ما يستفاد منه شرطية ما يؤكل ومناقشته 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4388


   إذا عرفت هذا فنقول : المستفاد من الروايات الواردة في المقام عموماً وخصوصاً إنّما هي المانعية ، لتضمنها النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل أو في خصوص الأرانب والثعالب ونحوهما من العناوين الخاصة ، فيستفاد منها اعتبار عدم إيقاعها في هذه الاُمور ، الذي هو منشأ انتزاع المانعية كما عرفت . وليس هناك ما يمكن استفادة الشرطية منه في الروايات عدا اُمور :

   منها : قوله (عليه السلام) في ذيل موثقة ابن بكير : «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره مما أحلّ الله أكله»(1) فانّ مقتضى إناطة الصحة والقبول بايقاع الصلاة فيما أحل الله أكله ـ الذي هو عنوان وجودي ـ هي الشرطية لمكان الأمر بايجاد هذا العنوان الملازم لها .

   وأورد عليه المحقق النائيني (قدس سره)(2) بأنّ ظهور الصدر ـ وهو قوله : إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله  . . . إلى قوله : فاسدة ـ في المانعية يمنع عن دلالة الذيل على الشرطية ، لعدم إمكان الجمع بين مانعية أحد الضدّين وشرطية الضدّ الآخر كما مرّ ، فيكون ذلك من سوء تعبير ابن بكير ، حيث عبّر أولاً بما يظهر منه المانعية وثانياً بما يظهر منه الشرطية ، فلا ظهور في الموثق إلا في المانعية دون الشرطية .

   وإن أبيت إلا عن الظهور في كلّ منهما فحيث إنّ الظهورين حينئذ متصادمان ، لامتناع الجمع بينهما ثبوتاً ـ كما عرفت ـ فتسقط الموثقة عن الحجية حينئذ من هذه الجهة ، لتعارض الصدر والذيل ، فتطرح ويرجع إلى الروايات الاُخر الظاهرة في المانعية بلا معارض ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

(2) رسالة الصلاة في المشكوك : 146 فما بعدها .

ــ[219]ــ

   ولكنّه يمكن أن يقال بعدم التعارض بين الفقرتين وعدم تصادم الظهورين لتعدد الموردين ، فانّ الذيل ناظر إلى خصوص الساتر ، والصدر إلى ما عدا الساتر من الملبوس أو المحمول .

   وتوضيحه : أنّ مقتضى إناطة الصحة والقبولية ـ في الذيل ـ بايقاع الصلاة في غير محرم الأكل أنّ مجرد ذلك كاف في الحكم بالصحة ، مع أنّه على إطلاقه غير قابل للتصديق إلا إذا كان النظر مقصوراً على خصوص الساتر ، وإلا فمجرد لبس شيء ما من قلنسوة أو عمامة أو ثوب لا يتستر به وإن كان متخذاً من محلّل الأكل غير كاف في صحة الصلاة قطعاً . فلا مناص من أن يكون محطّ النظر ومورد التقييد ـ في هذه الفقرة من الموثقة ـ هو اللباس الساتر في مقابل الصلاة عارياً .

   وعليه فيستفاد منها بمقتضى تعليق الصحة على العنوان الوجودي شرطية الستر المخصوص في الصلاة ، بمعنى لزوم إيقاع الصلاة في ساتر متخذ من غير ما لا يؤكل لحمه ، وحيث إنّ المفروض في مورد السؤال كونه حيوانياً فلابدّ من تقييده بكونه من مأكول اللحم أو بعدم كونه من غير المأكول ، إذ لا فرق في الشرطية المنتزعة من العنوان الوجودي بين كون متعلقه وجودياً أو عدمياً كما مرّ(1) . وعلى أي حال فلا مانع من استفادة الشرطية ـ من الذيل ـ في خصوص الساتر .

