الشك في تقدّم الكرية أو الملاقاة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6465


    الشك في السابق من الكرية والملاقاة

   (1) للمسألة صورتان :

   إحداهما : ما إذا كان الماء مسبوقاً بالقلة في زمان ، وطرأ عليه بعد ذلك أمران : أحدهما الكرية ، وثانيهما الملاقاة ، وشككنا في المتقدم والمتأخر منهما وفيها مسائل ثلاث :

   الاُولى : ما إذا كان الحادثان كلاهما مجهولي التاريخ .

   الثانية : ما إذا علمنا تاريخ الكرية دون الملاقاة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأظهر ذلك .

(2) الأظهر هو الحكم بالطهارة فيه أيضاً .

ــ[185]ــ

   الثالثة : ما إذا علمنا تاريخ الملاقاة دون الكرية .

   وثانيتهما : ما إذا كان الماء مسبوقاً بالكرية ثم عرضه أمران : أحدهما القلة ، وثانيهما الملاقاة ، وشككنا في السبق واللحوق ، وفيها أيضاً مسائل ثلاث :

   الاُولى : ما إذا كان تاريخ كل من الملاقاة والقلة مجهولاً .

   الثانية : ما إذا علم تاريخ الملاقاة دون القلّة .

   الثالثة : ما إذا علم تاريخ القلة دون الملاقاة .

   ولنقدم الصورة الثانية ـ لاختصارها ـ على خلاف ترتيب المتن فنقول :

   أمّا المسألة الاُولى : أعني ما إذا كان الحادثان كلاهما مجهولي التاريخ فقد حكم فيها بطهاره الماء في المتن وذكر أن الأحوط التجنب . والوجه فيما ذهب إليه هو أنه (قدس الله نفسه) بنى تبعاً لشيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) على جريان الاستصحاب في كل من الحادثين مجهولي التاريخ في نفسه وسقوطه بالمعارضة ، فيتعارض استصحاب عدم حدوث كل واحد منهما إلى زمان حدوث الآخر باستصحاب عدم حدوث الآخر ، فيرجع إلى قاعدة الطهارة لا محالة . فعدم اعتبار الاستصحابين عنده مستند إلى المعارضة لا إلى قصور المقتضي .

   وما بنى عليه في هذه المسألة وإن كان متيناً بحسب الكبرى لما حققناه في الاُصول بما لا مزيد عليه ، إلاّ أنها غير منطبقة على المقام وذلك لأن أصالة عدم تحقق القلة (الكرية) إلى زمان الملاقاة هي المحكمة مطلقاً سواء جهل تاريخهما معاً أم جهل تاريخ أحدهما .

   أمّا إذا جهل تاريخ كلا الحادثين فلأنه لا مانع من جريان استصحاب عدم القلة إلى زمان الملاقاة ، ولا معارض له في البين فان استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلة غير جار في نفسه إذ لا تترتب عليه ثمرة عملية ، حيث إن الملاقاة أو عدمها في زمان الكرية ممّا لا أثر له شرعاً ، والاُصول العملية إنما تجري لاثبات أثر أو نفيه ولا تجري من دونهما ، هذا كلّه مع الاغماض عما يأتي من المناقشة في جريان استصحاب عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2 : 667 .

ــ[186]ــ

الملاقاة إلى زمان القلة فانتظرها .

   على أ نّا سواء قلنا بجريان استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلة أم لم نقل به لا  وجه للاحتياط في المقام فتوى حيث لا أساس علمي له ، إلاّ على نحو الاحتياط المطلق الجاري في جميع موارد الاحتمال حتى مع وجود الدليل الاجتهادي على خلافه ، إذ لا مجال له بحسب الأصل الجاري في المسألة حتى بناء على تعارض استصحابي عدم حدوث كل من الملاقاة والقلة إلى زمان حدوث الآخر ، لأن المرجع بعد تعارض الأصلين إنما هو قاعدة الطهارة ومعها لا وجه للاحتياط . وأمّا إذا علم تاريخ الملاقاة دون القلة فلأجل المحذور المتقدم بعينه كما يأتي في المسألة الآتية .

