الماء المستعمل في الاستنجاء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9318

 

الماء المستعمل في الاستنجاء

    القسم الرابع من الماء المستعمل :

   (1) هذا هو القسم الرابع من أقسام الماء المستعمل ، فهل هو كالمستعمل في رفع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 211 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 1 .

ــ[301]ــ

ولو من البول (1) فمع الشروط الآتية طاهر (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحدث الأكبر والأصغر من حيث طهارته ، وجواز استعماله في كل ما يشترط فيه الطهارة من شربه واستعماله في رفع الحدث والخبث ؟

   فيه خلاف بين الأعلام . ويقع الكلام في طهارته ونجاسته أوّلاً ، وبعد إثبات طهارته نتكلم ثانياً في كفايته في رفع الحدث والخبث وعدمها . وبناء على القول بطهارته لا بدّ في منع كفايته في رفعهما من إقامة الدليل عليه ، فان مقتضى القاعدة كفاية الماء الطاهر في رفع كل من الحدث والخبث ، وينعكس الأمر إذا قلنا بنجاسته فان جواز استعماله في رفع الحدث والخبث وعدم تنجيسه لما لاقاه يتوقف على إقامة الدليل عليه ، فان القاعدة تقتضي عدم كفاية الماء المتنجس في رفع شيء من الحدث والخبث .

   (1) سنشير إلى الوجه في إلحاق الماء المستعمل في الاستنجاء من البول بالماء المستعمل في الاستنجاء من الغائط ، مع عدم صدق الاستنجاء في البول فانتظره .

   (2) لا ينبغي الاشكال في أن القاعدة تقتضي نجاسة الماء المستعمل في الاستنجاء لأنه ماء قليل لاقى نجساً وهو ينفعل بالملاقاة ، كما أن مقتضى القاعدة منجسية كل من النجس والمتنجس لما لاقاه ، ولا سيما إذا كان المتنجس من المائعات فان تنجيس المتنجس وإن كان مورد الخلاف بين الأصحاب ، إلاّأن منجسية الماء المتنجس أو غيره من المائعات مما لا خلاف فيه بينهم ، وذلك لموثقة عمار الآمرة بغسل كل شيء أصابه ذلك الماء (1) وعليه فالماء المستعمل في الاستنجاء نجس ومنجس لكل ما لاقاه هذا كلّه حسبما تقتضيه القاعدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عمّار بن موسى الساباطي «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضأ من ذلك الإناء مراراً ، أو اغتسل منه ، أو غسل ثيابه ، وقد كانت الفأرة متسلخة فقال : إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ، ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء...» المروية في الوسائل 1 :  142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

ــ[302]ــ

   وأمّا بالنظر إلى الأخبار : فقد دلّ غير واحد منها على عدم نجاسة الملاقي لماء الاستنجاء ، أو على عدم البأس به على اختلاف ألسنتها ، وهذه الأخبار وإن وردت في خصوص الثوب إلاّ أن الظاهر أن لا خصوصية له ولا فرق بينه وبين سائر الملاقيات .

   وكيف كان لا إشكال في طهارة الملاقي لماء الاستنجاء ولا خلاف فيها بينهم . وإنما الكلام في وجه ذلك ، وأن طهارته هل هي مستندة إلى طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء ، وإلى أن عدم نجاسته من جهة عدم المقتضي لها فالسالبة سالبة بانتفاء موضوعها ، وخروج الملاقي لماء الاستنجاء عما دلّ على تنجس الملاقي للمائع المتنجس خروج موضوعي ، أو أنها مستندة إلى ما دلّ عليها تخصيصاً لما دلّ على منجسية النجاسات والمتنجسات فماء الاستنجاء وإن كان في نفسه محكوماً بالنجاسة إلاّ أنه لا  ينجس ملاقيه ؟ ولا بدّ في استكشاف ذلك من مراجعة روايات الباب .