   وأمّا الصدر فهو متمحّض في المانعية ، إذ لا يعتبر في صحة الصلاة وقوعها في شيء غير الساتر حتى يكون مشروطاً بشيء . فالبطلان المستند إلى الوقوع في غير المأكول الذي تضمّنه صدر الموثق من الملبوس أو المحمول لا يكون إلا من جهة وجود المانع لا فقدان الشرط ، كما يشهد له عطف البول والروث على ما قبله من الوبر والشعر والجلد ، إذ لا يحتمل اشتراط الصحة بالوقوع في بول المأكول وروثه ، وإن احتمل بالإضافة إلى شعره وجلده ووبره فيما إذا كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 217 .

ــ[220]ــ

اللباس متخذاً من الحيوان . فهي ظاهرة في أنّ هذه الاُمور بأنفسها مانعة عن الصحة كما لا يخفى .

   وبالجملة : يمتاز الساتر عن غيره في اشتراط صحة الصلاة به دون غيره . وعليه فاذا كان القيد راجعاً إلى الأول كان ظاهراً في الشرطية ، وأمّا إذا كان عائداً إلى الثاني فلا سبيل فيه غير المانعية ، إذ كونه شرطاً له يتوقف على أن يكون المشروط به دخيلاً في صحة الصلاة ، والمفروض عدمه .

   ودعوى إمكان تصوير الشرطية في المقام لكن لا مطلقاً ، بل على تقدير وجود المشروط خارجاً ، بأن يقال : إذا لبست شيئاً غير الساتر في الصلاة أو حملته فيشترط أن يكون من المأكول أو من غير ما لا يؤكل ، فاسدة جزماً لأوْله إلى تحصيل الحاصل أو طلب المحال ، ضرورة أنّ ما حمله أو لبسه في الصلاة لا يخلو إما أن يكون واجداً لذاك القيد ـ أعني كونه من غير محرّم الأكل ـ أم لا ، فعلى الأوّل يكون الأمر به المنتزع منه الشرطية تحصيلاً للحاصل وعلى الثاني يكون من طلب المحال ، لعدم إمكان تحصيله في تلك الصلاة لامتناع قلب الشيء عما وقع عليه .

   وبالجملة : قبل الدخول في الصلاة لم يكن موضوع للشرطية ، لعدم تحقق ذاك التقدير المعلق عليه الشرطية على الفرض . وبعده يستحيل الأمر به حتى ينتزع منه الشرطية ، لدورانه بين محذورين كما عرفت .

   وعلى هذا فيمكن التوفيق بين الصدر والذيل مع التحفظ على ظهور الأوّل في المانعية ، والثاني في الشرطية من دون تهافت ، باختصاص الذيل بالساتر وحمل الصدر على ما عداه من الملبوس أو المحمول ، فيرتفع التنافي باختلاف المورد .

   إلا أنّ دقيق النظر يقضي بخلاف ذلك وعدم ظهور الذيل إلا في المانعية كالصدر .

   وبيانه : أنّ الذيل إن كان هكذا : لا تقبل الصلاة حتى يصلّيها في غيره . .إلخ .

 
 

ــ[221]ــ

لكان لاستفادة الشرطية مجال واسع ، من جهة تعليق الصحة في طبيعي الصلاة على قيد وجودي ، لكن المذكور في الموثق هكذا : «لا تقبل تلك الصلاة . . .»الخ مع أداة الإشارة . فلابدّ من تعيين المشار إليه بعد امتناع أن يكون المراد به خصوص الصلاة الشخصية الخارجية الواقعة فيما لا يؤكل ، لعدم قبولها للصحة حتى لو أعادها فيما يؤكل ، فانّ الصحيح حينئذ هي الصلاة المعادة ـ الثانية ـ دون الاُولى . فهي بوصف وقوعها الخارجي غير صالحة للقبول أبداً ، ولا يمكن تصحيحها بوجه ، إذ الشيء لا ينقلب عما هو عليه ، سواء أتى بصلاة اُخرى صحيحة أم لا ، مع أنّ صريح الموثّق تعليق الصحة في تلك الصلاة باتيانها فيما يؤكل . وعليه فيتردد المشار إليه بين اُمور :

   أحدها : أن تكون الأداة إشارة إلى طبيعي الصلاة على إطلاقها .

