النصوص الدالة على عدم وجوب الاقامة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3976


   الدعوى الثانية : أعني وجود المانع عن الالتزام بالوجوب ، وقد استدل لها بوجوه :

   أحدها : النصوص الكثيرة(2) ـ وقد تقدم بعضها(3) ـ المتضمنة أنّ من صلى مع الأذان والاقامة صلى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلى مع الاقامة

ــــــــــــ
(2) الوسائل 5 : 381/ أبواب الأذان والإقامة ب 4 .

(3) في ص 226 .

ــ[239]ــ

وحدها صلى خلفه صف واحد . بدعوى أنّ لسان هذا النوع من الأخبار هو الاستحباب ، حيث يظهر منها أنّ أثر الاتيان بهما أو بأحدهما هو اقتداء صف من الملائكة أو صفين ، فغاية ما يترتب على تركهما ـ بعد وضوح عدم وجوب الجماعة ـ هو فقد الاقتداء المستوجب لقلة الثواب دون البطلان ، كما هو شأن صلاة المنفرد حيث لا خلل فيها ما عدا كون ثوابها أقل من الجماعة ، فكأنّه قيل في ذيل تلك النصوص هكذا : ومن صلى بلا إقامة لم يصلّ خلفه أحد من الملائكة . بل قد حكي التذييل بمضمون هذه العبارة عن بعض العامة ، فلأجل ذلك ترفع اليد عن ظهور النصوص المتقدمة في الوجوب وتحمل على الاستحباب . ولعل هذا الوجه أحسن ما استدل به لاستحباب الاقامة .

   ويندفع : بجواز كون اقتداء صف من الملائكة من آثار الصلاة الصحيحة التي هي معراج المؤمن ، فانّ استطراق هذا الاحتمال ممّا لا مساغ لانكاره ، ولم يظهر من النصوص برهان على خلافه بحيث يدل على صحة الصلاة الخالية عن الاقامة لكي تصلح لرفع اليد بها عن النصوص المتقدمة ، بل الذي يبدو منها أنّ الاقتداء في الجملة إمّا بصف واحد من الملائكة أو الملكين اللذين عن يمين المصلي ويساره أو ملك واحد ـ على اختلاف ألسنتها ـ دخيل في الصحة ، وهو متوقف على الاقامة دون الأذان فيجب الاتيان بها .

   والتذييل المذكور لا يمكن التعويل عليه بعد أن لم يكن مروياً من طرقنا ، بل الوارد من طرقنا ـ الذي يؤيد ما استظهرناه ـ ما حكاه الصدوق في ذيل ما رواه باسناده عن العباس بن هلال عن الرضا (عليه السلام) بقوله : « . . . ثم قال : اغتنم الصفين»(1) حيث يظهر منه أنّ لزوم درك الصف الواحد مفروغ عنه ، والذي ينبغي اغتنامه هو الصفّان ، ومن ثم أكّد ونبّه عليه ، أمّا الأول فوضوح لزومه يغني عن التعرض له والتنبيه عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 381/ أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 4 ، الفقيه 1 : 186 / 888 .

ــ[240]ــ

   وبالجملة : دعوى كون لسان الروايات لسان الاستحباب غير واضحة ، فانّها غير بينة ولا مبينة .

   ثانيها : صحيحة حماد الواردة في كيفية الصلاة وبيان أجزائها(1) ولم يتعرض فيها للاقامة .

   وفيه : أنّ وجوب الاقامة ـ على القول به ـ إمّا نفسي أو غيري ، وعلى التقديرين لا ينبغي التعرض إليها .

   إذ هي على الأوّل عمل مستقل خارج [عن] الصلاة ، والصحيحة بصدد بيان الصلاة نفسها بمالها من الأجزاء دون ما كان واجباً بغير الوجوب الصلاتي . وعلى الثاني فهي شرط كسائر الشرائط من الطهارة والاستقبال ونحوهما ، وقد عرفت أنّ الصحيحة بصدد بيان الأجزاء دون الشرائط .

   ثالثها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف أيعيد صلاته ؟ قال : لا يعيدها ولا يعود لمثلها»(2) .

   فانّ النهي عن العود كاشف عن إرادة العمد من النسيان ، بداهة امتناع تعلق النهي بما هو خارج عن الاختيار ، وعليه فالنهي عن إعادة الصلاة الفاقدة للاقامة عامداً خير دليل على الاستحباب .

   وفيه أوّلا : أنّ الرواية ضعيفة السند بعلي بن السندي ، فلا يمكن التعويل عليها .

   وثانياً : أنّ غايتها الدلالة على نفي الوجوب الشرطي فلا حاجة إلى الاعادة ، دون الوجوب النفسي الذي ذهب إليه جماعة بل ربما يكون النهي عن العود مع عدم الاعادة دليلا عليه ، فهي تعاضد الوجوب النفسي لا أنّها تضاده وتعارضه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل 5 : 433 / أبواب الأذان والإقامة ب 28 ح 2 .

 
 

ــ[241]ــ

   وثالثاً : أنّ حمل النسيان على العمد بعيد غايته ، بل غريب جداً ، والقرينة المزعومة غير مسموعة ومن الجائز أن يراد من النهي عن العود شدّة المحافظة ورعاية الاهتمام كي لا يعرض النسيان .

   رابعها : صحيحة زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي الأذان والاقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته فانّما الأذان سنة»(1) . فانّ المراد من الأذان ما يشمل الاقامة بقرينة الصدر ، والوصف بالسنة التي هي في مقابل الوجوب يكشف عن الاستحباب .

   وفيه : أنّه مبني على تفسير السنة بما يقابل الواجب وهو غير واضح ، فانّها كثيراً ما تطلق على ما يقابل الفريضة ، أي التي افترضها الله في كتابه ، فيراد بها ما سنه النبي (صلى الله عليه وآله) كاطلاقها على الركعتين الأخيرتين والتشهد والقراءة مع أنّها واجبة . ومن الجائز أن يكون المقام من هذا القبيل .

   خامسها : الاجماع المركب ، بدعوى أنّ الأصحاب بين قائل باستحباب الأذان والاقامة كما هو المشهور . وبين قائل بوجوبهما معاً كما عن جماعة . فالتفكيك بالمصير إلى استحباب الأوّل ووجوب الثاني قول بالفصل وخرق للاجماع المركب ولم يقل به أحد ، وأوّل من تمسك بهذا الاجماع في المقام العلامة في المختلف(2) وتبعه جماعة ممّن تأخر عنه .

   وفيه أوّلا : أنّه لم يحرز انعقاد الاجماع التعبدي على الملازمة بين الأذان والاقامة في الوجوب والاستحباب بحيث يكون كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، كيف وقد استند كل من أرباب القولين إلى ما يستفيدونه من نصوص الباب وأخبار المقام ، فهو معلوم المدرك ، فلا بد إذن من النظر في نفس المدرك ومن الجائز أن يستفيد ثالث ما ينتج التفكيك فيدعي دلالة بعض الاخبار على استحباب الأذان ، والبعض الآخر على وجوب الاقامة ، والاجماع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 434/ أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 1 .

(2) المختلف 2 : 138 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net