   فمنها : ما عن يونس بن عبدالرحمن ، عن رجل ، عن الغير أو عن الأحول أنه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) في حديث : «الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به ؟ فقال : لا بأس ، فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به ؟ قال : قلت : لا والله ، فقال : إن الماء أكثر من القذر»(1). وهذه الرواية لولا ما في ذيلها من التعليل لأمكن أن يرجع نفي البأس في كلامه (عليه السلام) إلى الثوب ومعنى نفي البأس عن الثوب طهارته ، وعليه كانت الرواية ساكتة عن بيان طهارة الماء المستعمل ونجاسته إلاّ أن التعليل المذكور يدلنا على أن نفي البأس راجع إلى الماء المستعمل في الاستنجاء لأنه أكثر من القذر فلا يتغيّر به ، ولأجل طهارته لا ينجس الثوب فالسالبة سالبة بانتفاء موضوعها وأن عدم نجاسة الملاقي من جهة أنه لا مقتضي لها .

   ولكن الرواية مع ذلك مخدوشة سنداً ودلالة : أمّا بحسب السند ، فلجهالة الرجل الذي روى عنه يونس فهي في حكم المرسلة ودعوى أن يونس من أصحاب الاجماع فمراسيله كمسانيده ، ساقطة بما مرّ مراراً من عدم إمكان الاعتماد على المراسيل كان مرسلها أحد أصحاب الاجماع أم كان غيره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 222 / أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2 .

ــ[303]ــ

   وأمّا بحسب الدلالة ، فلأنها في حكم المجمل حيث إن التعليل الوارد في ذيلها كبرى لا مصداق لها غير المقام ، فان معناه أن القليل لا ينفعل بملاقاة النجس إلاّ أن يتغيّر به وتقدم بطلان ذلك بأخبار الكر وغيرها مما دلّ على انفعال القليل بمجرد ملاقاة النجس وإن لم يتغيّر به ، والتغيّر إنما يعتبر في الكر فهذه الرواية ساقطة .

   ومنها : حسنة محمد بن النعمان الأحول بل صحيحته قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ؟ فقال : لا بأس به» (1) وهذه الرواية وإن كانت تامة بحسب السند إلاّ أن دلالتها كالسابقة في الضعف ، وذلك لأن قوله «لا بأس به» يحتمل أن يكون راجعاً إلى وقوع ثوبه في الماء ، ويحتمل أن يرجع إلى نفس الثوب ، فلا دلالة لها على طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء .

   ومنها : موثقة محمد بن النعمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قلت له : أستنجي ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب ؟ فقال : لا بأس به» (2) . وهذه الرواية إن قلنا إنها ناظرة إلى نفي البأس عما لاقته غسالة المني بقرينة قوله «وأنا جنب» فتخرج عما نحن بصدده ، وهي حينئذ من أحد أدلة عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة ، وأمّا إذا قلنا إنها ناظرة إلى نفي البأس عما لاقاه ماء الاستنجاء كما هو الأظهر ـ  لأن إضافة قوله «وأنا جنب» مستندة إلى ما كان يتوهم في تلك الأزمنة من نجاسة الماء الملاقي لبدن الجنب  ـ فحال هذه الرواية حال سابقتها من حيث عدم تعرضها لطهارة الماء المستعمل في الاستنجاء ونجاسته .

   ومنها : صحيحة عبدالكريم بن عتبة الهاشمي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجّس ذلك ثوبه ؟ قال : لا» (3) وهي صريحة الدلالة على طهارة الملاقي لماء الاستنجاء ، ولكنها غير متعرضة لطهارة نفس ذلك الماء ونجاسته ، ولم تدل على أن عدم نجاسة الثوب مستند إلى طهارة الماء ، أو مستند إلى تخصيص ما دلّ على منجسية المتنجسات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) الوسائل 1 : 221 / أبواب الماء المضاف ب 13 ح 1 ، 4 ، 5 .

ــ[304]ــ

   فتحصّل إلى هنا أن الأخبار الواردة في المقام كلها ساكتة عن بيان طهارة ماء الاستنجاء وإنما دلت على طهارة ملاقيه فحسب .

   وعليه فيقع الكلام في الحكم بطهارة الماء المستعمل في الاستنجاء من جهة استلزام الحكم بطهارة الملاقي الحكم بطهارة نفس الماء ، أو من جهة الملازمة العرفية بين طهارة الملاقي وطهارة الملاقى .

