من أجل شك السائل في تحقق الغروب وعدمه كسائر الأوامر الاحتياطية الواردة في الشبهات الموضوعية . إذن فالرواية أظهر دلالة على المسلك المشهور من دلالتها على المسلك الأشهر .

   وأما الطعن في السند باشتماله على سليمان بن داود المنقري الذي تعارض فيه توثيق النجاشي(3) مع تضعيف ابن الغضائري(4) ، فيردّه : عدم قدح التضعيف المزبور لعدم ثبوت الكتاب المنسوب إليه ، ومعه كان التوثيق سليماً عن المعارض ، فلا نقاش في السند ، والعمدة ضعف الدلالة كما عرفت .

   ومنها : رواية جارود قال : «قال لي أبوعبدالله (عليه السلام) : ياجارود ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشيء نادوا به ، أو حدّثوا بشيء أذاعوه ، قلت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 176 / أبواب المواقيت ب 16 ح 14 .

(2) كيف لم يكن متيقناً وأمامه حجة شرعية وهي أذان المؤذنين العارفين بالوقت على    مذهبهم . مضافاً إلى الحمرة المشرقية المرفوعة فوق الجبل الملازمة للاستتار ، ولا سيما مع التعبير باقبال الليل مؤكداً ذلك بازدياده ارتفاعاً ، وبضميمة كون التعليل بالاحتياط للتقية    تتم دلالة الرواية .

(3) رجال النجاشي : 184 / 488 .

(4) خلاصة الأقوال : 352 / 1388 .

ــ[179]ــ

لهم : مسّوا بالمغرب قليلاً فتركوها حتى اشتبكت النجوم فأنا الآن اُصليها إذا سقط القرص»(1) ، فان قوله (عليه السلام) : «مسّوا» أي صلوا مساءً وأخّروها يدل على وجوب التأخير عن سقوط القرص الملازم لذهاب الحمرة عن قمة الرأس ، وإنما لم يفعل هو (عليه السلام) لمراعاة التقية بعد ما فعلوه من إذاعة السر .

   ويندفع : بأن التمسية القليلة المأمور بها غير ملازمة لذهاب الحمرة ، لعدم افتراضه في الرواية ، فهو طبعاً محمول على الفضل ، وحيث إنه بعد الاذاعة أصبح خلاف التقية تركه واختار الفرد المفضول ، لا أنه (عليه السلام) صلى قبل الوقت تقية ليدل على القول الأشهر ، بل هي في الدلالة على القول المشهور أظهر حسبما عرفت .

   أضف إلى ذلك : أن السند غير نقي ، لاحتمال اشتماله على إسماعيل بن أبي سماك ولم تثبت وثاقته ، فان توثيق النجاشي راجع إلى أخيه إبراهيم لا إليه نفسه فلاحظ(2) .

   والمتحصل من جميع ما تقدم : أن النصوص المستدل بها للقول الأشهر غير صالحة للاستدلال بها ، لضعفها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو(3) .

   ثم إنه ربما يستدل لهذا القول بأن تحديد الوقت بذهاب الحمرة عن قمة الرأس أمر شائع ذائع عند الامامية ، وهو من مختصاتهم ومتفرداتهم بحيث أصبح شعاراً لهم ورمزاً وبه يمتازون عن غيرهم ، حتى أن المصلي عند سقوط القرص يتهم بالخلاف ، وقد كان هذا معهوداً منذ زمن المعصومين (عليهم السلام) كما يفصح عنه ما رواه في المجالس باسناده عن الربيع بن سليمان وأبان ابن أرقم وغيرهم قالوا : «أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا ، فجعل يصلي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 177 / أبواب المواقيت ب 16 ح 15 .

(2) رجال النجاشي : 21 / 30 .

(3) بل قد تقدم قوة بعضها سنداً ودلالة ومعه لم يكن بدّ من حمل معارضها على التقية .

