التفصيل بين المتنجس مع الواسطة والمتنجس بدون واسطة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8231


   والمتحصل : أن التفصيل في انفعال الماء القليل بين ملاقاة النجاسات والمتنجسات غير وجيه .

 تفصيلٌ حديث

   نعم ، يمكن أن نفصّل في المقام تفصيلاً آخر ـ إن لم يقم اجماع على خلافه ـ وهو التفصيل بين ملاقاة القليل للنجاسات والمتنجسات التي تستند نجاستها إلى ملاقاة عين النجس ، وهي التي نعبّر عنها بالمتنجس بلا واسطة وبين ملاقاة المتنجسات التي تستند نجاستها إلى ملاقاة متنجس آخر أعني المتنجس مع الواسطة ، بالالتزام بالانفعال في الأول دون الثانى ، إذ لم يقم دليل على انفعال القليل بملاقاة المتنجس مع الواسطة ، حتى أنّه لا دلالة عليه في رواية أبى بصير المتقدمة بناء على إرادة المعنى الثاني من القذر فيها وذلك لأن ا لقذر لم يرَ اطلاقه على المتنجسات غير الملاقية لعين النجس أعني المتنجس بملاقاة متنجس آخر ، فانّه نجس ولكنه ليس بقذر .

   والذي يمكن أن يستدل به على انفعال القليل بملاقاة مطلق المتنجس ولو كان مع الواسطة أمران :

   أحدهما : التعليل الوارد في ذيل بعض الأخبار الواردة في نجاسة سؤر الكلب ، وقد ورد ذلك في روايتين :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي ما عن علي بن جعفر (عليه السلام) «عن جنب أصابت يده جنابة من جنابته فمسحها بخرقة ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزؤه أن يغتسل من ذلك الماء ؟ قال (عليه السلام) : إن وجد ماء غيره فلا يجزؤه أن يغتسل به وإن لم يجد غيره أجزأه» المروية في قرب الاسناد : 180 / 666 .

ــ[141]ــ

   إحداهما : صحيحة البقباق قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئاً إلاّ سألت عنه ؟ فقال : لا بأس به حتى انتهيت إلى الكلب ؟ فقال : رجس نجس لا تتوضّأ بفضله وأصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء»(1) .

   وثانيتهما : ما عن معاوية بن شريح قال : «سأل عذافر أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع شرب منه أو يتوضأ منه ؟ فقال : نعم ، اشرب منه وتوضأ منه قال : قلت له الكلب ؟ قال : لا . قلت أليس هو سبع ؟ قال : لا والله إنه نجس ، لا والله إنه نجس»(2) وتقريب الاستدلال بهاتين الروايتين انّه (عليه السلام) علل الحكم بعدم جواز التوضؤ والشرب من سؤر الكلب بأنه رجس نجس .

   فيعلم من ذلك أن المناط في التنجس وعدم جواز الشرب والوضوء هو ملاقاة الماء للنجس فنتعدّى من الكلب الذي هو مورد الرواية إلى غيره من أفراد النجاسات ومن الظاهر أن النجس كما يصح إطلاقه على الأعيان النجسة كذلك يصح إطلاقه على المتنجسات حيث لم يؤخذ في مادّة النجس ولا في هيئته مايخصّه بالنجاسة الذاتية بل يعمها والنجاسة العرضية فالمتنجس نجس حقيقة ، فإذا لاقاه شيء من القليل فقد لاقى نجساً ويحكم عليه بالنجاسة وعدم جواز الشرب والوضوء منه ، فالروايتان تدلاّن على منجسية المتنجسات للقليل سواء أكانت مع الواسطة أم بلا واسطة .

   ولكن للمناقشة في الاستدلال بهما مجال واسع أمّا في الرواية الاُولى فلأنها وإن كانت صحيحة سنداً إلاّ أن دلالتها ضعيفة ، والوجه فيه : أن الرجس إنما يطلق على الأشياء خبيثة الذوات ، وهي التي يعبّر عنها في الفارسية بـ «پليد» كما في قوله تعالى : (يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون)(3) ولا يصح إطلاقه على المتنجِّسات فهل ترى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 226 / أبواب الأسآر ب 1 ح 4 ، 6 .

(3) المائدة 5 : 90 .

ــ[142]ــ

صحّة اطلاقه على عالم هاشمي ورع لتنجس بدنه . وكيف كان فإن اطلاق الرجس على المتنجس من الأغلاط ، وعليه فالرواية مختصبة بالأعيان النجسة ولا تعم المتنجسات .

   على أن الرواية غير مشتملة على التعليل حتى يتعدى منها إلى غيرها بل هي مختصة بالكلب ولا تعم سائر الأعيان النجسة فما ظنك بالمتنجسات ومن هنا عقّبه (عليه السلام) بقوله «اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء» فانّه يختص بالكلب وهو ظاهر . ولازم التعدي عن مورد الصحيحة إلى غيره هو الحكم بوجوب التعفير في ملاقي سائر الأعيان النجسة أيضاً وهو ضروري الفساد ، ومع عدم إمكان التعدي عن موردها إلى سائر الأعيان النجسة كيف يتعدى إلى المتنجسات . وعلى الجملة لو كنّا نحن وهذه الصحيحة لما قلنا بانفعال القليل بملاقاة غير الكلب من أعيان النجاسات فضلاً عن انفعاله بملاقاة المتنجسات .

