المواسعة والمضايقة \ أدلّة القول بالمضايقة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4946


ــ[160]ــ

   [1803] مسألة 27: لا يجب الفور في القضاء، بل هو موسّع ما دام العمر إذا لم ينجر إلى المسامحة في أداء التكليف والتهاون به (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    فورية القضاء:

   (1) الكلام في فورية القضاء وعدمها وأنّ القضاء هل يجب على سبيل المواسعة أو المضايقة يقع من ناحيتين:

   فتارة يبحث من ناحية الوجوب الشرطي بالنسبة إلى فريضة الوقت، وأنّه هل يعتبر في صحّة الحاضرة تفريغ الذمّة عن القضاء ما لم يتضيّق وقتها أو لا.

   واُخرى يكون البحث فيها من ناحية الوجوب النفسي وأنّه هل تجب المبادرة إلى القضاء في حدّ نفسه وإن لم يدخل وقت الصلاة الحاضرة بعد، أو أنّه موسّع.

   والكلام فعلا متمحّض في الناحية الثانية، وهو المناسب لباب القضاء بما هو كذلك، وهو المعروف ببحث المواسعة والمضايقة. وأمّا الناحية الاُولى فسيجيء البحث عنها إن شاء الله تعالى عند تعرّض الماتن (قدس سره) لها في المسألة التالية.

   وخلاصة القول: أنّ في المسألة جهتين من البحث، لابدّ من إفراد كلّ منهما بالذكر، وعدم خلط إحداهما بالاُخرى كما وقع ذلك في كثير من الكلمات.

   فنقول: إنّه حكي عن غير واحد من الأصحاب (قدس سرهم) وجوب المبادرة إلى القضاء والقول بالمضايقة، بل نسبه في الحدائق إلى المشهور بين القدماء(1) ، وبالغ بعضهم في ذلك حتّى أنّه منع من الاشتغال بالأكل والشرب والكسب إلاّ بمقدار الضرورة.

   ونسب إلى جماعة آخرين - بل هو المشهور بين المتأخّرين - القول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 6: 336.

 
 

ــ[161]ــ

بالمواسعة وعدم التضييق إلاّ إذا أدّى إلى المسامحة الموجبة للتضييع.

 ويستدلّ للقول بالمضايقة باُمور:

   أحدها: قاعدة الاشتغال وأصالة الاحتياط.

   ويتوجّه عليه: أنّ وجوب المبادرة إلى القضاء أمر مشكوك فيه فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. وقد أطبق العلماء كافةً الاُصوليون والأخباريون على الرجوع إليها في الشبهة الحكمية الوجوبية، ولم ينقل الخلاف فيه إلاّ عن المحدّث الاسترابادي على ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره)(1) . والخلاف الواقع بين الفريقين إنّما هو في الشبهات الحكمية التحريمية، دون الوجوبية التي منها المقام.

   ثانيها: أنّ مقتضى الأمر بالقضاء هو وجوب المبادرة إليه، فانّ الأمر بالشيء ظاهر في الفور.

   ويتوجّه عليه: ما تقرّر في محلّه من عدم دلالة الأمر لا على الفور ولا على التراخي، لا لغة ولا عرفاً ولا شرعاً، وإنّما مقتضاه إيجاد الطبيعة المأمور بها مهملة من كلتا الناحيتين(2) .

   ثالثها: قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى)(3) بدعوى ظهوره ولو بمعونة الروايات الواردة في تفسيره(4) في إرادة القضاء، وأنّ مفاد الآية الكريمة وجوب إقامة القضاء لدى التذكّر كما عن غير واحد من المفسّرين.

   قلت: الاستدلال بالآية الكريمة للمضايقة بدعوى ظهورها في نفسها أو بضميمة الروايات في ذلك عجيب وإن صدر عن غير واحد، ويظهر ذلك بالنظر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 378.

(2) محاضرات في اُصول الفقه 2: 213.

(3) طه 20: 14.

(4) وسيذكر بعضها في ص 163.

ــ[162]ــ

إلى الآيات التي سبقت الآية الكريمة، قال تعالى: (وَهَلْ أَتَـكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَءَا نَاراً فَقَالَ لاَِهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى ءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّى ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَس أَوْ أَجْدُ عَلَى النَّارِ هُدىً * فَلَمَّآ أَتَـهَا نُودِىَ يَـمُوسَى * إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوَحى * إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى)(1) .