ــ[180]ــ

ونحن ندعو عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ، ونقول هذا شباب من شباب أهل المدينة ، فلما أتيناه إذا هو أبوعبدالله جعفر بن محمد (عليه السلام) فنزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا : جعلنا فداك هذه الساعة تصلي ، فقال : إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت»(1) .

   فإنها خير شاهد على أن إناطة الوقت بذهاب الحمرة عن قمة الرأس كان من الواضحات عند الامامية وأمراً مفروغاً عنه بينهم مركوزاً في أذهانهم ، وإلا فكيف غضبوا من فعل المصلي قبل أن يعرفوا أنه الصادق (عليه السلام) حيث قالوا فوجدنا في أنفسنا ـ أي غضبنا ـ  .

   والجواب : أن كون ذلك شعاراً لهم ورمزاً وإن لم يكن مساغ لانكاره ، إلا أنه مع ذلك لا دلالة له بوجه على لزوم التأخير ، إذ من الجائز أن يكون ذلك من سنخ الشعائر القائمة على نبذ مما التزموا به عملاً مع اعترافهم باستحبابه من غير نكير كالقنوت ، فانك لا تكاد ترى إماميّاً يتركه في صلاته من غير عذر مع أنه لا يرى وجوبه . فلا ملازمة بين البناء العملي على شيء وبين وجوبه فليكن المقام من هذا القبيل ، ولا سيما بعد ملاحظة أن الروايات الواردة في جواز ترك القنوت قد ورد مثلها في المقام أيضاً . ومنه تعرف الحال في الرواية ، فان غاية ما يستفاد منها أن تأخير الصلاة عن استتار القرص أمر مرغوب فيه عند الامامية ، وأما وجوبه فكلاّ . مضافاً إلى ضعف سندها بعدّة من المجاهيل .

   وقد استبان لك من جميع ما قدمناه لحدّ الآن أن القول المنسوب إلى الأشهر أو الأكثر لا يسعنا الالتزام به ، إذ لاسبيل إلى إتمامه بدليل تركن إليه النفس ، بل الدليل قائم على خلافه ، ومقتضى الصناعة هوالمصير إلى القول المشهور من دخول الوقت بسقوط القرص واستتار الشمس تحت الاُفق الذي اختاره جماعة من المحققين . منهم المحقق(2) وصاحب المدارك(3) وغيرهما ، فقد دلت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 180 / أبواب المواقيت ب 16 ح 23 ، أمالي الصدوق : 140 / 143 .

(2) الشرائع 1  : 72 .

(3) المدارك 3  : 53 .

 
 

ــ[181]ــ

عليه جملة وافرة من النصوص المعتبرة فيها الصحاح والموثقات ، أما غير المعتبرة فكثيرة .

   فمن جملة الروايات المعتبرة صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : «وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها»(1) .

   ومنها : صحيحة زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص فان رأيت بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً»(2) .

   ومنها : صحيحته الاُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة»(3) .

   ومنها : موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي المغرب حين تغيب الشمس حيث تغيب حاجبها»(4) .

   وهذه أصرح روايات الباب في الدلالة على دخول الوقت بمجرد الاستتار ، فان التعبير بالحاجب لمشابهة آخر القرص به عند الغروب .

   نعم ، لا يراد من ذلك وقوع أول جزء من الصلاة مقارناً لغروب آخر جزء من الحاجب على سبيل التدقيق ، بل المراد إيقاع الصلاة حينئذ على النهج المتعارف من الاتيان بالمقدمات كالأذان والاقامة ونحوهما بعد دخول الوقت ، لا أنه (صلى الله عليه وآله) كان يقدّم هذه الاُمور كلها على الوقت ليصلي حين تغيب حتى يلتجأ إلى حمل الرواية على النسخ كما صنعه(5) صاحب الوسائل .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 4  : 178 / أبواب المواقيت ب 16 ح 16  ، 17 .

(3) الوسائل 4  : 183 / أبواب المواقيت ب 17 ح 1 .