   وأمّا المسألة الثانية : وهي ما إذا كان تاريخ الملاقاة معلوماً دون تاريخ القلة ، فقد ألحقها في المتن بالمسألة المتقدمة وحكم فيها أيضاً بالطهارة مستنداً في ذلك إلى ما  بنى عليه تبعاً للشيخ (قدس سره) من عدم جريان الأصل فيما علم تاريخه من الحادثين فانّه إذا لم يجر استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان حدوث القلة للعلم بتاريخ الملاقاة فلا محالة تبقى أصالة عدم حدوث القلة إلى زمان الملاقاة سليمة عن المعارض ومقتضاها الحكم بطهارة الماء .

   ويدفعه : أن التفصيل بين مجهولي التاريخ وما علم تاريخ أحدهما على خلاف التحقيق ، لما بيّناه في محلّه من أنه لا فرق في جريان الأصلين بين الصورتين . نعم ، في صورة العلم بتاريخ أحدهما كما إذا علمنا بحدوث القلة يوم الجمعة مثلاً إنما لا يجري الاستصحاب فيه بالاضافة إلى عمود الزمان للعلم بزمانها ، وأمّا بالاضافة إلى الحادث الآخر المجهول تاريخه فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه ، والقلة بالاضافة إلى الملاقاة هي التي يترتب عليها الأثر شرعاً [ لا ] بالاضافة إلى قطعات الزمان ، إذ الفرض أن الحكم مترتب على القلة في زمان الملاقاة ، فلا فرق في جريان الأصل في الحادثين بين الجهل بتاريخ كليهما ، وبين العلم بتاريخ أحدهما ، هذا بحسب كبرى المسألة .

   وأمّا في خصوص المقام فقد عرفت أن الأصل لا يجري في عدم الملاقاة إلى زمان

ــ[187]ــ

القلة ، لا للعلم بتاريخ الملاقاة بل لعدم ترتب أثر عملي عليه فتبقى أصالة عدم حدوث القلة إلى زمان الملاقاة سليمة عن المعارض . ويأتي في الاحتياط في هذه المسألة ما  قدّمناه في المسألة المتقدمة فراجع .

   وأمّا المسألة الثالثة : وهي ما إذا كان تاريخ القلة معلوماً دون الملاقاة ، فقد ذهب الماتن إلى نجاسة الماء جرياً على مسلكه من عدم جريان الأصل فيما علم تاريخه من الحادثين ، فلا تجري أصالة عدم حدوث القلة إلى زمان الملاقاة للعلم بتاريخ القلّة وتبقى أصالة عدم حدوث الملاقاة إلى زمان حدوث القلّة بلا معارض ومقتضاها الحكم بنجاسة الماء .

   وفيه مضافاً إلى المناقشة المتقدمة في كبرى ما أفاده من التفصيل ، أن أصالة عدم حدوث الملاقاة إلى زمان القلة غير جارية في نفسها سواء قلنا بجريان الأصل فيما علم تاريخه أيضاً أم لم نقل لعدم ترتب ثمرة عملية عليها ، فعلى مسلكه (قدس سره) لا بدّ من التمسك بقاعدة الطهارة ، وأمّا على مسلكنا من جريان الأصل فيما علم تاريخه فلا  مناص من استصحاب عدم حدوث القلة إلى زمان حدوث الملاقاة ومقتضاه كما عرفت هو الحكم بطهارة الماء .

   نعم ، قد يتوهّم الحكم بنجاسة الماء في هذه الصورة بوجهين :

   أحدهما : أن نلتزم باعتبار الاُصول المثبتة ، فان استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلة يثبت حينئذ تحقق الملاقاة بعد عروض القلة وهو يقتضي نجاسة الماء .

   وثانيهما : أن تكون أصالة تأخر الحادث أصلاً عقلائياً برأسها بأن يكون بناؤهم على تأخر الحادث عند الشك في تقدمه وتأخره عن الحادث الآخر ، وهو أيضاً يقتضي الحكم بحدوث الملاقاة متأخرة عن القلة الموجب لنجاسة الماء .

   ولكنه (قدس سره) لا يلتزم بالاُصول المثبتة ، كما أن أصالة تأخر الحادث لا  أساس لها وهو كلام لا يبتني على دليل ، والمقدار الثابت منها أنه إذا علم وجود شيء في زمان وشك في أنه حدث قبل ذلك الزمان أو في ذلك الزمان بعينه ، فيبني على عدم حدوثه قبل الزمان الذي علمنا بوجوده فيه قطعاً ، وأمّا أنه متأخر عن الحادث

ــ[188]ــ

الآخر أيضاً فلم يثبت بناء من العقلاء على ذلك .

