الذبح أو النحر الى غير القبلة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5279


ــ[57]ــ

   [1251] مسألة 2 : إذا ذبح أو نحر إلى غير القبلة عالماً عامداً حرم المذبوح والمنحور ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو لم يعرف جهة القبلة لا يكون حراماً (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) قد عرفت فيما سبق اعتبار الاستقبال في الذبيحة(1) بل عرفت أن الأقوى اعتباره في الذابح أيضاً(2) ، للنص الصحيح الدال عليه كما مرّ .

   وكيف كان ، فهل يختص هذا الحكم بصورة العلم والعمد ، فلا يعتبر الاستقبال مع الخطأ في الاجتهاد أو الاعتقاد أو الجهل أو النسيان ، أو يعم جميع الصور ؟

   المشهور بل المتسالم عليه بين الأصحاب هو الأول . إنما الكلام في مستنده فنقول :

   لا ينبغي الإشكال في حلّية الذبيحة إذا ذبحها إلى غير القبلة ناسياً أو مخطئاً للتصريح في النصوص بعدم البأس إذا لم يتعمّد ، التي منها صحيحة علي بن جعفر قال : «سألته عن الرجل يذبح على غير القبلة ، قال : لا بأس إذا لم يتعمد»(3) ونحوها غيرها كما لا ينبغي الإشكال في الحلية إذا ذبح ولم يتمكن من معرفة جهة القبلة فكان جاهلاً بالموضوع ، لعدم صدق التعمد حينئذ كسابقه .

   إنما الإشكال فيما إذا ذبح لغير القبلة جاهلاً بالحكم ، فانّ في إلحاقه بالجاهل بالموضوع تأملاً ، لقصور النصوص المتقدمة عن شموله ، فانّ الجاهل بالحكم عامد في الموضوع ، أي يصدر عنه الذبح إلى غير القبلة عن قصد واختيار ، فهو يعلم أنّه يذبح إلى جهة المشرق مثلاً أو دبر القبلة مثلاً ، وان كان منشؤه الجهل بالحكم ، فلا يكون مندرجاً في تلك النصوص النافية للبأس إذا لم يتعمد ، هذا .

   وقد استدل في الجواهر(4) للإلحاق بوجهين :

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 36 .

(2) في ص 36 .

(3) الوسائل 24 : 28 / أبواب الذبائح ب 14 ح 5.

(4) الجواهر 36 : 111 .

ــ[58]ــ

   أحدهما : رواية دعائم الإسلام : «في من ذبح لغير القبلة : إن كان خطأً أو نسي أو جهل فلا شيء عليه ، وتؤكل ذبيحته ، وإن تعمّد ذلك فقد أساء ، ولا نحبّ أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمّد»(1) .

   والمذكور في الجواهر «يجب» بدل «نحب» وهو غلط ، والصحيح هو الثاني كما أثبته المحدث النوري في المستدرك .

   وكيف كان ، فقد ذكر (قدس سره) أنّ الجهل المذكور في الخبر مطلق يشمل الحكم والموضوع .

   وفيه أوّلاً : أنّ الخبر ضعيف السند بالارسال ، ولم يعلم استناد فتوى المشهور إليه كي ينجبر به الضعف لو سلّم كبرى الانجبار ، لاحتمال استنادهم إلى الوجه الآتي .

   وثانياً : مع الغض عما ذكر لا مناص من اختصاص الجهل بالموضوع ، بقرينة المقابلة بينه وبين التعمد المذكور في ذيل الخبر ، إذ الجاهل بالحكم أيضاً عامد كما عرفت آنفاً ، فلا إطلاق للجهل بالنسبة إلى الحكم وإلا لما صحّ التقابل كما لا يخفى .

   ثانيهما : صحيحة محمد بن مسلم : «عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة ، فقال (عليه السلام) : كُلْ منها ، فقلت له : فانّه لم يوجهها ، فقال (عليه السلام) : فلا تأكل منها»(2) .

   فذكر (قدس سره) أنّها تحتمل وجهين :

   الأول : أنّ الجامع بين السؤالين هو الذبح جاهلاً بالقبلة ، وافتراقهما أنّ السؤال الأوّل عما لو صادف القبلة اتفاقاً فحكم (عليه السلام) بجواز الأكل حينئذ ، والسؤال الثاني عما لو لم يصادف فأجاب (عليه السلام) بالمنع . فقوله :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 16 : 138 / أبواب الذبائح ب 12 ح 2 ، دعائم الاسلام 2 : 174 / 626 .

(2) الوسائل 24 : 27 / أبواب الذبائح ب 14 ح 2 .

