هل يختص الحكم بصلاة الجمعة ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4084


ــ[357]ــ

   الثاني :  مع الغض عمّا ذكر وتسـليم عدم الظهـور في التعميم ، فلا ريب أنّ إطلاقها يشمل الجحد ، وحينئذ تكون النسبة بينها وبين ما دلّ على عدم جواز العدول عن الجحد إلى غيرها ـ كما سبق ـ نسبة العموم من وجه ، إذ الاُولى مطلقة من حيث الجحد وغيرها وخاصة بيوم الجمعة وبما إذا كانت المعدول إليها خصوص الجمعة أو المنافقين ، والثانية بعكس ذلك فيتعارضان في مادة الاجتماع ، وبعد التساقط يرجع إلى الأصل المقتضي للجواز كما قدّمناه في صدر المبحث ، وإلى الاطلاقات كموثقة عبيد بن زرارة (1) وغيرها ، فليتأمل . وبذلك يثبت أصل الجواز .

   وأمّا الاستحباب ، فيدل عليه إطلاق الأخبار الآمرة بقراءة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة ، وأ نّه لا ينبغي تركهما كصحيحة زرارة(2) وغيرها ، فانّ إطلاقها يشمل حتى من شرع في سورة اُخرى وإن كانت هي الجحد ، فلا إشكال في شمول الحكم لهما معاً .

 الجهة الثانية :  هل المراد بالصلاة المستثناة عن هذا الحكم في يوم الجمعة هي صلاة الجمعة خاصة كما اختاره صاحب الحدائق(3) ، أو باضافة الظهر إليها كما عليه المشهور ، أو بزيادة العصر أيضاً كما عن جامع المقاصد(4) ، أو الجميع مع صلاة الغداة كما احتمله في الجواهر(5) وإن لم يظهر له قائل ، أو يضاف على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 101 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 2 .

(2) الوسائل 6 : 120 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 49 ح 6 .

(3) الحدائق 8 : 220 .

(4) جامع المقاصد 2 : 280 [ ولكن الموجود في النسخة المطبوعة التي بأيدينا من جامع المقاصد اختصاص الحكم بالظهر وصلاة الجمعة وأمّا صلاة العصر فقد حكاه عنه في الجواهر 10 : 67 ] .

(5) الجواهر 10 : 67 .

ــ[358]ــ

الكل بعد إخراج العصر صلاة العشاء من ليلة الجمعة كما عن الجعفي (1) ؟

   وجوه بل أقوال ، والأقوى ما عليه المشهور كما ستعرف .

   أمّا مقالة الحدائق ، فقد استدل عليها بأنّ لفظ الجمعة في هذه الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم ، وموثقة عبيد ، وصحيحة ابن جعفر (2) منصرف إلى صلاة الجمعة . نعم ، في صحيحة الحلبي (3) «يوم الجمعة» لكن الاطلاق منزّل على صلاة الجمعة بقرينة تلك الأخبار ، فيحمل المطلق على المقيد ، ويقتصر في جواز العدول على المتيقن ، ويرجع في غيره إلى إطلاق دليل المنع .

   لكنه كما ترى ، إذ فيه أوّلاً : أ نّه لا موجب لرفع اليد عن إطلاق صحيح الحلبي المخصص لعموم المنع ، إذ ليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد لاختصاصه بالمتنافيين ، وما إذا كان المطلوب في المطلق صرف الوجود ، ولا تنافي بين الدليلين في المقام بعد كونهما مثبتين كما هو ظاهر ، فالمحكّم إذن إطلاق دليل المخصص المقدّم على عموم العام .

   وثانياً :  أنّ تلك الأخبار في أنفسها غير صالحة للتقييد ، فانّ السائل كعلي ابن جعفر متى سنح له في عصر موسى بن جعفر (عليه السلام) وغيره أن يصلي صلاة الجمعة إماماً حتى يكون هو القارئ كي يسأل عن حكم العدول ولو كان مأموماً فوظيفته الظهر في نفسه خلف الإمام المخالف .

   وعلى الجملة :  إرادة خصوص صلاة الجمعة من هذه الأخبار يلزمها التعرض لبيان حكم لم يتحقق في الخارج ، فلا بدّ وأن يكون المراد الأعم من صلاة الجمعة وظهرها لا خصـوص الاُولى ، إذ لم تكن صلاة الجمعة معهودة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه في الذكرى 3 : 355 .

(2) الوسائل 6 : 152 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 1 ، 3 ، 4 .