   على أنه لو سلمنا حجية الأصل المثبت ، وبنينا على جريان استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلة وإثباته تأخر الملاقاة ، فلنا أن ندعي أنها معارضة باستصحاب عدم الملاقاة بعد زمان القلة ، فكما أن الأول يثبت حدوث الملاقاة بعد عروض القلّة كذلك الثاني يثبت حدوثها قبل عروض القلة فيتعارضان ويتساقطان .

   أمّا الصورة الاُولى : وهي ما إذا كان الماء قليلاً ثم طرأ عليه أمران : الكرية والملاقاة واشتبه السبق واللحوق فقد عرفت أن فيها مسائل ثلاث :

   الاُولى : ما إذا جهلنا تاريخ كل واحد من الحادثين .

   الثانية : ما إذا علم تاريخ الكرية فحسب .

   الثالثة : ما إذا علم تاريخ الملاقاة دون الكرية .

   أمّا المسألة الاُولى : فقد ذهب الماتن فيها إلى طهارة الماء ، وقال إن الأحوط التجنب ، والوجه فيما ذهب إليه إما هو ما سلكه شيخنا الأنصاري (قدس سره) من جريان الأصل فيهما في نفسه وسقوطه بالمعارضة فيرجع إلى قاعدة الطهارة في المقام . وإما ما سلكه بعضهم من عدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ رأساً كما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره) فانّه على هذا لا بدّ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة من الابتداء .

   وأمّا المسألة الثانية : فقد ألحقها الماتن بالمسألة المتقدمة وحكم فيها بالطهارة أيضاً ، وهو يبتني على التفصيل بين مجهولي التاريخ وما علم تاريخ أحد الحادثين بالمنع عن جريان الأصل فيما علم تاريخه ، فان الاستصحاب على هذا المسلك غير جار في عدم حدوث الكرية إلى زمان حدوث الملاقاة فيبقى استصحاب عدم حدوث الملاقاة إلى زمان الكرية بلا معارض ويحكم على الماء بالطهارة ، أو يبتني على ما سلكه صاحب الكفاية (قدس سره) من عدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام رأساً فيرجع إلى قاعدة الطهارة لا محالة (1) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 419 .

ــ[189]ــ

   وأمّا المسألة الثالثة : فقد حكم فيها الماتن بالنجاسة ، والوجه فيه منحصر بما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) من التفصيل في جريان الأصل بين مجهولي التاريخ وما علم تاريخ أحد الحادثين بالمنع عن جريان الأصل فيما علم تاريخه . وحيث إنّا علمنا تاريخ الملاقاة في المقام فلا يجري الاستصحاب في عدمها إلى زمان الكرية . فاذن يبقى استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة بلا معارض وبذلك يحكم على الماء بالنجاسة ، هذا كلّه فيما اعتمد عليه السيد (قدس سره) في المقام .

   وقد ألحق شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في تعليقته المباركة صورة الجهل بتاريخ كليهما بصورة العلم بتاريخ الملاقاة ، فحكم في كلتا الصورتين بالنجاسة كما حكم بالطهارة في خصوص صورة العلم بتاريخ الكرية ، والوجه في إلحاقه ذلك هو ما  ذكره (قدس سره) في مباحثه الاُصولية من أن الاستصحاب وإن كان يجري في مجهولي التاريخ كما عرفت إلاّ أن أحد الأصلين مما لا يترتب عليه أثر شرعي في خصوص المقام (2) ، وتوضيحه : أن استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة يترتب عليه شرعاً نجاسة الماء كما هو واضح ، وأمّا استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية فهو مما لا  أثر يترتب عليه في نفسه إلاّ أن يضم إليه أن الملاقاة حصلت بعد الكرية ، وبدونه لا  يترتب أثر على عدم الملاقاة إلى زمان الكرية فهذا الأصل غير جار في نفسه ، وبه تصبح أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة بلا معارض وهي تقتضي النجاسة كما مر وهذا هو المنشأ لعدوله (قدس سره) إلى الاحتياط في المقام حين تصحيح تعليقته حيث علّق على قول الماتن «وإن كان الأحوط التجنب» ما نصّه : هذا الاحتياط في صورة العلم بتاريخ الكرية ضعيف جداً ، وكذا في المسألة الآتية إذا علم تاريخ الملاقاة ثم عدل عنه وكتب «لا يترك هذا الاحتياط» .