   وأمّا في الرواية الثانية : فلأنها ضعيفة سنداً بمعاوية بن شريح بل يمكن المناقشة في دلالتها أيضاً ، وذلك لأن النجس وإن صحّ إطلاقه على المتنجس على ما أسلفناه آنفاً إلاّ أنّه (عليه السلام) ليس في الرواية بصدد بيان أن النجس منجّس وإنما كان بصدد دفع ما توهّمه السائل حيث توهّم أن الكلب من السباع ، وقد دفعه (عليه السلام) بأن الكلب ليس من تلك السباع التي حكم بطهارة سؤرها .

   الأمر الثاني : صحيحة زرارة التي رواها علي بن إبراهيم بطريقه الصحيح وقد حكى فيها الإمام (عليه السلام) عن وضوء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فدعا بوعاء فيه ماء فأدخل يده فيه بعد أن شمّر ساعده ، وقال : هكذا إذا كانت الكف طاهرة...(1) فإنها دلت بمفهومها على أن الكف إذا لم تكن طاهرة فلا يسوغ إدخالها الماء ولا يصح منه الوضوء ، ولا وجه له إلاّ انفعال القليل بالكف المتنجسة ، وباطلاقها تعم ما إذا كانت نجسة بعين النجاسة وما إذا كانت نجسة بالمتنجس الذي نعبّر عنه بالمتنجس مع الواسطة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 ح 2 .

ــ[143]ــ

   وهذه الرواية أحسن ما يستدل به في المقام لصحّة سندها وتمامية دلالته على عدم الفرق بين المتنجس بلا واسطة والمتنجس مع الواسطة . ولكن الصحيح أن الرواية مجملة لا يعتمد عليها في اثبات المدعى وذلك لاحتمال أن يكون الوجه في اشتراطه (عليه السلام) طهارة الكف في إدخالها الاناء عدم صحّة الوضوء بالماء المستعمل في رفع الخبث حتى على القول بطهارته ذلك لأنّ العامّة ذهبوا إلى نجاسة الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، بل والمستعمل في رفع الحدث الأصغر أيضاً عند أبي حنيفة ، وقد ذهب إلى أن نجاسته مغلّظة(1) وأمّا عند الإمامية فالماء القليل المستعمل في رفع الحدث مطلقاً محكوم بالطهارة سواء استعمل في الأكبر منه أم في الأصغر . نعم ، في جواز رفع الحدث الأكبر ثانياً بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر خلاف عندهم فذهب بعضهم إلى جوازه ، ومنعه آخرون ، ويأتي ما هو الصحيح في محلّه إن شاء الله تعالى . وأمّا الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر وهو الماء المستعمل في الوضوء فلم يقع خلاف بين الأصحاب في طهارته ، وفي جواز استعماله في الوضوء ثانياً وثالثاً وهكذا ، هذا كلّه في المستعمل في رفع الحدث .

   وأمّا الماء القليل المستعمل في رفع الأخباث أعنى به الغسالة فقد وقع الخلاف في طهارته ونجاسته بين الأعلام ، إلاّ أنه لا يجوز استعماله في رفع شيء من حدثي الأكبر والأصغر حتى على القول بطهارته ، وقد تعرّض له الماتن عند تعرّضه لما يعتبر في الماء المستعمل في الوضوء . والماء الموجود في الاناء في مورد الرواية ماء مستعمل في رفع الخبث على تقدير نجاسة الكف فانّه بمجرد إدخالها الاناء يصير الماء مستعملاً في الخبث . فإن صدق هذا العنوان واقعاً غير مشروط بقصد الاستعمال لكفاية مجرد وضع المتنجس في الماء فى صدق المستعمل عليه كما هو ظاهر ، وبهذا تصبح الرواية مجملة لعدم العلم بوجه اشتراطه (عليه السلام) الطهارة في الكف ، وأنه مستند إلى أن المتنجس ولو مع الواسطة ينجّس القليل ، أو أنه مستند إلى عدم كفاية المستعمل في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قد قدّمنا نقل أقوالهم في الماء المستعمل في الغسل والوضوء سابقاً ونقلنا ذهاب أبي حنفية إلى النجاسة المغلظة عن ابن حزم في المجلد 1 من المحلى وإن لم يتعرض له في الفقه على المذاهب الأربعة فراجع ص 126 .

ــ[144]ــ

حتى برأس إبرة من الدم الذي لا يدركه الطرف (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رفع الخبث في الوضوء وإن كان طاهراً في نفسه .

   فالرواية مجملة لا يمكن الاستدلال بها على منجّسية المتنجس للقليل مطلقاً ، فاذن لا دليل على انفعال القليل بالمتنجس مع الواسطة ، فيختص الانفعال بما إذا لاقى القليل عين النجس ، أو المتنجس بعين النجس والتفصيل بين المتنجس بلا واسطة والمتنجس مع الواسطة متعيّن ، إذا لم يقم اجماع على خلافه كما ادعاه السيد بحرالعلوم(قدس سره) فإن تمّ هذا الاجماع فهو ، وإلاّ فالتفصيل هو المتعيّن وعلى الأقل لا يسعنا الافتاء بانفعال القليل بملاقاة المتنجس مع الواسطة ، والاحتياط مما لا ينبغي تركه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net