تحديد الكرّ بالمساحة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7710


ــ[158]ــ

    تحديد الكرّ بالمساحة

   وأمّا تحديده بالمساحة فقد اختلفت فيه الأقوال فمن الأصحاب من حدّده بما يبلغ مائة شبر ، وحكي ذلك عن ابن الجنيد (1) .

   ومنهم من ذهب إلى تحديده بما بلغ مكعبه ثلاثة وأربعين شبراً إلاّ ثمن شبر ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب .

   وثالث اعتبر بلوغ مكعب الماء ستة وثلاثين شبراً ، وهو الذي ذهب إليه المحقق (2) وصاحب المدارك (قدس سرهما) (3) .

   ورابع اكتفى ببلوغ المكعب سبعة وعشرين شبراً ، وهذا هو المعروف بقول القميين (4) وقد اختاره العلاّمة (5) والشهيد (6) والمحقق الثانيان (7) والمحقق الأردبيلي (8)ونسب إلى البهائي أيضاً (9) ، وهو الأقوى من أقوال المسألة .

   وهناك قول خامس وهو الذي نسب إلى الراوندي (قدس سره) من اعتبار بلوغ مجموع أبعاد الماء عشرة أشبار ونصف (10) . هذه هي أقوال المسألة (11) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المختلف 1 : 21 .

(2) المعتبر 1 : 46 .

(3) المدارك 1 : 51 .

(4) المختلف 1 : 21 .

(5) المختلف 1 : 22 .

(6) الروض : 140 سطر 18 .

(7) حكاه في الحدائق 1 : 221 .

(8) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 260 .

(9) حبل المتين : 108 .

(10) المختلف 1 : 22 .

(11) ويظهر من السيد إسماعيل الطبرسي شارح نجاة العباد أن هناك قولاً سادساً : وهو بلوغ مكعب الماء ثلاثة وثلاثين شبراً وخمسة أثمان ونصف ثمن حيث نسبه إلى المجلسي والوحيد البهبهاني (قدس سرهما) أخذاً برواية حسن بن صالح الثوري بحملها على المدور ، بتقريب أن  

ــ[159]ــ

   أمّا ما حكي عن ابن الجنيد فهو مما لا ينبغي أن يصغى إليه إذ لم نجد ما يمكن أن يستند إليه في ذلك ولو رواية ضعيفة ، وكم له (قدس سره) من الفتيا الشبيهة بآراء العامة ، ولعلّ الروايات الواردة من طرقنا لم تصل إليه .

   كما أن ما نسب إلى الراوندي قول ضعيف مطرود لا قائل به سواه بل هو غلط قطعاً ، لأن بلوغ مجموع الأبعاد إلى عشرة ونصف قد ينطبق على مسلك المشهور كما إذا كان كل واحد من الأبعاد الثلاثة ثلاثة أشبار ونصف ، فإن مجموعها عشرة ونصف ومكسّرها ثلاثة وأربعون شبراً إلاّ ثمن شبر ، وهو في هذه الصورة كلام صحيح ، وقد لا ينطبق عليه ولا على غيره من الأقوال كما إذا فرضنا طول الماء تسعة أشبار وعرضه شبراً واحداً وعمقه نصف شبر ، فإن مجموعها عشرة أشبار ونصف ، إلاّ أ نّه بمقدار تسع ما هو المعتبر عند المشهور تقريباً لأن مكسّره حينئذ أربعة أشبار ونصف بل لو فرضنا طول الماء عشرة أشبار ، وكلاً من عرضه وعمقه ربع شبر لبلغ مجموعها عشرة أشبار ونصف ، ومكسّره نصف شبر وثمن شبر ، إلاّ أن هذه المقادير مما لم يقل أحد باعتصامه ، فما ذهب إليه الراوندي غلط جزماً . فيبقى من الأقوال ما ذهب إليه القميون وقول المشهور وما ذهب إليه المحقق وصاحب المدارك (قدس سرهم) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

القطر فيها ثلاثة ونصف فيكون المحيط أحد عشر شبراً فإن نسبة القطر إلى المحيط نسبة السبعة إلى اثنين وعشرين ، فنصف القطر شبر وثلاثة أرباعه ، ونصف المحيط خمسة أشبار ونصف فإذا ضربنا أحدهما في الآخر كان الحاصل تسعة أشبار ونصف ثمن ، وإذا ضربنا ذلك الحاصل في ثلاثة ونصف صار المتحصل ثلاثة وثلاثين شبراً وخمسة أثمان ونصف ثمن تحقيقاً .