   هذا ويمكن أن يكون لالحاقه وجه آخر وإن لم يتعرض له في كلامه وهو انّا لو قلنا بجريان كل من الأصلين في المقام وسقوطهما بالمعارضة أيضاً لا يمكننا الرجوع إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2 : 667 .

(2) أجود التقريرات 2 : 435 .

ــ[190]ــ

قاعدة الطهارة على مسلكه (قدس سره) من اعتبار إحراز الكرية في الحكم بالاعتصام ، بدعوى أن الاستثناء إذا تعلق على عنوان وجودي ، وكان المستثنى منه حكماً الزامياً أو ملزوماً له فهو عند العرف بمثابة اعتبار إحراز ذلك العنوان الوجودي في الخروج عن المستثنى منه فكأنه (عليه السلام) صرّح بانفعال مطلق الماء بالملاقاة إلاّ ما أحرز كريته وقاعدة الطهارة لا تحرز الكرية بوجه .

   ولكن ما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه لعدم تمامية الوجه الأخير ، لما قدمناه في محلّه من أن إحراز العنوان الوجودي غير معتبر في الخروج عن الالزام والمستثنى منه ، وأمّا الوجه الأول فيرده كفاية نفي الأثر ـ  وهو عدم نجاسة الماء  ـ في جريان الأصل .

   والصحيح في المقام أنه لا أساس لما ذهب إليه الماتن (قدس سره) من التفصيل بين مجهولي التاريخ أو ما علم تاريخ الكرية وبين ما علم بتاريخ الملاقاة ، كما لا وقع لما صنعه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من التفصيل بين مجهولي التاريخ أو ما علم بتاريخ الملاقاة وبين ما علم بتاريخ الكرية .

   وتوضيح ذلك : أ نّا إن منعنا من جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ من الابتداء ، بدعوى عدم احراز اتصال زمان الشك باليقين ، وأن المورد شبهة مصداقية لدليل اعتبار الاستصحاب كما عليه صاحب الكفاية (قدس سره) أو بنينا على عدم جريانه من جهة المعارضة كما هو الصحيح ، فيحكم بطهارة الماء لأنه مشكوك النجاسة ومثله محكوم بالطهارة بالخصوص ، وبعموم قوله (عليه السلام) «كل شيء نظيف ...» (1) ، وكذا فيما علم بتاريخ الكرية دون الملاقاة أو العكس إذا قلنا بجريان الأصل في كل من معلوم التاريخ ومجهوله ، لما بيّناه في محلّه من أن الأصل فيما علم تاريخه إنما لا يجري بالاضافة إلى عمود الزمان للعلم بزمانه ، وأمّا بالاضافة إلى الحادث الآخر كما هو الموضوع للأثر شرعاً فهو مشكوك فيه لا محالة ، ولا مانع من جريان أصالة العدم فيه أيضاً ، فالأصلان يتعارضان فيسقطان ويرجع إلى قاعدة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 .

ــ[191]ــ

الطهارة كما في مجهولي التاريخ (1) .

   وأمّا بناءً على عدم جريان الأصل فيما علم تاريخه ، فان علمنا بتاريخ الكرية دون الملاقاة فاستصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية بلا معارض وهو يقتضي طهارة الماء أيضاً . وإن علم بتاريخ الملاقاة دون الكرية فينعكس الأمر ويبقى استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة بلا معارض ، ومقتضاه نجاسة الماء كما اعتمد عليه السيِّد (قدس سره) . والحكم بالطهارة في هذه الصورة كما في بعض تعاليق الكتاب يبتني على عدم التفرقة في جريان الاستصحاب بين مجهولي التاريخ وما علم تاريخ أحدهما كما هو الحق .

   وعلى الجملة الحكم في جميع الصور المتقدمة هو الطهارة إن لم نفصل في جريان الأصل وعدمه بين مجهولي التاريخ وما علم تاريخ أحدهما .

