ــ[87]ــ
[1254] مسألة 2 : الظاهر حرمة النظر إلى ما يحرم النظر إليه في المرآة والماء الصافي (1) مع عدم التلذذ ، وأما معه فلا إشكال في حرمته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من يد رجل إلى رجل ، والمرأة بنفسها تباشر البيع أوالشراء من الرجال من دون نكير ، فاراءة نفس آلة التزيين ليس بحرام قطعاً ، بل المراد من الزينة ـ الممنوع إبداؤها في الآية ـ إراءة المرأة الحالة الحاصلة لها من تزينها بهذه الآلات ، فانّ الزينة اسم مصدر من التزين ، ولكلّ من المصدر واسمه صيغة مخصوصة في المقام ـ كما قد يتفق في بعض الموارد ـ وإن كان الغالب اشتراكهما في الصيغة ، والفرق انّما هو بالاعتبار ، فالمصدر هو المعنى الحدثي الملحوظ انتسابه إلى الفاعل ، والاسم ما كان مجرّداً عن الانتساب ، لكن المقام يختص كما عرفت باختصاص كل منهما بصيغة مخصوصة . فالمصدر هو التزين والاسم الزينة .
وبالجملة : بعدما زيّنت المرأة نفسها بما يتزين به تطرؤها حالة مخصوصة تتحلّى معها ، ويعبّر عن تلك الحالة الحاصلة لها بعد التزيين بالزينة ، وإبداء هذه الحالة لا ينفك عن إبداء مواضع الزينة أيضاً ، وإلا فاراءة نفس ما تتزيّن به من دون المحلّ ليس ذلك من إبداء الزينة بهذا المعنى الذي هو المراد في المقام دون الأول ـ أعني نفس الآلة بالضرورة كما عرفت ـ لأن التحلّي الحاصل لها منوط بقيام هذه الآلات بمواضعها ، فابداؤها يستلزم إبداء المواضع ، فلو لم يرد في تفسير الزينة إرادة المواضع كانت الآية بنفسها ظاهرة في إرادتها بالتقريب المتقدم .
وعليه فلا وجه لاحتمال وجوب ستر الشعر الموصول أو القرامل أو الحليّ بانفسها ، ولا مانع من إبدائها بما هي ما لم يقترن بابداء المواضع(1) فيكون التحريم حينئذ من أجلها لا من أجل هذه الأمور فتدبر جيداً .
(1) خلافاً لبعضهم حيث ذهب إلى الجواز ، بدعوى انصراف الأدلّة عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا مخالف لتعليقته الجديدة فليلاحظ .
ــ[88]ــ
مثل هذا النظر غير الواقع على شخص الأجنبية ، بل على صورتها المنطبعة في المرآة أو غيرها من الأجسام الشفافة ، فلا دليل على حرمة مثل هذا النظر بعد أن كانت الرؤية فيها على سبيل الانطباع دون الانكسار .
لكن الدعوى غير مسموعة ، فانّها على تقدير تماميتها مما تجهلها عامة الناس ولا يلتفت إليها أكثرهم ، إذ لا يفرّق لدى العرف بين هذا النظر وبين النظر إلى شخص الأجنبية . وحديث الانطباع والانكسار من الأبحاث الدقيقة البعيدة عن أذهان العرف ، فانهم لا يرتابون في أنّ الناظر إلى عورة الإنسان في المرآة الحاكية لها حكاية تامة ناظر إليها حقيقة ، ولا يرون فرقاً بينه وبين من ينظر إليها مباشرة ومن دون واسطة ، سواء كانت الرؤية بنحو الإنطباع أم غيره هذا .
مع أنّه لا يبعد أن يقال : إنّ الصواب انكسار النور من المرآة ووقوع النظر على شخص الأجنبية دون انطباع صورتها فيها ، كما يكشف عنه ما اذا فرضنا مرآة قبال الإنسان على نحو لا تسع أكثر من صورة واحدة ووقف شخص عن يمين الناظر وآخر عن يساره ، فانّ كلاً من الشخصين حينئذ يرى صورة الآخر ولا يرى صورة نفسه ، فلو كانت الرؤية على سبيل الانطباع فكيف انطبعت فيها صورتان بل ثلاثة مع أنّها لم تسع لأكثر من صورة واحدة على الفرض . ولا شك في عدم انطباع صورة فوق اُخرى ، وإلا لما تمت الحكاية عن شيء منهما مع أنّها تامة عن كل منهما بالوجدان . فيعلم من ذلك بطلان هذا المسلك وأنّ النور ينكسر عن المرآة فيصيب نفس الجسم الخارجي ـ كالأجنبية ـ فلا فرق بين النظر إليه مباشرة أو في المرآة إلاّ من حيث استقامة النور في الأول وانكساره في الثاني . وهناك شواهد ومؤيدات اُخرى لا يسعها المقام .