         إلاّ أن المصرح به في حواشي المدارك للوحيد البهبهاني (قدس سره) أنه لا قائل بهذا الوجه بخصوصه فهذا يدلنا على أ نّه احتمال احتمله المجلسي والوحيد (قدس سرهما) في الرواية فلا ينبغي عدّه من الأقوال ، مع أن الرواية ضعيفة لأن الرجل زيدي بترى لم يوثق في الرجال بل عن التهذيب أنه متروك العمل بما يختص بروايته . إذن يشكل الاعتماد على روايته مضافاً إلى ما أورده الشيخ في استبصاره على دلالتها من المناقشة باحتمال أن يكون المراد بالركي فيها هو المصنع الذي كان يعمل في الطرق والشوارع لأن يجتمع فيها ماء المطر وينتفع بها المارّة ولم يعلم أن المصانع مدورة لأن من الجائز أن يكون بعضها أو الكثير منها مربعاً ولا سيّما في المصانع البنائية التي يعمل على شكل الحياض المتعارفة في البيوت .

ــ[160]ــ

   والصحيح من هذه الأقوال هو قول القميين أعني ما بلغ مكسّره سبعة وعشرين شبراً ، والدليل على ذلك صحيحة إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الماء الذي لا ينجسه شيء ؟ قال : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته (1) . والاستدلال بها يتوقف على تقديم اُمور :

   الأوّل : أنّ المراد بالسعة فيها ليس هو الطول والعرض بل ما يسعه سطح ذلك الشيء على ما يتفاهم منه عرفاً .

   الثاني : أنّ كل ذراع من أي شخص عادي شبران متعارفان على ما جرّبناه غير مرة ووجدناه بوجداننا ، وبهذا المعنى أيضاً اُطلق الذراع في الأخبار الواردة في المواقيت (2) . فما ادعاه المحقق الهمداني (قدس سره) من أن الذراع أكثر من شبرين(3) مخالف لما نجده بوجداننا ، فانّه يشهد على أن الذراع شبران ، ولعلّه (قدس سره) وجد ذلك من ذراع نفسه وادعى عليه الوجدان ، وعلى هذا فمعنى الرواية أن الكر عبارة عن أربعة أشبار عمقه وثلاثه أشبار سعته .

   الثالث : أنّ ظاهر قوله (عليه السلام) ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته هو أنّ مفروض كلامه (عليه السلام) هو المدوّر ، حيث فرض أن سعته ذراع وشبر مطلقاً أي من جميع الجوانب والأطراف ، وكون السعة بمقدار معيّن من جميع النواحي والأطراف لا يتصوّر إلاّ في الدائرة ، لأنها التي تكون نسبة أحد أطرافها إلى الآخر بمقدار معيّن مطلقاً لا تزيد عنه ولا تنقص ، وهذا بخلاف سائر الأشكال من المربّع والمستطيل وغيرهما حتى في متساوي الأضلاع ، فإن نسبة أحد أطرافها إلى الآخر لا تكون بمقدار معيّن في جميعها ، إذ البعد المفروض بين زاويتين من المربع وأمثاله أزيد من البعد الكائن بين نفس الضلعين من أضلاعه، وعلى الجملة أن ما تكون نسبة أحد جوانبه إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 165 / أبواب الماء المطلق ب 10 ح 1 .

(2) وقد روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراعان ...» المرويّة في الوسائل 4 : 141 / أبواب المواقيت ب  8 ح  3 .

