العدول إلى سورة اُخرى عند الضرورة - العدول إلى السورة المنذورة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3982


ــ[365]ــ

   [ 1511 ] مسألة 19 : يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف (1) حتى في الجحد والتوحيد ، كما إذا نسي بعض السورة ، أو خاف فوت الوقت باتمامها ، أو كان هناك مانع آخر ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

به من السورة فهي الوظيفة الفعلية ، لا أنّ الامتثال مختص بالوجود الأوّل حتى يكون العدول عنها من تبديل الامتثال بالامتثال، بل هو بنفسه مصداق للامتثال. فبهذه القرينة تنصرف تلك الأخبار إلى الفرائض ولا تعمّ النوافل فتبقى تحت أصالة الجواز ، فتدبر جيداً .

   (1) مراده (قدس سره) بالجواز المعنى الأعم المقابل للحرمة والمجامع للوجوب لا المعنى الأخص المساوق للاباحة ، لوضوح أنّ العدول في الموارد التي يذكرها واجب ، وليس بمباح .

   وكيف كان ، فبعد ما فرغ عن حكم العدول وأ نّه غير جائز بعد تجاوز النصف ، استثنى عن ذلك مورد الاضطرار والعجز بحيث لا يمكنه اتمام السورة التي شرع فيها ، وهو قد يكون تكوينياً كما لو نسي بعض السورة ، أو تشريعياً كما لو خاف فوت الوقت باتمامها ، فانّه يجوز العدول حينئذ ولو عن الجحد والتوحيد أو بعد تجاوز النصف أو الثلثين ، بل يجب بناءً على وجوب السورة الكاملة ، وذلك لقصور شمول دليل المنع لمثل المقام ، لاختصاصه بما إذا تمكن من إتمام السورة، حيث إنّ ظاهره وجوب الاتمام المختص بصورة التمكن، والمفروض عجزه عن ذلك تكويناً أو تشريعاً ، فيبقى العدول حينئذ تحت أصالة الجواز .

   وهذا ظاهر لا إشكال فيه ، إذ طروء العجز والعذر يكشف عن عدم تعلق الأمر بهذه السورة من الأوّل ، فلا يعدّ ذلك من تبديل الامتثال .

ــ[366]ــ

ومن ذلك ما لو نذر أن يقرأ سورة معيّنة (1) في صلاته فنسي وقرأ غـيرها فانّ الظاهر جواز العـدول((1)) وإن كان بعد بلوغ النصف ، أو كان ما شرع فيه الجحد أو التوحيد .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) عدّ (قدس سره) من موارد العذر التشريعي ما لو نذر قراءة سورة معيّنة في صلاته ثم غفل وشرع في سورة اُخرى ، فانّه يجوز له العدول عنها وإن كانت هي الجحد أو التوحيد ، أو بعد تجاوز النصف في غيرهما ، فيعدل عنها إلى السورة المنذورة ، لعدم التمكن من اتمام ما شرع ، لاستلزامه ترك الوفاء بالنذر الممنوع شرعاً .

   وليعلم أنّ محل الكلام ما لو تعلق النذر بالأمر الوجودي ، وهو قراءة سورة معيّنة كما ذكرنا ، وأمّا إذا كان متعلقه أمراً عدمياً كنذر أن لا يقرأ سورة اُخرى غير ما عيّن ، فهو خارج عن محل الكلام ، لبطلان مثل هذا النذر في نفسه ولو لم يكن مزاحماً بحكم آخر، ضرورة اعتبار الرجحان في متعلّق النذر، ولا رجحان في ترك قراءة سائر السور، سيّما إذا لوحظ معها مثل التوحيد التي تستحب قراءتها مطلقاً ، أو بعض السور كهل أتى ، والأعلى ، والغاشـية التي يستحب قراءتها بخصوصها في بعض الأيام ، وفي بعض الصلوات .

   فمحل الكلام والذي ينظر إليه في المتن إنّما هو القسم الأوّل بلا ريب ، إذ الكلام إنّما هو في النذر الصحيح المنعقد في حد نفسه مع قطع النظر عن الابتلاء بالمزاحم ، ولا شك في صحة نذر أن يقرأ سورة معيّنة في صلاته ، لرجحانها وإن كان غيرها أرجح منها ، إذ لا يعتبر في صحة النذر إلاّ رجحان المتعلق في نفسه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع، والأظهر جواز القطع وإعادة الصلاة مع السورة المنذورة، والأحوط أن تكون الإعادة بعد العدول والإتمام .

