التسوية بين الإمام والمنفرد - استحباب الجهر بالبسملة في الظهرين 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4380


   الثانية :  صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت عن صلاة الجمعة في السفر فقال : تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة وإنّما يجهر إذا كانت خطبة» (2) .

   لكن الاشكال المزبور ضعيف ، إذ النهي فيهما واقع موقع توهم الوجوب ، لما عرفت من وجوب الجهر في صلاة الجمعة الواقعة فيهما بازاء صلاة الظهر فيتخيل وجوبه في ظهر الجمعة أيضاً ، ولا فرق بين الأمر والنهي في ذلك ، فكما أنّ الأمر الواقع عقيب توهم الحظر لايدل على الوجوب بل غايته الجواز، فكذا النهي الواقع عقيب توهم الوجوب لا يقتضي إلاّ الجواز ولا يدل على التحريم فلا ينبغي الريب في ثبوت الاستحباب .

   ولا فرق في ذلك بين الإمام والمنفرد ، خلافاً للسيد المرتضى (قدس سره) (3) حيث فصّل بين الإمام فيجهر، والمنفرد فيخفت ، استناداً إلى خبر علي بن جعفر قال : «سألته عن رجل صلى العيدين وحده ، والجمعة هل يجهر فيهما بالقراءة ؟ قال : لا يجهر إلاّ الإمام» (4) لكنها ضعيفة السند ، لمكان عبدالله بن الحسن الواقع في الطريق . مع أ نّها معارضة بصحيحة الحلبي المتقدمة (5) الآمرة بالجهر مع تصريح السائل بأ نّه يصلِّي وحده .

ـــــــــــــ
(2) الوسائل 6 : 162 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 9 .

(3) حكاه عنه في المختلف 2 : 178 .

(4) الوسائل 6 : 162 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 10 .

(5) في ص 381 .

ــ[384]ــ

   [ 1513 ] مسألة 21 : يُسـتحب الجهر بالبسملة في الظّهرين للحمد والسورة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فالأقوى ثبوت الاستحباب في الإمام والمنفرد ، وإن كان الاخفات أحوط .

   (1) لا إشكال كما لا خلاف في رجحان الجهر بالبسملة في الركعتين الأوّلتين من الصلوات الاخفاتية، والمشهور استحباب ذلك بل نسب إلى الأصحاب تارة وإلى علمائنا اُخرى ، وعن الخلاف دعوى الاجماع عليه (1) ، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى الصدوق وابن البراج فذهبا إلى الوجوب(2) ، وكذا أبو الصلاح حيث خصّ الوجوب بالركعتين الأوّلتين(3) ، ولا يبعد أن يكون مراد من أطلق هو ذلك .

   وكيف كان ، فقد استدل للوجوب بروايتين ، إحداهما :  ما رواه في الكافي باسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة طويلة قال (عليه السلام) فيها « ...  والزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ... » إلخ (4) .

   الثانية :  ما رواه الصدوق في الخصال باسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) «قال: والاجهار ببسم الله الرّحمن الرّحيم في الصلاة واجب»(5) .

   وربما يجاب بأنّ ضعف الخبرين في نفسهما وإعراض الأصحاب عنهما مانع عن الاعتماد عليهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 1 : 331 .

(2) الفقيه 1 : 202 ، المهذب 1 : 92 .

(3) الكافي في الفقه : 117 .

(4) الوسائل 1 : 457 /  أبواب الوضوء ب 38 ح 3 ، الكافي 8 : 58 / 21 .

(5) الوسائل 6 : 75 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 5 ، الخصال : 604 / 9 .

ــ[385]ــ

   وفيه : أنّ الخدش في السند وإن كان في محله بالاضافة إلى رواية الأعمش كما لا يخفى ، لكنه لا يتم في الرواية الاُولى ، فانّ سليم بن قيس وإن لم يوثق في كتب الرجال صريحاً ، لكن يمكن استفادة توثيقه من كلام البرقي حيث قال : إنّه كان من أولياء أصحاب علي (عليه السلام)(1) فيظهر أ نّه كان من خواص أصحابه ومن الطبقة الراقية الغنية عن التوثيق ، بل يمكن استفادته أيضاً من كلام الشيخ في رجاله حيث قال: وقد صحب عليّاً (عليه السلام)(2) ، إذ من المعلوم أنّ جميع من ذكره في باب أصحابه (عليه السلام) قد صحبه ، فلا يختص هذا التوصيف به ، فيظهر أ نّه كان يمتاز عن غيره بشدة الملازمة به (عليه السلام) وكونه من خواصه وأ نّه كان من الأولياء كما ذكره البرقي .

   فالمناقشة السندية في هذه الرواية غير تامّة (3) ، بل الظاهر أ نّها صحيحة كما وصفها بها في الحدائق (4) .