وقد يقال : إنّ الأمر وإن كان كذلك إلا أنّه يستفاد من بعض الأخبار جواز النظر في المرآة ، وهو ما رواه الكليني بسنده عن موسى بن محمد ـ الملقب بالمبرقع ـ أخي أبي الحسن الثالث (عليه السلام) : «أنّ يحيى بن أكثم سأله في
ــ[89]ــ
[1255] مسألة 3 : لا يشترط في الستر الواجب في نفسه ساتر مخصوص ولا كيفية خاصة ، بل المناط مجرّد الستر ولو كان باليد وطلي الطين ونحوهما .
أما الثاني ـ أي الستر حال الصلاة ـ فله كيفية خاصة ويشترط فيه ساتر خاص ، ويجب مطلقاً ، سواء كان هناك ناظر محترم أو غيره أم لا ، ويتفاوت بالنسبة إلى الرجل والمرأة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسائل التي سأله عنها : أخبرني عن الخنثى وقول علي (عليه السلام) : تورث الخنثى من المبال ، من ينظر إليه إذا بال ؟ وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل ، مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر اليه الرجال أو يكون رجلاً وقد نظر اليه النساء ، وهذا مما لا يحلّ ، فأجاب أبو الحسن الثالث (عليه السلام) : أمّا قول علي (عليه السلام) في الخنثى أنّه يورث من المبال فهو كما قال ، وينظر قوم عدول يأخذ كلّ واحد منهم مرآة ويقوم الخنثى خلفهم عريانة فينظرون في المرآة فيرون شبحاً فيحكمون عليه»(1) .
لكن الرواية ضعيفة السند ، فانّ المبرقع لم يوثق ، بل إنّ المفيد في الإرشاد(2) وكذا الكليني(3) نقلا رواية تدلّ على ضعف الرجل . وكيف كان ، فيكفي في الضعف عدم ثبوت الوثاقة .
(1) أمّا الكيفية الخاصة فسيجيء البحث عنها عند تعرض المصنف لها(4) .
وأمّا أصل وجوب الستر حال الصلاة واشتراطها به وإن لم يكن هناك ناظر محترم فقد يستدلّ له بالإجماع ، وهو كما ترى ، للجزم عادة بكون المستند بعض الوجوه الآتية ، فلا يحتمل أن يكون تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) . فالأولى أن يستدلّ له بوجوه :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 26 : 290 / أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 3 ح 1 ، الكافي 7 : 158 / 1 .
(2) الإرشاد 2 : 307.
(3) الكافي 1 : 502 / 8 .
(4) في ص 92 .
ــ[90]ــ
الأول : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه أو يصلي عرياناً ؟ قال : إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ، ولم يصلّ عرياناً»(1) .
فانّها معتبرة من حيث السند ، إذ رواها الشيخ والصدوق عن علي بن جعفر ، وطريق الثاني إليه صحيح(2) . وأمّا الأوّل فله إليه طريقان : أحدهما : ما ذكره في المشيخة(3) وهو ضعيف ، لمكان أحمد بن محمد بن يحيى العطار غير الموثق على الأقوى . والثاني ما ذكره في الفهرست(4) المنتهي إلى الصدوق ، وهو صحيح . ففي الحقيقة الرواية عن الصدوق .
وأمّا الدلالة فظاهرة ، حيث حكم (عليه السلام) ـ في الشرطية الاُولى ـ بوجوب الغسل مع التمكن منه ، المقتضي لوجوب الستر في الصلاة ، وإلا لم يكن وجه لوجوب الغسل ، بل صلّى عارياً .
وبعبارة اُخرى : فصّل (عليه السلام) بين صورتي وجدان الماء وعدمه ، وحكم بوجوب الغسل في الاُولى والصلاة في النجس في الثانية ، وعلى التقديرين منع عن الصلاة عارياً ، فلولا اعتبار الستر حال الصلاة لم يكن وجه للمنع ،بل لا مقتضي لتجويز الصلاة في النجس كما لا يخفى . ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين وجود الناظر المحترم وعدمه .
وقد تقدم الكلام حول هذه الصحيحة في مبحث الخلوة(5) وقلنا : إنّ ذيلها ـ أعني الشرطية الثانية ـ وإن كانت معارضة بموثقة سماعة المانعة عن الصلاة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3: 484 / أبواب النجاسات ب 45 ح 5 ، الفقيه1 : 160 / 756 ، التهذيب 2: 224 / 884 ، الاستبصار1 : 169 / 585.
(2) الفقيه 4 (المشيخة) : 4 .
(3) التهذيب 10 (المشيخة) : 86 .
(4) الفهرست : 87 / 367 .
(5) [بل تقدم في مبحث النجاسات] راجع شرح العروة 3 : 359 ، 364 .
