الرِّياء المتأخِّر - الصلاة مع العجب المقارن أو المتأخِّر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5573


ــ[35]ــ

   [ 1422 ] مسألة 9 : الرياء المتأخر لا يوجب البطلان ، بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ثمّ بعد تمامه بدا له في ذكره ، أو عمل عملاً يدل على أ نّه فعل كذا (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا لو لم تتّحد كالتحنّك رياءً والتخشع أثنائها كذلك ، فتلك الخصوصية وإن حرمت إلاّ أ نّها لمّا كانت وجوداً مستقلاًّ مغايراً لنفس العبادة ، وإن كان مقارناً معها ، فلا مقتضي حينئذ للسراية بوجه .

   (1) إذ المنافي للخلوص إنّما هو الرياء المقارن للعمل ، فانّه الذي يمنع عن صدوره على وجه العبادة ، أمّا المتأخر فلا تأثير له في المتقدّم ، ضرورة أنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه .

   أجل ، ورد في مرسل علي بن أسـباط عن أبي جعفر (عليه السلام) أ نّه «قال : الإبقاء على العمل أشدّ من العمل . قال : وما الإبقاء على العمل ؟ قال : يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت له سراً، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياءً»(1) ، فانّها صريحة في سـقوط العبادة بالكلية بذكرها مرّتين ، ولكنّها لمكان الإرسـال غير صالحة للاستدلال .

   نعم ، لا ريب في أنّ الذكر المزبور والرياء بعد العمل صفة رذيلة ومنقصة في العبد ينبغي تنزيه سـاحته عنها ، كما تشهد به صحيحة جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) قال : قول الانسان : صلّيت البارحة وصمت أمس ونحو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 75 /  أبواب مقدمة العبادات ب 14 ح 2 .

ــ[36]ــ

   [ 1423 ] مسألة 10 : العجب المتأخر لا يكون مبطلاً ، بخلاف المقارن فانّه مبطل على الأحوط ، وإن كان الأقوى خلافه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا ، ثم قال (عليه السلام) : إنّ قوماً كانوا يصبحون فيقولون صلّينا البارحة وصمنا أمس ، فقال علي (عليه السلام) : ولكنّي أنام الليل والنهار ولو أجد بينهما شيئاً لنمته» (1) .

   فانّها ظاهرة في عدم محبوبيّة الإفشاء والإشاعة ، بل المحبوب كتمان العبادات عن الناس .

   (1) لا شبهة في قبح صفة العجب تكويناً، بل كشفها عن خفّة عقل صاحبها ضرورة أنّ العاقل الكيِّس ، متى لاحظ وفور نعم البـارئ تعالى البالغـة من الكثرة حدّاً لا تحصى ، ومن أبرزها نعمة الوجود ، ثم النعم الظاهرية والباطنية يرى نفسه عاجزاً عن أداء شكر واحدة منها ، كيف وهو ممكن لا يزال يستمد القوى من بارئه ولا يستغني عنه طرفة عين ، بل يفتقر إليه في جميع حالاته حتى حالة التصدي للشكر ، فيحتاج إلى شكر آخر فيتسلسل .

   ومنه تعرف أ نّه لو استغرق في العبادة طيلة حياته واسـتوعبت ليله ونهاره لم يكن يقابل نعمة من نعمه الجزيلة ، فكيف وهو لا يتشاغل بها إلاّ في بضع ساعات ، فإعجابه بعبادته ـ الضئيلة التي استمدت مبادئها منه تعالى ، والحقيرة تجاه تلكم النعم العظيمة ، وهو بهذه المثابة من العجز بحيث لا يستطيع من أداء شكر نعمة الوجـود فقط ، فضلاً عن سائر النعم ـ في غاية القبح والوهن ، بل لا يكاد يجتمع مع سلامة العقل إلاّ إذا فرض محالاً أ نّه واجب وجود ثان ، فلعلّ مثله يتمكّن من أداء شكره ، لعدم انتساب وجوده إليه تعالى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 74 /  أبواب مقدمة العبادات ب 14 ح 1 .

ــ[37]ــ

   وأمّا حكمه تشريعاً ، فلا ينبغي التأمل في حرمته ، لأوله إلى هتك حرمة المولى وتحقير نعمه ، إذ المعجب بعمله يرى نفسه غير مقصّر تجاه نعم ربّه ، لأ نّه قد أتى بما يسـاويها أو يزيد عليها ، فلا يرى ـ والعياذ بالله ـ فضلاً له تعالى عليه ، وهو من أعظم الكبائر والجرائم (1) .

   على أنّ النصوص الكثيرة وفيها المعتبرة قد دلت على الحرمة .

   فمنها :  ما رواه الكليني باسناده ، عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال الله تعالى : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي ، فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين ، نظراً منّي له وابقاءً عليه ، فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه زارئ عليها ، ولو اُخلّي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك ، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله ، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه ، حتى يظنّ أ نّه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حدّ التقصير فيتباعد منِّي عند ذلك وهو يظن أ نّه يتقرّب إليّ» (2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا وجيه لو اُريد بالعجب ذلك ، دون ما كان خارجاً عن الاختيار ممّا لا يصح تعلّق التكليف به ، كالذي يعرض في الأثناء من الهواجس والخواطر أو الاعتقاد الراسخ الناشئ من ضم الصغرى إلى الكبرى ، وإن كان مخطئاً في الاستنتاج لاستناد مبادئه إلى نوع من الجهل والغرور، فانّه بهذا المعنى صفة نفسانية غير مسبوقة بالعزم والارادة لتقع مورداً للتكليف ، وعليه يبتني ما اختاره المحقق الهمداني (قدس سره) من انكار الحرمة كما صرّح به في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه : [ 123 ، السطر 6 ] . واختاره (دام ظله) هناك [ شرح العروة 6 : 20 ] .

