الصلاة مع غير الرِّياء من الضمائم - الإتيان ببعض الأجزاء بقصد الصلاة وغيرها 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4975

 

ــ[41]ــ

   [ 1424 ] مسألة 11 : غير الرياء من الضمائم إمّا حرام أو مباح أو راجح فان كان حراماً وكان متحداً مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء ، وإن كان خارجاً عن العمل مقارناً له لم يكن مبطلاً ، وإن كان مباحاً أو راجحاً فان كان تبعاً وكان داعي القربة مستقلاًّ فلا إشكال في الصحة، وإن كان مستقلاًّ وكان داعي القربة تبعاً بطل ، وكذا إذا  كانا معاً منضمّين محرّكاً وداعياً على العمل ، وإن كانا مستقلّين فالأقوى الصحّة ، وإن كان الأحوط الإعادة(1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ما قصده من الضميمة إمّا أن يكون متّحداً مع ما أتى به بقصد القربة وإمّا أن يكون خارجاً عنه مقارناً معه .

   أمّا في الفرض الثاني ، فلا إشكال في صحة العمل حتى فيما إذا كانت الضميمة محرّمة ، ولكن بشرط عدم الاخلال بقصد القربة ، بأن كان الداعي الإلهي مستقلاً ، سواء أكان داعي الضميمة أيضاً كذلك أم لا .

   وأمّا في الفرض الأوّل ، فلا يخلو الحال من أنّ الضميمة إمّا أن تكون محرّمة أم لا ، سواء أكانت راجحة أم مباحةً أم مكروهةً .

   أمّا إذا كانت الضميمة محرّمة فلا إشكال في بطلان العمل لما مرّ غير مرّة من عدم صلاحية الحرام للتقرب به .

   وهل يجدي التدارك فيما إذا كانت الضميمة في خصوص الجزء أو لا ؟

   الكلام فيه هو الكلام في المسألة السابقة(1) ولا يفرق في الحكم بالبطلان بين الصور الأربع ، من كون الداعيين مستقلّين أم منضمّين أم مختلفين ، فانّ الوجه المزبور يأتي في جميع الصور ولذا حكم الماتن (قدس سره) بالبطلان على الاطلاق.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 26 .

ــ[42]ــ

   وأمّا إذا كانت الضميمة مباحة أو راجحة أو مكروهة ، كالاتيان بالصلاة بداعي الأمر وتعليم الغير تبرّعاً أو مع الاُجرة ، فان كان داعي الضميمة تبعاً ، وداعي القربة مستقلاً ، فلا إشكال في الصحة ، لعدم قادحية مثل هذه الضميمة التبعية بعد أن لم تكن مخلّة بقصد القربة الّذي هو المناط في صحة العبادة ، كما أ نّه في فرض العكس لا ينبغي الشك في البطلان من جهة عدم تحقق القربة ، إذ المفروض أنّ الأمر الإلهي في نفسه لم يكن داعياً إلى الاتيان بالعبادة .

   ومنه يعلم حكم ما إذا كانا معاً منضمّين محرّكين وداعيين ، فانّه أيضاً تكون الصلاة باطلة من جهة الاخلال بقصد القربة .

   وأمّا إذا كان كل واحد منهما مسـتقلاًّ في الداعوية ، وسبباً تامّاً في عالم الاقتضاء وكافياً في تحقيق العمل منعزلاً عن الآخر ، وإن كان صدوره خارجاً مستنداً إليهما فعلاً ، لاستحالة صدور الواحد عن سببين مستقلين ، فالحق صحة العمل حينئذ ، لصحة استناده إلى أمر المولى بعد كونه في نفسه سبباً تامّاً في التأثير ، فانّ ما دلّ على اعتبار القربة في العبادة لا يدل على أزيد من اعتبار كون العمل منبعثاً عن الداعي الإلهي ، وأمّا اعتبار عدم وجود محرّك آخر نحو العمل ، وخلوّه عن قصد آخر ، فالدليل المزبور قاصر عن إثباته .

   كما أنّ ما دلّ على اعتبار الخلوص منصرف إلى ما يقابل الشرك في العبادة أعني الرياء ، كما اُشير إليه في بعض الأخبار(1) ولا أقل من عدم انعقاد إطلاق له بحيث يتناول سائر الضمائم كما لا يخفى . إذن فلا مانع من الصحة لا من ناحية الخلوص ولا من ناحية القربة .

   بل كثيراً ما لا ينفك الرادع الإلهي عن مثل هذا القصد ، ألا ترى أنّ الوجيه والشريف بمقتضى مكانته وكرامته بين الناس لا يكاد يتناول المفطر في السوق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 61 /  أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 9 .

