السادسة - السابعة - الثامنة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4447


   الجهة السادسة : بناءً على ما هوالمعروف من التفصيل بين الشرطية والمانعية في الرجوع لدى الشك في كون اللباس مأخوذاً من محلّل الأكل أو محرّمه إلى الاشتغال في الأوّل والبراءة في الثاني كما سيجيء البحث حوله مفصّلاً إن شاء الله تعالى . فاذا اتضح كلّ من الأمرين فبنينا على الشرطية أو على المانعية ـ كما هو المختار ـ فلا كلام . وأما إذالم يتضح شيء منهما وقلنا بقصور الأدلّة عن

ــ[225]ــ

إثبات واحد منهما ، إمّا لتصادم الظهورين في صدر الموثّق وذيله كما ذكره الاُستاذ (قدس سره)(1) أو لجهة اُخرى ، فشككنا في أنّ المجعول الشرعي هل هو اعتبار الشرطية أو المانعية . وبالنتيجة تردّد أمر فساد الصلاة الواقعة في غير المأكول بين كونه من جهة وجود المانع أو فقدان الشرط فماذا يقتضيه الأصل العملي حينئذ ؟ وهل الأصل الجاري في المقام هو البراءة كي توافق نتيجته المانعية ، أم الاشتغال كي تفيد فائدة الاشتراط .

   ذهب المحقق النائيني (قدس سره)(2) إلى الأول ، بدعوى أنّ اعتبار الشرطية يتضمن كلفة زائدة ، وهي لزوم إحراز الشرط عند الامتثال وعدم جواز الرجوع إلى البراءة ، بخلاف المانعية العارية عن هذه الكلفة ، فحيث إنّ أحد الجعلين يتضمن ضيقاً لا يقتضيه الآخر وهو مشكوك فيدفع بأصالة البراءة . فبحسب النتيجة يعامل مع المشكوك معاملة المانعية كما لو كانت محرزة .

   لكن المناقشة فيما أفاده (قدس سره) واضحة جداً ، ضرورة أنّ نفس المانعية والشرطية المجعولين لو لوحظ كل واحد منهما بحياله فهو بنفسه يتضمّن الكلفة والضيق لا محالة ، إذ اعتبار كلّ منهما قيد مأخوذ في المأمور به وجوداً أو عدماً ، والتقييد خلاف الإطلاق المتضمن للتوسعة والتسهيل ، فلا يختص التضيق في مقام الجعل والتشريع بأحدهما دون الآخر ، بل هما من هذه الجهة على حدّ سواء ، وعليه فلو لوحظ الشك في كلّ واحد منهما مستقلاً مع قطع النظر عن الآخر فهو مورد للأصل .

   وأمّا بعد العلم الإجمالي بصدور واحد منهما كما هو المفروض في المقام فالأصل في كلّ منهما معارض بالآخر ، إذ هما اعتباران متقابلان وضدان متباينان ، وليس في البين قدر متيقن يقطع به في مقام الجعل والتشريع كي يشك في الزائد على المقدار المعلوم حتى يدفع بالأصل ، كما هو الحال في الأقل والأكثر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة الصلاة في المشكوك : 150 .

(2) [لم نعثر عليه في مظان وجوده] .

ــ[226]ــ

الارتباطيين ، نعم يختص أحدهما بخصوصية يمتاز بها عن الآخر ، وهي حكم العقل بلزوم الإحراز في مقام الامتثال وعدم جواز الرجوع إلى البراءة بناءً على الشرطية دون المانعية ، إلا أنّ هذه الخصوصية أجنبية عن مقام التشريع وغير ملحوظة في مقام الجعل أبداً ، بل هي ـ كما عرفت ـ من الآثار المترتبة عليه بحكم العقل ومن شؤون هذا النوع من الاعتبار والجعل ، وحيثياته العقلية ، ولا مساس له بالشارع بوجه ، فهذه الكلفة عقلية محضة ، ومن الواضح عدم كون الأحكام العقلية مورداً للاُصول العملية لا الشرعية ولا العقلية كما لا يخفى .

