الصلاة في المغصوب غافلاً أو ناسياً أو جاهلاً - فتوى المحقق بصحة النافلة في المغصوب 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4442


ــ[16]ــ

وأما إذا كان غافلا أو جاهلا أو ناسياً فلا تبطل (1)((1))

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولا تزاحمها مادامت الاُولى مسيطرة عليها ، فاذا أعرضت عنها أخذتها الاُخرى .

   وبالجملة ، الحق المذكور في الرواية يدور أمره بين أن يكون المراد منه مجرد عدم جواز المزاحمة ، وبين أن يراد زائداً على ذلك تعلق حق من السابق بالعين بحيث لا يجوز التصرف فيها بدون إذنه حتى مع عدم كونه بالفعل شاغلاً للمحل ، والمتيقن هو الأوّل ، ومبنى الاستدلال هو الثاني ، ولا ظهور للرواية فيه كما لا يخفى .

   (1) أما عدم البطلان في فرض الغفلة أو النسيان فظاهر ، لعدم كون التصرف في المغصوب حراماً حينئذ حتى واقعاً لامتناع توجيه التكليف إليه ، ومن هنا ذكرنا في محلّه أن الرفع في حديث الرفع بالنسبة إلى الناسي واقعي لا ظاهري(2) ، فاذا لم يكن دليل النهي عن الغصب شاملاً له وكان التصرف المزبور حلالاً واقعاً شمله إطلاق دليل الأمر بالصلاة من دون معارض ، ولا مزاحم لصحة التقرب به بعد عدم كونه مبغوضاً .

   نعم ، هذا فيما إذا لم يكن صدوره منه ـ مع حليته الواقعية ـ متصفاً بالمبغوضية الفعلية ، وإلا كما لو كان الناسي هو الغاصب فالمتجه حينئذ البطلان(3) إذ النهي السابق الساقط بالنسيان قد أثّر في اتصاف هذا التصرف بالمبغوضية ، غايته سقوط الخطاب حينئذ لامتناع توجيهه نحو الناسي كما عرفت . فالمولى لا يمكنه النهي الفعلي لعدم قابلية المحل ، لا لعدم وجود ملاكه ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عدم البطلان في فرض الجهل مع كون مسجد الجبهة مغصوباً لا يخلو من إشكال بل منع ، نعم الناسي فيما إذا لم يكن غاصباً يحكم بصحة صلاته .

(2) مصباح الاصول 2 : 265 .

(3) ينبغي تقييده بما إذا كان ذلك في السجدتين معاً ، فان الاخلال بالسجدة الواحدة لا ضير  فيه بمقتضى حديث لاتعاد وغيره كما لا يخفى .

ــ[17]ــ

وإلا فلا ريب في عدم الفرق في تحقق الاتصاف المزبور بين وجود مثل هذا النهي وعدمه .

   وعليه ، بما أن المبغوض الفعلي لا يمكن أن يتقرب به فيمتنع شمول إطلاق الأمر بالنسبة إليه ، ونتيجة ذلك هو البطلان كما عرفت وهذا ظاهر .

   وأما في فرض الجهل ، فان كان عن تقصير كما لو كانت الشبهة حكمية قبل الفحص أو مقرونة بالعلم الاجمالي بحيث كان الواقع منجزاً عليه من دون مؤمّن فلا ريب في البطلان حينئذ لالحاق مثله بالعامد ، وهذا لا غبار عليه ، كما لم يقع فيه خلاف من أحد .

   إنما الاشكال في الجاهل القاصر ، أي في من كان جهله عذراً له لعدم تنجز الواقع عليه من جهة وجود المؤمّن الشرعي كما في الشبهات الموضوعية البدوية أو الحكمية بعد الفحص ، لجريان البراءة حينئذ واتصاف الفعل بالحلية الظاهرية فهو معذور في جهله .

   فالمشهور ذهبوا حينئذ إلى الصحة ، فحكموا بجواز الصلاة في الدار الغصبية وبجواز التوضي بالماء المغصوب إذا كان عن جهل قصوري ، ففصلوا بين صورتي العلم والجهل مع بنائهم على الامتناع في باب اجتماع الأمر والنهي .

   لكنه في غاية الاشكال كما تعرضنا له في الاُصول(1) وقلنا إن التفصيل المزبور غير سديد ، بل إما أن يحكم بالصحة في الصورتين أو بالبطلان كذلك .

   وملخص الكلام : أنهم استندوا في الحكم بالصحة مع الجهل إلى أن الحرمة الواقعية ما لم تتنجز ولم تبلغ حد الوصول لا تمنع عن صحة التقرب وصلاحية الفعل لأن يكون مشمولاً لاطلاق دليل الأمر ، إذ التمانع في المتزاحمين متقوّم بالوصول ، وإلاّ فمجرّد الوجود الواقعي غير الواصل لا يتزاحم به التكليف الآخر . فاذن لا مانع من فعلية الأمر لسلامته عن المزاحم ومعه يقع العمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 238 .

