قضاء المرتد ما فاته إذا عاد إلى الإسلام - قضاء المخالف الصلاة الفائتة بعد استبصاره 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7226


ــ[107]ــ

   [1780] مسألة 4: المرتّد يجب عليه قضاء ما فات أيّام ردّته بعد عودته إلى الإسلام، سواء كان عن ملّة أو فطرة (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في أنّ دليل المخصّص باطلاقه يعمّ الحالتين، أي حالة كون الحيض والنفاس بالاختيار وعدم كونهما كذلك.

   فلا فرق في سقوط القضاء في موارد الحيض والنفاس والجنون بين الحالتين حتّى ولو قلنا باختصاص الحكم في المغمى عليه بما إذا كان ذلك بقهر الله وغلبته إذ لا ملازمة بين المقامين، فانّ التعليل بغلبة الله إنّما ورد في الإغماء، فهو إذن حكم في مورد خاص، فلا مجال للتعدّي.

 حكم المرتدّ إذا عاد:

   (1) لا ينبغي الإشكال في تكليف المرتد - بكلا قسميه - بالفروع كالاُصول وما ذكرناه في الكافر الأصلي غير جار هنا، بل قد ورد أنّ المرأة تضرب أوقات الصلوات(1). فلا دليل على سقوط التكليف بعد شمول الإطلاقات له وإذا كان المرتدّ مأموراً بالصلاة في الوقت - كسائر الواجبات - فمع تركه لها يصدق الفوت، فيتحقّق موضوع القضاء لا محالة.

   ولا دليل على سقوطه في المقام، فانّ دليل السقوط عن الكافر إن كان هي السيرة القطعية فمعلوم أنّ السيرة غير متحقّقة هنا، فانّ المرتدّ الملّي - وهو المسبوق بالكفر - كان يقتل في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الاستتابة، وأمّا الفطري فلم يعهد في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يمكن دعوى قيام السيرة على نفي القضاء عنه؟

   وإن كان حديثَ الجبّ(2) فكذلك، إذ ظاهر الحديث أنّ الإسلام يجبّ ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28: 330/ كتاب الحدود والتعزيرات ب 4 ح 1.

(2) المتقدّم في ص 97.

ــ[108]ــ

وتصحّ منه وإن كان عن فطرة على الأصح (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبله إذا كان السابق على الإسلام بتمامه كفراً، لا أنّ بعضه كان كفراً وبعضه كان إسلاماً.

   وإن كان هو قصورَ المقتضي لأجل عدم تكليفه بالفروع - وهو الذي اعتمدنا عليه، واستظهرناه ممّا دلّ على أنّ الناس يؤمرون بالإسلام ثمّ بالولاية(1) - فمن الواضح عدم جريانه في المقام.

   أمّا أوّلا: فلأنّ مقتضى إطلاق الدليل المذكور هو أنّه بعد تحقّق الإسلام - ولو آناً ما - يؤمر بالولاية، وكذا سائر الفروع مطلقاً، سواء أحصل الارتداد بعد ذلك أم لا. فهو على ثبوت القضاء عليه أدلّ.

   وثانياً: مع الغضّ عن ذلك فالمرتدّ غير مشمول للدليل المذكور بعد أن كان محكوماً عليه بأنّه يقتل وتبين منه زوجته وتقسّم أمواله، فانّ الرواية تنظر إلى الكافر الأصلي فقط، ومنصرفة عن مثل المقام ممّن هو محكوم بالقتل.

   وعلى الجملة: فالدليل على السقوط في المقام مفقود، والإطلاقات والعمومات فيه محكّمة لكونها شاملة للمرتدّ كالمسلم. فلا فرق بينهما في وجوب الأداء والقضاء.

   (1) على ما تقدّم البحث حول ذلك مستوفى في كتاب الطهارة(2) حيث قلنا: إنّه لا إشكال في قبول توبة المرتد إذا كان امرأة، وأمّا إذا كان رجلا فقبول توبته واقعاً - أي بينه وبين ربّه - ممّا لا يعنينا البحث عنه، وأمّا ظاهراً فبالنسبة إلى الأحكام الخاصّة كالقتل وبينونة الزوجة وتقسيم أمواله فهي لا تقبل جزماً، بنصّ الروايات الدالةّ على ذلك.

   وأمّا بالنسبة إلى ما عداها من الأحكام عند فرض عدم قتله وبقائه حياً - كما في أمثال زماننا هذا - فهل تقبل توبته ويعامل معه معاملة المسلمين أو لا؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدّم في ص 95.

(2) شرح العروة 4: 199.

ــ[109]ــ

   [1781] مسألة 5: يجب على المخالف قضاء ما فات منه (1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الظاهر هو ذلك، بل لا ينبغي الشكّ فيه، لعدم الشكّ في تكليفه بالصلاة أداءً، حيث لا يحتمل في حقّه استثناؤه من حكم سائر المكلفّين حتّى يمتاز عنهم بسقوط الصلاة عنه. فاذا كان مكلّفاً بالصلاة وكان مسلماً ترتّب عليه سائر الأحكام من طهارة البدن ونحوها، ومنها وجوب القضاء.

   وبكلمة اُخرى: يدور الأمر في المقام بين أن تقبل توبته ظاهراً فيصلّي ويصوم ويحكم بطهارة بدنه، وهكذا تجري عليه كافّة أحكام الإسلام، وبين أن يقال بعدم قبول توبته وسقوط التكليف عنه وبقائه على حكم الكفر، لا يقبل شيء من عباداته. وحيث لا يمكن الالتزام بالثاني، بل لعلّه خلاف المقطوع به فلا جرم يتعيّن الأوّل.