   وهذه الآيات كما ترى نازلة في شأن موسى (عليه السلام) في بدء رسالته وأوّل زمان نزول الوحي عليه، ولم يكن قد شرعت الصلاة ولا أيّ شيء آخر في ذلك الحين، فكيف يؤمر - والخطاب متوجّه إليه - بقضاء الصلوات المفروض تفرّعه على الأمر بالأداء في فرض ترك الإتيان به، ولم يؤمر هو بعدُ بشيء، لما عرفت من كون الخطاب المذكور إنّما هو ضمن الآيات النازلة عليه في مبدأ النبوة؟ فهل ترى أنّ للقضاء أهمية عظمى دعت الباري سبحانه إلى الأمر به في هذه الحال مقدّماً على جميع التكاليف حتّى الأمر بالصلاة أداء.

   على أنّ النبيّ موسى (عليه السلام) من أنبياء الله العظام، وهو أحد الخمسة أولي العزم، فلا يكاد يغفل عن ربّه طرفة عين، فكيف يحتمل في حقّه ترك الصلاة الواجبة في وقتها ولو كان ذلك لنوم أو نسيان ونحوهما حتّى يؤمر بالقضاء عند تذكّر الفوت، كلّ ذلك غير واقع.

   بل الآية الكريمة ناظرة إلى تشريع طبيعي الصلاة، ولا مساس لها بباب القضاء، إمّا لأجل أنّ الغاية إنّما هو ذكر الله تعالى الذي هو المقصد الأسمى من العبادة، أو لاشتمالها على الذكر لتضمّنها التحميد والتقديس والركوع والسجود وكلّ ذلك خشوع وخضوع وذكر لله سبحانه وتعالى.

   فالإضافة في قوله تعالى: (لِذِكْرِى) من إضافة المصدر إلى المفعول، والمعنى لذكرك إياي ولأن تكون ذاكراً لي في كلّ حال، لا من إضافته إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طه 20: 9 - 14.

ــ[163]ــ

الفاعل ليكون المعنى: لذكري إياك أنّك تركت الصلاة، كي تدلّ على وجوب القضاء.

   فالإنصاف: أنّ الآية الكريمة في نفسها غير ظاهرة في وجوب القضاء، فضلا عن المبادرة إليه، بل هي أجنبية عن ذلك. ودع عنك المفسّرين يقولون ما قالوا ويفسّرون الآية بما شاؤوا، إذ لا عبرة بآرائهم واستظهاراتهم ما دمنا نستمدّ الأحكام الشرعية من ظواهر القرآن الكريم أو بضميمة التفسير الوارد عن المعصومين (عليهم السلام)، وقد عرفت أنّ ظاهر الآية أجنبي عمّا ذكروه.

   وأمّا الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) في تفسير الآية الشريفة فما يوهم منها المعنى المذكور روايتان:

   إحداهما: ما رواه الشيخ (قدس سره) باسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اُخرى فان كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الاُخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فانّ الله عزّ وجلّ يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى)»(1) .

   وهي ضعيفة السند بالقاسم بن عروة، ومع الغضّ عن السند فالجواب عنها هو الجواب الآتي عن الرواية الثانية، فليتأمّل.

   ثانيتهما: صحيحة زرارة - على ما عبّر به الشهيد في الذكرى - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا دخل وقت مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة - إلى أن قال بعد نقل قصة تعريس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره، ورقوده هو وأصحابه عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، وقضائهم لها بعد التحّول من المكان الذي أصابتهم الغفلة فيه: - من نسي شيئاً من الصلوات فليصلّها إذا ذكرها، فانّ الله عزّ وجل يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى)»(2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 287/ أبواب المواقيت ب 62 ح 2، التهذيب 2: 172/686.

(2) الوسائل 4: 285/ أبواب المواقيت ب 61 ح 6، الذكرى 2: 422.

ــ[164]ــ

   وأنت خبير بأنّ الصحيحة ليست بصدد تفسير الآية الكريمة وبيان ما هو المراد منها، بل غاية ما هناك تطبيق الآية على موردها، باعتبار أنّ القضاء من جملة مصاديق الصلاة المأمور بها لأجل ذكر الله تعالى، فقد حثّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس على قضاء ما فاتهم من الصلوات مستشهداً له بالآية الكريمة الآمرة باقامة الصلاة، لكي يكون العبد ذاكراً لله تعالى وغير غافل عنه بالإتيان بما فرضه الله عليه من الصلوات أداءً وقضاءً. وكم فرق بين التفسير والتطبيق؟

   فالإنصاف: أنّ الاستدلال بالآية المباركة - بنفسها أو بضميمة الروايات - للقول بالمضايقة في القضاء ساقط جدّاً.

   رابعها: الروايات، وهي على طوائف:

   منها: ما وردت في من نام عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، وأنّه يقضيها حين يستيقظ.

   كصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس أيصلّي حين يستيقظ، أو ينتظر حتّى تنبسط الشمس؟ فقال: يصلّي حين يستيقظ، قلت: يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال: بل يبدأ بالفريضة»(1) .

