نحو أخذ عدم العرض لو كان الموضوع مركباً منه وغيره 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3745


   الجهة الرابعة : لا يخفى أنّ الموضوع المركّب من العرض ومحلّه لابدّ فيه من أخذ العرض على سبيل الناعتية ، لأنّ وجوده في نفسه عين وجوده في غيره فلا يوجد إلا في موضوع ولا يتقوّم خارجاً إلا به ، هذا بالنسبة إلى وجود العرض .

   وأمّا بالنسبة إلى عدمه ـ أعني ما لو تركب الموضوع من ذات وعدم العرض له ـ فقد يؤخذ العدم ناعتاً وقد يؤخذ محمولياً ، ويختلف ذلك باختلاف الموارد .

   فربما يلاحظ العدم نعتاً للموضوع كما لو تركّب من زيد وعماه ، حيث إنّ العمى ليس هو مطلق عدم البصر ، ولذا لا يطلق على الحجر ، بل الاتصاف به المنوط بقابلية المحل ، ومن ثم كان التقابل بين الأعمى والبصير(1) من تقابل العدم والملكة . وحينئذ فلدى الشك فيه إن كانت له حالة سابقة كما لو احتملنا أنّه عالج عماه استصحب العمى ، وإلا فلا تثبت بمجرد استصحاب عدم البصر إلا على القول بالاُصول المثبتة .

   وربما يلاحظ محمولياً من دون دخل لعنوان الاتصاف ، وحينئذ فلا مانع من إحرازه بالاستصحاب ، إذ قد كان زمان ولم يكن ثمّة ذات ولا عرض ، وقد علمنا بالانتقاض بالنسبة إلى الذات فاحرزنا وجودها بالوجدان ، أمّا العرض فلا علم بالانتقاض بالإضافة إليه فيستصحب ذلك العدم الأزلي فيلتئم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [لعل المناسب : «بين العمى والبصر» كما لا يخفى] .

ــ[264]ــ

الموضوع . فلو كان موضوع الحكم زيد وعدم إبصاره ـ لا عماه ـ أمكن إحرازه بضم الوجدان إلى الأصل .

   توضيح المقام : أنّ النعتية من لوازم وجود العرض ، ولا حاجة إلى عناية أكثر من ملاحظة ذاته بما هو عرض .

   وأمّا عدم العرض فليس كذلك ، بداهة أنّ العدم لا يتقوّم بالموضوع كما يتقوّم به الوجود ، فلا يتصف به ، بل لا يقبل الاتصاف به إلا بعناية ، وهي الاتصاف بشيء ملازم لذلك العدم ، فلا يتصف زيد بعدم البصر ، بل بملازمه وهو العمى . ولا بعدم العلم ، بل بلازمه وهو الجهل وهكذا ، ضرورة أنّ النسبة إنّما تكون بين وجودين كالجوهر والعرض ، ولا تكاد تكون بين وجود وعدم إذ العدم لا يحتاج إلى الربط ، فمن ثمّ كان محمولياً بحسب طبعه إلا أن يدلّ دليله على لحاظه على سبيل الناعتية بنحو من العناية حسبما سمعت .

   وما اشتهر وتداول على الألسن من أنّ النسبة سلبية تارة وإيجابية اُخرى فليس المراد من السلبية ربط السلب ، بل سلب الربط ، فانّ الموضوع والمحمول لمّا كانت بينهما نسبة كلامية فقد يحكي المتكلم ثبوت شيء لشيء ، وقد يحكي عدم الثبوت . وليس المراد من الحكاية الثانية ربط ذلك العدم ، ضرورة أنّ العدم عدم في نفسه ، ولا يحتاج إلى موضوع يقوم به . فالمراد من النسبة السلبية أنّ الهيئة الكلامية تدل على نفي شيء عن شيء .

   وممّا يرشدك إلى ذلك أنّ القضية الحملية ـ سلبية كانت أم إيجابية ـ لا تختص بالأعراض ، بل تجري في غيرها أيضاً ، كما في حمل الوجود على الماهية أو سلبه عنها في قولك : الإنسان موجود أو غير موجود . مع أنّه لا ربط بين الوجود والماهية ، إذ الماهية في نفسها لا وجود لها ، بل تتحقق بالوجود ، فلا يكون عارضاً عليها خارجاً بمعنى وجود شيء لشيء .

   وهكذا الحال في الذاتي في باب الكلّيات كقولنا : زيد إنسان ، أو الإنسان حيوان ناطق . فانّ النسبة الكلامية وإن كانت موجودة إلا أنّ النسبة الربطية

ــ[265]ــ

بمعنى أن يكون أحد الوجودين متقوّماً بالوجود الآخر غير متحقّقة ، إذ لا معنى للربط بهذا المعنى بين الشخص والنوع ، أو هو مع الجنس أو الفصل وهكذا كما لا يخفى .

   وأوضح حالاً القضايا الذاتية في باب البرهان كقولنا : اجتماع النقيضين محال . إذ لا معنى للربط المزبور بين الاستحالة وبين اجتماع النقيضين وإن كانت النسبة الكلامية موجودة .

   إذن فالوجود الرابط منحصر في العرض ومعروضه ، لما عرفت من [أنّ ]وجوده في نفسه عين وجوده في محله . وأمّا عدم العرض فلا يتحقق ربط فيه ومن ثمّ لا يؤخذ وصفاً إلا بنحو من العناية ، فتكون القضية السالبة من المعدولة المحمول كما في قولنا : زيد أعمى(1) .

   وممّا ذكرنا يظهر الخلل في جملة من كلمات المحقق النائيني (قدس سره) التي منها ما ذكره من أنّه إذا تردد العدم بين أن يكون ناعتاً وأن يكون محمولياً فليس لدينا أصل يعيّن أحدهما(2) .

   إذ فيه ما عرفت من أنّ العدم بحسب طبعه الأولي إنّما يؤخذ محمولاً وتحتاج النعتية إلى عناية زائدة ، فمن دون ثبوتها يحمل على المحمولية بطبيعة الحال ، فلا يستقر الشك لنحتاج إلى تاسيس الأصل .

   وقد تلخّص من جميع ما ذكرناه : أنّ الموضوع المركّب من وجود العرض ومحلّه لابدّ فيه من أخذ العرض ناعتاً ، وعليه فلا يجري استصحاب وجوده إلا إذا كانت الذات مع اتصافها بالعرض موجودة سابقاً فتستصحب ، فيقال : إنّ زيداً كان عالماً قبل الآن ، والآن كما كان . وأمّا استصحاب عدمه فيجري بلا إشكال ، فنستصحب عدم كرّية الماء لدى الشك فيها ، ضرورة أنّ كلّ عدم له تحقق سابقاً وإن اُخذ وجوده ناعتاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [لعل هذه الجملة لا تصلح مثالاً لما ذكره] .

(2) رسالة الصلاة في المشكوك : 423 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net