   وبالجملة : إن اُريد نفي اصل اعتبار الشرطية بالأصل فهو معارض بجريانه في اعتبار المانعية بعد فرض العلم الإجمالي بصدور أحدهما ، وإن اُريد نفي الأثر المترتب عليه من لزوم الإحراز لدى الشك فهو حكم عقلي لا يكاد يرتفع بالأصل .

   وممّا ذكرنا تعرف أنّ مقتضى الأصل حينئذ هو الاشتغال ، إذ الرجوع إلى البراءة الشرعية أوالعقلية موقوف على إحراز كون المورد من الشك في التكليف ، كما إذا ثبتت المانعية . وأمّا مع احتمال الشرطية ـ كما هو المفروض ـ فيحتمل أن يكون الشك عائداً إلى مقام الامتثال لا في أصل التكليف . ومن الواضح أنّ مجرّد احتمال أن يكون الشك من الشك في الامتثال بعينه شك في تحقق الامتثال الذي هو موضوع لقاعدة الاشتغال .

   وبالجملة : ما لم تحرز المانعية لا مجال للرجوع إلى البراءة ، إذ مجرد احتمال أن يكون المجعول على سبيل الشرطية الملازم ـ في المقام ـ لعدم إحراز حصول المأمور به في الخارج ولو ببركة الأصل كاف في استقلال العقل بالرجوع إلى الاشتغال .

   الجهة السابعة : بعد ما عرفت من استفادة المانعية من هذه الأخبار المتضمنة لفساد الصلاة الواقعة في أجزاء ما حرم الله أكله ، يقع الكلام حينئذ في تحديد مدلول هذه الروايات ، وما يتطرق فيها من الاحتمالات مع بيان ما هو الصحيح

ــ[227]ــ

منها ، حيث إنّ المانعية تدور مدارها سعة وضيقاً فنقول :

   هل المراد بما حرّم الله أكله المأخوذ في هذه الأخبار ذوات الحيوانات المحرم أكلها كالأسد والأرنب والثعلب ونحوها فيكون ذلك عنواناً مشيراً ومعرّفاً لهذا النوع من الحيوانات ، من دون أن يكون لنفس هذا العنوان دخالة وموضوعية في ثبوت الحكم ، فكأنّ لذات الحيوان كالأسد مثلاً حكمين عرضيين : أحدهما : حرمة أكله ، الثاني : عدم جواز الصلاة فيه ، من دون ترتّب بينهما ، بل هما حكمان ثبتا لموضوع واحد .

   أو أنّ هذا العنوان ـ ما حرّم الله أكله ـ مأخوذ على سبيل الموضوعية من دون أن يكون عبرة إلى الأفراد الخارجية ؟ فهناك حكمان طوليان ، أحدهما موضوع للآخر ، فذات الحيوان كالأسد موضوع لحرمة الأكل ، وما حرم أكله موضوع لعدم جواز الصلاة فيه .

   وعلى الثاني فهل المراد بالحرمة المترتّب عليها المانعية هي الحرمة الفعلية المنحلّة إلى الأحكام العديدة حسب اختلاف الأشخاص والحالات والطوارئ الدخيلة في فعلية الأحكام ، فلا يكون المانع إلا أجزاء الحيوان المحرّم أكله بالفعل ولو لجهة من الجهات كالضرر والغصب ونحوهما . وأما ما حلّ أكله فعلاً ولو لأجل الاضطرار ونحوه فلا بأس به .