(3) مصباح الفقيه (الطهارة) : 30 السطر 19 .

ــ[161]ــ

الآخر بمقدار معيّن في جميع أطرافه ليس إلاّ الدائرة . على أن مقتضى طبع الماء هو ذلك ، وإنما يتشكل بسائر الأشكال بقسر قاسر كوضعه في الأواني المختلفة أشكالها .

   وبعبارة اُخرى : أن ظاهر الرواية أن ما يحويه خط واحد ولا يختلف مقدار البعد بين طرفين من أطرافه أبداً لا بدّ أن يبلغ الماء في مثله ذراعين في عمقه وذراع وشبر سعته ، وهذا لا ينطبق على غير الدائرة فإن البيضي وإن كان بخط واحد أيضاً إلاّ أن البعد فيه يختلف باختلاف أطرافه والمربع والمستطيل وغيرهما مما يحويه أكثر من خط واحد ، وبهذا كلّه يتعيّن أن يكون مفروض كلامه (عليه السلام) هو المدوّر لا غيره . فإذا عرفت هذه الاُمور وعرفت أن مفروض كلامه (عليه السلام) هو المدوّر وقد فرضنا أنّ عمقه أربعة أشبار وسعته ثلاثة أشبار ، فلا بدّ في تحصيل مساحته من مراجعة ما هو الطريق المتعارف عند أوساط الناس في كشف مساحة الدائرة .

   وقد جرت طريقتهم خلفاً عن سلف ـ كما في البنائين وغيرهم ـ على تحصيل مساحة الدائرة بضرب نصف القطر في نصف المحيط ، وقطر الدائرة في المقام ثلاثة أشبار فنصفه واحد ونصف ، وأمّا المحيط فقد ذكروا أن نسبة قطر الدائرة إلى محيطها مما لم يظهر على وجه دقيق ونسب إلى بعض الدراويش أ نّه قال : يا من لا يعلم نسبة القطر إلى المحيط إلاّ هو . إلاّ أنهم على وجه التقريب والتسامح ذكروا أن نسبة القطر إلى المحيط نسبة السبعة إلى إثنين وعشرين . ثم إنهم لما رأوا صعوبة فهم هذا البيان على أوساط الناس فعبروا عنه ببيان آخر ، وقالوا إن المحيط ثلاثة أضعاف القطر . وهذا وإن كان ينقص عن نسبة السبعة إلى إثنين وعشرين بقليل إلاّ أن المسامحة بهذا المقدار لا بدّ منها كما نشير إليه عن قريب .

   فعلى هذه القاعدة يبلغ محيط الدائرة في المقام تسعة أشبار ، لأن قطرها ثلاثة أشبار ، ونصف المحيط أربعة أشبار ونصف ، ونصف القطر شبر ونصف ، فيضرب أحدهما في الآخر فيكون الحاصل سبعة أشبار إلاّ ربع شبر ، وإذا ضرب الحاصل من ذلك في العمق وهو أربعة أشبار يبلغ الحاصل سبعة وعشرين شبراً بلا زيادة ولا نقصان إلاّ في مقدار يسير كما عرفت ، وهو مما لا محيص من المسامحة فيه ، لأن النسبة بين القطر والمحيط مما لم تظهر حقيقتها لمهرة الفن والهندسة فكيف يعرفها العوام غير

ــ[162]ــ

المطلعين من الهندسة بشيء إلاّ بهذا الوجه المسامحي التقريبي . وهذه الزيادة نظير الزيادة والنقيصة الحاصلتين من اختلاف أشبار الأشخاص ، فانّها لا تتفق غالباً ولكنها لا بدّ من التسامح فيها ، ولعلّنا نتعرض إلى ذلك عند بيان اختلاف أوزان المياه خفة وثقلاً إن شاء الله .