   الثاني : أن تكون إشارة إلى نوع من طبيعة الصلاة الذي وقع فرد منه فاسداً ، فتلاحظ الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل أنّها صلاة صبح أو ظهر أو عصر أو آيات ونحو ذلك من أنواع الصلاة التي فرض وقو ع فرد منها خارجاً على صفة الفساد ـ أي فيما لا يؤكل ـ فتكون الأداة إشارة إلى ذلك النوع أو الصنف .

   الثالث : أن تكون إشارة إلى شخص الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل ، لكن لا بما أنّها شخص خارجي ، لاستحالته بهذا المعنى كما عرفت ، بل بما أنّها واقعة في الحيواني بالغاء الخصوصية الشخصية وتجريدها عن كونها واقعة فيما لا يؤكل بخصوصه .

   لاريب في استفادة الشرطية على المعنيين الأوّلين بالتقريب المتقدم ، فانّ وجود الإشارة وعدمها حينئذ على حدّ سواء كما لا يخفى .

   وأمّا على الاحتمال الثالث فلا ظهور لها في الشرطية أبداً ، ضرورة أن الصلاة في الحيواني تنقسم إلى قسمين : مأكول اللحم وغير المأكول ، ولا ثالث لهما وبعد الحكم في الصدر بمانعية غير المأكول وبطلان الصلاة من جهة الاقتران بالمانع فلا محالة تكون الصحة والقبولية منوطة بالوقوع في المأكول ، لكن لا بما هو كذلك ، بل فراراً عن المانع ، ففرض الفساد في القسم الأول استناداً إلى

ــ[222]ــ

وجود المانع يستلزم تعليق الصحة على الوقوع في القسم الثاني بعد حصر التقسيم فيهما . فهذه الفقرة مؤكّدة لما هو المستفاد من الفقرة الاُولى وبيان لما هو المفهوم منها ، من دون أن تتضمن تأسيس حكم جديد كما هو ظاهر .

   وغير خفي أنّ الاحتمال الثالث هو الأقرب إلى الإشارة ، إذ تجريد المشار إليه المذكور في الكلام عن كلّ خصوصية وحمله على الطبيعة المطلقة أو خصوص نوع منها بلا مقتض ، والضرورات تقدّر بقدرها ، والمقدار اللازم تجريده عن الخصوصية الشخصية الخارجية الواقعة فيما لا يؤكل ، لامتناع الإشارة إليه كما عرفت ، فتلغى هذه الخصوصية فقط ، ويتحفظ على ما عداها التي منها خصوصية وقوعها في الحيواني المفروض في السؤال ، بل إنّ حصر الصحة فيما إذا وقعت في المحلل الذي تضمنه الذيل يقتضي ذلك ، وإلا فيمكن فرض الصحة فيما إذا وقعت في اللباس المتخذ من النبات فلا يكون الحصر حاصراً كما لا يخفى .

   وعليه فلا دلالة في الذيل على الشرطية أصلاً حتى يعارض به الصدر فيورث الإجمال من جهة تصادم الظهورين ، بل هي صدراً وذيلاً ظاهرة في المانعية كما عرفت .

   ويؤكّد ما ذكرناه ويشهد له قوله (عليه السلام) في آخر الموثق : «وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد . . .»الخ(1) فانّ إسناد الفساد إلى الوقوع فيما نهى الله عنه وحرّم أكله الذي هو بمعنى الزجر عن الفعل واعتبار عدم صدوره من المكلف كالصريح في المانعية كما لا يخفى . فيكون ذلك قرينة على أنّ الجواز المعلّق على كون الحيوان محلّل الأكل في قوله (عليه السلام) قبل ذلك : «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز»(2) إنّما هو من جهة فقد المانع لا شرطية الوقوع في محلل الأكل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

ــ[223]ــ

   ومنها : أي من الأمور التي استفيد منها الشرطية ـ رواية علي بن أبي حمزة قال : «سألت أباعبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : لا تصلّ فيها إلا ما كان منه ذكياً ، قلت : أو ليس الذكي ما ذكي بالحديد ؟ قال : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه . . .»الخ(1) .

