حكم انحصار الماء في المشتبهين من حيث وجوب التيمم أو التوضؤ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6635


ــ[356]ــ

   [ 155 ] مسألة 7 : إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمم (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   انحصار الماء في المشتبهين

   (1) الكلام هنا في مقامين :

   الأوّل : في مشروعية التيمم وجوازه ، وهو مما لا إشكال فيه وقد ثبت ذلك بالنص ففي موثقة سماعة قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره ؟ قال: يهريقهما جميعاً ويتيمم» (1) وبمضمونها موثقة عمار(2) وهل الحكم المذكور على طبق القاعدة أو أنه تعبّدي ؟ .

   تظهر ثمرة الخلاف في إمكان التعدي عن موردهما ـ  وهو الماءان القليلان بمقتضى قوله : وقع في أحدهما قذر ، لأن الذي ينفعل بوقوع القذر فيه ليس إلاّ القليل  ـ فيصح على الأوّل دون الثاني ، ولا بدّ لتحقيق الحال في المقام من بيان صور التوضؤ والاغتسال بالماءين المشتبهين فنقول : إن لاستعمالهما صوراً ثلاثاً :

   الاُولى : أن يتوضأ بأحدهما ويصلي أوّلاً ، ثم يغسل مواضع إصابة الماء الأوّل بالماء الثاني ، ويتوضأ منه ويصلي ثانياً .

   الثانية : أن يتوضأ بكل واحد من المشتبهين ، ويصلي بعد كل واحد من الوضوءين من غير تخلل غسل مواضع إصابة الماء الأول بالثاني بين الوضوءين ، أو يصلي بعدهما مرة واحدة .

   الثالثة : أن يتوضأ بأحدهما من غير أن يصلي بعده ، ثم يغسل مواضع إصابة الماء الأول بالماء الثاني ، ويتوضأ منه ويصلي بعد الوضوءين مرة واحدة .

   أمّا الصورة الاُولى : فلا إشكال في أنها توجب القطع بفراغ الذمّة وإتيان الصلاة متطهراً بالطهارة الحدثية والخبثية حيث إنه طهّر مواضع إصابة الماء الأوّل بالثاني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 151 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2 .

(2) الوسائل 1 : 155 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 14 .

ــ[357]ــ

وهي نظير اشتباه المطلق بالمضاف فان الوضوء منهما يوجب القطع بحصول الطهارة لا  محالة ، ومعه لا ينبغي التأمّل في إجزاء ذلك ، بل لولا جواز التيمم حينئذ بمقتضى الروايتين المتقدمتين لقلنا بوجوب التوضؤ من المشتبهين على الكيفية المتقدمة لتمكن المكلف من الماء وعدم كونه فاقداً له ، إلاّ أن ملاحظة المشقة النوعية على المكلفين في التوضؤ ـ  بتلك الكيفية المتقدمة  ـ من الماءين المشتبهين دعت الشارع إلى عدم الحكم بتعيّن الوضوء حينئذ بتجويز التيمم في حقهم ، وما ذكرناه في هذه الصورة لا يختص بالماءين القليلين ويأتي في الكثيرين أيضاً كما هو ظاهر .

   أمّا الصورة الثانية : فهي غير موجبة للقطع باتيان الصلاة متطهراً ، لاحتمال أن يكون الماء الأوّل هو النجس ، ومعه يحتمل بطلان كلا وضوئيه ، أمّا وضوؤه الأوّل فمن جهة احتمال نجاسة الماء ، وأمّا وضوؤه الثاني فلأجل احتمال نجاسة مواضع الوضوء . وهذا أيضاً غير مختص بالقليلين كما هو ظاهر . فالمتعين حينئذ أن يتيمم أو يتوضأ على كيفية اُخرى ، ولا يمكنه الاكتفاء بالتوضؤ من الماءين بهذه الكيفية وهذا أيضاً لا كلام فيه .

   وإنما الاشكال في الصورة الثالثة : وأنه هل يمكن الاكتفاء بصلاة واحدة بعد التوضؤ من كلا الماءين المشتبهين وتخلل الغسل بينهما مع قطع النظر عن النص ؟

   ذكر صاحب الكفاية (قدس سره) (1) أن الماءين إن كانا قليلين فوجوب التيمم حينئذ على طبق القاعدة من غير حاجة فيه إلى النص ، وذلك للعلم التفصيلي بنجاسة بدن المتوضئ أو المغتسل عند إصابة الماء الثاني إما لنجاسـته أو لنجاسـة الماء الأوّل وبما أن الثاني ماء قليل لا يكفي مجرد إصابته في طهارة بدنه فبعد غسل مواضع الوضوء أو الغسل بالماء الثاني يشك في طهارة بدنه فيستصحب نجاسته المتيقنة حال إصابة الماء الثاني . ولا يعارضه استصحاب طهارته المعلومة إجمالاً إما قبل الغسل بالماء الثاني أو بعده ، وذلك للجهل بتاريخها وعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين فيها ، وهذا بخلاف النجاسة فان تاريخها معلوم ، وهو أول آن إصابة الماء الثاني بدنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 179 .

ــ[358]ــ

ولأجل أن التوضؤ من المشتبهين يوجب ابتلاء بدن المتوضئ بالنجاسة والخبث ، أمره الشارع بالتيمم حينئذ ، لأن الطهارة المائية لها بدل وهو التيمم ، ولا بدل للطهارة الخبثية فهي متقدمة على الطهارة المائية في نظر الشارع .