   نعم ، يمكن النقاش الدلالي فيهما ، أمّا أوّلاً :  فللقرينة العامة التي تكررت منا في أمثال المقام ، وهو أنّ الوجوب لو كان ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران لاشتهر وبان وشاع وذاع ، فكيف يمكن خفاؤه بحيث لم يفت به إلاّ هؤلاء الثلاثة .

   وثانياً :  أنّ رواية سليم بن قيس لم يظهر أنّ المراد بها الجهر بالبسـملة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال البرقي : 4 .

(2) رجال الطوسي : 114 / 1136 .

(3) بل تامة ، إذ الراوي عن سـليم في هذه الرواية هو إبراهيم بن عثمان الذي هو من أصحاب الصـادق والكاظم (عليهما السلام) وفي روايتـه عن سـليم الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إشكال كما صرّح (دام ظله) به في معجم الرجال 1: 233/ 208. وأشرنا إليه في هامش شرح العروة 17: في شرح المسألة [ 1869 ].

(4) الحدائق 8 : 168 .

ــ[386]ــ

كافّة الصلوات حتى الاخفاتية ، فانّها حكاية قضية في واقعة ولا إطلاق لها كي يتمسك به ، ولعل المراد الاجهار بها في خصوص الصلوات الجهرية ، فانّ من تقدّمه (عليه السلام) من الولاة تركوها من أصلها حتى فيها كما هو مذهب العامة (1) ، فأمرهم بالاجهار بها لتزول البدعة .

   وأما النقاش في دلالة رواية الأعمش فأظهر ، إذ الوجوب فيها بمعناه اللّغوي وهو الثبوت دون المصطلح ، فلا تدل على أكثر من الاستحباب . على أ نّها ضعيفة السند كما عرفت .

   هذا ، مضافاً إلى معارضتهما بصحيحتين لصفوان ظاهرتين في الاستحباب قال: «صليت خلف أبي عبدالله (عليه السلام) أياماً فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم ، فاذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك» (2) .

   وقال في صحيحته الاُخرى «صليت خلف أبي عبدالله (عليه السلام) أيّاماً فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان يجهر في السورتين جميعاً»(3) . والقاسم بن محمد الواقع في طريق الثاني المراد به الجوهري الذي هو ثقة لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات (4) .

 وقد دلّتا بوضوح على عدم وجوب الجهر بالبسملة ، وأ نّه كان أمراً مستحبّاً يلتزم به الصادق (عليه السلام) في صلاته وكان من خواصه ، وإلاّ فلو كان واجباً لم يكن وجه للتخصيص بالذكر ، فانه نظير (5) أن يقول صليت خلفه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المجموع 3 : 342 ، المغني 1 : 557 ، المبسوط 1 : 15 .

(2) الوسائل 6 : 57 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 1 .

(3) الوسائل 6 : 74 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 1 .

(4) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .

(5) في التنظير ما لا يخفى .

ــ[387]ــ

(عليه السلام) وكان يركع أو يسجد .

   ونظيرهما رواية أبي حفص الصائغ (1) .

   هذا ، وربما يستدل على عدم الوجوب بصحيحة الحلبيين عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أ نّهما سألاه عمّن يقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: نعم، إن شاء سرّاً وإن شاء جهراً، فقالا أفيقرؤها مع السورة الاُخرى؟ فقال : لا»(2) وهي صريحة في عدم الوجوب لولا الاقتران بالذيل المشتمل على النهي عن البسملة في السورة الاُخرى ، فانّه يقرب ورودها مورد التقية فيمنع عن الاستدلال بها، والتفكيك بين الصدر والذيل مشكل كما لا يخفى .

   وكيف كان ، فيكفي في الدلالة على الاسـتحباب ما عرفت . ويؤيده عدّة روايات لا تخلو عن ضعف في السند أو الدلالة ، كما روي في جملة من النصوص من عدّه من علامات المؤمن(3) ، فانّه من الجائز أن يراد بها الاجهار في الصلوات الجهرية ، إذ لا إطلاق لها تعم الاخفاتية .

   وكرواية الفضل بن شاذان «قال : والاجهار ببسم الله الرّحمن الرّحيم في جميع الصلوات سنّة» (4) ، فانّها ضعيفة السند كرواية رجاء بن الضحاك عن الرضا (عليه السلام) «أ نّه كان يجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم في جميع صلواته بالليل والنهار» (5) . وصاحب الحدائق اشتبه عليه الأمر فأسند هذا المتن إلى رواية الفضل مع أ نّه رواية رجاء كما نبّه عليه معلّق الحدائق (6) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 76 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 8 .

(2) الوسائل 6 : 61 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 12 ح 2 .

(3) الوسائل 14 : 478 /  أبواب المزار ب 56 ح 1 .

(4) الوسائل 6 : 76 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 6 .

(5) الوسائل 6 : 76 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 7 .

(6) الحدائق 8 : 169 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net