   ثم لو أبيت عن صراحة الصحيحة في تحديد الكر بسبعة وعشرين شبراً فصحيحة إسماعيل بن جابر الثانية صريحة الدلالة على المدعى وهو ما رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الماء الذي لا ينجسه شيء ؟ فقال كرّ قلت : وما الكر ؟ قال : ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» (1) . والوجه في صراحتها أنها وإن لم تشتمل على ذكر شيء من الطول والعرض والعمق إلاّ أن السائل كغيره يعلم أن الماء من الأجسام وكلّ جسم مكعب يشتمل على أبعاد ثلاثة لا محالة ولا معنى لكونه ذا بعدين من غير أن يشتمل على البعد الثالث ، فإذا قيل ثلاثة في ثلاثة مع عدم ذكر البعد الثالث علم أنه أيضاً ثلاثة كما يظهر هذا بمراجعة أمثال هذه الاستعمالات عند العرف . فانّهم يكتفون بذكر مقدار بعدين من أبعاد الجسم إذا كانت أبعاده الثلاثة متساوية فتراهم يقولون خمسة في خمسة أو أربعة في أربعة إذا كان ثالثها أيضاً بهذا المقدار . وعليه إذا ضربنا الثلاثة في الثلاثة فتبلغ تسعة ، فإذا ضربناها في ثلاثة فتبلغ سبعة وعشرين شبراً .

   ويؤيد ما ذكرناه أ نّا وزنّا الكر ثلاث مرات ووجدناه موافقاً لسبعة وعشرين فالوزن مطابق للمساحة التي اخترناها ، هذا كلّه في الاستدلال على القول المختار ويقع الكلام بعد ذلك في معارضاته وما اُورد عليه من المناقشات .

   فربما يناقش في سند الصحيحة الأخيرة بأنها قد نقلت في موضع من التهذيب عن عبدالله بن
سنان(2) ، وكذا في الاستبصار على ما حكي عنه (3) وفي موضع آخر من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 159 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 7 .

(2) التهذيب 1 : 141 / 115 .

(3) الاستبصار 1 : 10 / 13 .

ــ[163]ــ

التهذيب عن محمد بن سنان (1) ، وفي الكافي عن ابن سنان (2) فالرواية مرددة النقل عن محمد بن سنان أو عن عبدالله بن سنان وحيث لا يعتمد على رواية محمد بن سنان لضعفه وعدم وثاقته ، فالرواية لا تكون موثقة ومورداً للاعتماد .

   ويدفعه : أن المحدث الكاشاني (قدس سره) قد صرّح في أوّل كتابه الوافي بان ابن سنان قد يطلق على محمد بن سنان (3) ، وظاهره أن ابن سنان إذا ذكر مطلقاً فالمراد منه عبدالله بن سنان إلاّ أ نّه في بعض الموارد يطلق على محمد بن سنان أيضاً ، وذكر أ نّه لأجل ذلك لا يطلق هو (قدس سره) ابن سنان على عبدالله بن سنان إلاّ مع التقييد لئلاّ يقع الاشتباه في فهم المراد من اللفظ ، وهذه شهادة من المحدّث المزبور على أن المراد من ابن سنان مهما اُطلق هو عبدالله بن سنان ، بل قد أسندها نفس الشيخ في استبصاره ، وموضع من التهذيب إلى عبدالله بن سنان . فالمتعيّن حينئذ حمل ابن سنان على عبدالله بن سنان ، وأمّا ما في موضع آخر من التهذيب من إسنادها إلى محمد بن سنان فهو محمول على اشتباه الكتاب أو على سهو القلم ، فإن التهذيب كثير الأغلاط والاشتباه . أو يحمل على أنها رواية اُخرى مستقلة غير ما نقله عبدالله بن سنان فهناك روايتان (4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 1 : 37 / 101 .

(2) الكافي 3 : 3 / 7 .

(3) لاحظ الوافي 1 : 21 .