   أمّا من ناحية استلزام الحكم بطهارة الملاقي طهارة نفس الماء فلا ينبغي الاشكال في أنه لا ملازمة بينهما عقلاً ، لاحتمال أن يكون الماء نجساً ، وإنما لم ينجس الملاقي تخصيصاً لعموم ما دلّ على منجسية المتنجسات ، فلا مناص من التمسك بعموم ما دلّ على انفعال الماء القليل بالملاقاة ، ولا مجال للتمسك بعموم ما دلّ على منجسية النجس والمتنجس كي تثبت بأصالة عدم تخصيصه طهارة ماء الاستنجاء ، ويستكشف بذلك أن خروجه عن ذلك العموم تخصصي لا تخصيصي ، فانّه لو كان نجساً لكان الحكم بطهارة ملاقيه موجباً لتخصيص العموم .

   والوجه في عدم إمكانه ما أشرنا إليه في محله من أن التمسك بالعموم إنما يسوغ فيما إذا شكّ في حكم فرد بعد إحراز فرديته والعلم بدخوله في موضوع العموم ، كما إذا شككنا في وجوب إكرام زيد العالم ، فانه لا مانع في مثله من التمسك بعموم إكرام العلماء مثلاً بمقتضى بناء العقلاء وبه يثبت وجوب إكرامه ، وأمّا إذا انعكس الحال وعلمنا بالحكم في مورد وشككنا في أنه من أفراد العام ، كما إذا علمنا بحرمة اكرام زيد وترددنا في أنه عالم أو جاهل ، فلم يثبت بناء من العقلاء على التمسك بأصالة العموم لاثبات أنه ليس بعالم .

   ومقامنا هذا من هذا القبيل ، لأ نّا علمنا بعدم منجسية ماء الاستنجاء بمقتضى الأخبار المتقدمة وإنما نشك في أنه من أفراد الماء المتنجس ليكون عدم منجسيته تخصـيصاً في عموم ما دلّ على منجسية الماء المتنجس ، أو أنه طاهر حتى يكون خروجه عن ذلك العموم تخصصاً ، فلا يمكننا التمسك بأصالة العموم لاثبات طهارة ماء الاستنجاء ، بل لا مناص من الرجوع إلى عموم ما دلّ على انفعال القليل بالملاقاة

ــ[305]ــ

ويرفع الخبث أيضاً لكن لا يجوز استعماله ((1)) في رفع الحدث (1) ولا في الوضوء

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبه يحكم بنجاسته ونلتزم بتخصيص ما دلّ على منجسية الماء المتنجس في خصوص ماء الاستنجاء ، فان عمومه ليس من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص ، وعليه فالمتعيّن هو ما ذهب إليه الشهيد (قدس سره) كما يأتي عن قريب من أن ماء الاستنجاء نجس لا يجوز اسـتعماله في رفع شيء من الحدث والخبث . نعم ، ثبت العفـو عن الاجتناب عن ملاقيه حسب الأخبار المتقدمة .

   وأمّا من جهة الفهم العرفي فلا ينبغي التأمل في أن العرف يستفيد من حكمه (عليه السلام) بعدم نجاسة الثوب الملاقي لماء الاستنجاء عدم نجاسته بأتم استفادة ، حيث لم يعهد عندهم وجود نجس غير منجس . ويزيد ذلك وضوحاً ملاحظة حال المفتي والمستفتي، فانّه إذا سأل العامي مقلده عما أصابه ماء الاستنجاء وأجابه بانّه لا بأس به فهل يشك السائل في طهارة ماء الاستنجاء حينئذ . فكما أن الحكم بنجاسة ملاقي شيء يدل بالملازمة العرفية على نجاسة ذلك الشيء نفسه كذلك الحكم بطهارة الملاقي يدل بالملازمة العرفية على طهارة ما لاقاه ، فلا سبيل إلى إنكار الملازمة العرفية بين الملاقي والملاقى من حيث الطهارة والنجاسة ، فاذا ورد أن ملاقي بول الخفاش مثلاً طاهر يستفاد منه عرفاً طهارة بول الخفاش أيضاً .

   وبهذا الفهم العرفي نحكم بطهارة ماء الاستنجاء شرعاً ، فيجوز شربه كما يجوز استعماله في كل ما يشترط فيه الطهارة من الغسل والوضوء ورفع الخبث على ما هو شأن المياه الطاهرة ، إلاّ أن يقوم دليل خارجي على عدم كفايته في رفع الحدث أو الخبث .