(4) الوسائل 4  : 182 / أبواب المواقيت ب 16 ح 27 .

(5) الذي دعاه إلى ما صنع هو علاج المعارضة وتقديم نصوص زوال الحمرة ، لا ما ذكر    فلاحظ .

ــ[182]ــ

   ومنها : موثقة إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن وقت المغرب ، قال : ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق»(1) .

   ومنها : صحيحة صفوان بن مهران الجمال قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إن معي شبه الكرش المنشور فاُؤخر صلاة المغرب حتى عند غيبوبة الشفق ثم اُصليهما جميعاً يكون ذلك أرفق بي ، فقال : إذا غاب القرص فصل المغرب فانما أنت ومالك لله»(2) .

   ومنها : موثقة سماعة بن مهران قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) في المغرب : إنّا ربما صلينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل ، قال فقال : ليس عليك صعود الجبل»(3) .

   ونوقش في السند باشتماله على أحمد بن هلال المرفوض حديثه عند القوم ، بل قيل في حقه إنه لا دين له ، لانتسابه إلى الغلو مرّة وإلى النصب اُخرى ، ولكنا بنينا أخيراً على وثاقته وأن ما قيل في حقه إما لا أساس له ، أو لا ينافي وثاقته . على أنه مذكور في طريق الشيخ ، وأما طريق الصدوق فهو خال عنه وليس فيه من يغمز فيه ما عدا عثمان بن عيسى ، وقد عدّه الكشي من أصحاب الاجماع(4) ، مع أنه من رجال كامل الزيارات . إذن فالرواية نقية السند .

   كما أنها واضحة الدلالة ، ضرورة أن خوف كون الشمس خلف الجبل إنما يستقيم لو كان الاعتبار بالاستتار ، أما لو كان بالذهاب عن القمّة فلا موضوع له ، بداهة عدم الذهاب عنها قبل سقوط القرص ، فلو ذهبت الحمرة كما هو مقتضى فرض الدخول في الصلاة فقد تحقق السقوط جزماً . فأيّ معنى للشك بعد هذا ليجيب (عليه السلام) : «بأنه ليس عليك صعود الجبل» .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 182 / أبواب المواقيت ب 16 ح 29.

(2) الوسائل 4  : 193 / أبواب المواقيت ب 18 ح 24 .

(3) الوسائل 4  : 198 / أبواب المواقيت ب 20 ح 1 .

(4) رجال الكشي : 556 / 1050 .

ــ[183]ــ

   وعلى الجملة : الغروب بهذا المعنى لا يتصور فيه شك يزول بالصعود على الجبل ، وإنما يزول بالفحص عن تجاوز الحمرة عن قمة الرأس صعد أم لم يصعد وإنما ينفع الصعود لو كان الغروب بمعنى استتار القرص ، لاحتمال كونه خلف الجبل فيصعد ليفحص عن الاُفق فيصح النهي عنه على هذا التقدير .

   ثم إن الرواية لمّا كانت بظاهرها مخالفة للقواعد ، إذ مع الشك في الغروب كان المرجع أصالة عدمه ، ومعه لا يسوغ الافطار ولا الدخول في الصلاة، ولذا قال في الحدائق إنها لا تنطبق على شيء من القولين في الغروب. فمن ثم حملها جمع من الأصحاب ومنهم صاحب الحدائق على التقية(1).

   أقول : لا يبعد حمل الرواية على صورة وجود أمارة معتبرة على الغروب كارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق ومطلع الشمس ، حيث عرفت أنه ملازم لسقوط القرص واستتاره في الاُفق ، فيحتمل أن سماعة قد دخل في الصلاة اعتماداً على تلك الأمارة ، وبعد أن دخل غفل عن الملازمة فعرضه الشك ، وقد نهاه (عليه السلام) عن الصعود اكتفاءً بتلك الأمارة . إذن فلا مقتضي للحمل على التقية بعد انطباق الرواية على القول المشهور من تحقق الغروب بغيبوبة الشمس .