   هذا كلّه مع قطع النظر عما ذكرناه في بحث خيار العيب (2) وحاصل ما ذكرناه هناك : أن الموضوع المتركب من جزئين أو أكثر إن اُخذ فيه عنوان انتزاعي زائد على ذوات الأجزاء من الاجتماع والمقارنة والسبق ونحوها ، فلا يمكن في مثله إحراز أحد الجزئين بالأصل والآخر بالوجدان كما لا يبعد ذلك في الحكم بصحة الجماعة فان ما  ورد في الروايات من أنه إذا جاء الرجل مبادراً والإمام راكع أو وهو راكع وغيرهما ممّا هو بهذا المضمون (3) ظاهر في اعتبار عنوان المعية والاقتران ، لأن الواو للمعية والحالية فيعتبر في صحة الجماعة أن يكون ركوع المأموم مقارناً لركوع الامام . فإذا ركع المأموم وشكّ في بقاء الإمام راكعاً ، وأحرزنا أحدهما وهو ركوع المأموم بالوجدان فلا يمكننا اثبات المقارنة باجراء الأصل في ركوع الامام ، والحكم بصحة الجماعة من جهة ضميمته إلى الوجدان ، وذلك لأن الأصل لا يحرز به إلاّ ذات الركوع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 199 .

(2) مصباح الفقاهة 7 : 206 .

(3) كما في صحاح سليمان بن خالد والحلبي وزيد الشحام ومعاوية بن ميسرة المرويات في الوسائل 8  : 382 / أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1 ـ 4 .

ــ[192]ــ

دون وصف المقارنة المعتبر في صحة الجماعة ، إلاّ على القول بالاُصول المثبتة . وعليه فاستصحاب ركوع الإمام غير جار في نفسه ، فلا تصل النوبة إلى معارضة ذلك باستصحاب عدم وصول المأموم إلى حد الركوع في زمان ركوع الإمام .

   وأمّا إذا لم يؤخذ في الموضوع المركب شيء زائد على ذوات الأجزاء من العناوين البسيطة الانتزاعية ، بل اعتبر أن يكون هذا الجزء موجوداً في زمان كان الجزء الآخر موجوداً فيه ، ففي مثله يمكن إحراز أحد جزئي الموضوع بالوجدان والجزء الآخر بالأصل ، فلا مانع في المثال من استصحاب بقاء ركوع الإمام إذ به يحرز أحد جزئي الموضوع ، وقد أحرزنا جزأه الآخر ـ  وهو ركوع المأموم  ـ بالوجدان فبضم الأصل إلى الوجدان يلتئم كلا جزئي الموضوع ، لأن الأثر إنما يترتب على وجود الجزئين وقد أحرزناهما بالأصل والوجدان .

   وهل يمكن أن يتمسك في مثله باستصحاب عدم تحقق ركوع المأموم في زمان ركوع الإمام بدعوى : أن المحرز بالوجدان ليس إلاّ ذات ركوع المأموم ، وأمّا ركوعه في زمان ركوع الإمام فهو بعد مشكوك فيه ، والأصل عدم تحققه في ذلك الزمان ، وهو يعارض استصحاب ركوع الإمام فيتساقطان ؟

   لا ينبغي الشك في أنه لا يمكن ذلك والوجه فيه أمران : أحدهما نقضي والآخر حلِّي :

   أمّا النقضي : فهو أن لازم ذلك إلغاء الأصل عن الاعتبار في جميع الموضوعات المركبة حتى ما نص على جريان الأصل فيه من تلك الموضوعات ، مثلاً الموضوع في صحّة الصلاة يتركب من ذات الصلاة ، ومن اتصاف المصلي بالطهارة ، وقد نصت صحيحة زرارة على أن الرجل إذا شك في وضوئه لأجل الشك في أنه نام يستصحب وضوءه ويصلي بهذا الوضوء (1) ، مع أن مقتضى ما تقدم بطلان الصلاة في مفروض الصحيحة لأن استصحاب بقاء الوضوء إلى زمان تحقق الصلاة والحكم بصحة الصلاة ، معارض باستصحاب عدم تحقق الصلاة في زمان الطهارة ، لأن ما أحرزناه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 .

ــ[193]ــ

بالوجدان إنما هو وجود أصل الصلاة لا الصلاة في زمان الجزء الآخر ، فانّها في ذلك الزمان مشكوك فيها والأصل عدمها ، فالأصلان يتعارضان فلا يمكن الحكم بصحة الصلاة . مع أن استصحاب الطهارة لأن يترتب عليها آثارها ومنها صحة الصلاة بها ممّا لا إشكال فيه ، إذ به يحرز وجود أحد الجزئين تعبداً بعد إحراز الآخر بالوجدان وهو مورد للنص الصحيح .

