أدلّة عدم جواز تقليد الميِّت ابتداءً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 16576


    أدلة المانعين

   وقد استدلوا على عدم جواز تقليد الميت إبتداءً بوجوه :

   الأوّل : ما عن جملة من الأعاظم من دعوى الاجماع على عدم الجواز وأن ذلك مما امتازت به الشيعة عن أهل الخلاف ، لأنهم ذهبوا إلى جواز تقليد الأموات ، ومن هنا قلّدوا جماعة منهم في أحكامهم ، ولم تقبل الشيعة ذلك لاشتراطهم الحياة في من يجوز تقليده . وقد بيّنا أن مخالفة المحقق القمي والمحدّثين ليست من المخالفة في محل الكلام وإنما هي مبتنية على مسلكهما الفاسدين ، ولم يظهر ذهابهما إلى جواز تقليد الميت على القول بالانفتاح ، وكون الرجوع إلى المجتهد من الرجوع إلى أهل الخبرة والاطلاع .

   وفيه : أن الاجماع المدعى على تقدير تحققه ليس إجماعاً تعبدياً قابلاً لاستكشاف قول المعصوم (عليه السّلام) به ، كما إذا وصل إليهم الحكم يداً بيد عنهم (عليهم السّلام) لاحتمال أن يستندوا في ذلك إلى أصالة الاشتغال أو إلى ظهور الأدلة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفوائد المدنية : 143 .

 
ــ[81]ــ

اشتراط الحياة في من يجوز تقليده أو غير ذلك من الوجوه ، ومعه لا يمكن الاعتماد على إجماعهم ، لوضوح أن الاتفاق بما هو كذلك مما لا اعتبار به ، وإنما نعتبره إذا استكشف به قول المعصوم (عليه السّلام) .

   الثاني : أن الأدلة الدالة على حجية فتوى الفقيه ظاهرة الدلالة على اعتبار الحياة في جواز الرجوع إليه ، لظهور قوله عزّ من قائل : (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم )(1) . في إرادة إنذار المنذر الحي ، إذ لا معنى لانذار الميت بوجه . وأمّا صحة حمل المنذر على الكتاب أو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنما هي بلحاظ أنهما إنما ينذران بأحكام الله سبحانه وهو حي ، ولما ورد «من أن الكتاب حي وأنه يجري مجرى الشمس والقمر» (2) ، وكذا قوله : (فاسئلوا أهل الذكر )(3) لو تمت دلالته على حجية فتوى الفقيه ، وذلك لأن الميت لا يطلق عليه أهل الذكر بالفعل . وقوله : «أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه» إذ الميت غير متّصف بشيء مما ذكر في الحديث ، فإن لفظة «كان» ظاهرة في الاتصاف بالأوصاف المذكورة بالفعل ، لا الاتصاف بها في الأزمنة السابقة .

   وأمّا الأخبار الآمرة بالرجوع إلى أشخاص معيّنين ، فقد تقدم أن ظهورها في إرادة الحي مما لا خدشة فيه ، لأن الميت لا معنى للارجاع إليه .

   وبما ذكرناه يظهر أن السيرة العقلائية المستدل بها على جواز الرجوع إلى الميت بحسب الابتداء مردوعة في الشريعة المقدّسة، لظهور الأدلّة في اعتبار الحياة في من يرجع إليه في الأحكام وعدم جواز تقليد الميت إبتداء .

   ويرد عليه : أن ظهور الأدلة في اشتراط الحياة في من يجوز تقليده وإن كان غير قابل للانكار ، لما بيّنا من أن كل قضية ظاهرة في الفعلية بالمعنى المتقدم ، إلاّ أنها ليست بذات مفهوم لتدلّنا على حصر الحجية في فتوى الحي من المجتهدين وعدم حجية فتوى أمواتهم ، ومعه يمكن أن تكون فتوى الميت حجة كفتوى الحي ، غاية الأمر أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) توبة 9 : 122 .

(2) تفسير العياشي 1 : 11 / ح 5 .

(3) النحل 16 : 43 .

ــ[82]ــ

الأدلّة المتقدمة غير دالة على الجواز ، لا أنها تدل على عدم الجواز ، وبين الأمرين بون بعيد .

