الأول - الثاني - الثالث 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4071


   الأول : التمسك بأصالة الحلّ بتقريب : أنّ الحيوان الذي اُخذ منه هذا الجزء ـ كالصوف ـ يشك في حلّية لحمه وحرمته فيشمله عموم قوله (عليه السلام) : «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال»(1) فبمقتضى أصالة الإباحة تحرز حلّية اللحم في ظاهر الشرع التي هي الموضوع لجواز الصلاة فيما اُخذ منه فيترتب عليه الأثر .

   وقد نوقش فيه من وجوه :

   أحدها : أنّ الحكم بالحلّية الفعلية المستندة إلى أصالة الإباحة يستدعي وجود الموضوع ودخوله في محلّ الابتلاء كي يصح التعبد الشرعي بحلّيته فعلاً ولا يكون لغواً ، مع أنّ الحيوان المتخذ منه الجزء المشكوك ربما يكون تالفاً قبل سنين ، أو خارجاً عن محلّ الابتلاء فلم يكن هناك أثر شرعي فعلي يصحّ التعبّد بلحاظه كي يجري الأصل .

   ويندفع : بأنّ الدخول في محلّ الابتلاء وكونه ذا أثر فعلي لو كان معتبراً في مجرى الأصل نفسه لتمّ ما اُفيد ، إلا أنّه لا دليل على هذا التضييق ، بل المعتبر بمقتضى كون الأصل ناظراً إلى التطبيق في مقام العمل وجود أثر شرعي عملي داخل في محل الابتلاء ، وهذا المقدار من الأثر كاف في صحة التعبد الشرعي بلحاظه ، سواء كان بنفسه مجرى للأصل أو مترتباً على ما يجري فيه الأصل كما في المقام .

   ونظيره ما لو لاقى شيء مستصحب النجاسة ، وقبل العلم بالملاقاة انعدم الملاقى ـ بالفتح ـ أو خرج عن محل الابتلاء ، فانّه لا ريب في الحكم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ استناداً إلى استصحاب نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ مع أنّه معدوم أو خارج عن محل الابتلاء على الفرض ، فمع أنّ المجرى بنفسه لم يكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 87 / أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1 .

 
 

ــ[241]ــ

مورداً للأثر يحكم بجريانه بلحاظ ما يستتبعه من الأثر العملي ، وهو الحكم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ وبذلك يخرج التعبّد الشرعي عن اللغوية .

   ومقامنا من هذا القبيل ، فانّ الحكم بحلّية لحم الحيوان التالف أو الخارج عن محل الابتلاء وإن لم يكن بنفسه قابلاً للتعبد فلا يكون المجرى مورداً للأثر ، إلا أنّه بلحاظ تضمنه أثراً فعلياً عملياً داخلاً في محلّ الابتلاء ـ وهو جواز الصلاة في الجزء المتخذ منه ـ يصحّ التعبد ، فيشمله عموم دليل الأصل .

   ثانيها : ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره)(1) من أنّه على تقدير تسليمه لا يجري فيما لو كان هناك حيوانان متميّزان في الخارج قد علمنا بحرمة لحم أحدهما بعينه وحلّية الآخر وشككنا في أنّ الصوف ـ مثلاً ـ مأخوذ من هذا أو ذاك ، فانّه لا معنى حينئذ لجريان أصالة الحلّ في الحيوان ، إذ لم يكن شيء من الحيوانين مشكوك اللحم على الفرض كي يجري فيه الأصل ، وإنّما الشك متمحض في أخذ الصوف من هذ أو من ذاك ، والأصل المزبور لا يجدي لدفع هذا النوع من الشك ، لعدم تعلّقه بالحيوان .

   نعم ، العنوان الانتزاعي ـ وهو ما اُخذ منه هذا الصوف ـ يشك في حلّيته وحرمته ، إلا أنّه بنفسه لم يكن موضوعاً للأثر ، بل لا وجود له في الخارج ، وإنّما الموجود هذا أو ذاك معيناً ، والمفروض عدم الشك في شيء منهما . فما هو المشكوك لا وجود له ، وما هو الموجود لم يكن مورداً للشك ليجري فيه الأصل .

   ويندفع : بأنّ الميزان في جريان الأصل كون المجرى مشكوكاً فعلاً بأيّ عنوان كان مع تعلّق أثر شرعي به داخل في محلّ الابتلاء ، سواء كان معلوم الحكم بعنوانه الأوّلي أم لا ، إذ المدار في شمول أدلّة الاُصول صدق الشك الفعلي كيف ما كان . ومن الواضح أنّ عنوان ما اُخذ منه هذاالصوف ـ الداخل في محلّ الابتلاء ـ له معنون موجود في الخارج يشار إليه بهذا العنوان المشير ، ولا يضر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة الصلاة في المشكوك : 316 .