ــ[18]ــ

صحيحاً لعدم تأثير الحرمة الواقعية في المبغوضية بعد فرض كون الجاهل معذوراً .

   أقول : هذا إنما يستقيم لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي وأن التركيب بين متعلقهما انضمامي ولا يسري الحكم من أحدهما إلى الآخر حتى يندرج المقام في باب التزاحم فيقال : إنّ هناك حكمين على موضوعين ولا يزاحم أحدهما الآخر إلا لدى التنجز والوصول ، فقبل وصول النهي لا تزاحم ، فيكون الأمر فعلياً لعدم المانع عنه فيحكم بالصحة .

   لكن لازم ذلك الحكم بالصحّة في فرض العلم وفعلية المزاحمة أيضاً ،غايته أنه يكون عاصياً بمخالفة النهي ، ومطيعاً بموافقة الأمر ، إذ بعد فرض تعدد الحكم والموضوع والالتزام بعدم السراية في المتلازمين يكون المقام نظير النظر إلى الأجنبية حال الصلاة كما لا يخفى فتدبر جيداً .

   وأما على القول بالامتناع وكون التركيب بينهما اتحادياً وأنّ متعلق أحدهما عين متعلق الآخر كما هو مبنى هذا القول ، فيخرج المقام حينئذ عن باب المزاحمة بالكلية ، ويندرج في كبرى التعارض ، لامتناع تعلق جعلين واعتبار حكمين في مقام التشريع على موضوع واحد ، وبعد تقديم جانب النهي يكون المقام من مصاديق النهي عن العبادة ، ولا ريب حينئذ في البطلان من دون فرق بين صورتي العلم والجهل ، لوحدة المناط في كلتا الصورتين وهو امتناع كون الحرام مصداقاً للواجب واستحالة التقرب بالمبغوض الواقعي ، فان غاية ما يترتب على الجهل هو المعذورية وارتفاع العقاب وكون التصرف محكوماً بالحلية الظاهرية ، وشيء من ذلك لا ينافي بقاءه على ما هو عليه من الحرمة الواقعية كما هو قضية اشتراك الأحكام بين العالمين والجاهلين ، وقد عرفت أنّ الحرام لا يعقل أن يكون مصداقاً للواجب ، فمثله خارج عن دائرة إطلاق الأمر خروجاً واقعياً ، ومعه كيف يحكم بصحته المستلزمة لانطباق المأمور به عليه .

   وعلى الجملة ، في كل مورد حكمنا بالصحة في مورد الجهل من جهة البناء

ــ[19]ــ

نعم لا يعتبر العلم بالفساد (1) فلو كان جاهلا بالفساد مع علمه بالحرمة والغصبية كفى في البطلان ، ولا فرق بين النافلة والفريضة في ذلك على الأصح(2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على جواز الاجتماع والاندراج في باب التزاحم لزمه الحكم بها في مورد العلم أيضاً . وفي كل مورد حكمنا بالبطلان في فرض العلم لأجل البناء على الامتناع وتقديم جانب النهي والادراج في باب التعارض لزمه الحكم به في فرض الجهل أيضاً حرفاً بحرف ، لوحدة المناط في كلتا الصورتين ، وتمام الكلام في محلّه(1) .

   (1) لعدم مدخلية العلم بالحكم الوضعي وهو الفساد فيما هو مناط البطلان من العلم بالحكم التكليفي وموضوعه ، أعني الحرمة والغصبية على المشهور ، أو مجرد المبغوضية الواقعية على ما قررناه ، فيحكم بالبطلان بعد تحقق المناط حتى مع الجهل بالفساد كما ظهر وجهه مما بيناه .

   (2) خلافاً للمحقق حيث حكم بصحة النافلة في المغصوب معلّلاً بعدم اتحاد الأجزاء الصلاتية حينئذ مع الغصب(2) .

   أقول : إن أراد بها النافلة المأتي بها على كيفية الفريضة بحيث لم يكن فرق بينهما من غير ناحية الوجوب والاستحباب ،

   ففيه : أنّ مجرد الاختلاف في ناحية الحكم من حيث قوة الطلب وضعفه والترخيص في الترك وعدمه لايستوجب فرقاً فيما هو مناط البطلان ، فان مناطه أحد أمرين : إما اتحاد مصداق الطبيعة المأمور بها مع المنهي عنها في خصوص السجود من جهة اعتبار الوضع فيه المتقوم بالاعتماد على المختار أو فيه وفي غيره على المشهور ، أو من جهة امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم وسراية الحكم من أحدهما إلى الآخر ، ولا شك في عدم الفرق في هذين الملاكين بين بلوغ الأمر حدّ الالزام وعدمه لتضاد الأحكام بأسرها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في أصول الفقه 4  : 234 وما بعدها .

(2) لم نعثر عليه في كتب المحقق ولكن حكاه عنه في المستند 4 : 408 وفي الجواهر 8 : 286 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net