ما دلّ على تعيّن القراءة لمن نسيها في الأوّلتين 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4237


   الثانية :  التي هي أوضح دلالة ، صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضاً المتعرّضة لحكم الإمام والمأموم والمنفرد قال (عليه السلام) فيها «ومن خلفه يسبّح» (1) وظاهر الأمر الوجوب التعييني، وحيث لا معارض لذلك تعيّن الأخذ به .

   نعم، هي مطلقة من حيث الجهر والاخفات ، فتقيد بصحيحة ابن سنان الدالّة على جواز القراءة في الاخفاتية كما تقدم ، فتحمل على الجهرية إذ لا دليل على جواز القراءة فيها كما عرفت . فاذن مقتضى القاعدة تعيّن التسبيح على المأموم في الجهرية عملاً بهاتين الصحيحتين ولا سيما الثانية ، فان كان هناك اجماع على ثبوت التخيير فيه أيضاً فهو ، وإلاّ فيتعيّن التسـبيح في حقه ، ومن هنا كان الأحوط لزوماً اختيار التسبيح بالنسبة إليه .

   هذا كلّه حكم الركعتين الأخيرتين بالعنوان الأوّلي ، وقد عرفت أ نّه التخيير إلاّ في بعض الصور، وهل الحكم كذلك حتى لو نسي القراءة في الركعتين الأوّلتين أو تتبدّل الوظيفة إليها حينئذ فتجب القراءة معيّناً عند نسيانها في الأولتين ؟

 المشهور هو الأوّل، ونسب إلى الشيخ في الخلاف(2) الثاني كي لا تخلو الصلاة عن القراءة ، وإن صرّح في المبسـوط بالتخيير(3) ، وقد نسبه إليه جمع منهم الشهيد في الذكرى(4) ، لكن نوقش في النسبة بأنّ عبارة الخلاف المحكية عنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 108 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 2 .

(2) الخلاف 1 : 341 المسألة 93 .

(3) المبسوط 1 : 106 .

(4) الذكرى 3 : 316 .

ــ[455]ــ

لا تدل على أكثر من الاحتياط من جهة رواية الحسين بن حماد الآتية (1) دون الفتوى ، وقد مال إلى هذا القول صاحب الحدائق (2) ، مدعياً دلالة الصحيحة عليه ، غير أ نّه توقف فيه أخيراً ، إذ لم يجد قائلاً به صريحاً ، وناقش في عبارة الخلاف بما عرفت .

   وكيف كان ، فلا بدّ من النظر إلى الأخبار ، ولا شك أنّ مقتضى الاطلاقات هو بقاء التخيير كما عليه المشهور ، فان ثبت التخصيص وإلاّ فالاطلاق هو المحكّم ، وقد استدلّ للوجوب بوجوه :

   أحدها :  النبوي «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (3) وبمضمونه صحيحة محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو اخفات ... » إلخ (4) حيث إنّ ظاهرها نفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للفاتحة ، فلو نسيها في الأولتين لا مناص من الاتيان في الأخيرتين كي لا تخلو الصلاة عنها .

   وفيه أوّلاً :  أنها منصرفة إلى العامد كما لا يخفى .

   وثانياً :  لو سلّم الاطلاق ودلالتها على الاعتبار في حقيقة الصلاة مطلقاً فغاية ما يُسـتفاد منها اعتبار الفاتحة في المحل المعيّن المعهـود المقرّر له شرعاً أعني الركعتين الأولتين ، فلو كنا نحن والصحيحة مع قطع النظر عن حديث لا تعاد لحكمنا بالبطلان لدى الاخلال بها ولو سهواً في محلها الموظف لها ، غير أنّ مقتضى الحديث الحاكم عليها هو الصحة . وأمّا لزوم الاتيان بها في محل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 457 .

(2) الحدائق 8 : 420 .

(3) عوالي اللآلي 1 : 196 ، المستدرك 4 : 158 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

(4) الوسائل 6 : 37 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 1 .

ــ[456]ــ

آخر كالركعتين الأخيرتين فهو محتاج إلى الدليل ، وهذه الصحيحة لا تتكفل بإثباته .

   وعلى الجملة :  عند النسيان إمّا أن يحكم بالبطلان مع قطع النظر عن حديث لا تعاد ، ومع قطع النظر عما ذكرناه أوّلاً ، من الانصراف إلى العامد ، أو يحكم بالصحة بملاحظة الحديث ، أو الانصراف المزبور ، فالأمر دائر بينهما ولا ثالث . وأمّا احتمال التدارك في محل آخر بحيث لو استمرّ النسيان إلى ما بعد الركعتين الأخيرتين فتذكّر في ركوع الرابعة أو سجودها أو التشهّد الأخير وجب التدارك كي لا تخلو الصلاة من الفاتحة ، فيحتاج إلى دليل آخر ، وهذه الصحيحة قاصرة عن عهدة إثباته إذ لا تقتضي أكثر من الاعتبار في المحل المعهود كما عرفت .

   الثاني :  ما استدلّ به في الحدائق (1) من صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «قلت له رجل نسي القراءة في الأولتين فذكرها في الأخيرتين ، فقال : يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأولتين ولا شيء عليه» (2) . هكذا ذكرت في الوسائل .