ــ[367]ــ

لا أن لا يكون شيء أرجح منه ، ومن هنا ترى صحة نذر زيارة مسلم (عليه السلام) ليلة عرفة لرجحانها ، وإن كانت زيارة الحسين (عليه السلام) في هذه الليلة أفضل .

   وقد يقال في محل الكلام : بجواز ترك السورة المنذورة وقراءة غيرها حتى اختياراً ، إذ ليست فيه مخالفة للنذر ، فانّ نذر قراءتها كان مشروطاً باشـتغال الذمّة بالسورة كما هو مقتضى تقييدها بالصلاة، ومعلوم أنّ النذر المشروط بشرط لا يقتضي حفظ شرطه، بل له إعدامه ليرتفع موضوع الوفاء، فله تفويت الشرط بتفريغ ذمته عن السورة الواجبة في الصلاة بقراءة سورة اُخرى غير المنذورة فلا يبقى موضوع لوجوب الوفاء .

   وهذا كما ترى من غرائب الكلام ، ضرورة أنّ الشرط هو اشتغال الذمة الذي يكفي في تحققه الاشتغال آناً مّا وقد تحقق بالشروع(1) في الصلاة جزماً فالشرط حاصل والنذر معه نافذ لفعلية المشروط بفعلية شرطه ، ومعه كيف يسوغ له التفويت المؤدي إلى مخالفة النذر ، وهذا نظير ما لو نذر أن يدفع زكاته لزيد مهما اشتغلت ذمته بها ، فانّه لا إشكال في حصول الحنث لو دفعها إلى عمرو ، مع أنّ الموضوع حينئذ غير باق ، لعدم اشتغال ذمته بالزكاة بعد الدفع المزبور ، إلى غير ذلك من النظائر التي لا تخفى ممّا لا يمكن الالتزام فيها بما ذكر . والسرّ أنّ شرط التكليف وإن لم يجب تحصيله أو التحفظ عليه ، لكنه لا يجوز تفويته بعد حصوله وفعلية التكليف كما هو ظاهر .

   ومما ذكرنا يظهر أنّ ما ذكره هذا القائل من التخيير بين الاتمام والعدول لو قرأ غير المنذورة نسياناً وكان مما يجوز العدول عنه كغير الجحد والتوحيد قبل بلوغ النصف ، لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، بل يجب عليه العدول وفاءً بالنذر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل قبله أيضاً إذ لا يناط الاشتغال بالشروع فتدبر .

ــ[368]ــ

لنفوذه بعد حصول شرطه .

   وكيف ما كان، فاذا نذر قراءة سورة معيّنة في صلاته فشرع في اُخرى نسياناً وتذكّر بعد تجاوز النصف على المشهور ، أو بعد تجاوز الثلثين على المختار ، أو كان ما شرع فيه التوحيد أو الجحد ، فقد ذكر الماتن (قدس سره) أ نّه يجوز ـ  أي يجب ـ العدول حينئذ، لعدم شمول دليل حرمة العدول للمقام ، لاختصاصه بما إذا كان قادراً على الاتمام ، ولا قدرة عليه شرعاً بعد وجوب الوفاء بالنذر المقتضي للاتيان بالسورة المنذورة .

   وما أفاده (قدس سره) وجيه لو شمل دليل الوفاء لمثل المقام لكنه غير شامل وهذا النذر باطل في نفسه كما اعترف به غير واحد من الأعلام ، والوجه في ذلك : ما ذكرناه في الاُصول(1) في بحث التزاحم في مسألة الترتب من أنّ أمثال المقام وإن كان داخلاً في باب التزاحم فيتزاحم وجوب الوفاء بالنذر مع حرمة العدول ، لكن الترجيح مع الثاني ، لقصور دليل النذر عن مزاحمة حكم من الأحـكام ، لاشتراط نفوذه بأن لا يكون محللاً للحرام ، أو محرّماً للحلال فلا يتغير من أجله حكم من الأحكام .