   أو المراد بها الحرمة الطبيعية المجعولة في أصل الشرع مع قطع النظر عن الطوارئ الشخصية والملابسات الخاصة المانعة عن فعلية الأحكام ؟

   وعلى الثاني فهل المراد بالحرمة الطبيعية الحرمة الثابتة للحيوان بعنوانه الذاتي ، أو يعم الثابتة لها بعنوان عارض كموطوء الإنسان أو الجدي الشارب لبن الخنزيرة ، فيكون موضوع المانعية كلّ حيوان محكوم بحرمة الأكل في أصل الشرع ، سواء كان التحريم لعنوانه الأصلي ولاقتضاء ذاته ذلك ، أو لأجل عروض عنوان اقتضى تحريماً طبعياً في عالم التشريع على سبيل الإطلاق ؟

   وعلى الثاني فهل المراد بالعنوان العارض خصوص ما لا يكون قابلاً للزوال

ــ[228]ــ

كالمثالين المتقدمين ، أو يعمّ ما كان قابلاً له كالجلل الزائل بالاستبراء ؟ وجوه أو أقوال ، ملخصها : أنّ المانع هل هو ذات الحيوان ، أو بعنوان محرّم الأكل بحرمة فعلية ، أو طبعية ذاتية ، أو حتى العارضة لكن بشرط عدم قبولها للزوال ، أو حتى إذا قبلت الزوال كالجلال ؟ والأقوى هو الأخير ، كما يتضح وجهه من تزييف ما عداه من بقية الوجوه .

   أمّا كون المانع هو الوقوع في أجزاء ذات الحيوان فهو وإن مال إليه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في بحثه وغيره(1) ، إلا أنّه خلاف ظواهر الأدلّة المتضمنة لعنوان ما لا يؤكل ، أو ما حرّم الله أكله ، فانّ حمل العنوان المأخوذ في لسان الدليل على المعرفية مخالف لسياق الكلام ، لا يكاد يصار إليه من دون قرينة بل ظاهر الأخذ يعطي كون العنوان ملحوظاً على سبيل الموضوعية ما لم تقم قرينة على الخلاف المفقودة في المقام كما لا يخفى .

   نعم ، لو كان المستند في الحكم رواية علي بن أبي حمزة(2) المتضمنة للنهي عن الصلاة في كلّ ذي ناب ومخلب كان موضوع الحكم هي العناوين الذاتية أعني السباع .

   إلا أنّ الرواية مضافاً إلى ضعف سندها من جهات ـ كما تقدّم ـ لا يمكن الأخذ بمضمونها ، للقطع بتعميم الحكم للسباع وغيرها مما لا يؤكل لحمه كما تضمنه موثّق ابن بكير وغيره . على أنّ علي بن أبي حمزة بنفسه روى رواية اُخرى بعين هذا السند تضمّن المنع عن كلّ ما لا يؤكل من السباع وغيرها(3) . فهذا الاحتمال ضعيف جداً .

   وأمّا احتمال أن يكون الموضوع هو ما حرم أكله بالفعل فهو أضعف من سابقه من وجوه :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة الصلاة في المشكوك : 320 فما بعدها .

(2) الوسائل 4 : 348 / أبواب المصلي ب 3 ح 3 ، وقد تقدمت في ص 223 .

(3) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 2 [والظاهر أنها عين روايته الاُولى كما أشار المحقّق الرباني في هامش الوسائل] .

ــ[229]ــ

   أمّا أوّلاً : فلأنّ مقتضاه اختلاف الحكم باختلاف الأشخاص ، فالثوب المنسوج من صوف المعز مثلاً لا يجوز الصلاة فيه بالإضافة إلى من حرم أكله عليه فعلاً لجهة من الجهات من الضرر أو الغصب ونحوهما ، وتجوز الصلاة فيه بعينه بالإضافة إلى غيره ممن لم يحرم عليه الأكل . بل يختلف الحكم في شخص واحد بالإضافة إلى حالاته ، فلا تجوز في الثوب المزبور في حال حرمة أكل لحمه لأجل الضرر مثلاً ، وتجوز في نفس الثوب بعد ارتفاع الضرر . بل يختلف في شخص واحد بتعدد الزمان ، فلا يجوز اللبس في نهار شهر رمضان لحرمة أكل لحم الحيوان ـ المتخذ منه اللباس ـ فعلاً على الصائم ، ويجوز فيه بعينه في الليل لارتفاع التحريم حينئذ . وأيضاً مقتضى ذلك جواز الصلاة في أجزاء السباع لمن اضطر إلى أكلها ، وعدم الجواز في نفس ذاك الجزء لغيره ، بل له أيضاً بعد زوال الاضطرار .