 وصاحب الحدائق (قدس سره) نقلها بزيادة كلمة «في الأخيرتين» في آخر الخبر قبل قوله «ولا شيء عليه» وقال : إنّ بعض المتأخرين نقلها عارية عن هذا اللّفظ ـ والظاهر أنّ مراده صاحب الوسائل كما عرفت ـ فحملها على القضاء بعد التسليم والفراغ من الصلاة ، لكن المنقول عن كتب الأخبار ما أثبتناه من الاشتمال على هذه الكلمة . وعليه فهي صريحة الدلالة على هذا القول من تعيّن الفاتحة في الركعتين الأخيرتين ، وكأنّ من ذكر(3) أ نّه لم يجد دليلاً على هذا القول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 8 : 421 .

(2) الوسائل 6 : 94 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 6 ، الفقيه 1 : 227 / 1003 .

(3) [ المراد به هو الشهيد في الذكرى 3 : 316 ] .

ــ[457]ــ

لم يلتفت إلى هذه الصحيحة ، انتهى ملخّصاً .

   وفيه أوّلاً :  أ نّه لم يثبت اشتمال الصحيحة على تلك الزيادة ، بل قد قيل إنّ النسخ المصحّحة للفقيه كلّها خالية عنها، ولعلّ النسخة المشتملة عليها الموجودة عند صاحب الحدائق لم تكن مصحّحة . وعليه فظاهر الصحيحة وجوب القضاء خارج الصلاة (1) كما حملها عليه صاحب الوسائل لا في الأخيرتين ، وحيث لا يحتمل الوجوب ، بل ولا قائل به ، فيحمل الأمر على الاستحباب جزماً للقطع بصحة الصلاة وأ نّه لا شيء عليه ، فتكون الصحيحة أجنبية عن محل الكلام رأساً .

   وثانياً :  لو سلّم اشتمال الصحيحة على تلك الزيادة ، وأنّ النسخ المصححة كذلك ، فغاية ما يستفاد منها وجوب القضاء في الأخيرتين زائداً على الوظيفة المقررة فيهما من التخيير ، لا أنّ الوظيفة تتبدل من التخيير إلى القضاء كي تتعيّن الفاتحة مقتصراً عليها ، فانّها لا تدل على ذلك بوجه ، وحيث لا يحتمل وجوب القضاء زائداً على الوظيفة المقررة فلا مناص من الحمل على الاستحباب ، فظهر أنّ الصحيحة قاصرة الدلالة ، لا أنّ الشهيد لم يلتفت إليها ، سواء أكانت مشتملة على تلك الزيادة أم لا .

   الثالث :  رواية الحسين بن حماد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قلت له : أسهو عن القـراءة في الركعة الاُولى ، قال : اقرأ في الثانية ، قلت : أسهو في الثانية ، قال : اقرأ في الثالثة ، قلت : أسهو في صلاتي كلها ، قال : إذا حفظت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لعل ظاهر الأمر بالقضاء في جواب السؤال عمّن تذكّر وهو في الركعتين الأخيرتين هو وجوبه في زمان التذكر ، إذ لو اُريد ما بعد الصلاة لقيّد به كما قيّد به في نصوص قضاء الأجزاء المنسية ، ومنه تعرف أنّ دعوى انصراف القضاء في لسان الأخبار إلى ما بعد الصلاة غير واضحة .

ــ[458]ــ

الركوع والسجود فقد تمت صلاتك» (1) .

   وهذه هي العمدة فيما استند إليه الشيخ في الخلاف من تعين القراءة على ما نسب إليه ، واستدل بها في الحدائق أيضاً ، قائلاً إنّ ظاهر الأمر الايجاب عيناً .

   والانصاف : أ نّها من حيث الدلالة تامة ، فانّ قوله (عليه السلام) «اقرأ في الثالثة» ظاهر في أنّ تمام الوظيفة في هذه الحالة هي القراءة معيناً .

   والايراد عليها بمعارضتها بروايات التخيير كما قيل ، ساقط جداً لأ نّها مطلقة وهذه مقيّدة ، ولا ريب أنّ ظهور المخصص مقدّم على ظهور العام . وإنّما الكلام في سندها، فانّ الحسين بن حماد مهمل لم يوثق في كتب الرجال ، وأمّا عبدالكريم الواقع في السند فهو ثقة كما نصّ عليه النجاشي(2) وإن صرّح الشيخ بأ نّه واقفي خبيث(3) ، فانّ العبرة بوثاقة الراوي لا عدالته ، فالمناقشة السندية إنّما هي من أجل الحسين فحسب .

   هذا ، وعلى تقدير صحة الرواية فهي معارضة بروايتين يستظهر منهما عدم الوجوب :

   إحداهما : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الآخرتين أ نّه لم يقرأ ، قال : أتمّ الركوع والسجود ؟ قلت : نعم ، قال : إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» (4) .

   فانّ المراد بكراهة جعل آخر الصلاة أوّلها إن كان كراهة قراءة الحمد فهي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 93 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 3 .

(2) رجال النجاشي : 245 / 645 .

(3) رجال الطوسي : 339 / 5051 .

(4) الوسائل 6 : 92 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net