(4) هذا وقد يدعى أن ملاحظة طبقات الرواة تقتضي الحكم بتعيّن إرادة محمد بن سنان من ابن سنان الواقع في سند الصحيحة، لأن الراوي عنه هو البرقي وهو مع الرجل من أصحاب الرضا (عليه السلام) ومن أهل طبقة واحدة، وعبدالله بن سنان من أصحاب الصادق (عليه السلام) وطبقته متقدمة على طبقتهما فكيف يصح أن يروي البرقي عمّن هو من أصحاب الصادق (عليه السلام) من دون واسطة .

         كما أن من المستبعد أن لا يروي عبدالله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) من دون واسطة فإن المناسبة تقتضي أن يروي عنه (عليه السلام) مشافهة لا عن أصحابه ومع الواسطة .

ــ[164]ــ

   هذا كلّه على أنه لم يقم دليل على ضعف محمد بن سنان ، أعني أبا جعفر الزاهري لأنه المراد به في المقام دون ابن سنان الذي هو أخو عبدالله بن سنان الضعيف وعدم توثيقه ، كيف وهو من أحد أصحاب السر ، وقد وثقه الشيخ المفيد وجماعة وقورن في المدح (1) بزكريا بن آدم وصفوان في بعض الأخبار وهو كاف في الاعتماد على رواياته ، وأمّا ما يتراءى من القدح في حقه فليس قدحاً مضراً بوثاقته ولعلّه مستند إلى إفشائه لبعض أسرارهم (عليهم السلام) (2) .

   وأمّا ما توهّم معارضته للصحيحتين المتقدمتين فهو روايتان :

   إحداهما : ما عن الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا كان الماء في الركي كراً لم ينجسه شيء قلت : وكم الكر ؟ قال : ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها» (3) . فالرواية دلت على أن الكر ثلاثة وأربعون شبراً إلاّ ثمن شبر كما هو مذهب المشهور فتعارض الصحيحتين المتقدمتين .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

      وقد تصدّى شيخنا البهائي (قدس سره) للجواب عن هذه المناقشة بما لا مزيد عليه ولم يتعرّض لها سيِّدنا الاُستاذ (مدّ ظلّه) في بحثه ولأجل هذا وذاك لم نتعرض لها ولدفعها في المقام فمن أراد تفصيل الجواب عنها فليراجع كتاب مشرق الشمسين للبهائي (قدس سره) [ص93].

(1) وقد روى الكشي عن أبي طالب عبدالله بن الصلت القمي قال : دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في أواخر عمره يقول : جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا بن آدم عنِّي خيراً فقد وفوا لي ... نقله في المجلد الأول من تنقيح المقال ص 448 سطر 2 .

(2) الرجل وان وثقه الشيخ المفيد (قدس سره) [ في الارشاد 2 : 248 ] وجماعة وروى الكشي [ في ص 503 / 964 ] له مدحاً جليلاً بل قد وثقه ابن قولويه لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات وله روايات كثيرة في الأبواب المختلفة ولكن سيدنا الاُستاذ (مدّ ظلّه) عدل عن توثيقه وبنى على ضعفه لأن الشيخ (قدس سره) ذكر انّه قد طعن عليه وضعف [ في رجاله 364 / 5394  ]وضعفه النجاشي (قدس سره) صريحاً [ في رجاله 328 / 888 ] ومع التعارض لا يمكن الحكم بوثاقته . إذن فالرجل ضعيف .

(3) الوسائل 1 : 160 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 8 .

ــ[165]ــ

   ولا يخفى أن الرواية نقلت عن الكافي (1) والتهذيب (2) بلا زيادة البعد الثالث ونقلت عن الاستبصار بتلك الزيادة (3) ، فلا بدّ من حمل الزيادة على سهو القلم فإن الكافي الذي هو أضبط الكتب الأربعة ، والتهذيب الذي أ لّفه نفس الشيخ (قدس سره) غير مشتملين على الزيادة المذكورة . بل عن ابن المشهدي في هامش الاستبصار أن الرواية غير مشتملة على تلك الزيادة في النسخة المخطوطة من الاستبصار بيد والد الشيخ محمد بن المشهدي صاحب المزار المصححة على نسخة المصنف ، فالزيادة ساقطة . وفي الطبعة الأخيرة من الوسائل نقل الرواية بتلك الزيادة وأسندها إلى الكافي والتهذيب واستدرك الزيادة في الجزء الثالث فراجع . فإذا أسقطنا الزيادة عن الرواية فتبقى مشتملة على بعدين فقط ، وإذن لا بدّ من حملها على المدوّر بعين ما قدمناه في الصحيحة المتقدمة لأنه مقتضى طبع الماء في نفسه على أن الركي بمعنى البئر وهو على ما شاهدناه مدوّر غالباً لأنه أتقن وأقوى من سائر الأشكال الهندسية .