ــ[43]ــ

   [ 1425 ] مسألة 12 : إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة وغيرها كأن قصد بركوعه تعظيم الغير والركوع الصلاتي ، أو بسلامه سلام التحيّة وسلام الصلاة ، بطل إن كان من الأجزاء الواجبة قليلاً كان أم كثيراً ، أمكن تداركه أم لا، وكذا في الأجزاء المستحبة غير القرآن والذكر على الأحوط ((1)) وأمّا إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلاً إلاّ إذا كان ممّا لا يجوز فعله في الصلاة ، أو كان كثيراً  (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في شهر رمضان وإن لم يكن صائماً ، حفظاً منه على شرافته ، فيكون كل من الأمرين داعياً إلى الاجتناب عن المفطرات . فيظهر أنّ المدار في العبادية على إمكان داعوية الأمر الإلهي وصلاحيّته للبعث ، وإن لم تستند الدعوة إليه بالفعل لمانع خارجي كما عرفت .

   وبالجملة : كثرة وقوع الفرض بين الناس ما عدا الأوحدي منهم خير شاهد على عدم اعتبار انفراد الداعي الإلهي ، وأنّ العبرة بكونه علة تامة في البعث أو الزجر لا علة منحصرة ، وإن كان هذا هو الفرد الكامل ، فالعمدة تمام العبودية ولا يعتبر كمالها . نعم ، الأحوط الاعادة كما في المتن خروجاً عن شبهة الخلاف .

   (1) تعرّض (قدس سره) في هذه المسـألة لحكم ما إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بعنـوانين ، بقصد عنوان الجزئية وبقصد عنوان آخر مغاير لها . فحكم (قدس سره) أنّ المأتي به إن كان من الأجزاء الواجبة بطل نفس الجزء ، قليلاً كان أم كثـيراً ، كما أ نّه يكون مبطلاً لأصل العمـل بقرينة قوله (قدس سره) : أمكن تداركه أم لا ، فلا تصح الصلاة حتى مع التدارك .

   وكأنّ الوجه فيه : أنّ الفعل الواحد الشـخصي لا يصلح أن يقع مصداقاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا فرق بين القرآن والذكر وبين غيرهما ، ولعدم البطلان في الجميع وجه غير بعيد .

ــ[44]ــ

لعنوانين متغايرين، ووقوعه لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح. فهذا الجزء يكون بنفسه باطلاً ، لعدم صلاحيّته لأن يقع جزءاً من الصلاة ، فلو تداركه بعنوان الصلاة فقط لوقعت الزيادة العمدية في الصلاة فتبـطل ، فالجزء الأوّل يكون باطلاً ومبطلاً . وهذا بخلاف ما لو أتى من الأوّل بشيء من الأجزاء لا بقصد الصلاة ، بل بعنوان آخر ، فانّه لا يكون مبطلاً ، لعدم استلزام التدارك الزيادة العمدية ، إذ المفروض أنّ الجزء الأوّل لم يأت به بعنوان الجزئية ولو منضماً .

   هذا ، وأمّا إذا كان المأتي به من الأجزاء المستحبّة ، فحكم (قدس سره) أ نّه يكون أيضاً باطلاً ومبطلاً ، إلاّ إذا كان المأتي به من القرآن أو الذكر .

   أمّا حكمه (قدس سره) بالبطلان فلعين ما مرّ . وأمّا الإبطال في غير الذكر والقرآن فهو مبني على أنّ مطلق الزيادة في الصلاة وإن لم يكن من الأجزاء الواجبة مبطل . وأمّا استثناؤهما فلما دلّ على عدم كون زيادتهما من الزيادة القادحة ، بل هما من الصلاة كما ورد من أ نّه كلّ ما ذكرت به ربّك في الصلاة، أو كلّ ما قرأت من القرآن فهو من الصلاة (1) .

   أقول :  للمناقشة فيما أفاده (قدس سره) مجال واسع . أمّا ما ذكره من الحكم ببطلان العمل فيما إذا كان المأتي به من الأجزاء الواجبة ، فهو على إطلاقه ممنوع وذلك لأنّ العنوانين المقصودين قد يكونان متنافيين وغير قابلين للاجتماع في شيء واحد بوجه كالمثالين المذكورين في المتن، فانّ الانحناء الركوعي في الصلاة لا بعنوان الصلاة يكون بمجرّده مبطلاً من جهة الزيادة العمدية كما في السجود وما يكون مبطلاً كيف يمكن أن يقع جزءاً من الصلاة ، فهما لا يجتمعان ، وكذا الحال في التسليم بعنواني الصلاة والتحيّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل  7 : 263 /  أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2 .