   وهذا كلّه كما ترى ـ مضافاً إلى بعده في نفسه ـ لا يحتمل أن يلتزم به الفقيه بل كاد أن يكون مخالفاً للضرورة كما لا يخفى .

   وثانياً : أنّ الحرمة الفعلية مخالفة لظواهر النصوص المتضمنة ـ كموثق ابن بكير وغيره ـ لتنويع الحيوان إلى محرّم الأكل ومحلله ، فانّ ظاهر إسناد الحلّية أو الحرمة إلى الحيوان أنّ الحكم بهما من جهة اقتضاء ذات الحيوان ذلك وأنّه بنفسه يكون لحمه محلّل الأكل أو محرمه ، لا من جهة العوارض الشخصية من ضرر أو اضطرار أو صوم ونحوها مما تختلف به الحلّية والحرمة الفعليتين ، فانّ ذلك خلاف ظاهر إضافة الحكم إلى الحيوان نفسه كما لا يخفى .

   وثالثاً : أنّا نقطع بعدم دوران الحكم جوازاً ومنعاً مدار حلّية اللحم وحرمته فعلاً ، ضرورة أنّ اللباس قد يكون متخذاً من حيوان مذبوح قبل سنين عديدة ، أو مجلوباً من البلدان النائية بعد ذبح الحيوان في أقصى البلاد الخارجة عن محل الابتلاء عادة ، فلا يكون الحيوان حينئذ محلل الأكل ولا محرّمه
لانتفاء الموضوع من أصله أو لعدم الابتلاء به ، فليس هناك خطاب فعلي أصلاً

ــ[230]ــ

لا بحرمة الأكل و لا بحليته ، مع أنّ اللباس محكوم بعدم جواز الصلاة فيه إذا كان مأخوذاً من نوع خاص من الحيوانات ، وبالجواز إذا كان مأخوذاً من النوع الآخر .

   فيظهر من ذلك أنّ المراد بالحرمة هي الحرمة الطبيعية ، أي ما كان طبع الحيوان في نوعه محكوماً بحرمة أكل اللحم في أصل التشريع ، سواء تمت شرائط الفعلية أم لا ، في قبال ما كان حلالاً كذلك سواء اتّصف بالحرمة الفعلية لجهة من الجهات أم لا .

   وأمّا احتمال اختصاص هذه الحرمة الطبيعية بما إذا ثبتت للحيوان في حدّ ذاته وبعنوانه الأوّلي مع قطع النظر عن العوارض فلا تعمّ ما ثبتت له في أصل الشرع لكن بعنوان عارض كموطوء الإنسان ، أو الجدي الشارب لبن الخنزيرة المحرم أكله هو ونسله .

   فيدفعه إطلاق الأدلة بعد صدق عنوان محرّم الأكل عليه أيضاً صدقاً حقيقياً من دون أيّة عناية ومسامحة ، فيصدق على الموطوء وشارب اللبن أنّه مما حرم الله أكله في الشريعة المقدسة على حدّ صدقه على الأسد والأرنب ونحوهما من المحرّمات الذاتية ، فانّ كون جهة الحرمة ذاتية أم عرضية ـ أي كونها لأجل الوصف العنواني القائم بالذات أم لأمر خارج عن مقام الذات عارض عليه ـ بعد كونها على التقديرين مجعولة في أصل الشريعة المقدسة لطبيعة الحيوان على الإطلاق ، وعلى سبيل القضية الحقيقية غير فارق في صدق عنوان محرم الأكل المأخوذ في لسان الأدلّة موضوعاً للحكم صدقاً حقيقياً وحمله عليه حملاً شائعاً كما لا يخفى . فتخصيص الحكم بالأوّل مخالف لإطلاق الأدلّة .

