دوران الأمر بين ترك القيام رأساً وترك الانتصاب 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3799


ــ[202]ــ

   فلا بدّ من مراعاة قواعد باب التعارض بتقديم الدليل اللفظي على اللبي، وإذا كانا لفظيين يقدّم ما كان بالوضع على ما كان بالاطلاق كما ذكرنا تفصيله في باب التعادل والتراجيح (1) ، وفي بحث مقدمة الواجب ، وإذا كانا بالاطلاق كما هو الغالب فيتساقطان ويرجع إلى الأصل العملي ، ومقتضاه في المقام هو التخيير لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين ، إذ المتيقن وجوبه إنّما هو الجامع المحتمل انطباقه على الوجوب التخييري ، لا أحدهما المعيّن كي يجب الاحتياط والجمع بالتكرار ، لما عرفت من احتمال أن تكون الوظيفة الواقعية حينئذ هو التخيير ، فلا يقاس المقام بموارد الدوران بين القصر والتمام ، التي يجب فيها الجمع بينهما ، إذ المتيقن هناك وجوب هذا أو ذاك ولا يحتمل التخيير الواقعي فلا مناص من التكرار عملاً بقاعدة الاشتغال .

   وأمّا في المقام فيتطرّق احتمال ثالث بالضرورة ، فلأجله ليس لنا علم بأكثر من وجوب الجامع المحتمل انطباقه على كل من المحتملات الثلاثة : وجوب هذا بخصوصه، وجوب ذاك بخصوصه ، التخيير بينهما، وحيث إنّ كلاًّ من الخصوصيتين مشكوكة تدفع بأصالة البراءة ، ونتيجة ذلك هو التخيير .

   ومنه تعرف ما في كلام الماتن وغيره في المقام من الحكم بوجوب التكرار والجمع في بعض فروع المسألة فلاحظ . هذا هو حكم الكبرى ، وأمّا التطبيق على المقام ،

   ففيما إذا دار الأمر بين ترك القيام رأساً وبين ترك الانتصاب ، فمقتضى القاعدة حينئذ بعد سقوط الاطلاقين هو التخيير كما عرفت ، لكن في خصوص المقام يتعيّن الثاني فيصلي عن قيام انحنائي ، ولا ينتقل إلى الصلاة جالساً ، وذلك لتقييد هذا الانتقال في غير واحد من الأخبار ممّا ورد في تفسير قوله تعالى :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 377 .

ــ[203]ــ

(الّذِينَ يَذْكُرونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً ) (1) وغـيرها ، ولعلّ أوضحها قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة جميل : « ... إذا قوي فليقم» (2) ، بالعجز عن القيام الظاهر بمقتضى الاطلاق في إرادة الطبيعي منه ، فمتى كان قادراً على طبيعي القيام صلى قائماً ، وإن كان عاجزاً عن بعض الخصوصيات المعتبرة فيه التي منها الانتصاب ، ولأجله يتقيد قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» (3) بالمتمكن من ذلك .

   وبعبارة اُخرى :  صحيحة جميل حاكمة على دليل وجوب الانتصاب ، إذ النظر في دليل الوجوب مثل قوله (عليه السلام) : «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» مقصور على مجرد اعتبار إقامة الصلب في الصلاة ، سواء أكانت عن قيام أو عن جلوس ـ على ما هو الحق تبعاً للمشهور من اعتباره فيهما معاً ـ من غير أن يكون لهذا الدليل نظر إلى تعيين الوظيفة ، وأ نّها الصلاة قائماً أو جالساً ، وإنّما يستفاد ذلك من دليل آخر . وبما أنّ صحيحة جميل قد دلت على أنّ الوظيفة عند التمكن من مطلق القيام إنّما هي الصلاة قائماً ، فلا جرم لم يبق موضوع لدليل وجوب الانتصاب ، إذ المفروض عدم التمكن منه إلاّ مع الجلوس وقد دلّت الصحيحة على أ نّه لا تصل النوبة إلى الصلاة جالساً .

 وممّا يدل على ذلك بالخصوص : صحيحة علي بن يقطين الواردة في الصلاة في السفينة ، فقد روى الشيخ في الصحيح عنه عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام يصلي فيها وهو جالس يومئ أو يسجد؟ قال: يقوم وإن حنى ظهره»(4) وهي كما ترى صريحة في المدعى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) آل عمران : 3 : 191 .

(2) الوسائل 5 : 495 /  أبواب القيام ب 6 ح 3 .

(3) الوسائل 5 : 488 /  أبواب القيام ب 2 ح 1 ، (نقل بالمضمون) .

(4) الوسائل 5 : 505 /  أبواب القيام ب 14 ح 5 ، التهذيب 3 : 298 / 906 .

ــ[204]ــ

وأنّ من تمكن من الصلاة عن قيام ولو بغير الانتصاب تعيّن وقدّم على الصلاة جالساً .

   وفيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً وبين الصلاة قائماً من غير اسـتقلال قدّم الثاني أيضاً بلا إشكال ،




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net