ــ[45]ــ

   وقد لا يكونان متنافيين وإن كانا متغايرين ، كالاتيان بالقراءة بعنوان الصلاة وبعنوان التعليم ، فانّ هذا العنوان لا يكون من المبطلات .

   أمّا في الفرض الأوّل :  فالمأتي به يكون فاسداً ومفسداً ، لا من جهة كبرى أنّ الفعل الواحد لا يمكن أن يكون مصداقاً لعنوانين متغايرين ، لعدم كلية هذه الكبرى كما لا يخفى، بل من أجل أنّ هذا الركوع يكون بنفسه من الزيادة العمدية كالسجود ، وكذلك السلام ، وما يكون مبطلاً للصلاة كيف يحسب جزءاً لها . فلا محالة يكون زيادة عمدية ، فتفسد الصلاة من أجله .

   ومنه يعلم أ نّه إذا أتى بالركوع أو السلام محضاً من غير قصد الصلاة يكون مفسداً لها أيضاً من جهة الزيادة العمـدية . فما ذكره (قدس سره) من نفي البطلان في هذا الفرض يكون على إطلاقه ممنوعاً أيضاً .

   وأمّا في الفرض الثاني :  فلا مانع من صحة المأتي به ، ولا وجه لكونه مفسداً للصلاة إذا لم يكن قصد الصلاة تبعياً ، لأنّ المستفاد من الأدلة هو اعتبار كون الاتيان به منبعثاً عن الأمر الإلهي والمفروض تحققه ، وأمّا اعتبار عدم انضمام شيء آخر إليه فلا دليل عليه ، بل هذا عند التأمل والدقّة يكون من الضميمة في النيّة ، فتكون من صغريات المسألة المتقدمة التي قد عرفت الحكم فيها بالصحة في مثل هذا الفرض .

   فما أفاده صاحب الجواهر(1) (قدس سره) من اختلاف المسألتين موضوعاً نظراً إلى أنّ موضوع الضميمة الفعل الواحد الّذي له غايات وأراد المكلف ضمّها بنية واحدة ، وموضوع هذه المسألة قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخّص مصداقاً لكليين متغايرين ، وحكمه أ نّه لو نواه لكل منهما لم يقع لشيء منهما ، لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلاً وشرعاً ، ولذا لو نوى بالركعتين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 9 : 193 .

ــ[46]ــ

الفرض والنفل لم يقع لأحدهما ، كل ذلك محل تأمل ومنع .

   أمّا مثاله الأخير ، فلأ نّه تختلف كل من الفرض والنفل عن الآخر ماهية من جهة اختلافهما في الآثار والأحكام ، فلا مورد للنقض بذلك كما لا يخفى .

   وأمّا التداخل ، فقد ذكرنا في محلّه(1) أنّ الأصل في المسببات هو التداخل فيما لو أمر بعنوانين كان بينهما العموم من وجه كاكرام العالم والهاشمي ، فأكرم من يكون متّصفاً بالوصفين ، فانّه قد امتثل كلا الأمرين ، ومن ثمّ التزمنا بالتداخل بين الغفيلة ونافلة المغرب .

   والحاصل :  أنّ العنوانين إذا لم يكونا متنافيين لا مانع من قصدهما معاً مع مراعاة الشرط المتقدم .

   وأمّا تفكيك الماتن في الأجزاء المستحبة بين القرآن والذكر وغيرهما كجلسة الاستراحة ، فلا نعرف له وجهاً صحيحاً ، فانّه إذا كان الوجه في إبطال مثل الجلسة لزوم الزيادة العمدية ولو باعتبار أنّ الأصل عدم التداخل ، وعدم كون فعل واحد مصداقاً لعنوانين ، فهذا الوجه بعينه يتمشّى في القرآن والذِّكر أيضاً ضرورة أ نّه إذا لم يقع مصداقاً لشيء من العنوانين فلا محالة لا يكون مأموراً به فتقع زيادة في الصلاة، حيث إنّ المفروض قصد جزئيّته ولو على نحو الاستحباب وإذا قلنا بعدم قادحية الضميمة وأنّ الأصل هو التداخل، فالجلسة أيضاً لا بدّ من الالتزام بصحتها وعدم كونها مفسداً . فالتفكيك بينهما لا وجه له .

   هذا ، ولكنّ التحقيق هو صحة هذا الجزء وعدم كونه مفسداً على الاطلاق من غير فرق بين الذكر والقرآن وغيرهما ، وذلك لما بيّناه في محلِّه(2) من أ نّه لا معنى للجزء المستحب ، فانّ مقتضى الجزئية هو تقوّم المركّب بهذا الشيء، ومعنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 124 .

(2) مصباح الاُصول 3 : 300 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net