ــ[59]ــ

«فانّه لم يوجهها» أي لم يتحقق الاستقبال ، قبال الفرض الأوّل الذي تحقق فيه صدفة . وعليه فالصحيحة تدلّ على خلاف المطلوب ، لدلالتها حينئذ على المنع عن الأكل لو ذبح لغير القبلة جهلاً .

   الثاني : أنّ الجامع بينهما هو الذبح لغير القبلة ، والمقابلة بينهما باعتبار أنّ السؤال الأول عما لو صدر الذبح عن جهل فحكم (عليه السلام) بالجواز والثاني عما لو صدر عن علم وعمد فحكم بالمنع ، فقوله : «فانّه لم يوجهها» أي تعمّد الذبح لغير القبلة عالماً . وعلى هذا تدل الصحيحة على المطلوب ، لدلالتها على حلية ما ذبح لغير القبلة جاهلاً .

   ثم رجّح (قدس سره) الاحتمال الثاني ، لموافقته لفتوى المشهور .

   وليت شعري بعد فرض تساوي الاحتمالين وتكافئهما فهل يقدّم أحدهما لمجرد المطابقة مع فتوى المشهور . نعم ، لو علم استنادهم اليها وأنّهم استظهروا منها الاحتمال الثاني بما أنّهم من أهل العرف صح الترجيح ، لكشفه حينئذ عن ظهور الصحيحة في ذلك ، لكن الاستناد غير ثابت .

   والصحيح أن يقال : إنّ الصحيحة في حدّ نفسها ظاهرة في الاحتمال الثاني لضعف الأوّل غايته ، إذ من المستبعد جداً أنّ محمد بن مسلم على جلالته يجهل حلّية ما ذبح إلى القبلة وإن كان عن جهل ، بحيث يحتاج إلى السؤال عمّا لو ذبح الجاهل وصادف القبلة ، أفهل ترى أنّه يحتمل اعتبار العلم في الحكم بالحلّية مع أنّه غير معتبر حتى في العبادات المفتقرة إلى نية التقرب فضلاً عن مثل الذبح الذي هو عمل توصّلي ، فان من صلّى متستراً متطهراً في غير الحرير يحكم بصحة صلاته وإن كان جاهلاً باعتبار هذه الاُمور ونحوها في الصلاة بلا إشكال .

   وبالجملة : فالنصوص المتقدمة وإن كانت قاصرة الشمول للجاهل بالحكم لكن هذه الصحيحة تدل بظاهرها على انسحاب الحكم بالنسبة اليه أيضاً ، فهي المستند في التعميم .

ــ[60]ــ

وكذا لو تعذّر استقباله كأن يكون عاصياً أو واقعاً في بئر أو نحو ذلك مما لا يمكن استقباله ، فانّه يذبحه وإن كان إلى غير القبلة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بلا خلاف فيه ، لجملة من النصوص التي منها صحيح الحلبي قال «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسمّوا فأتوا علياً(عليه السلام) فقال : هذه ذكاة وحيّة (أي سريعة) ولحمه حلال»(1) .

   ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن بعير تردّى في بئر فذبح من قبل ذنبه ، فقال : لا بأس إذا ذكر اسم الله عليه»(2) وغيرهما .

   فانّ هذه الروايات وإن سيقت لبيان عدم اعتبار وقوع الذبح والنحر في المذبح والمنحر وأنّه يجوز القتل كيف ما اتفق فيما إذا استعصى الحيوان وعرضه الجنون أو وقع في بئر بحيث امتنع ذبحه ونحره من الموضع المعيّن ، لكن يستفاد منها بالالتزام عدم اعتبار الاستقبال أيضاً ، لعدم التمكّن عادة من رعايته في هاتين الحالتين ، فالحكم بالجواز مطلقاً يكشف عن عدم اعتباره أيضاً كما هو ظاهر .

   بل يمكن أن يقال : إنّ النصوص السابقة التي اُنيط فيها التحريم بتعمد ترك الاستقبال بنفسها قاصرة الشمول للمقام ، لعدم صدق العمد مع استعصاء الحيوان أو وقوعه في البئر ، إذ التعمد نحو الفعل عبارة عن صدوره عن قصد واختيار ، فلا بدّ وأن يكون كلا الطرفين ـ الفعل والترك ـ مقدوراً للمكلّف كي يصدر أحدهما عن اختياره ، والمفروض عدم التمكّن من استقبال الحيوان عند جنونه أو وقوعه في البئر ، فهو مضطر في ترك الاستقبال ، فلا يصدر ذلك عن الاختيار الذي هو الموضوع للحرمة في الأخبار .

   وبالجملة : فالمقتضي للحرمة قاصر في حدّ نفسه ، مضافاً إلى وجود المانع وهي هذه النصوص كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 24 : 19 / أبواب الذبائح ب 10 ح 1 .

(2) الوسائل 24: 21 / أبواب الذبائح ب 10 ح 6 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net