 حكم المخالف المستبصر:

   (1) كما تقتضيه القاعدة، إذ لا ريب في كونه مكلفاً بالأحكام، وليس هو مثل الكافر يجري فيه البحث عن تكليفه بالفروع - كالاُصول - وعدمه، فمع ثبوت التكليف في حقّه وتحقّق الفوت منه يشمله دليل القضاء بطبيعة الحال.

   إلاّ أنّه وردت روايات خاصة دلّت على نفي القضاء عنه إذا استبصر فيما إذا كان قد أتى به على وفق مذهبه، فيستكشف منها التخصيص في أدلّة الأجزاء والشرائط والموانع، وأنّ تلكم الأحكام الواقعية لا تعمّ المخالف الذي استبصر فيما بعد بنحو الشرط المتأخّر.

   ففي صحيحة العجلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم مَنّ الله عليه وعرّفه الولاية فانّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة، لأنّه يضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية، وأمّا الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء»(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9: 216/ أبواب المستحقّين للزكاة ب 3 ح 1.

ــ[110]ــ

   وصحيحة ابن اُذينة قال: «كتب إليّ أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ كلّ عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه، ثم مَنّ الله عليه وعرّفه هذا الأمر فانّه يؤجر عليه ويكتب له إلاّ الزكاة فانّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير موضعها، وإنّما موضعها أهل الولاية، فأمّا الصلاة والصوم فليس عليه قضاؤهما»(1).

   وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «أنّهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه، أيعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة، ولا بدّ من أن يؤدّيها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، وإنّما موضعها أهل الولاية»(2).

   ثمّ إنّه لا ريب في عدم شمول هذه النصوص المخالف الذي فاتته الصلاة بأن تركها رأساً، إذ الموضوع فيها هو كلّ عمل عمله وكلّ صلاة صلاّها، فلابدّ إذن من فرض صلاة صدرت منه خارجاً، بل في صحيحتي العجلي وابن اُذينة «فانّه يؤجر عليه» وكيف يؤجر من لم يعمل شيئاً على ما لم يفعله.

   وعليه فيكون من فاتته الصلاة مشمولا لما تقتضيه القاعدة من وجوب القضاء، عملا باطلاقات أدلّة الفوت المفروض سلامتها - لأجل قصور النصوص المتقدّمة - عن المقيّد، وهذا ممّا لا خلاف فيه.

   نعم، قد يظهر من بعض النصوص سقوط القضاء في المقام أيضاً، وهو ما رواه الشهيد (قدس سره) في الذكرى نقلا عن كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله وكذلك الكشي (رحمه الله) في كتابه بسنديهما عن عمّار الساباطي قال «قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله (عليه السلام) وأنا جالس: إنّي منذ عرفت هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9: 217/ أبواب المستحقّين للزكاة ب 3 ح 3.

(2) الوسائل 9: 216/ أبواب المستحقّين للزكاة ب 3 ح 2.

ــ[111]ــ

الأمر اُصلّي في كلّ يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي، قال: لا تفعل فانّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة»(1).

   لكن الرواية ضعيفة السند، فلا يعتمد عليها في الخروج عمّا تقتضيه القاعدة مع عدم الجابر لها أيضاً لو سلّم الانجبار كبروياً.

   وقال الشهيد (قدس سره) في تفسير الرواية: يعني ما تركت من شرائطها وأفعالها، وليس المراد تركها بالكلّية. وهو استظهار حسن لا بأس به فراراً من طرح الرواية.

   ويلحق بذلك: ما لو كان قد أتى بالصلاة فاسدة على مذهبه ومذهبنا معاً فانّها أيضاً لا تكون مشمولة لهذه النصوص، فانّ منصرفها هي الصلوات التي كان يعتقد صحتها، بحيث كان يرى عدم لزوم قضائها بعد الاستبصار لولا الولاية.

   وأمّا الناقصة بنظره من غير جهة الولاية أيضاً لفقد جزء أو شرط أو الاقتران بمانع ممّا هو محكوم عليه بالبطلان لدى الفريقين بحيث لم يكن المخالف يرى في حين العمل تفريغ الذمّة بمثله فالنصوص غير ناظرة إليه ومنصرفة عنه، فيبقى هذا الفرض - كالفرض السابق عليه - مشمولا للقاعدة، ومقتضاها وجوب القضاء.

   وأمّا إذا كان قد صلّى على وفق مذهبه فهذا هو المتيقّن دخوله تحت النصوص التي هي بحسب النتيجة مخصّصة للأدلّة الأوّلية على سبيل الشرط المتأخّر كما مرّ، وحينئذ فيحكم بصحة جميع الأعمال السابقة، بل يؤجر عليها عدا الزكاة حيث كان قد صرفها في غير مصارفها ووضعها في غير موضعها كما نطقت به النصوص، فانّ موضعها هم المؤمنون ومن يكون من أهل الولاية
فالدفع إلى غيرهم لا يستوجب تفريغ الذمّة، فانّه نظير ما لو أدّى دينه إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1: 127/ أبواب مقدّمة العبادات ب 31 ح 4، الذكرى 2: 432، رجال الكشي: 361/667.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net