   وهل يتعدّى عن العنوان الذاتي إلى مطلق العناوين العرضية ، أو إلى خصوص ما لا يكون منها قابلاً للزوال ـ كالمثالين المتقدّمين ـ دون ما كان قابلاً له كالجلل الزائل بالاستبراء ؟

ــ[231]ــ

   ذهب شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1) إلى الثاني ، ولا نعرف له وجهاً ، فانّ قبول العنوان للزوال وعدمه أجنبي عن الصدق المزبور الذي هوالمناط في شمول الإطلاق ، فانّه إمّا أن يقتصر على العنوان الذاتي بدعوى قصور الأدلّة عن الشمول للعرضي فينبغي أن لا يتعدى حتى إلى العارضي غير القابل للزوال ، مع أنّه (قدس سره) سلّم التعدي إليه ، واعترف بشمول الأدلّة له .

   وإمّا أن يتعدّى إلى العارضي لعدم قصور الإطلاق ـ كما هو الصحيح ـ فلا فرق إذن بين ما لم يقبل الزوال وما قبله كالجلال . فالتخصيص بالأول بلا موجب بعد عدم دخل قابلية الزوال وعدمه في الصدق المزبور .

   ومن الغريب قياسه (قدس سره) الجلل بالاضطرار ، فكما أنّ الاضطرار إلى أكل لحوم السباع مثلاً لا يجوّز الصلاة في أجزائها لقبوله للزوال فكذلك الجلاّل لعين الملاك .

   وأنت خبير بما بينهما من الفرق الواضح ، ضرورة أنّ الاضطرار إلى أكل لحم الأسد مثلاً الموجب لحلّية الأكل بالإضافة إلى خصوص المضطر إليه لا يوجب تغييراً في أصل التشريع ، ولا يقتضي تبدّلاً في الحكم الواقعي بالنسبة إلى عامة المكلفين بحيث يصدق على اللحم المزبور أنّه مما أحلّ الله أكله في الشريعة المقدسة كما أحلّ لحم الغنم ونحوه .

   وهذا بخلاف الجلال ، فانّ ذات لحم الحيوان المتصف بالجلل حرم على كلّ أحد كلحم الأسد ، ويصدق عليه حقيقة أنّه مما حرم الله أكله في الشريعة المقدّسة على عامّة المكلفين كما حرّم لحم السباع ونحوها مما لا يؤكل لحمه . فهما وإن اشتركا في قبول الزوال إلا أنّ الجلال يمتاز بخصوصية بها تندرج تحت الإطلاق دون الاضطرار ، فقياس أحدهما بالآخر قياس مع الفارق الواضح كما هو ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة الصلاة في المشكوك : 96 .

ــ[232]ــ

   وببالي أنّه (قدس سره) حكم بنجاسة بول الجلال أخذاً باطلاق قوله (عليه السلام) : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(1) الشامل للعنوان الأصلي والعرضي . فتسليم التعميم هناك دون المقام مع أنّ الموضوع فيهما شيء واحد ـ وهو عنوان ما لا يؤكل ، الذي رتّب عليه نجاسة البول وعدم جواز الصلاة فيه ـ غير ظاهر الوجه .

   الجهة الثامنة : ذكر بعضهم أنّه يختلف جريان الاُصول باختلاف كيفية اعتبار المانعية من حيث تعلّقها بالصلاة أو اللباس أو المصلي .