(3) الوسائل 6 : 153 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 2 .

ــ[359]ــ

ولا محلاًّ للابتلاء بالاضافة إلى أصحاب الأئمة (عليهم السلام) حتى يتعرض لحكمها من حيث العدول في القراءة وعدمه فليتأمل .

   وثالثاً :  أنّ دعوى انصراف لفظ الجمعة إلى صلاتها كما ذكره (قدس سره) ممنوع ، بل الظاهر أ نّه موضوع للأعم منها ومن الظهر يوم الجمعة كما اُطلق على ذلك في غير واحد من الأخـبار ، لأ نّهما حقيقة واحدة قد اُبدلت الركعتان الأخيرتان بالخطبتين . ومن ذلك كله تعرف أنّ الأقوى شمول الحكم لهما  كما عليه المشهور . نعم ، في رواية دعائم الاسلام التصريح بأ نّه في صلاة الجمعة خاصة (1) ، لكنه لا يعتمد على هذا الكتاب كما مرّ مراراً .

   وأمّا إلحاق العصر ، فوجهه إطلاق اليوم في صحيحة الحلبي (2) ، ولا يقدح اشتمال بقية الأخبار على الجمعة ، الظاهر في صلاة الجمعة وظهرها ، لعدم التنافي حتى يلزم حمل المطلق على المقيد .

   ويدفعه :  أنّ هذا الاطلاق غير متبع ، إذ ليس الوجه في ثبوت هذا الحكم ـ  أعني جواز العدول  ـ استحباب قراءة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وظهرها ، كي يسري إلى العصر لثبوت الاستحباب فيه أيضاً ، وإلاّ لزم التعدي إلى سائر الصلوات ، لاستحباب قراءة سور خاصة فيها كسورة الفجر في صلاة الغداة أو الدهر ، أو هل أتيك حديث الغاشية في العشاء وغيرها من صلوات سائر الأيام ، وهو كما ترى .

   بل الوجه في ذلك : شدة الاهتمام وتأكد العناية بقراءتهما في صلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، الشامل للظهر بحيث كاد أن يكون واجباً كما يفصح عنه التعبير بكلمة «لا ينبغي» في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 4 : 221 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1 ، الدعائم 1 : 161 .

(2) الوسائل 6 : 153 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 2 .

ــ[360]ــ

طويل يقول : «اقرأ سورة الجمعة والمنافقين ، فانّ قراءتهما سنّة يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر ، ولا ينبغي لك أن تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر يعني يوم الجمعة إماماً كنت أو غير إمام» (1) .

   وعليه فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي اختصاص الحكم بصلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، ولأجل ذلك ينصرف الاطلاق في صحيحة الحلبي إليها فانّ الاستحباب وإن كان ثابتاً في العصر أيضاً كما ذكر في هذه الصحيحة ، إلاّ أنّ تلك العناية والاهتمام خاصة بالظهر ، لاختصاصها بالتعبير بـ  «لا ينبغي» أي لا يتيسر كما عرفت .

   وأمّا إلحاق الغداة ، فوجهه إطلاق اليوم الشامل لصلاة الغداة كما مرّ في العصر .

   وقد يقال :  بأنّ المناط في العدول استحباب السورتين غير الثابت في صلاة الغداة .

   وفيه :  أنّ الاستحباب ثابت فيها كالعصر ، كما نطقت به صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً .

   فالصحيح في الجواب أوّلاً :  ما عرفت من انصراف الاطلاق بمناسبة الحكم والموضوع إلى صلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، لشدة الاهتمام بقراءتهما فيها ، وليس المدار في هذا الحكم على مطلق استحباب السورة ، وإلاّ لاتجه النقض بما عرفت .

   وثانياً :  أنّ شمول إطلاق اليوم لصلاة الغداة غير معلوم ، فانّ اليوم وإن كان قد يطلق على ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس، لكن أكثر إطلاقه خاص بما بين طلوع الشمس وغروبها ، فله إطلاقان ولم يحرز أنّ المراد به في المقام المعنى الأوّل . فالمقتضي للتعميم قاصر في نفسه كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 120 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 49 ح 6 .

 

ــ[361]ــ

   وأمّا إلحاق ليلة الجمعة ، فلم يظهر له وجه أصلاً بعد وضوح عدم صدق اليوم على الليلة .

   فاتضح أنّ الأقوى ما عليه المشهور من اختصاص الحكم بصلاة الجمعة وظهرها .
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net