   وأمّا رواية الاحتجاج «من كان من الفقهاء ...» فهي وان لم يبعد دلالتها على حصر الحجية في فتوى الفقيه المتصف بالأوصاف الواردة فيها ، إلاّ أنها لضعفها غير صالحة للاستدلال بها كما مرّ . إذن لا يستفاد من شيء من الكتاب والسنة عدم جواز التقليد من الأموات . نعم ، لو كان الدليل منحصراً بهما لم يمكننا الحكم بجواز تقليد الميت لعدم الدليل عليه إلاّ أن الدليل غير منحصر بهما كما لا يخفى . ثمّ إن الأدلة وإن لم تكن لها دلالة على عدم الحجية ، إلاّ أنه ظهر بما قدّمناه أنه لا مجال للاستدلال باطلاقها على حجية فتوى الميت إذ لا إطلاق لها ، بل الأمر كذلك حتى على تقدير إطلاقها لما عرفت من أنه غير شامل للمتعارضين على ما قدّمنا تقريبه .

   الثالث : أن فتوى الميت لو قلنا بحجيتها لا يخلو إما أن نقول باعتبارها حتى إذا كان الميت مساوياً في الفضيلة مع الأموات والأحياء ولم يكن أعلم من كلتا الطائفتين وإمّا أن نقول بحجيتها فيما إذا كان الميت أعلم .

   أمّا الصورة الاُولى : فالقول فيها بحجية فتوى الميت وجواز الرجوع إليه وإن كان أمراً ممكناً بحسب مرحلة الثبوت على ما التزمت به العامة وقلّدوا أشخاصاً معيّنين من الأموات ، إلاّ أنه لا يمكن الالتزام به بحسب مرحلة الاثبات لقصور الدليل ، وذلك لما تقدم من العلم بالاختلاف بين الأموات أنفسهم فضلاً عن الاختلاف بين الميت والأحياء ، وقد تقدم أن الأدلة غير شاملة للمتعارضين .

   وأما دعوى أن المكلف عند تساوي المجتهدين في الفضيلة يتخير بينهما للاجماع الّذي ادعاه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) على ما يأتي في محلّه (1) . فيدفعها : أن الاجماع على تقدير تسليمه أيضاً غير شامل لفتوى الميت ، لاختصاصه بالمتساويين من الأحياء فإن الأموات قد ادعوا الاجماع على عدم جواز تقليدهم كما مرّ ، ومعه كيف يمكن دعوى الاجماع على التخيير بينهم في أنفسهم أو بينهم وبين الأحياء . على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 93  .

ــ[83]ــ

أ نّا لا نلتزم بالتخيير بوجه حتى إذا كان كلا المجتهدين حياً فضلاً عمّا إذا كان أحدهما ميتاً كما يأتي عن قريب إن شاء الله .

   وأمّا الصورة الثانية : أعني ما إذا كان الميت أعلم من الكل فالحكم فيها بجواز الرجوع إليه وإن كان ممكناً بحسب مرحلتي الثبوت والاثبات ، للسيرة العقلائية الجارية على الرجوع إلى قول الأعلم من المتخالفين ، بلا فرق في ذلك بين الحي والميت ، ومن هنا قلنا إنهم إذا شخصوا المرض في المريض لراجعوا في العلاج إلى مثل القانون من الكتب الطبية للأطباء الأقدمين ، وقدّموه على قول غيره من الأطباء الأحياء إذا كان مؤلّفه أعلم ولا يراجعون إلى الحي حينئذ ، إلاّ أن السيرة مما لا يمكن الإستدلال بها في المقام ، وذلك لاستلزامها حصر المجتهد المقلد في شخص واحد في الأعصار بأجمعها لأن أعلم علمائنا من الأموات والأحياء شخص واحد لا محالة ، فإذا فرضنا أنه الشيخ أو غيره تعيّن على الجميع الرجوع إليه حسبما تقتضيه السيرة العقلائية ، وذلك للعلم الاجمالي بوجود الخلاف بين المجتهدين في الفتيا ويأتي أن مع العلم بالمخالفة يجب تقليد الأعلم فحسب من دون فرق في ذلك بين عصر وعصر ، وهو مما لا يمكن الالتزام به لأنه خلاف الضرورة من مذهب الشيعة ولا يسوغ هذا عندهم بوجه لتكون الأئمة ثلاثة عشر .

   وبهذا تكون السيرة العقلائية مردوعة ، فلا يبقى أي دليل يدل على جواز تقليد الميت إذا كان أعلم من كلتا الطائفتين ، هذا كلّه في المقام الأول وهو تقليد الميت إبتداءً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net