   فان كانت معتبرة في الصلاة نفسها ، بأن اعتبر فيها أن لا تقع في غير المأكول من دون إضافة إلى المصلّي أو اللباس ، فينبغي حينئذ التفصيل بين ما لو كان المشكوك فيه مصاحباً مع المصلّي عند مفتتح الصلاة ، وما لو طرأ عليه في الأثناء . فيحكم بالصحة في الثاني ، للشك في عروض المانع بعد أن كانت الصلاة خالية عنه ، فتستصحب الصحة ويدفع المانع المشكوك حدوثه بالأصل . وبالبطلان في الأول ، لعدم الحالة السابقة ، إذ الصلاة من أوّل حدوثها يشك في صحتها وفسادها ، لاحتمال اقترانها بالمانع من أول الأمر ، فيحكم بالبطلان لقاعدة الاشتغال .

   وإن كانت معتبرة في اللباس فهي محكومة بالفساد في كلتا الصورتين ، إذ لا أصل يتضح به حال اللباس من حيث اتخاذه من محلّل الأكل أو محرّمه ، بل هو من حين وجوده يشك في اتصافه بكونه جزءاً لما يؤكل أو ما لا يؤكل ، فسواء طرأ لبسه أثناء الصلاة أم لبسه قبل الشروع فيها يحتمل اقتران الصلاة بالمانع من دون أن يكون له أصل دافع .

   وإن كانت معتبرة في المصلي يحكم بصحة الصلاة حينئذ على التقديرين ، إذ المصلي قبل أن يلبس المشكوك لم يكن لابساً لما لا يؤكل يقيناً فيستصحب عدمه إلى ما بعد اللبس ، وبه يحرز انتفاء المانع المستلزم لصحة الصلاة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .

ــ[233]ــ

   ونحن الآن لسنا بصدد التعرّض لهذه التفريعات ، إذ سيجيء البحث حولها عند التكلم فيما تقتضيه الاُصول العملية إن شاء الله تعالى(1) . وإنّما المهم في المقام تحقيق الصغرى وأنّ المستفاد من الأدلّة أيّ من المحتملات الثلاثة المتقدمة فنقول :

   لا ريب أنّ الشرطية أو المانعية إنّما تنتزعان من اعتبار تقيّد الواجب بشيء وجوداً أو عدماً ، فاعتبار القيدية لابدّ وأن تلاحظ بالإضافة إلى ذات المأمور به ، ولا يكاد يكون شيء شرطاً في شيء أو مانعاً عنه إلا بعد أخذه في الواجب نفسه ، وإلا فاعتباره في شيء آخر خارج عن حريم المأمور به لا يستوجب الانتزاع المزبور بالضرورة . وعليه فالتقييد الاعتباري لا مناص من أن يكون ملحوظاً بالإضافة إلى نفس الصلاة ، بمعنى أنّ طرف الاعتبار ومتعلقه إنّما هو الصلاة نفسها على جميع التقادير .

   والبحث المعقول في المقام إنّما هو في أنّ مركز هذا الاعتبار ومورده هل هو الصلاة نفسها أو اللباس أو المصلي ، وأنّ هذا التقييد المعتبر في الصلاة هل هو بلحاظ نفسها أو أحد الأمرين الآخرين . فهل الصلاة يعتبر فيها أن لا تقع في محرم الأكل أو تقع في غير ما لا يؤكل ، أو أنّ المعتبر فيها أن لا يكون اللباس متخذاً من غير المأكول ، أو أنّ المعتبر فيها أن لا يكون المصلي لابساً أو مصاحباً لجزء مما لا يؤكل . فالنزاع في مركز هذا الاعتبار .

