وجوب القيام حال القراءة - ركنيّة القيام المتّصل بالركوع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8402


   وأمّا القيام حال القراءة ، فهو واجب بالأدلة المتقدمة ، لكنّه ليس بركن فلا يقدح الاخلال به سهواً ، فلو قرأ جالساً سهواً مع مضي محل التدارك صحت صلاته ، عملاً بعموم حديث لا تعاد ، لعدم كون القيام من الخمسة المستثناة . ومنه يظهر الحال في القيام بعد الركوع .

   وأمّا القيام المتصل بالركوع ، فهو واجب ركني تبطل الصلاة بتركه حتى سهواً ، وذلك لدخله في مفهوم الركوع ، فانّ حقيقته متقوّم بالانحناء الخاص عن قيام ، يقال : شجرة راكعة ، أي منحنية بعد الاستقامة ، وإلاّ فمجرّد الإنحناء غير المسبوق بالقيام كالمخلوق كذلك ، وكما لو نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي ، لا يطلق عليه الركوع لا لغة ولا عرفاً ، بل هو على هيئة الراكع .

ــ[169]ــ

   وعليه فالإخلال بمثل هذا القيام حيث إنّه يؤدي إلى الاخلال بالركوع فتركه حتى سهواً يوجب البطلان ، لكونه في الحقيقة إخلالاً بالركوع الذي هو من أحد الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد . وأمّا الإخلال به من حيث الزيادة فلا تتصور إلاّ بزيادة الركوع المبطلة ولو سهواً بلا إشكال ، وهنا أيضاً كالتكبير لا أثر للبحث عن أنّ القيام ركن مستقل أم شرط مقوّم للركوع ، وإن كان الأظهر هو الثاني ـ كما عرفت ـ ، فانّ الاخلال به نقصاً وزيادة لا يكون إلاّ بنقيصـة الركوع وزيادته ، ومعهما يتحقق البطلان ، سواء استند إلى الإخلال بالركوع أم بالقيام المتصل به .

   وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ القيام في حالات تكبيرة الاحرام، والقراءة والمتصل بالركوع ، وما بعد الركوع واجب ، كل ذلك لاطلاق الأدلّة ، والركن منها هو الأوّل والثالث ، فتبطل الصلاة بتركه فيهما عمداً وسهواً ، كما تبطل بزيادته ولو سهواً في الثالث بلا إشكال، وكذا في الأوّل على المشهور من البطلان بزيادة تكبيرة الاحرام السهوية ، وإن كان الأقوى خلافه .

   وبذلك يستغنى عن التعرض لكثير ممّا ذكر في المقام من النقض والابرام ، إذ لا طائل تحتها كما لا يخفى ، هذا .

   وقد يناقش فيما ذكرناه من دخل القيام المتصل بالركوع في حقيقة الركوع : بمنع الدخل ، إذ الركوع من الجالس ركوع قطعاً عرفاً مع عدم سبقه بالقيام فالدليل على ركنيته منحصر بالاجماع .

   وفيه :  من الخـلط ما لا يخفى ، إذ لا ندعي دخل مطلق القـيام في كل ركوع بل المدعى تقوّم الركوع بالقيام المناسب له حسب الوظيفة الفعلية ، فالركوع من الجالس متقوّم بالإنحناء عن استقامة جلوسية ، كما أنّ الركوع القيامي متقوّم بالانحناء عن استقامة قيامية ، فمن كانت وظيفته الركوع القيامي لا يجديه سبقه بالاستقامة الجلوسية ، بأن يقوم عن الجلوس متقوّساً إلى حدّ الركوع ، فانّ ذلك معتبر في من كانت وظيفته الركوع الجلوسي لا مطلقاً .

ــ[170]ــ

وكذا لو جلس ثم قام متقوِّساً من غير أن ينتصب ثم يركع ((1)) ولو كان ذلك كلّه سهواً  (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وهذا نظير أن يصلي متيمماً مع كونه واجداً للماء ، فانّ التيمم وإن كان طهوراً ولا صلاة إلاّ بطهور ، لكنه وظيفة الفاقد دون الواجد ، فكما لا يكفي التيمم هناك ، لا تكفي الاستقامة الجلوسية فيما نحن فيه ، للزوم جري المكلف على طبق وظيفته الفعلية . وعلى الجملة : فليست الدعوى تقوّم الركوع بالقيام مطلقاً حتى يتوجه النقض بالركوع الجلوسي كما ذكر .