ــ[91]ــ
الثوب النجس وأنّه يصلي عارياً(1) لكنّ اللازم تقديم الصحيحة عليها ببيان قد تقدم في محلّه ، وعلى أيّ حال سواء قدمناها عليها أم لا فغايته سقوط هذه الفقرة من الصحيحة عن الحجية لأجل المعارضة ، دون الفقرة الاُولى التي هي محل الاستشهاد في المقام ، لسلامتها عن المعارض فيؤخذ بها .
ويعضده ما يظهر من غير واحد من الروايات من ارتكاز اعتبار الستر في الصلاة في أذهان الرواة بحيث إنّ ذلك من المسلمات لديهم ، وقد أقرّهم الامام (عليه السلام) على ذلك ، التي منها صحيح زرارة ، قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه ، فقال : يصلّي إيماءً»(2) ونحوها غيرها .
ويؤيده خبر أبي البختري عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) أنه قال : «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت ، يبتغي ثياباً»(3) فانّها وإن كانت ضعيفة السند بأبي البختري ـ وهب بن وهب ـ الذي قيل في حقه : إنّه أكذب البرية ، فلا يستدل بها ، لكنها صالحة للتأييد .
الثاني : صحيح محمد بن مسلم : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : الرجل يصلّي في قيمص واحد ، فقال : إذا كان كثيفاً فلا بأس به . .»الخ(4) فانّ تعليق الجواز على ما إذا كان القميص كثيفاً ـ أي غليظاً ساتراً ـ يدلّ بمقتضى القضية الشرطية على عدم الجواز فيما إذا كان رقيقاً حاكياً عما تحته ، بل الظاهر أنّ منشأ السؤال ما ورد في غير واحد من الأخبار من الأمر بالصلاة في ثوبين ولا أقل من ثوب وحبل ـ كما في صحيحة محمد بن مسلم الآتية ـ المحمول على الفضل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 486 / أبواب النجاسات ب 46 ح 1 .
(2) الوسائل 4 : 449 / أبواب لباس المصلي ب 50 ح 6 .
(3) الوسائل 4 : 451 / أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1 .
(4) الوسائل 4 : 387 / أبواب لباس المصلي ب 21 ح 1 .
ــ[92]ــ
أما الرجل فيجب عليه ستر العورتين (1) ـ أي القبل من القضيب والبيضتين وحلقة الدبر لا غير ، وإن كان الأحوط ستر العجان أي ما بين حلقة الدبر إلى أصل القضيب ، وأحوط من ذلك ستر ما بين السرة والركبة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكأنّ السائل تخيل الوجوب قياساً على ثوبي الإحرام فأجاب (عليه السلام) بعدم البأس في قميص واحد مع رعاية الشرط المتقدم .
ونحوها صحيحته الاُخرى : «إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفُرَج فلا بأس . .»الخ(1) والصفيق : الغليظ ، قبال الصقيل أي الخفيف ، وطويل الفُرَج : أي متسعها بحيث تظهر العورة من وراء الفُرَج .
الثالث : الأخبار الكثيرة المستفيضة المتضمنة أنّ المكلف إذا لم يجد ساتراً صلّى عارياً مومئاً إما قاعداً أو قائماً ، أو إن كان ناظر محترم فجالساً وإلا قائماً على اختلاف ألسنتها(2) فانّها متفقة على المنع عن الركوع والسجود وأنّه يومئ إليهما . وهذا المقدار وإن لم يكف في اعتبار الستر في الصلاة بما هي ، لكنه يدل على اعتباره في خصوص الركوع والسجود ، ولذا منع عنهما مع العجز عن رعاية الستر فيهما ، فلا مناص للمكلّف من تحصيل الساتر قبل الدخول في الصلاة من باب المقدمة كي لا تبدو عورته في حالتي الركوع والسجود فيفوّتهما على نفسه اختياراً ، فانّ الانتقال إلى الإيماء الذي هو بدل اضطراري إنّما هو مع العجز عن الوظيفة الاختيارية كما هو ظاهر .
ولعلّ فيما ذكرناه من الأخبار غنى وكفاية . فلا ينحصر المستند بالإجماع ـ كما قيل ـ الذي عرفت ما فيه .
(1) فانّهما القدر المتيقّن من العورة الواجب سترها على الرجال حال الصلاة وغيرها ، وما عدا ذلك لا دليل عليه حتى العجان ، لخروجه عن مفهوم العورة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 390 / أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2 .
(2) الوسائل 4 : 448 / أبواب لباس المصلي ب 50 ، 3 : 486 / أبواب النجاسات ب 46 .
ــ[93]ــ
عرفاً ، ومع الشك فأصالة البراءة محكمة ، على أنّ العجان ينستر بتستر القبل والدبر عادة ، ففرض تسترهما بدونه لعله لا يتفق أو نارد التحقّق . وكيف كان فستره بما هو لا دليل عليه كما عرفت .
|