   وأمّا الحلّي : فهو أن الأصالة المدعاة مما لا أصل له وهي من الأغلاط وسره أن مفروض الكلام عدم اعتبار أيّ شيء زائد على ذوات الأجزاء في الموضوعات المركبة ، وإنما اعتبر فيها وجود هذا ووجود ذاك فحسب ، وهو مما لا إشكال في حصوله عند تحقق أحدهما بالوجدان وإحراز الآخر بالأصل ، إذ بهما يلتئم كلا جزئي الموضوع ، ومعه لا مجرى لأصالة عدم تحقق ركوع المأموم في زمان ركوع الإمام أو عدم تحقق الصلاة في زمان الطهارة إذ لا أثر عملي لاستصحابهما ، فان الأثر يترتب على وجود الركوعين أو وجود الصلاة والطهارة بأن يكون هذا موجوداً والآخر أيضاً موجوداً ، ولا أثر لتحقق الصلاة في زمان الطهارة أو ركوع المأموم في زمان ركوع الإمام ، وعليه إذا وجد أحدهما بالوجدان والآخر بالاستصحاب فقد وجد كلا جزئي الموضوع وبه نقطع بترتب الأثر ، فلا شك لنا بعد ذلك في ترتبه حتى نجري الأصل في عدم تحقق الصلاة في زمان الطهارة ، ومنه يتضح أن استصحاب ركوع الإمام أو الطهارة بلا معارض ، هذا كلّه بحسب الكبرى .

   وأمّا تطبيقها على المقام فهو أن موضوع الحكم بالانفعال مركب من الملاقاة وعدم الكرية ، ولا ينبغي الاشكال في عدم اعتبار عنوان الاجتماع فيه قطعاً ، بأن يعتبر في الانفعال مضافاً إلى ذات القلة والملاقاة عنوان اجتماع أحدهما مع الآخر الذي هو من أحد العناوين الانتزاعية فان ظاهر قوله (عليه السلام) «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» (1) أن ما ليس بكر تنجسه ملاقاة شيء من النجاسات ، فالموضوع للانفعال هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما ورد مضـمونه في صحيحة معاوية بن عمار وغـيرها من الأخـبار المروية في الوسـائل 1  : 159 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 6 .

ــ[194]ــ

   [ 107 ] مسألة 9 : إذا وجد نجاسة في الكر ((1)) ولم يعلم أنها وقعت فيه قبل الكرية أو بعدها يحكم بطهارته ، إلاّ إذا علم تاريخ الوقوع (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 نفس القلة والملاقاة ، ولا دلالة فيه على اعتبار عنوان الاجتماع بوجه .

   بل لو قلنا باعتباره لما جرى استصحاب عدم الكرية في الماء غير المسبوق بالحالتين أيضاً ، لوضوح أن استصحاب عدمها لا يثبت عنوان اجتماع الملاقاة مع القلة ـ  عدم الكرية  ـ  . وعليه إذا أحرزنا الملاقاة بالوجدان فلا مانع من احراز الجزء الآخر أعني عدم الكرية بالأصل ، إذ به يتحقق كلا جزئي الموضوع للانفعال . ودعوى : أنه معارض بأصالة عدم تحقق الملاقاة في زمان عدم الكرية ، قد عرفت اندفاعها بأن الأصالة المذكورة مما لا أساس له ، إذ لا أثر شرعي ليترتب على عدم الملاقاة في زمان القلة ، بل الأثر مترتب على وجود القلة والملاقاة ، وقد أحرزناهما بالأصل والوجدان ، ومعهما نقطع بترتب الأثر ولا يبقى عندئذ شك في ترتبه حتى يرجع إلى استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة .

   ثم إن لازم جريان استصحاب عدم الكرية عند إحراز الملاقاة بالوجدان هو الحكم بالنجاسة في جميع الصور الثلاث المتقدمة ، وهذا هو المنشأ لحكم سيدنا الاُستاذ (أدام الله اظلاله) بالاحتياط الوجوبي في تعليقته المباركة في جميع الصور الثلاث ، فان ما قدمناه آنفاً وإن اقتضى الحكم بالنجاسة جزماً ولكن جرت عادته (مدّ ظلّه) على عدم الافتاء في بعض الموارد إلاّ على سبيل الحكم بالاحتياط فافهم ذلك واغتنمه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net