   مضافاً إلى أن المراد بالعرض فيها ليس هو ما يقابل الطول فانّه إصطلاح حديث للمهندسين ، وإنما اُريد منه السعة بمعنى ما يسعه سطح الشيء كما في قوله تعالى : (عرضها السّموات والأرض )(4) فإنّ الإمـام (عليه السلام) قد تعرّض للسعة والعمق. وكون السعة بمقدار معيّن من جميع الجوانب والأطراف لا يوجد في غير الدائرة كما قدمناه في الصحيحة المتقدمة . فإذا أخذنا مساحتها بضرب نصف قطرها في نصف محيطها بالتقريب المتقدم ، يبلغ سبعة وعشرين بزيادة ما يقرب من ستة أشبار والكر بهذا المقدار مما لا قائل به من الشيعة ولا من السنة وهذه قرينة قطعية على عدم إرادة ظاهر الرواية ، فلا محيص من رفع اليد عنها وحملها على أحد أمرين  :

   أحدهما : أن يحمل على أن الإمام (عليه السلام) أراد الاحتياط ببيان مقدار شامل على الكر قطعاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3 : 2 / 4 .

(2) التهذيب 1 : 408 / 1282 .

(3) الاستبصار 1 : 33 / 88 .

(4) آل عمران 3 : 133 .

ــ[166]ــ

   وثانيهما : أن يحمل على أمر آخر أدق من سابقه ، وهو أن الركي الذي هو بمعنى البئر لا يكون مسطح السطح غالباً ، بل يحفر على شكل وسطه أعمق من جوانبه ولا سيّما في الآبار التي ينزح منها الماء كثيراً فإن إدخال الدلو وإخراجه يجعل وسط البئر أعمق ، وهو يوجب إحالة ما فيه من التراب إلى الأطراف والجوانب وعليه فالماء الموجود في وسط الركي أكثر من الماء في أطرافه ، إلاّ أن الزائد بدل التراب لا أنه معتبر في الكرية والاعتصام إذ المقدار المعتبر فيه سبعة وعشرون شبراً فالزيادة مستندة إلى ما ذكرناه .

   ويمكن حمل الرواية على أمر ثالث وهو حملها على بيان مرتبة أكيدة من الاعتصام والكرية نظير الحمل على بيان مرتبة أكيدة من الاستحباب في العبادات ، هذا كلّه مضافاً إلى ضعف الرواية لعدم وثاقة الرجل .

   وثانيتهما : رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الكر من الماء كم يكون قدره ؟ قال : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء (1) وهي أيضاً تقتضي اعتبار بلوغ مكعّب الماء ثلاثة وأربعين شبراً إلاّ ثمن شبر ، وهو الذي التزم به المشهور فيعارض بها الصحيحة المتقدمة التي اعتمدنا عليها في بيان الوجه المختار .

   وقد أجاب صاحب المدارك (2) وشيخنا البهائي (3) (قدس سرهما) عن هذه الرواية بضعف سندها لاشتماله على أحمد بن محمد بن يحيى وهو مجهول في الرجال .

   وأورد عليه في الحدائق بأن الرواية وإن كانت ضعيفة لما ذكر إلاّ أنه على طريق الشيخ في التهذيب ، وأمّا على طريق الكليني (قدس سره) في الكافي فالسند صحيح لأ نّه رواها عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عن أبي بصير ، ومن الظاهر أنه أحمد بن محمد بن عيسى لرواية محمد بن يحيى العطار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 166 / أبواب الماء المطلق ب 10 ح 6 .