   نعم ، هناك رواية اُخرى نظير هذه ولا تصلح للاستدلال ، وهي رواية أبي اُسامة أو غيره قال : «صعدت مرّة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب إنما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أباعبدالله (عليه السلام) فأخبرته بذلك ، فقال لي : ولِم فعلت ذلك ؟ بئس ما صنعت إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها ، وإنما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على الناس أن يبحثوا»(2) فان مقتضاها تحقق الغروب بمجرد غيبوبة القرص عن النظر ، سواء أغابت في الاُفق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 6  : 168 .

(2) الوسائل 4  : 198 / أبواب المواقيت ب 20 ح 2 .

ــ[184]ــ

أم لا ، وأن من لم يرها حلّ الوقت بالإضافة إليه وإن لم تغب في الاُفق ، بل ولو مع العلم بذلك وكونها موجودة خلف الجبل . وهذا مما لم يقل به أحد من الأصحاب ومخالف لجميع نصوص الباب التي لا يبعد فيها دعوى التواتر الاجمالي فهي مطروحة لا محالة .

   والذي يسهّل الخطب أنها ضعيفة السند للارسال على طريق الشيخ ، حيث رواها عن أبي اُسامة أو غيره(1) . وأما الصدوق(2) فهو وإن رواها عن أبي اُسامة زيد الشحام وقد وثقه الشيخ(3) إلا أن طريقه إليه ضعيف بأبي جميلة مفضل بن صالح ، فلا يعوّل عليها على التقديرين .

   هذا كله في الروايات المعتبرة الدالة على القول المشهور . وأما غير المعتبرة المؤيدة لها فقد عرفت أنها كثيرة جداً كمرسلة الصدوق ورواية جابر ومرسلة علي بن الحكم(4) وغيرها ، ولا يبعد بلوغ المجموع من الطرفين حدّ التواتر الاجمالي ، فهي على تقدير تواترها قطعية ولا أقل من أن شطراً وافراً منها معتبرة صحيحة أو موثقة ، فهي قوية السند واضحة الدلالة .

   وأما نصوص القول الأشهر فقد عرفت أنها ضعيفة السند أو الدلالة على سبيل منع الخلو فلا تنهض لمقاومتها . مضافاً إلى أنها بين ما هو ظاهر في القول المشهور وما هو مجمل لا يدل على شيء من القولين ، وليس فيها ما يدل على هذا القول صريحاً عدا مرسلة ابن ابي عمير غير القابلة للاعتماد لمكان الارسال وغير الناهضة لمقاومة النصوص المزبورة .

   إذن لم يكن بد من الالتزام بما عليه المشهور من دخول الوقت بمجرد الاستتار وسقوط القرص .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 2  : 264 / 1053 .

(2) الفقيه 1  : 142 / 661 .

(3) الفهرست : 71 / 288 .

(4) الوسائل 4  : 179 / أبواب المواقيت ب 16 ح 18  ، 20  ، 25 .

ــ[185]ــ

   وينبغي التنبيه على اُمور :

   الأول : أن صاحب الوسائل بعد أن تعرّض لنصوص القول الأشهر حكم بترجيحها على نصوص القول الآخر بوجوه ، منها أنها أقرب إلى الاحتياط(1) .

   وفيه: ما لا يخفى ، فان المستفاد من الآية المباركة: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(2) بضميمة ما ورد في تفسيرها ، هو أنّ كل جزء مما بين الحدين وقت لاحدى الصلوات الأربع ، فمن الدلوك إلى المغرب للظهرين ، ومنه إلى الغسق للعشاءين .

   إذن فأول وقت المغرب هو آخر وقت الظهرين مقارناً مبدؤه لمنتهاه ومتصلاً به من غير فترة فاصلة . والظاهر أن هذا مما لا خلاف فيه ، بل في الرياض دعوى الاجماع عليه(3) .