   ومن هنا ذكرنا أنّ في كل مورد وقع التزاحم بين الوفاء بالنذر وبين واجب آخر كان مشروطاً بالقدرة عقلاً قدّم الثاني ، إذ القدرة مأخوذة في الأوّل في لسان الدليل ، فهي معتبرة فيه شرعاً ، والقدرة العقلية مقدّمة على الشرعية لاطلاق دليلها الموجب للعجز عن الآخر . وبذلك ينكشف عدم انعقاد النذر من أوّل الأمر فيحرم عليه العدول في المقام عملاً باطلاق دليله السليم عن المزاحم .

   ولكن التحقيق : أنّ ما ذكر إنّما يتم فيما إذا كان متعلق النذر الصلاة الشخصية وأمّا إذا كان متعلقه طبيعي الصلاة كما هو كذلك غالباً ، فلا موجب لرفع اليد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 251 .

ــ[369]ــ

عن عموم دليل الوفاء بالنذر، إذ يمكن امتثاله برفع اليد عن هذه الصلاة وإعادتها مع السورة المنذورة ، لعدم تعلق النذر بهذه الصلاة بخصوصها حسب الفرض . وهذا لا محذور فيه ، إذ لايصادم حكماً من الأحكام عدا حرمة قطع الصلاة على القول بها ، لكنّها لو سلّمت فهي غير شاملة للمقام ، إذ لا دليل معتبر عليها إلاّ الاجمـاع وهو دليل لبّي يقتصر على المتيقن منه الذي هو غير ما نحن فيه وما يضاهيه كما لو نذر زيارة الأمير (عليه السلام) مثلاً في ساعة معيّنة، فنسي وشرع في الصلاة في تلك الساعة ، فانّه لا ينبغي الاشكال في جواز القطع ، بل وجوبه والوفاء بنذره ، لما عرفت من عدم شمول الاجماع على حرمة القطع لمثل ذلك .

 فالأقوى :  نفوذ النذر في المقام ، فيقطع صلاته ويعيدها مع السورة المنذورة ولكن الأحوط ـ حذراً عن احتمال(1) حرمة القطع ـ ضم ما ذكرناه إلى ما أفاده

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ولكنّه معارض باحتمال حرمة العدول الشامل إطلاق دليلها للمقام من غير مزاحم حسب اعترافه (دام ظله) بل إنّ هذا الاحتمال أولى بالمراعاة بعد أن كان دليل حرمة القطع لبيا يحتمل عدم شموله للمقام رأساً . وبالجملة : الأمر دائر بين العدول والاتمام والقطع . لا سبيل للأوّل لاطلاق دليل حرمته ، ولا الثاني لكونه مفوّتاً للوفاء بالنذر ، فيتعيّن الثالث .

         ومنه تعرف تعذر الاحتياط في المقام ، ولا محيص من القطع والاستئناف مع السورة المنذورة ، فما في بحثه الشريف تبعاً لتعليقته الأنيقة من حصول الاحتياط بالعدول والاعادة غير واضح كالتعبير في التعليقة بقوله (دام ظله) : والأظهر جواز القطع ، إلاّ أن يريد به الجواز بالمعنى الأعم المجامع للوجوب ،

         ثم إنه بناءً على ما يراه (دام بقاؤه) من جواز القران بين السورتين ، يمكن التخلص باتمام السورة ثم تعقيبها بالسورة المنذورة وبذلك يكون قد وفى بنذره ولم يرتكب العدول المحرّم ، إلاّ أن يكون متعلق نذره في مفروض المسألة الاتيان بها مصداقاً لطبيعي السورة الواجب عليه في الصلاة ، المنطبق طبعاً على السورة الاُولى ، هذا .

      ويمكن أن يُقال : بابتناء الاشكال على أن تكون حرمة العدول تكليفية كحرمة القطع ، وأمّا إذا كانت وضعيّة محضة ـ كما لعله الظاهر من أخبار الباب ـ بمعنى عدم صحة الصلاة بغير تلك السورة وأ نّها المتعيّنة للجزئية ، فلا إشكال فلاحظ وتدبر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net