ــ[242]ــ

بصدق الشك الفعلي معلومية حكم كلّ واحد من الحيوانين سابقاً بعنوان آخر .

   فالمقام نظير ما لو كان هناك لحمان في الخارج أحدهما مقطوع الحرمة والآخر مقطوع الحلّية فوقعت قطعة من أحدهما في يد شخص وشك في أخذها من هذا أو ذاك ، فانّه لا إشكال في جريان أصالة الحلّ في تلك القطعة مع أنّها كانت سابقاً معلومة الحكم من حيث الحلّية والحرمة على الفرض .

   وكما لو فقد أحد اللحمين في المثال وبقي الآخر وشك في أنّ الباقي هل هو ما علم حلّيته أو حرمته ، فانّ أصالة الحلّ تجري حينئذ في اللحم الموجود بلا إشكال ، مع أنّه في السابق كان معلوم الحكم .

   والسرّ هو ماعرفت من أنّ العبرة بصدق الشك الفعلي كيف ما اتفق ، وبأيّ عنوان تحقق ، وهو حاصل في هذه الفروض .

   ثالثها : ما ذكره هو (قدس سره)(1) أيضاً من أنّ الموضوع لعدم جواز الصلاة لو كان عنوان ما حرّم الله أكله بما هو كذلك اتجه التمسك بأصالة الحلّ وليس كذلك ، بل الموضوع ذوات الحيوانات من الأسد والأرنب والثعلب ونحوها ، فالمانع هو وقوع الصلاة في شيء من أجزاء هذه الحيوانات ، والعنوان المزبور معرّف ومشير إلى هذه الذوات . ومن الواضح أنّ أصالة الحلّ لا يثبت بها كون الحيوان المتخذ منه هذا الجزء من النوع المحلّل ، أو عدم كونه من الأنواع المحرّمة ، لعدم تكفّل الاُصول ولاسيما غير المحرز منها ـ كما في المقام ـ لإثبات اللوازم غير الشرعية .

   فما هو موضوع الحكم لا يثبت بأصالة الحلّ ، وما يثبت بها لم يكن موضوعاً للحكم .

   وما أفاده (قدس سره) متين جداً بناءً على مسلكه من كون الموضوع ذوات الحيوانات ، وحمل العنوان المأخوذ في لسان الروايات على المعرفيّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة الصلاة في المشكوك : 325 .

ــ[243]ــ

والمشيرية . وأمّا بناءً على ما هو الصواب ـ كما عرفته سابقاً(1) ـ من كون الموضوع نفس العنوان ، نظراً إلى أنّ الحمل على المعرفية خلاف ظواهر الأدلّة لا يصار إليه من دون القرينة ، فلا تمكن المساعدة على ما ذكره (قدس سره) .

   رابعها : ما ذكره هو (قدس سره)(2) أيضاً من أنا لو سلّمنا كون العبرة بالحلية والحرمة ـ لا بذوات الحيوانات ـ إلا أنّه لا ينبغي الشك في أنّ المراد بهما ما كان كذلك ذاتاً وبحسب الطبع الأوّلي في أصل التشريع ، دون الحلّية والحرمة الفعليين ، لعدم دوران جواز الصلاة وعدمه مدارهما . ألا ترى أنّ الصوف المتخذ من ميتة الشاة تجوز فيه الصلاة وإن حرم لحمها لمكان الموت أو لاعتبارات اُخر ، حتى في المذكّى من غصب أو ضرر أو صوم وما شاكل ذلك من العناوين الثانوية الموجبة للحرمة الفعلية ، كما أنّه ربما لا تجوز الصلاة وإن حلّ الأكل فعلاً كالوبر المتخذ من أرنب حلّ أكل لحمه لاضطرار ونحوه .

   وبالجملة : موضوع الحكم هو الشأني الطبعي منهما لا الفعلي . ومن البديهي أنّ أصالة الحلّ متكفّلة لإثبات الحلّية الفعلية ، ولا نظر فيها إلى الحلّية الطبيعية بوجه . ولا ملازمة بين الأمرين ، لجواز التفكيك من الطرفين ، إذ لا تنافي بين الحلّية الذاتية والحرمة الفعلية ، وكذا عكسها حسبما عرفت . فما هو موضوع الحكم لا يثبته الأصل ، وما يثبته لم يكن موضوعاً للحكم .