   وأمّا إذا كانا كرين فوجوب التيمم على خلاف القاعدة ، ولا نلتزم به مع قطع النظر عن النص ، وذلك لأن ثاني الماءين إذا كان كراً ، ولم يشترط في التطهير به تعدد الغسل كان مجرد وصوله ـ  على تقدير طهارته  ـ إلى أعضاء المتوضئ موجباً لطهارتها ، ومعه يقطع بصحة الوضوء إما لطهارة الماء الأول فالتوضؤ به تام ، وإما لطهارة الماء الثاني وقد فرضنا أنه غسل به أعضاء الوضوء ثم توضأ فوضوؤه صحيح على كل تقدير .

   نعم ، له علم إجمالي بنجاسة بدنه في أحد الزمانين إما عند وصول الماء الأول إلى بدنه أو حال وصول الماء الثاني إليه ، إلاّ أن هذا العلم الاجمالي لا أثر له ، للعلم الاجمالي بطهارة بدنه أيضاً ، ومع العلم بالحادثين والشك في المتقدم والمتأخر منهما لا يجري الاستصحاب في شيء منهما ، ومع عدم جريان الاستصحاب يرجع إلى قاعدة الطهارة ، وهي تقتضي الحكم بطهارة بدنه . هذا كلّه على مسلكه (قدس سره) من عدم جريان الأصل فيما جهل تاريخه .

   وأمّا على ما سلكناه في محله (1) من عدم التفرقة في جريان الاستصحاب بين ما علم تأريخه وما جهل فالنص على خلاف القاعدة في كلتا صورتي قلة الماءين وكثرتهما ، وذلك لتعارض استصحاب الطهارة مع استصحاب النجاسة في صورة قلة الماءين ، فان المكلف كما يعلم بنجاسة بدنه في زمان كذلك يعلم بطهارة بدنه في زمان آخر ، لأن المفروض أنه غسل مواضع إصابة الماء الأول بالماء الثاني ، وبعد تساقط الاستصحابين يرجع إلى قاعدة الطهارة في كل من القليلين والكثيرين أو القليل والكثير.

   ولكن التحقيق عدم جريان قاعدة الطهارة في شيء من الصورتين وأن النص فيهما على طبق القاعدة ، وذلك لمكان العلم الاجمالي بنجاسة بعض أعضاء المتوضئ ومقتضى ذلك عدم جواز الرجوع إلى أصالة الطهارة . وبيان ذلك : أن الماء الثاني كراً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 194 .

ــ[359]ــ

كان أم قليلاً إنما يرد على بدن المتوضئ متدرجاً ، لاستحالة وروده على جميع أعضائه دفعة واحدة حقيقة حتى في حالة الارتماس ، لأن الماء حينئذ إنما يصيب رجليه مثلاً أوّلاً ثم يصل إلى غيرهما من أعضائه شيئاً فشيئاً ، فيعلم المكلف بمجرد إصابة الماء الثاني لأحد أعضائه بنجاسة هذا العضو على تقدير أن يكون النجس هو الماء الثاني ، أو بنجاسة غيره كما إذا كان النجس هو الماء الأول ، ومقتضى هذا العلم الاجمالي وجوب غسل كل ما أصابه من الماءين ، ومعه لا مجال لقاعدة الطهارة في صورتي قلة الماءين وكثرتهما ، فالرواية في الصورة الثالثة كالثانية على طبق القاعدة ، ولا مانع من التعدي عن موردها إلى غيره .

   والمقام الثاني : في أنه هل يجوز التوضؤ من الماءين المشتبهين على الكيفية المتقدمة في الصورة الاُولى أو أن المتعين هو التيمم ؟

   والأوّل هو الصحيح ، لأن الأمر وإن كان يقتضي التعيين في نفسه إلاّ أنه في المقام لما كان وارداً في مقام توهّم الحظر أوجب ذلك صرف ظهوره من التعيين إلى التخيير وذلك لأن المكلف حينئذ واجد للماء حقيقة كما قدمناه ، ومقتضى القاعدة تعيّن الوضوء ، ولكن الشارع نظراً إلى أن في التوضؤ من المشتبهين على الكيفية السابقة حرجاً نوعياً على المكلفين قد رخص في إتيان بدله وهو التيمم ، فالأمر به إنما ورد في مقام توهّم المنع عنه ، وهو قرينة صارفة لظهور الأمر في التعيين إلى التخيير .

   وقد ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في بعض تعليقاته على المتن ـ عند حكم السيد (قدس سره) بجواز التوضؤ في موارد الحرج وتخييره المكلف بين الوضوء والتيمم ـ أن هذا يشبه الجمع بين المتناقضين لأن موضوع وجوب التيمم إنما هو عنوان فاقد الماء كما أن موضوع وجوب الوضوء عنوان واجد الماء ، وكيف يعقل اجتماع عنواني الفاقد والواجد في حق شخص واحد ؟ فالتخيير بين الوضوء والتيمم غير معقول .

   وقد أجبنا عنه في محله بأن موضوع وجوب التيمم وإن كان فاقد الماء إلاّ أن باب التخصيص واسع ، ولا مانع من تجويز التيمم للواجد في مورد ولو لأجل التسهيل تخصيصاً في أدلة وجوب التوضؤ على الواجد ، فاذا كان الجمع بينهما ممكناً فالمتبع في

ــ[360]ــ

   وهل يجب إراقتهما أو لا ؟ الأحوط ذلك وإن كان الأقوى العدم (1) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net