   والتحقيق : أنّ احتمال كون القيد ملحوظاً في ناحية اللباس ساقط جزماً ، لما عرفت في مطاوي ما تقدم عند بيان الفرق بين الجزء والشرط(2) أنّه لا معنى لأخذ شيء قيداً في الواجب وجوداً أو عدماً إلا فيما إذا كان القيد أيضاً متعلّقاً للأمر بتبع الأمر المتعلق بالمركّب ، لكون التقييد به مأخوذاً في الواجب وإن كان ذات القيد خارجاً عنه ، في قبال الجزء الذي هو داخل قيداً وتقيداً . ومن هنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 239 فما بعدها .

(2) في ص 216 .

ــ[234]ــ

ذكرنا أنّ شرط الواجب أو المانع عنه لابدّ وأن يكون فعلاً اختيارياً للمكلّف كي يمكن أخذ التقييد به في الواجب .

   ومن الواضح أنّ اتصاف اللباس أو المحمول بكونه مأخوذاً من المأكول أو من غيره أمر واقعي خارج عن اختيار المكلّف ، إذ ليس هو فعلاً من أفعاله بل صفة خارجية قائمة بالغير تابعة لأسبابها ، فلا يعقل تعلق التكليف به وجوداً أو عدماً حتى يكون قيداً في المأمور به .

   وما يتراءى في كلمات الفقهاء من إطلاق الشرط عليه فيقال إنّ من شرائط اللباس أن لا يكون من غير المأكول فهو مسامحة في التعبير ، حيث اُسند ما هو شرط في الصلاة أو المصلي إلى اللباس لما بينهما من نوع من الملازمة كما لا يخفى .

   وعليه فالأمر دائر بين أن يكون التقييد معتبراً في ناحية الصلاة أو المصلي دون اللباس . فالمحتملات ثنائية لا ثلاثية .

   وحينئذ نقول : ظاهر قوله (عليه السلام) في موثق سماعة : «ولا تلبسوا منها شيئاً تصلّون فيه»(1) اعتبار القيدية في ناحية المصلّي ، حيث تعلّق النهي المنتزع منه المانعية به ، وليس بازائه ما ينافي هذا الظهور سوى قوله (عليه السلام) في موثق ابن بكير : «فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة ، لا تقبل تلك الصلاة . . .»الخ(2) فانّها ظاهرة ـ في الجملة ـ في اعتبار القيد في ناحية الصلاة نفسها ، من جهة إسناد الفساد إليها .

   لكن دقيق النظر يقضي بعدم المنافاة ، وأنّ هذه أيضاً ظاهرة في رجوع القيد إلى المصلّي كما في موثقة سماعة ، نظراً إلى أن لبس ما لا يؤكل فعل من أفعال المكلف كنفس الصلاة ، ولا معنى لأن يكون أحد الفعلين ظرفاً للفعل الآخر سواء اُريد به ظرف الزمان أو المكان ، فلا معنى لكون لبس الوبر ظرفاً للصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 353 / أبواب لباس المصلي ب 5 ح 3 .

(2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

ــ[235]ــ

إلا بعناية توسيط المصلّي نفسه ، حيث إنّ اللباس الذي هو شرط في الصلاة ـ ولو في الجملة ـ لمّا كان محيطاً بالمصلّي بوصفه العنواني فكأنّ الصلاة أيضاً بنفسها وقعت فيه ، وإلا فمع الغضّ عن هذا التوسيط لا مصحح لإطلاق الظرفية ، إذ لا علاقة ولا ارتباط بينهما بوجه . فالاسناد أولاً وبالذات إلى المصلّي وبعنايته يسند إلى الصلاة تجوزاً وتوسعاً في الإطلاق . ونتيجة ذلك أنّ مركز التقييد هو المصلّي نفسه ، كما هو مفاد موثقة سماعة ومآل موثقة ابن بكير حسبما عرفت .

   هذا تمام الكلام في الاُمور التي ينبغي تقديمها أمام المقصود . وحيث أحطت بها خبراً فهذا أوان الخوض فيه والبحث عن أصل المسالة فنقول والعون منه مأمول :




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net