نسيان سجدتي الركعة الأخيرة - بطلان الصلاة بنسيان النيّة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4435


   هذا كلّه فيما إذا كانت السجدتان المنسيتان من غير الركعة الأخيرة ، وأمّا لو نسـيهما منها فان تذكّر قبل السلام أتى بهما وبما بعدهما من التشهّد والتسليم

ــ[68]ــ

وصحّت صلاته بلا إشكال ، لبقاء محلّ التدارك . نعم ، عليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد أو بعضه وللتسليم المستحب بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة وإلاّ فلا . وسيجيء الكلام حول ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى (1) .

   وأمّا لو لم يتذكّر حتّى سلّم فلا ينبغي الإشكال في البطلان فيما لو كان قد أتى بما يبطل الصلاة عمداً وسهواً كالحدث والاسـتدبار ونحوهما ، لعدم إمكان التدارك عندئذ ، فانّ السلام إن كان واقعاً في محلّه وتحقّق معه الخروج عن الصلاة فقد نقص الركن ، وإلاّ فلا يقبل الإلحاق والتدارك بعد حصول المبطل في الأثناء ، المانع عن صلاحية الانضمام كما هو واضح . فهذه الصلاة بمقتضى مفهوم لا تعاد محكومة بالفساد .

   إنّما الكلام فيما لو تذكّر قبل الإتيان بالمنافيات أو أتى بما لا ينافي إلاّ عمداً كالتكلّم ، فقد ذهب جماعة منهم السيِّد الماتن (قدس سره) إلى البطلان ، بل نسب ذلك إلى المشهور . وعن جماعة آخرين الصحّة ، وهي الأقوى .

   ويستدلّ للبطلان بنقصان الركن وعدم إمكان تداركه ، لخروجه عن الصلاة بالسلام ، فانّه مخرج تعبّدي ومانع عن الانضمام وإن وقع في غير محلّه ، كما تشهد به جملة من النصوص عمدتها صحيحة الحلبي ، قال «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو من الصلاة، وإن قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت» (2) .

   أقول : الظاهر هو الحكم بالصحّة لحديث لاتعاد، فانّ المستفاد من النصوص أنّ للسلام حيثيتين لا ثالث لهما :

   إحداهما :  أ نّه الجزء الوجوبي الأخير من الصلاة ، وبه يتحقّق التحليل عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 361 .

(2) الوسائل 6 : 426 /  أبواب التسليم ب 4 ح 1 .

ــ[69]ــ

المنافيات كما نطقت به الروايات المتضمّنة أنّ افتتاحها التكبير وآخرها التسليم أو تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (1) .

   ثانيتهما :  حيثية القطع والخروج، وأ نّه متى ما تحقّق يوجب قطع الصلاة وزوال الهيئة الاتصالية،  بحيث يمنع عن انضمام باقي الأجزاء بسابقتها وصلوحها للالتحاق بها ، إمّا لكونه من كلام الآدمي أو لأ نّه بنفسه مخرج تعبّدي .

   ومن هنا ورد عن الصادق (عليه السلام) في مرسلة الصدوق أنّ ابن مسعود أفسد على الناس صلاتهم بقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، يعني في التشهّد الأوّل (2) . ومرجع هذا إلى اعتبار عدم السلام الواقع في غير محلّه في الصلاة، وأ نّه مانع أو قاطع. ولا نرى اعتباراً آخر للسّلام وراء هاتين الحيثيتين .

   لكن اعتبار المانعية له كغيره من بقيّة الموانع مقيّد بحال الذكر بمقتضى حديث لا تعاد ، الحاكم على الأدلّة الأوّلية ، فانّه غير قاصر الشمول له ، فيدلّ على أنّ السلام الواقع في غير محلّه الذي كان مانعاً في طبعه لا مانعـية له لو تحقّق نسياناً كما في المقام ، وأنّ وجوده كالعدم ، فلا تأثير له في الخروج والقطع . ونتيجة ذلك بقاء محلّ تدارك السجدتين .

   وبعبارة اُخرى :  نقصان الركن منوط بالخروج عن الصلاة بالسلام الواقع في غير محلّه سهواً ، والحديث يقضي بالغاء هذا السلام ، المستتبع لعدم تأثيره في الخروج ، فلا مانع من التدارك .

   ومع الإغماض عن حديث لا تعاد فيكفينا في الحكم بالصحّة ما ورد في نسيان الركعة ، وأنّ من نسي الرابعة مثلاً فسلّم على الثلاث ثمّ تذكّر قام وأتى بها ثمّ بسجدتي السهو للسلام الزائد ، فانّه يظهر منه بوضوح أنّ زيادة السلام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 415 /  أبواب التسليم ب 1 ح 2 ، 1 .

(2) الوسائل 6 : 410 /  أبواب التشهّد ب 12 ح 2 ، الفقيه 1 : 261 / 1190 .

ــ[70]ــ

   [ 2017 ] مسألة 16 : لو نسي النيّة أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته سواء تذكّر في الأثناء أو بعد الفراغ ، فيجب الاستئناف (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ووقوعه في غير محلّه لا يستوجب البطلان ، بل أقصاه الإتيان بسجدتي السهو وهذا منطبق على المقام بعينه كما هو ظاهر جدّاً .

   فالأقوى هو الحكم بالصحّـة في المقـام ، وإن كان الاحتياط بالتدارك ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليهما ثمّ إعادة الصلاة ممّا لا ينبغي تركه ، لمصير جمع إلى البطلان ، بل نسب إلى المشهور كما عرفت .

   (1) أمّا النيّة فلا إشكال كما لا خلاف في أنّ نسـيانها يسـتوجب البطلان فانّه إن اُريد بها قصد عنوان العمل من الظهرية والعصرية ونحوهما فلا شك أنّ هذه من العناوين الدخيلة في حقيقة الصلاة التي لا تكاد تتميّز عن غيرها إلاّ بالقصد والنيّة ، فهي وإن تشاركت في الصورة لكنّها تختلف في الحقيقة بعناوينها المتقوّمة بالقصد .

   فالإخلال بها إخلال بالعـنوان ، الموجب لبطلان الصلاة ، فلو أراد العصر فنسيها وقصد الظهر أو القضاء أو النافلة لم تتحقّق منه صلاة العصر بالضرورة فتبطل بطبيعة الحال ، لما عرفت من أنّ العناوين القصدية لا مناص من تعلّق القصد بها بخصوصها .

   وإن اُريد بها قصد القربة فكذلك، فانّ الصلاة عبادة، ولا عبادة من دون قصد التقرّب والإضافة إلى المولى نحو إضافة، فالإخلال به ولو سهواً إخلال بالعبادة.

   وعلى الجملة : فنسيان النيّة بكلا معنييها يستتبع البطلان بمقتضى القاعدة مضافاً إلى التسالم والإجماع المدّعى عليه في كلمات غير واحد .

   ولا مجال للحكم بالصحّة استناداً إلى حديث لا تعاد ، الخالي عن ذكر النيّة

ــ[71]ــ

لوضوح أ نّها لم تكن في عرض سائر الأجزاء والشرائط ، وإنّما هي في طولها فانّ النيّة هي الداعي والباعث على العمل ، والداعي خارج عن نفس العمل وإن كان العمل مقيّداً بصدوره عنه . ولا ريب أنّ الحديث ناظر إلى العمل نفسه ومتعرّض للإخلال المتعلّق بذات الصلاة ، ولا نظر فيه إلى ما تنبعث عنه كما لا يخفى .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net