(2) الوسائل 1 : 98 /  أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 1 ، الكافي 2 : 60 / 4 .

ــ[38]ــ

   وهي وإن كانت واضحة الدلالة ، إلاّ أنّ السند ضعيف ، لاشتماله على داود بن كثير الرقي الذي تعارض فيه التوثيق والتضعيف ، فلا يمكن التعويل عليها (1) .

   ومنها : معتبرة عبدالرحمان بن الحجاج قال: «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ، ثم يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به ، فقال : هو في حاله الاُولى وهو خائف أحسن حـالاً منه في حال عجبه» (2) .

   وهي أيضاً واضحة الدلالة ، لأنّ مفادها أنّ المعصية مع الخوف أهون من العبادة مع العجب .

   كما أ نّها معتبرة السند ، إذ ليس فيه من يتأمل فيه ما عدا محمد بن عيسى العبيدي الذي اسـتثناه الصدوق تبعاً لشـيخه ابن الوليد من روايات يونس لكنّك عرفت غير مرّة ما في هذا الاستثناء ، وأ نّه محكوم بالتوثيق ، بل قيل إنّه من مثله ، ولمزيد التوضيح راجع معجم الرجال(3) .

   إذن فلا ينبغي التأمّل في أنّ الإعجاب مبغوض عقلاً ، ومحرّم شرعاً ، بل قد عدّ من المهلكات فيما رواه الصدوق باسناده عن أبي حمزة الثمالي(4) .

   وإنّما الكلام في أ نّه هل يستوجب البطلان أيضاً أو لا ؟ ظاهر الأصحاب هو الثاني ، وهو الصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ معجم رجال الحديث 8 : 126 / 4429 .

(2) الوسائل 1 : 99 /  أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 2 .

(3) معجم رجال الحديث 18 : 119 / 11536 .

(4) الوسائل 1 : 102 /  أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 12 [ لكنّها ليست من الصدوق بل هي مروية من المحاسن للبرقي ، والتي رواها الصدوق ليست عن أبي حمزة الثمالي ] .

ــ[39]ــ

   أمّا في العجب المتأخر فظاهر جداً ، لما تقـدّم في الرياء اللاّحـق من عدم تأثيره في السابق ، إذ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه .

   وأمّا في المقارن ، فلأجل أنّ العجب فعل نفساني ، والصلاة عمل خارجي فلا اتحاد بينهما ليسري الفساد منه إليها ، ولا دليل على بطلان الصلاة المقرونة بذلك بعد صدورها عن نيّة خالصة كما هو المفروض ، وعدم خلل في شيء مما يعتبر فيها .

   فالصحة إذن مطابقة لمقتضى القاعدة. مضافاً إلى معتبرة يونس بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب ، فقال : إذا كان أوّل صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخسـأ الشـيطان»(1) فانّ الراوي لم يذكر في كتب الرجال ، لكنّه موجود في أسناد كامل الزيارات(2) .

   نعم ، ربّما يستفاد الفساد مما رواه في الكافي باسناده عن علي بن سويد ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن العجب الذي يفسد العمل ، فقال : العجب درجات : منها : أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أ نّه يحسن صنعاً ، ومنها : أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على الله عزّ وجلّ ، ولله عليه فيه المنّ» (3) .

فانّ السند صحيح ، إذ الظاهر أنّ المراد بالراوي هو علي بن سويد السائي الذي وثّقه الشيخ(4) من غير معارض ، وقد دلّت على أنّ مفسديّة العجب في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 107 /  أبواب مقدمة العبادات ب 24 ح 3 .

(2) لكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فلا يشمله التوثيق .

(3) الوسائل 1 : 100 /  أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 5 ، الكافي 2 : 313 / 3 .

(4) رجال الطوسي : 359 / 5320 .

ــ[40]ــ

الجملة أمر مسلّم مفروغ عنه عند الراوي ، وقد أقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك .

   ولكنّ الظاهر أ نّها غير دالة على البطلان فيما نحن فيه ، فانّ الفساد في الدرجة الاُولى لم يطرأ على العمل الصحيح الذي هو محل الكلام ، بل العمل كان فاسداً من الأوّل ، وإن حسب المعجب أ نّه يحسن صنعاً ، فتوصيف العجب بالمفسديّة من  قبيل قولنا: ضيّق فم  الركيّة، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ )(1) كما لا يخفى .

   وأمّا في الدرجة الثانية فالفساد أيضاً واضح ، ضرورة أنّ المنّ مبطل للعمل كما يكشف عنه قوله تعالى : (لاَ تُبطِلُـوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذَى ) (2) فانّ المنّة إذا  كانت مبطلة للصدقة المعطاة للفقير ، فكيف لا تبطل الإيمان بالله الغني .

   وأين هذا كلّه من الفساد والذي نتكلّم حوله من إعجاب المرء بعبادته بحيث يرى نفسه غير مقصّر في مقام العبودية، ومؤدّياً لحقّ الربوبية. نعم، هو مبغوض ومحرّم كما تقدم ، إلاّ أنّ إبطاله للعمل لا دليل عليه سواء أكان بعده أم أثناءه .

   وأمّا قبل العمل فنادر جداً ، إذ لا موضوع له إلاّ بلحاظ إعجابه بما يروم ارتكابه من العبادة وإعظامها .

   وكيف ما كان ، فما صنعه في المـتن من الاحتياط الاستحبابي في مبطلية العجب المقارن حسن ، حذراً عن مخالفة مَن ذهب إلى الإبطال على ما حكاه في الجواهر(3) عن بعض مشايخه .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأحزاب 33 : 33 .

(2) البقرة 2 : 264 .

(3) الجواهر 2 : 100 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net