   فانّ قوله (عليه السلام) : «إذا كان مما يؤكل» ليس قيداً لحصول التذكية ضرورة ورودها على غير المأكول أيضاً فتفيد الطهارة وإن لم تؤثر في جواز الصلاة ، بل هو قيد للصلاة المذكورة في الصدر ، فكأنّه يعتبر فيها أمران : أحدهما وقوعها في المذكى إذا كان الملبوس أو المحمول حيوانياً . الثاني : وقوعها في مأكول اللحم .

   وإن شئت فقل : يعتبر في الصلاة تذكية خاصة ، وهي الواردة على محلّل الأكل ، فيكون ذلك شرطاً في الصحة ، ومع عدمه يستند الفساد إلى فقد الشرط لا وجود المانع .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بالعلوي والديلمي ، بل وكذا علي بن أبي حمزة على الأصح ، أنّها قاصرة الدلالة على الشرطية ، إذ بعد فرض وقوع الصلاة في الحيواني ـ كما هو مورد السؤال ـ وانقسامه إلى محلل الأكل ومحرّمه ، واستظهار مانعية المحرم من الموثق المتقدم ـ كما عرفت ـ فلا محالة تكون الصحة منوطة بالوقوع في محلّل الأكل ، لكن لا لاعتباره بما هو ، بل تخلّصاً عن المانع . فالموثق المتقدم قرينة على المراد من هذه الرواية ، وبعد الجمع بينهما وضمّ إحداهما إلى الاُخرى لا يبقى ظهور لهذه في الشرطية كما لا يخفى .

   ويشهد لذلك قوله (عليه السلام) في ذيل هذه الرواية قال : «لا بأس بالسنجاب فانّه دابة لا تأكل اللحم ، وليس هو مما نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب» فانّ قوله (عليه السلام) : «وليس هو مما نهى عنه (صلى الله عليه وآله)» كالصريح في أنّ الاعتبار إنّما هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 348 / أبواب لباس المصلي ب 3 ح 3 .

ــ[224]ــ

بالنهي الذي هو منشأ انتزاع المانعية . فيكون ذلك قرينة اُخرى على المراد من الصدر .

   ومنها : ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال : «وكلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه ، وكلّ شيء يحلّ لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه وصوفه وشعره ووبره»(1) .

   ولا يخفى ما فيه من ضعف السند أولاً ، لاشتمال تحف العقول بأجمعه على المراسيل وإن كان مؤلفه جليل القدر كما تعرضنا له في بحث المكاسب(2) .

   وقصور الدلالة ثانياً ، إذ مضافاً إلى إناطة اللبس فيها بحلية اللحم دون الصلاة التي هي محل البحث ، أنّه على تقدير التسليم فغاية ما يدل عليه جواز الصلاة وعدم البأس بها عند وقوعها في محلل الأكل ، وهذا بنفسه مما لا كلام فيه ، قلنا بالشرطية أم المانعية ، إنّما الكلام في العقد السلبي ـ أعني ما إذالم تقع في محلل الأكل فوقعت في محرمه ـ فهل البطلان حنيئذ مستند إلى فقدان الشرط أم وجود المانع ، ومن الواضح أنّ الرواية أجنبية عن التعرض لهذه الجهة بالكلّية .

   فتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ روايات الباب بأجمعها لا يستفاد منها إلا المانعية ، وأما الشرطية فلا تكاد تستفاد من شيء منها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 347 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 8 ، تحف العقول : 338 .

(2) مصباح الفقاهة 1 : 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net