(2) المدارك 1 : 51 .

(3) حبل المتين : 108 .

ــ[167]ــ

عنه وروايته عن عثمان بن عيسى . وأحمد بن محمد بن عيسى ثقة جليل وممّن يعتمد على روايته ، وإنما الضعيف هو أحمد بن محمد بن يحيى الواقع في طريق الشيخ (قدس سره) ورواها في الوسـائل بطريق الكليني (قدس سره) فراجـع (1) فلا إشـكال في الرواية من هذه الجهة .

   ثم إن صاحب المدارك وشيخنا البهائي (قدس سرهما) ناقشا في سند الرواية من ناحية اُخرى وهي أن الراوي عن ابن مسكان وهو عثمان بن عيسى واقفي لا يعتمد على نقله فالسند ضعيف .

   ويرده أنه وإن كان واقفياً كما اُفيد إلاّ أنه موثق في النقل عندهم ، ويعتمدون على رواياته بلا كلام على ما يستفاد من كلام الشيخ (قدس سره) في العدّة (2) بل نقل الكشي قولاً بأنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم (3) . أضف إلى ذلك أنه ممّن وثقه ابن قولويه لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات . ومع الوثوق لا يقدح كونه واقفياً أو غيره . نعم ، بناء على مسلك صاحب المدارك (قدس سره) من اعتبار كون الراوي عدلاً إمامياً لا يعتمد على رواية الرجل لعدم كونه إمامياً .

   وقد ناقشا في الرواية ثالثاً : بأن أبا بصير مردد بين الموثق والضعيف فالسند ضعيف لا محالة .

   والانصاف أن هذه المناقشة مما لا مدفع له إذ يكفي فيها مجرد الاحتمال وعلى مدعي الصحة إثبات أن أبا بصير هو أبو بصير الموثق ، ولا ينبغي الاعتماد والوثوق على شيء مما ذكروه في إثبات كونه الموثق في المقام . وقد اعترف بذلك صاحب الحدائق أيضاً إلاّ أنه ميّزه بقرينة أن أكثر روايات ابن مسكان إنما هو عن أبي بصير الموثق ، والكثرة والغلبة مرجحة لأحد الاحتمالين على الآخر لأن الظن يلحق الشي بالأعم الأغلب .

   ولا يخفى أن هذه القرينة كغيرها مما ذكروه في المقام مما لا يفيد الاطمئنان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 1 : 268 .

(2) العدّة : 56 السطر 19 / في الترجيح بالعدالة .

(3) رجال الكشي : 566 / 1050 .

ــ[168]ــ

والوثوق ، والاعتماد عليه غير صحيح ، وبذلك تكون الرواية ضعيفة لا محالة (1) .

   ثم لو أغمضنا عن سندها فهي قاصرة الدلالة على مسلك المشهور لأن الرواية غير مشتملة على ذكر الطول والعرض والعمق ، وإنما ذكر فيها كون الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله أي مثل الماء ثلاثة أشبار ونصف في عمقه ، وظاهرها هو الدائرة كما بيّناه في صحيحتي إسماعيل بن جابر فيستفاد منها أن الكر ما يقرب من ثلاثة وثلاثين شبراً وهو ممّا لا قائل به كما مرّ . فلا بدّ من حملها على اختلاف سطح الماء الراكد إذ الماء في الصحاري لا يتمركز في الموارد المسطحة بل في الأراضي منخفض الوسط ، فوسطه أعمق من جوانبه ، ولعلّ الزائد عن سبعة وعشرين إنما هو بهذا اللّحاظ . فالرواية غير معارضة للصحيحتين المتقدمتين .

