الكلام في بيان النسبة بين التحديدين 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6648


    الكلام في بيان النسبة بين التحديدين

   أعني التحديد بالوزن وبالمساحة ، وقد حدّ بحسب الوزن بألف ومائتي رطل بالعراقي كما مرّ ، وبحسب المساحة بثلاثة وأربعين شبراً إلاّ ثمن شبر تارة كما هو المشهور ، وبستّة وثلاثين اُخرى وبسبعة وعشرين ثالثة وهو الذي ذهب إليه القميون واخترناه آنفاً ، وألف ومائتا رطل عراقي يقرب من سبعة وعشرين شبراً لما قدّمناه من أناوزنا الكر من الماء الحلو والمرّ غير مرة فوجدناهما بالغين سبعة وعشرين شبراً . فمسلك المشهور في تحديد الكر بالمساحة لا يوافق لتحديده بالوزن والاختلاف بينهما غير قليل بل بينهما بون بعيد . ومنه يظهر عدم إمكان جعل التحديد بالمساحة معرّفاً لتحديده بالوزن على مسلك المشهور ، فإن التفاوت بينهما ممّا لا يتسامح به لكثرته ومعه كيف يجعل أحدهما طريقاً ومعرّفاً لما هو ناقص عنه بكثير ، وإن ذهب إلى ذلك جماعة نظراً منهم إلى أن الوزن غير متيسّر لأكثر الناس ، ولا سيما في الصحاري والأسفار إذ لا ميزان فيها ليوزن به الماء ، كما لا يتيسّر سائر أدواته وهذا بخلاف التحديد بالمساحة فإن شبر كل أحد معه وله أن يمسح الماء بشبره ، ولأجل سهولته جعله الشارع طريقاً معرّفاً إلى ما هو الحد الواقعي من الوزن ، وقد عرفت أن هذا على مسلك المشهور غير ميسور لكثرة الفرق وبعد الفاصلة بينهما .

   وأمّا على ما اخترناه في التحديد بالمساحة أعني سبعة وعشرين شبراً فلا يخلو :

   إمّا أن يتطابق كل من التحديدين مع الآخر تطابقاً تحقيقياً أبداً .

   وإمّا أن يزيد التحديد بالمساحة على التحديد بالوزن كذلك أي دائماً .

   وإمّا أن ينعكس ويزيد التحديد بالوزن على التحديد بالمساحة في جميع الموارد .

   وإمّا أن يزيد الوزن على المساحة تارة وتزيد المساحة على الوزن اُخرى فهذه وجوه أربعة . ومنشؤها أمران :

   أحدهما : أن الكر ليس من قبيل الأحكام الشخصية ليختلف باختلاف الأشخاص

ــ[171]ــ

بأن يكون الماء كراً في حق أحد وغير كر في حق آخر لوضوح أنه من الأحكام العامة ، فلو كان كراً فهو كر في حق الجميع كما إذا لم يكن كراً فهو كذلك في حقّ الجميع . وهذا إنما يتحقق فيما إذا جعلنا المدار في سبعة وعشرين شبراً على أشبار أقصر الأشخاص المتعارفين بأن لا يعد عرفاً أقصر عن المعتاد ، فالمدار على أقل شبر من أشبار مستوي الخلقة وهو يتحقق في حق جميع الأشخاص مستوين الخلقة ، فإذا بلغ الماء سبعة وعشرين شبراً بأقل شبر من أشبار مستوى الخلقة فهو بالغ حدّ الكر أعني سبعة وعشرين في حق جميع المستوين خلقة كما أنه إذا لم يبلغ هذا المقدار بالأشبار المذكورة فهو غير كر في حق الجميع .

   وهذا بخلاف ما لو جعلنا المدار على شبر كل شخص في حق نفسه فانّه يختلف الكر حينئذ باختلاف الأشبار قصراً وطولاً فربما يكون الماء الواحد بالغاً سبعة وعشرين شبراً بشبر واحد ولا يبلغه بشبر غيره ، فيكون الماء الواحد كراً في حق أحد وغير كر في حق آخرين . وقد ذكرنا نظير ذلك في القدم والخطوة المعتبرين في المسافة المسوّغة للقصر حيث حدّدوا الفرسخ بالأميال والميل بالأقدام ، وقلنا في بحث صلاة المسافر إن المراد بهما أقصر قدم وخطوة من أشخاص مستوين الخلقة .

   والسر في ذلك ما أشرنا إليه من أن الكر والقصر ليسا من الأحكام الشخصية ليختلفا باختلاف الأشخاص ، وإنما هما من الأحكام العامة غير المختصة بشخص دون شخص ، فلو جعلنا المدار على شبر كل شخص أو قدمه في حق نفسه للزم ما ذكرناه من كون الماء كراً في حق أحد وغير كر في حق آخر ، وكذا الحال في القدم .

   نعم ، إنما يصح ذلك في الأحكام الشخصية كما إذا أمر المولى عبيده بالمشي عشرين قدماً أو بغسل وجوههم ، فإن اللاّزم على كل واحد منهم في المثال أن يمشي كذا مقداراً بأقدامه لا بأقدام غيره ، أو يغسل وجه نفسه وإن كان أقل سعة من وجه غيره ، وهذا من الوضوح بمكان .