   وموثّقة سماعة بن مهران قال: «سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس، قال: يصلّيها حين يذكرها، فانّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس ثمّ صلاّها حين استيقظ، ولكنّه تنحى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى»(2) .

   وفيه: أنّ الباعث على السؤال في الروايتين إنّما هو تخيّل الرواي المنع عن إقامة الصلاة حين طلوع الشمس، لما ورد عنهم (عليهم السلام) من النهي عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 284/ أبواب المواقيت ب 61 ح 4.

(2) الوسائل 8: 254/ أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 5.

ــ[165]ــ

التنفّل في الوقت المذكور(1) المحمول على الكراهة كما تقدّم بيانه في محلّه(2) ، فقد توهّم شمول النهي المذكور - الذي اشتهر عندهم وكان مغروساً في أذهانهم - لمثل قضاء الفريضة.

   ولأجل ذلك تصدّوا للسؤال عن جواز القضاء عند بزوغ الشمس، وقد أجاب (عليه السلام) بجوازه من غير انتظار انبساطها مستشهداً له بفعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعلم بذلك أنّ النهي عن التنفّل في الوقت المذكور غير شامل للفرائض.

   وخلاصة القول: أنّ الاستدلال بالروايتين مبني على أن يكون السؤال عن وجوب القضاء. وليس الأمر كذلك، وإنّما هو عن جوازه لما عرفت. فقوله (عليه السلام): «يصلّي حين يستيقظ» أمر واقع موقع توهّم الحظر، ومثله لا يدلّ إلاّ على الجواز دون الوجوب.

   ومنها: جملة من الروايات - وفيها الصحاح - قد دلّت على الإتيان بالقضاء متى ما ذكر الفائتة من ليل أو نهار، أو إذا ذكرها، بحمل «إذا» على التوقيت وأوضحها هي:

   صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسي صلاة لم يصلّها، أو نام عنها، فقال: يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فاذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت، وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها، فاذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها»(3) .

   وفيه: أنّ التضيّق في هذه الروايات ناظر إلى بيان الوجوب الشرطي، وأنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 236/ أبواب المواقيت ب 38 ح 6، 9 وغيرهما.

(2) شرح العروة 11: 361.

(3) الوسائل 8: 256/ أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.

ــ[166]ــ

الشرط في صحّة الحاضرة أو التطوّع إنّما هو فراغ الذمّة عن القضاء ما دام لم يفت به وقت الحاضرة، وهذه مسألة اُخرى أجنبية عمّا نحن بصدده الآن، فقد أشرنا في صدر البحث إلى أنّ الكلام في المواسعة والمضايقة يقع تارة في الوجوب النفسي واُخرى في الوجوب الشرطي، والكلام فعلا معقود للجهة الاُولى، وهذه الروايات غير دالّة على الوجوب المذكور كما لا يخفى.

   وأمّا كلمة «إذا» في قوله (عليه السلام): «إذا ذكرها» فليست للتوقيت لتدلّ على ظرف العمل وأنّه حال الذكر، بل هي شرطية تدلّ على اختصاص فعلية التكليف بالحال المذكور، فيكون التقييد بالذكر من باب كونه شرطاً للتكليف لا من باب كونه ظرفاً للعمل المكلّف به. فهو قيد للوجوب لا للواجب.

   وقد ذكرنا في غير مورد اختصاص الأحكام الواقعية بحال الذكر والالتفات وعدم ثبوتها في حقّ الناسي، ومن هنا كان الرفع في حديث الرفع بالنسبة إلى «ما لا يعلمون» ظاهرياً، ولذلك يحسن الاحتياط عند الجهل. وأمّا بالنسبة إلى غيره من المذكورات في سياقه كالخطأ والنسيان والإكراه والاضطرار وغير ذلك فهو واقعي.

   فالتقييد بقوله (عليه السلام): «إذا ذكرها ...» لبيان هذه النكتة وأنّه لا تكليف بالقضاء حتى واقعاً ما دام لم يتذكّر، وإنّما يبلغ التكليف المذكور حدّ الفعلية ويتوجّه نحو المكلّف في حال التذكّر، من دون دلالة لهذه النصوص على أنّ ظرف العمل - أعني به القضاء - هو هذه الحال كي تجب المبادرة إليه أو أنّه موسّع كي لا تجب.

   وعلى الجملة: أنّ كلمة «إذا» في هذه الروايات شرطية لا توقيتية، فلا تدلّ على وجوب المبادرة إلاّ على القول باقتضاء الأمر للفور، ولا نقول به. وقد عرفت أنّ الصحيحة ناظرة إلى بيان الوجوب الشرطي دون النفسي الذي هو محلّ الكلام، وسيأتي الكلام فيه.