   فاذا عرفت طهارة ماء الاستنجاء فيقع الكلام في أنه مع الحكم بطهارته شرعاً هل يكفي في رفع الخبث والحدث أو لا يكفي في رفعهما أو أن فيه تفصيلاً ؟

   (1) الأقوال في المسألة ثلاثة :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

ــ[306]ــ

والغسل المندوبين

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   الأوّل : نجاسة ماء الاستنجاء وعدم جواز استعماله في رفع شيء من الخبث والحدث . نعم ، ثبت العفو عن الاجتناب عن ملاقيه بالروايات ذهب إليه الشهيد (قدس سره) (1) وكل من رأى نجاسته .

   الثاني : طهارته وجواز استعماله في رفع كل من الحدث والخبث ، اختاره صاحب الحـدائق (قدس سره) وقوّاه ونسبه إلى المحقق الأردبيلي (قدس سره) (2) في شرح الارشاد مستنداً إلى أنه ماء محكوم بالطهارة شرعاً فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة على المياه الطاهرة .

   الثالث : الحكم بطهارته وكفايته في رفع الخبث دون الحدث ، ذهب إليه الماتن (قدس سره) وجملة من محققي المتأخرين ، للاجماعات المنقولة على أن الماء المستعمل في إزالة الخبث لا يرفع الحدث .

   وقد ظهر بطلان القول الأول بما ذكرناه في المسألة المتقدمة ، لأن الالتزام بنجاسة ماء الاستنجاء على خلاف ما تقتضيه الأخبار المتقدمة عرفاً فلا مناص من الحكم بطهارته .

  وأمّا القولان الآخران فالأشبه بالقواعد منهما هو الذي اختاره صاحب الحدائق (قدس سره) وذلك لعدم ثبوت ما يمنع عن استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث بعد الحكم بطهارته شرعاً ، سوى الاجماعات المدعى قيامها على أن الماء المستعمل في إزالة الخبث لا يرفع الحدث كما ادعاه العلاّمة (قدس سره) (3) وتبعه جملة من الأعلام كصاحب الذخيرة (4) وغيره . وهذه الاجماعات مختلفة فقد اشتمل بعضها على كبرى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذكرى : 9 السطر 8  .

(2) الحدائق 1 : 469 ، 477 .

(3) المنتهى 1 : 142 .

(4) الذخيرة : 243 السطر 28 .

ــ[307]ــ

كلية طبقوها على ماء الاستنجاء ، كالاجماع المدعى على أن الماء المزيل للنجاسة لا يرفع الحدث ، حيث طبقوه على ماء الاستنجاء لأنه أيضاً ماء مزيل للنجاسة . واشتمل بعضها الآخر على دعوى الاجماع على عدم رافعية خصوص ماء الاستنجاء.

   ولا يمكن الاعتماد على شيء من تلك الاجماعات ، وذلك :

   أمّا أوّلاً : فلما أثبتناه في محله من عدم حجية الاجماعات المنقولة والاجماعات المدعاة في المقام من هذا القبيل ، فان المراد بالاجماع المنقول هو الاجماع الذي لم يبلغ نقله حد التواتر كي يفيد القطع بقول المعصوم (عليه السلام) وإن نقله غير واحد منهم ، ومن الظاهر أن ما ادعاه العلاّمة وغيره من الاجماع غير مفيد للقطع بحكم الإمام بعدم جواز استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث ، بل ولا يفيد الظن الشخصي أيضاً بالحكم ، وغاية ما هناك أن يفيد الظن نوعاً وهو مما لا يمكن الاعتماد عليه .

   وأمّا ثانياً : فلأن بعض مدعي الاجماع في المسألة استند في حكمه ذلك إلى رواية عبدالله بن سنان ، ومع العلم بمدرك المجمعين أو احتماله كيف يكون الاجماع تعبدياً كاشفاً عن قول الإمام (عليه السلام) بل يكون الاجماع مدركياً ولا بدّ من مراجعة مدركه ، فاذا ناقشنا فيه سنداً أو دلالة يسقط الاجماع عن الاعتبار ، ومن ذلك يظهر أ نّا لو علمنا باتفاقهم أيضاً لم يمكن أن نعتمد عليه لأنه معلوم المدرك أو محتمله فلا يحصل العلم من مثله بقول الإمام (عليه السلام) .

   وأمّا ثالثاً : فلأن من المحتمل أن دعواهم الاجماع إنما هي من جهة ذهابهم إلى نجاسة الغسالة مطلقاً ، وعلى ذلك فحكمهم بعدم ارتفاع الحدث بماء الاستنجاء على القاعدة ، فان النجس لا يكفي في رفع الحدث ، فليس هذا من الاجماع التعبدي في شيء .