   وأمّا ما عن شيخنا البهائي (قدس سره) في الحبل المتين من إرجاع الضمير في «مثله» إلى ثلاثة أشبار ونصف باعتبار المقدار ودعوى أن الموثقة مشتملة على ذكر الأبعاد الثلاثة وهي حينئذ صريحة الدلالة على مسلك المشهور (2) . فيدفعه : أنه تكلف محض لاستلزامه التقدير في الرواية في موضعين :

   أحدهما : في مرجع الضمير بتقدير المقدار .

   وثانيهما : بعد كلمة «مثله» بتقدير لفظة «في» لعدم استقامة المعنى بدونهما وهو كما ترى تكلف والتزام من غير ملزم فالصحيح ما ذكرناه من ارجاع الضمير في «مثله» إلى الماء وعدم اشتمال الموثقة على الأبعاد الثلاثة . إذن لا بدّ من حملها على اختلاف سطح الماء الراكد كما مرّ .

   بقي الكلام في ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «قلت له : راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة ، قال : إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبّها ، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضأ ...» (3) . وهي أيضاً تدل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقد عدل سيدنا الاُستاذ (مدّ ظلّه) عن ذلك أخيراً وبنى على أن المكنّين بأبي بصير كلّهم ثقاة ومورد للاعتبار .

(2) حبل المتين : 108 .

(3) الوسائل 1 : 139 / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 8 .

ــ[169]ــ

على ما اخترناه لأن أكثر الراوية بحسب المقدار هو ما يسع سبعة وعشرين شبراً من الماء ، وهي وإن شملت باطلاقها لما يسع أقل من مقدار سبعة وعشرين شبراً ، لأن الراوية تختلف بحسب الصغر والكبر وهي تطلق على جميعها إطلاقاً حقيقياً ، إلاّ أنه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها بمجموع الروايات المتقدمة الدالّة على أن الكر ليس بأقل من سبعة وعشرين شبراً ، وبها نقيد إطلاقها ونخصصها بما تسع مقدار سبعة وعشرين شبراً من الماء .

   وأيضاً يمكن تقييدها بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالّة على تحديد الكر بستمائة رطل ، لما عرفت من تعيّن حملها على الأرطال المكية ، فمفاد الصحيحة حينئذ اعتبار بلوغ الماء ألفاً ومائتي رطل عراقي ، وقد أسلفنا أ نّا وزنّا الكر غير مرة ووجدناه موافقاً لسبعة وعشرين شبراً فهي تنفي الاعتصام عمّا هو أقل من ذلك المقدار .

   هذا ولكن الرواية ضعيفة السند بعلي بن حديد . نعم ، ان لزرارة رواية اُخرى متحدة المضمون مع هذه الرواية وهي صحيحة السند إلاّ أنها غير مسندة إلى الإمام (عليه السلام) وكأنّ مضمونها حكم من زرارة نفسه وقد نقلها في الوسائل عن الكليني (قدس سره) فليلاحظ إذن فما أسنده إلى الإمام (عليه السلام) غير صحيح وما هو صحيح غير مسند إلى الإمام (عليه السلام) .

   فتحصّل : أن الصحيح في تحديد الكر هو تحديده بسبعة وعشرين شبراً وهو الذي ذهب إليه القميون (قدس سرهم) .

   وتؤكده مرسلة عبدالله بن المغيرة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «الكر من الماء نحو حبيّ هذا ، وأشار إلى حبّ من تلك الحباب التي تكون بالمدينة» (1) . والوجه في تأكيدها أن فرض حب يسع بمقدار ثلاثة وأربعين شبراً أو ستة وثلاثين شبراً من الماء فرض أمر غير معهود خارجاً ، بخلاف ما يسع بمقدار سبعة وعشرين شبراً لأنه أمر موجود متعارف شاهدناه وهو موجود بالفعل أيضاً عند بعض طباخي العصير . وهذه الرواية مؤكدة لما اخترناه من مذهب القميين وغير قابلة لأن يستدل بها في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 166 / أبواب الماء المطلق ب 10 ح 7 .

ــ[170]ــ

شيء لا لنا ولا علينا لضعفها بالارسال كما لا يخفى .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net