   وعليه فلو فسّرنا المغرب بزوال الحمرة عن قمة الرأس فنسأل عن أن الفترة المتخللة بينه وبين سقوط القرص الذي تستوعب أكثر من عشر دقائق هل يجوز إيقاع الظهرين فيها أو لا يجوز ، بل يكون حالها كما بين طلوع الشمس وزوالها الذي لا يكون وقتاً لشيء من الصلوات ؟ فان قيل بالثاني كان ذلك مخالفاً لما عرفت من الاتصال ، وأن أحد الوقتين عقيب انتهاء الآخر بلا فصل ، وإن قيل بالأول فالخطب أفضع ، وكيف يصح القول بجواز إتيانهما في هذه الحالة والنصوص تنادي بانتهاء وقتهما بسقوط القرص وغيبوبة الشمس ، بل كيف يصح التوصيف بصلاة الظهر وقد دخل الليل وانتهى النهار بكامله .

   وعلى الجملة : لازم القول الأشهر بعد ملاحظة الاتصال المزبور المفروغ عنه بينهم كما عرفت ، جواز إيقاع الظهرين بعد الغروب ، وهو مخالف للاحتياط جدّاً لو لم يكن مقطوع العدم ، فيكف يدعى أنه موافق له .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 177 .

(2) الاسراء 17  : 78 .

(3) الرياض 3  : 34 .

ــ[186]ــ

   وهذا بخلاف ما لو فسّرناه بسقوط القرص ، فانه لا بشاعة في الالتزام بلازمه من جواز الاتيان بصلاة المغرب حينئذ مباشرة ، بل قد نطقت به جملة من النصوص كما سمعت .

   نعم ، الأحوط عملاً التأخير حذراً عن مخالفة القول الأشهر وهو أمر آخر .

   الأمر الثاني : أنّ ما أسلفناك من توصيف القول باعتبار ذهاب الحمرة المشرقية عن قمّة الرأس بالأشهر والقول الآخر بالمشهور إنما هو لمتابعة المحقق حيث عبّر عن القولين بمثل ذلك .

   وبعد ملاحظة الكلمات يظهر أن المصّرحين بزوال الحمرة عن قمة الرأس قليلون ، والوارد في عبائر الأكثرين هكذا : ذهاب الحمرة عن المشرق أو زوال الحمرة المشرقية . وهذه العبارة كما ترى غير ظاهرة في ذلك لو لم تكن ظاهرة في زوالها عن نقطة المشرق ومطلع الشمس الملازم لغيبوبة القرص تحت الاُفق ، والذي عرفت ظهور جملة من الأخبار فيه ، أو حملها عليه . إذن فمن الجائز حمل كلماتهم كالنصوص على هذا المعنى . وعليه فينقلب الأمر ويكون الأشهر هو القول باستتار القرص ، والذهاب عن القمة قولاً نادراً في المسألة .

   الأمر الثالث : بناءً على تفسير الغروب باستتار القرص ـ كما هو المختار ـ فالأمر في الطلوع واضح ، فانه يراد به صيرورة الشمس فوق الاُفق في مقابل الغروب المراد به صيرورتها تحته وهذا ظاهر .

   وأما بناءً على تفسيره بذهاب الحمرة عن قمة الرأس فربما يقال إن مقتضى المقابلة الالتزام بمثله في الطلوع أيضاً ، وأنه يتحقق قبل الطلوع الحسي ، أي قبل ظهور الشمس فوق الاُفق بمقدار تأخر زوال الحمرة عن استتار القرص تحت الاُفق ، أي ما يعادل عشر دقائق تقريباً وإن لم نشاهدها حساً كما كان هو الحال في الغروب ، حيث عرفت أن أرباب هذا القول يزعمون أن الشمس موجودة قبل ذهاب الحمرة فوق الاُفق وإن لم تكن مرئية . وعليه فينتهي وقت صلاة الصبح عند ظهور الحمرة ، أي قبل عشر دقائق تقريباً من طلوع الشمس حساً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net