  وأمّا رواية عبدالله بن سنان (1) التي استند إليها بعض المانعين فهي التي قدمنا نقلها (2) عن أحمد بن هلال حيث ورد فيها «الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 215 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13 .

(2) في ص 283 .

ــ[308]ــ

الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه» وتقريب الاستدلال بها أن ذكر الوضوء في الرواية إنما هو من باب المثال والغرض مطلق رفع الحدث به فيعم الغسل أيضاً ، كما أن الثوب ذكر فيها من باب المثال فان المستعمل في غسل غير الثوب أيضاً محكوم بهذا الحكم ، ويدل عليه ذيل الحديث «وأمّا الذي يتوضأ الرجل به فيغسل وجهه ويده في شيء نظيف فلا بأس ...» أو نلحق الغسل بالوضوء من جهة قوله (عليه السلام) «وأشباهه» أي لا يجوز الوضوء وأشباه الوضوء كالغسل ، فالرواية تدل على أن الماء إذا غسل فيه شيء طاهر نظيف فلا بأس باستعماله في الوضوء والغسل وأمّا إذا غسل فيه شيء غير نظيف فلا يصح استعماله في رفع الحدث مطلقاً ، ومن ذلك يظهر حكم ماء الاستنجاء أيضاً فان مقتضى الرواية عدم كفايته في رفع شيء من الغسل والوضوء حيث غسل به شيء قذر .

   ويدفعه : أن الرواية كما قدمناها ضعيفة سنداً ودلالة ، أمّا بحسب السند ، فلأجل أحمد بن هلال الواقع في طريقها فانّه مرمي بالنصب تارة وبالغلو اُخرى ، وبما أن البعد بين المذهبين كبعد المشرقين استظهر شيخنا الأنصاري (1) (قدس سره) أن الرجل لم يكن له دين أصلاً (2) .

   وأمّا بحسب الدلالة ، فلأن الاستدلال بها إنما يتم فيما إذا قلنا بطهارة الغسالة مطلقاً أو بطهارة بعضها ونجاسة بعضها الآخر ، حيث يصح أن يقال حينئذ إن الرواية دلت باطلاقها على أن الحدث لا يرتفع بالغسالة مطلقاً ولو كانت محكومة بالطهارة كماء الاستنجاء . وأمّا إذا بنينا على نجاسة الغسالة فلا يمكن الاستدلال بها على عدم كفاية ماء الاستنجاء في رفع الحدث ، حيث لا بدّ حينئذ من الاقتصار على مورد الرواية وهو الغسالة النجسة ، ولا يمكن التعدي عنه إلى ماء الاستنجاء لأنه محكوم بالطهارة ولعلّه (عليه السلام) إنما منع عن استعمال الغسالة في رفع الحدث من جهة نجاستها فالرواية لا تشمل ماء الاستنجاء كما أن أكثر المانعين لولا جلهم ذهبوا إلى نجاسة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطهارة :  57 السطر 19 .

(2) تقدّم [ في ص 288 ] أن الرجل موثق ولا ينافيه رميه بالنصب أو الغلو كما مرّ .

ــ[309]ــ

وأمّا المسـتعمل في رفع الخبث غير الاسـتنجاء فلا يجوز استعماله في الوضـوء والغسل ، وفي طهارته ونجاسته خلاف ، والأقوى أن ماء الغسلة المزيلة للعين نجس ، وفي الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغسالة مطلقاً ، ومن هنا ناقشنا في تمامية الاجماع المدعى على المنع فان اتفاقهم هذا مستند إلى نجاسة الغسالة عندهم وليس اجماعاً تعبدياً .

   فالمتحصل أن ما ذهب إليه صاحب الحدائق ونسبه إلى الأردبيلي (قدس سره) من كفاية ماء الاستنجاء في رفع الحدث والخبث هو الأوفق بالقواعد ، وإن كان الأحوط مع التمكن من ماء آخر عدم التوضؤ والاغتسال منه ، كما أن الاحتياط يقتضي الجمع بينهما وبين التيمم في سعة الوقت لهما ، ويقتضي تقديمهما على التيمم مع الضيق ، فان الاكتفاء بالتيمم حينئذ خلاف الاحتياط .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net