   فالدليل على وجوب القيام المتصل بالركوع وركنيته ليس إلاّ ما عرفت من دخله في مفهوم الركوع لتقومه به ، فالاخلال به إخلال به .

   وأمّا الاستدلال بالاجماع فساقط ، لعدم كونه اجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) بعد احتمال استناد المجمعين لهذا الوجه ، لو لم ندّع القطع بذلك لاستدلال غير واحد به صريحاً .

   (1) قد عرفت تقوّم الركوع بالقيام ، فلو أخلّ به بأن لم يأت بالقيام أصلاً كما لو قرأ جالساً ، أو جلس بعد القراءة أو أثنائها ثم نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي بطلت صلاته ولو كان ذلك سهواً ، للاخلال بالركوع ، فانّ غير المسبوق منه بالقيام ليس من حقيقة الركوع في شيء ، وإنّما هو على هيئة الراكع كما عرفت .

   وأمّا لو قام في هذه الفروض متقوّساً إلى أن تجاوز حدّ الركوع ، غير أ نّه لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الانتصاب حال القيام الواجب وإن كان لازماً مطلقاً إلاّ انّه غير معتبر في حقيقته وبما أ نّه لا دليل على وجوب القيام قبل الركوع غير دخله في تحققه فلو قام متقوساً إلى أن وصل إلى حدّ القيام ثمّ ركع من غير انتصاب سهواً أجزأه ذلك على الأظهر .

ــ[171]ــ

   وواجب غير ركن ، وهو القيام حال القراءة وبعد الركوع (1) ، ومستحب وهو القيام حال القنوت وحال تكبير الركوع ، وقد يكون مباحاً ، وهو القيام

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينتصب قائماً ثم ركع فكان ركوعه عن قيام غير منتصب ، فلا شك في البطلان حينئذ لو كان ذلك عن عمد ، لاخلاله بالانتصاب الواجب بمقتضى إطلاق الأدلّة ، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة (1) «قم منتصباً» الشامل باطلاقه لمثل هذا القيام .

   وبعبارة اُخرى : دلت هذه الأدلة بمقتضى الاطلاق على وجوب الانتصاب مهما وجب القيام، فلا يجتزأ بالقيام الانحنائي ، وقد ثبت وجوب القيام في المقام بمقتضى دخله في مفهوم الركوع كما عرفت . وبعد ضم الكبرى إلى الصغرى ينتج وجوب الانتصاب في القيام المتصل بالركوع، فالاخلال به عمداً يوجب البطلان .

   وأمّا لو أخلّ به سهواً ، فالأقوى عدم البطلان ، وذلك لما عرفت من عدم الدليل على وجوب القيام المتصل بالركوع فضلاً عن ركنيته عدا دخله في تحقق الركوع وتقـوّمه به ، ومن الواضح أنّ الدخيل إنّما هو جامع القيام الأعم من المشتمل على الانتصاب وعدمه ، فانّ الركوع المسبوق بالقيام الانحنائي ركوع حقيقة ، فالانتصـاب واجب آخر معتبر في القيام ، وعليه فالاخلال به سهواً غير قادح أخذاً بعموم حديث لاتعاد، لعدم كون الانتصاب من الخمسة المستثناة .

   (1) قد تحصّل من جميع ما قدمناه أنّ القيام على أقسام : واجب ركني بمعنى بطلان الصلاة بتركه عمداً وسهواً ، وواجب غير ركني ، ومستحب ، ومباح .

   أمّا الأوّل :  فهو القيام حال تكبيرة الاحرام والمتصل بالركوع .

   وأمّا الثاني :  فهو القيام حال القراءة فانّه واجب بمقتضى الكتاب والسنّة كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 167 .

ــ[172]ــ

بعد القراءة أو التسبيح أو القنوت أو في أثنائها مقداراً من غير أن يشتغل بشيء ، وذلك في غير المتصل بالركوع وغير الطويل الماحي للصورة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net