   وأمّا عدم جواز التطوّع لمن عليه الفائتة - الذي تضمّنه ذيل الصحيحة ـ

ــ[167]ــ

فقد مرّ الكلام عليه في بحث المواقيت(1) ولا نعيد، هذا كلّه.

   مع أنّ الضيق الذي يدّعيه القائلون بالمضايقة إمّا أن يراد به الضيق الحقيقي بمعنى وجوب المبادرة في آن الالتفات وأوّل زمان التذكّر كما قد يظهر من بعض القائلين به، حيث إنّهم بالغوا في ذلك فالتزموا بالاقتصار على الضروري من المأكل والمشرب والكسب ونحو ذلك، ويساعده ظواهر النصوص المتضمّنة لقوله (عليه السلام): «متى ذكرها» أو «إذا ذكرها»، أو يراد به الضيق العرفي الذي لا ينافيه التأخير اليسير كساعة ونحوها.

   فعلى الأوّل: فالنصوص الواردة في نوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن صلاة الفجر - وقد تقدّم ذكر بعضها(2) - تكون حجّة عليهم بناء على الأخذ بها والالتزام بمضمونها.

   فانّا تارة نبني على عدم العمل بالنصوص المذكورة وإن صحّت أسانيدها لمنافاتها لمقام النبوّة، سيما مع ملاحظة ما ورد في الأخبار في شأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنّه كانت تنام عينه ولا ينام قلبه(3) ، فكيف يمكن أن ينام عن فريضة الفجر ! فلا محالة ينبغي حملها على التقية أو على محمل آخر.

   واُخرى نبني على العمل بها بدعوى أنّ النوم من غلبة الله، وليس هو كالسهو والنسيان المنافيين لمقام العصمة والنبوّة، ولا سيما بعد ملاحظة التعليل الوارد في بعض هذه النصوص من أنّ ذلك إنّما كان بفعل الله سبحانه رحمة على العباد، كي لايشقّ على المؤمن لو نام اتفاقاً عن صلاة الفجر(4).

   وعليه فتكون هذه النصوص منافية للتضييق الحقيقي، لدلالتها على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد انتباهه من النوم واعتراضه على بلال واعتذار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 11: 337.

(2) في ص 163.

(3) البحار 73: 202/20.

(4) الوسائل 8: 254/ أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 6.

ــ[168]ــ

هذا منه أمر بالارتحال من المكان المذكور، ثمّ بعد ذلك أذنّ بلال فصلّى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح.

   ومعلوم أنّ هذه الاُمور السابقة على صلاة الصبح تستغرق برهة من الوقت
فلم يقع إذن قضاء الصبح أوّل آن التذكّر، بل تأخّر عنه بمقدار ينافي الضيق الحقيقي.

   وعلى الثاني: وهو أنّ يراد به الضيق العرفي غير المنافي للتأخير بمقدار يسير
فلا دليل على اعتبار مثله، فانّ ظواهر النصوص المستدلّ بها للتضيق إنّما هو الضيق الحقيقي دون العرفي كما عرفت.

   نعم، إنّ صحيحة أبي ولاّد الواردة في حكم المسافر القاصد للمسافة وقد عدل عن قصده ذلك قبل الوصول إلى غايته وصلّى قصراً ظاهرة في الضيق العرفي، لقوله (عليه السلام) فيها: «وإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فانّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك ذلك ...»(1) .

   حيث إنّه (عليه السلام) حكم بقضاء ما صلّاه قصراً إذا لم يبلغ المسافة، كما تقتضية القاعدة أيضاً، فانّ سفره حينئذ كان خيالياً لا واقعياً، وحكم أيضاً بلزوم إيقاع القضاء في المكان نفسه قبل أن يخرج منه. فتكون الرواية دالّة على التضيق العرفي في القضاء، نظراً إلى تحديده بما قبل خروجه عن المكان، دون التضيق الحقيقي في أوّل آن التذكّر، هذا.

   ولكنّ الصحيحة وإن كانت قوّية الدلالة على المضايقة، إلاّ أنّها محمولة على الاستحباب في أصل القضاء فضلا عن اعتبار التضيق فيه. والأصحاب لم يعملوا بها في موردها، لأجل معارضتها لصحيحة زرارة قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 469/ أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

ــ[169]ــ

الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا، وانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلّاها ركعتين؟ قال: تمّت صلاته ولا يعيد»(1) .

   فالمتحصّل إلى هنا: أنّ ما استدلّ به للمضايقة من الروايات ساقط كلّه، ولا يمكن التعويل على شيء من ذلك، فانّ العمدة فيها كانت صحيحتي زرارة وأبي ولاّد، وقد عرفت حالهما. إذن فتكفينا في المقام أصالة البراءة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 521/ أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net