   نعم ، ربما يكون التعبد الشرعي متعلقاً بالحلّيّة الشأنية كما لو شك في تبدّلها بحرمة مثلها بعروض الجلل أو صيرورتها موطوءة الإنسان بشبهة حكمية أو موضوعية ، أو في زواله بالاستبراء فنستصحب الحالة السابقة من الحلّية أو الحرمة الطبيعيتين ، إلا أنّ ذلك خارج عن نطاق البحث ، إذ الكلام في أصالة الحلّ التي ليس مفادها إلا الحلّية الفعلية حسبما عرفت .

   وما أفاده (قدس سره) في غاية الجودة والمتانة ، وهو الوجه الصحيح الذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 228 .

(2) رسالة الصلاة في المشكوك : 327 .

ــ[244]ــ

نعتمد عليه في المنع عن جريان أصالة الحلّ ، فانّ ما يترتب على هذا الأصل هو الحلية الفعلية ، والموضوع في المقام هو الحلية الذاتية ، فلا تصلح أصالة الحلّ لإثبات موضوع الجواز ، وهكذا في جانب الحرمة .

   وعليه فلو عثرنا على حيوان شك في تذكيته من دون أي أمارة عليها فمقتضى أصالة عدم التذكية وإن كان هو عدم جواز أكل لحمه إلا أنّه لا يترتب عليها عدم جواز الصلاة في أجزائه ، إذ لا تثبت بالأصل المزبور الحرمة الطبعية الشأنية الّتي هي الموضوع لعدم الجواز ، إلاّ إذا كانت تلك الحرمة أو الحلية مجرى للأصل كما لو شك في الاستبراء من الجلل أو في أصل عروضه حسبما عرفت .

   الوجه الثاني : التمسك بأصالة الطهارة بتقريب : أنّه لو تردد اللباس بين اتخاذه من حيوان طاهر مأكول اللحم كالغنم ، أو نجس غير مأكول كالكلب كان مقتضى أصالة الطهارة جواز الصلاة فيه ، فاذا جاز ثمّة جاز في بقية الشبهات بعدم القول بالفصل .

   ويندفع : بأنّ أصالة الطهارة لا يترتب عليها إلا آثار الطهارة وأحكامها ومن البيّن أنّ جواز الصلاة لم يكن أثراً للطهارة بمجردها ، بل شريطة عدم كون اللباس مما لا يؤكل ، بشهادة عدم الجواز في وبر الأرانب ـ مثلاً ـ مع أنّه طاهر ، نعم طهارة اللباس في مفروض المثال ملازم لكونه مأخوذاً من المأكول ، إلا أنّ ذلك من اللوازم العقلية التي لا تكاد تثبت حتى بالاُصول المحرزة فضلاً عن غيرها كأصالة الطهارة .

   على أنّا لو سلّمنا حجية الاُصول المثبتة فغايته جواز الصلاة في خصوص المثال ، لإحراز كونه من المأكول بالتعبد الشرعي ، فما هو الموجب للتعدي إلى ما لا تعبد فيه بعد ثبوت الفارق الظاهر المانع عن التمسك بعدم القول بالفصل كما لا يخفى .

   الوجه الثالث : استصحاب الإباحة الثابتة قبل البلوغ ، بدعوى جواز أكل لحم كافة الحيوانات ـ محلّلها ومحرّمها ـ قبل وضع قلم التكليف ، وبعد البلوغ

ــ[245]ــ

يشك في انقلاب الجواز إلى المنع بالنسبة إلى الحيوان الذي اتخذ منه هذا اللباس ، ومقتضى الأصل بقاؤه على ما كان ، فاذا ساغ أكله ببركة الاستصحاب جاز الصلاة أيضاً لاحراز موضوعه بالتعبد الشرعي .

   ويندفع أولاً : بأنّ المقسم في الأحكام الخمسة على ما يشهد به حديث رفع القلم عن الصبي(1) هو من وضع عليه قلم التكليف ، وهو البالغ ، فالصبي خارج عن دائرة الحكم ، ونفي الحرمة عنه إنّما هو من باب السالبة بانتفاء الموضوع . إذن فاستصحاب الحلّ إلى ما بعد البلوغ إسراء للحكم من موضوع إلى موضوع آخر ، ولم يكن من الاستصحاب المصطلح في شيء .

   وثانياً : أنّ الإباحة الثابتة حال الصغر إباحة فعلية ، وقد عرفت(2) أنّ الموضوع لجواز الصلاة هي الحلية الطبعية الشأنية ، فاستصحاب تلك الإباحة لا ينفع لإثبات موضوع الحكم ، إذ لا تنافي بين الحلّية الفعلية الناشئة من العوارض المانعة عن التنجّز من جنون أو صغر أو اضطرار ونحوها ، وبين الحرمة الشأنية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 45 / أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11 ، 12 . 29 : 90 / أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 2 .

(2) في ص 243 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net