   وثانيهما : أن المياه مختلفة وزناً فإن الماء المقطّر أو النازل من السماء أخف وزناً من المياه الممتزجة بالمواد الأرضية من الجص والنشادر والزاج والملح والكبريت ونحوها لأنه يتثاقل باضافة المواد الخارجية الأرضية بحيث لو قطرناه بالتبخير لخف عما كان

ــ[172]ــ

عليه أوّلاً ، لأن لطبيعي المياه وزناً واحداً وإنما يختلف باختلاف المواد الممتزجة معه .

   وما يقال من أن بعض المياه أخف وزناً في طبعه عن بعضها الآخر ، مجرد دعوى لا  مثبت لها .

   فإذا تمهد هذان الأمران فلا محالة ترتقي الوجوه إلى الأربعة كما قدّمناه ، فإن الوزن والمساحة إما أن يتطابقا تطابقاً حقيقياً بأن يساوي ما يبلغ سبعة وعشرين شبراً بأشبار شخص مستوي الخلقة ألفاً ومائتي رطل عراقي بلا زيادة ونقصان ، وإما أن يزيد الوزن على المساحة ، وإما أن ينعكس وتزيد المساحة على الوزن ، وإما أن يختلفا فيزيد الوزن على المساحة في بعض الموارد وتزيد المساحة على الوزن في بعض الموارد الاُخر لاختلاف المياه خفة وثقلاً ، فرب ماء صاف خفيف فتزيد المساحة عليه ورب ماء ثقيل يزيد على المساحة بكثير .

   أمّا الصورة الاُولى : فلا ينبغي الاشكال فيها إذ لا مانع من تحديد شيء واحد بأمرين متحدين لتلازمهما واتحادهما بلا زيادة لأحدهما على الآخر ولا نقصان وهو ظاهر .

   وأمّا الصورة الثانية : فلا محيص فيها من جعل المناط بالمساحة فالوزن يكون معرّفاً لها وطريقاً إليها ، ولا بأس بالمقدار الزائد إذا لم يكن بكثير لأن جعل معرِّف يطابق المعرَّف تطابقاً تحقيقياً غير ممكن فلا بدّ من جعل المعرِّف أمراً يزيد على المعرَّف بشيء من باب الاحتياط .

   وأمّا الصورة الثالثة : فهي مع الصورة المتقدمة متعاكستان فلا بدّ فيها من جعل المدار على الوزن وبما أن الوزن لا طريق إلى معرفته غالباً ولا سيما في البراري والصحار جعلت المساحة طريقاً ومعرّفاً إليه ، وذلك لأن المساحة وإن كانت لا تتيسّر معرفتها للجميع على وجه دقيق ، لاستلزامه معرفة شيء من الهندسة ولا سيما في المسدّس والمخمّس والاهليلجي والمخروط أو مختلفة الأضلاع وبالأخص فيما إذا كان السطح الذي وقف عليه الماء مختلفاً في الشكل ، فإن معرفة المساحة في أمثال ذلك مما لا يتيسّر لأكثر أهل العلم إلاّ بمراجعة قواعد الهندسة والمحاسبة الدقيقة فضلاً عن العوام ، إلاّ أنه مع ذلك معرفة المساحة أيسر من معرفة الوزن ، ولا سيما في المربّعات

ــ[173]ــ

   [ 103 ] مسألة 5 : إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل كالعكس . نعم لو كان جارياً من الأعلى ((1)) إلى الأسفل لا ينجس العالي بملاقاة السافل ، من غير فرق بين العلو التسنيمي والتسريحي (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 والمدوّرات والمستطيلات ولأجل هذا جعلت المساحة معرّفة للوزن والزيادة اليسيرة لا تضر في المعرّف كما مرّ .

   وأمّا الصورة الرابعة : التي هي الصحيحة المطابقة للواقع لاختلاف المياه في الثقل حسب اختلاطها بالمواد الأرضية ، فربما يزيد الوزن على المساحة واُخرى ينعكس ولا بدّ في مثلها من جعل المدار على حصول كل واحد من التحديدين وأن أيهما حصل كفى في الاعتصام ، ولا مانع من تحديد شيء واحد بأمرين بينهما عموم من وجه ليكتفى بأيهما حصل في الاعتصام .

   ودعوى عدم معقـولية التحديد بأمـرين بينهما عموم من وجه أمر لا أساس له وعلى هذا نكتفي بأيهما حصل في المقام ففي المياه الخفيفة الصافية تحصل المساحة قبل الوزن ، كما أن المياه الثقيلة على عكس الخفيفة يحصل فيها الوزن قبل المساحة . ولعلّ السر في ذلك أن المياه الصافية غير المختلطة بالمواد الخارجية للطافتها يتسرع إليها التغيّر والفساد في زمان لا يتغيّر فيه المياه المختلطة بمثل الملح ونحوه كما يشاهد ذلك في الماء الحلو وماء البئر لأن الأول يفسد قبل فساد الثاني بزمان ، ولأجل ذلك اعتبر الشارع في المياه الخفيفة أن يكون أكثر من غيره حتى لا يتغيّر لأجل كثرته قبل أن يتغيّر غيره .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net