نسيان السجدة الواحدة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7155


ــ[86]ــ

السجدة الواحدة ، واُخرى في نسيان التشهّد .

   أمّا السجدة فالكلام فيها من حيث سجدة السهو سيجيء في محلّه (1) إن شاء الله تعالى، وأمّا من حيث القضاء فالمعروف والمشهور وجوبه مطلقاً، ونسب إلى الكليني(2) والعماني(3) بطلان الصلاة بنسيانها  كنسيان السجدتين ، وأنّ حكم الواحدة حكم الثنتين . وعن المفيد(4) والشيخ(5) التفصيل بين الركعتين الاُوليين والأخيرتين ، فتبطل في الأوّل ، وتقضى السجدة في الثاني . ففي المسألة أقوال ثلاثة ، وهناك قولان آخران سنتعرّض إليهما بعد ذلك .

   أمّا القول المشهور : فتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة التي منها صحيحة إسماعيل بن جابر : «في رجل نسي أن يسجد السـجدة الثانية حتّى قام فذكر وهو قائم أ نّه لم يسجد ، قال : فليسجد ما لم يركع ، فاذا ركع فذكر بعد ركوعه أ نّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها ، فانّها قضاء» (6) . وهي ظاهرة الدلالة قويّة السند ، ونحوها غيرها كموثّقة عمّار وصحيحة أبي بصير(7) على طريق الصدوق(8) كما وصفها بها في الحدائق(9) ، أمّا على طريق الشيخ فضعيفة بمحمّد بن سنان (10) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 353 .

(2) الكافي 3 : 361 .

(3) حكاه عنه في المختلف 2 : 372 المسألة 262 .

(4) المقنعة : 145 [ لكن لاحظ ص 138 ، 147 منها ] .

(5) التهذيب 2 : 154 / ذيل ح 604 .

(6) الوسائل 6 : 364 /  أبواب السجود ب 14 ح 1 .

(7) الوسائل 6 : 364 /  أبواب السجود ب 14 ح 2 ، 4 .

(8) الفقيه 1 : 228 / 1008 .

(9) الحدائق 9 : 145 ، 136 .

(10) التهذيب 2 : 152 / 598 .

ــ[87]ــ

   وأمّا ما ذهب إليه الكليني والعماني فيمكن أن يستدلّ له بوجهين :

   أحدهما :  حديث لا تعاد ، حيث إنّ المستثنى هو طبيعي السجود الصادق على الواحد والاثنين ، فيؤخذ باطلاقه .

   وهذا الكلام صحيح في حدّ نفسه ، فلو كنّا نحن والحديث ولم يكن في البين دليل آخر كان مقتضى الإطلاق الحكم بالبطلان لدى الإخلال بطبيعي السجود المنطبق على الواحد كالاثنين ، ولكنّ الروايات المتقدّمة القاضية بعدم البطلان لدى نسيان السجدة الواحدة  توجب تقييد  الحديث واختصاصه بنسيان السجدتين معاً .

   ثانيهما : رواية معلّى بن خنيس قال: «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء» (1) . ولكنّها مخدوشة سنداً ودلالة .

   أمّا الدلالة :  فلعدم كونها صريحة في نسيان السجدة الواحدة ، بل غايتها الدلالة عليها بالإطلاق ، كحديث لا تعاد ، فيقيّد بالروايات المتقدّمة الدالّة على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة .

   وأمّا السند :  فلأ نّها مرسلة ، لجهالة الرجل الذي يروي عن معلّى ، ولعلّه كذّاب وضّاع ، بل الظاهر أنّ الرجل على جهالته كاذب في روايته هذه ، فانّه يرويها عن معلّى عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) الذي هو الكاظم (عليه السلام) ، وإنّما يوصف بذلك للامتياز بينه وبين أبي الحسن الرضا (عليه السلام)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 366 /  أبواب السجود ب 14 ح 5 .

ــ[88]ــ

المشارك معه في الكنية ، فلقّب بعد وفاته بالماضي ، إشارة إلى أنّ المراد به هو الذي مضى وتوفي، فظاهر اللّقب أنّ الرواية مرويّة بعد وفاة الكاظم (عليه السلام) مع أنّ معلّى بن خنيس قتل في زمن الصادق (عليه السلام) وأمر (عليه السلام) بقتل قاتله ، فكيف يروي مَن قتـل في زمن الصـادق عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) .

   واحتمال روايته عنه أيّام حياة أبيه يكذّبه التوصيف بالماضي ، لأ نّه لا يوصف به إلاّ بعد وفاته (عليه السلام) كما عرفت ، كما أنّ احتمال أن يكون التوصيف من غير معلّى بعيد ، وذلك لأنّ الرجل يروي عن معلّى ما قاله ، ومقول قوله هو «سألت أبا الحسـن الماضي» . فالتوصيف لا محالة من معلّى نفسـه . وبالجملة : فأمارة الكذب موجودة في نفس الرواية . وكيف ما كان ، فهي ساقطة سنداً ودلالة .

   وأمّا التفصيل المنسوب إلى المفيد والشيخ فيسـتدلّ له بصحيحة البزنطي قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل يصلّي ركعتين ثمّ ذكر في الثانية وهو راكع أ نّه ترك السجدة في الاُولى، قال : كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول : إذا ترك السجدة في الركعة الاُولى فلم يدر واحدة أو ثنتين استقبلت الصلاة حتّى يصحّ لك ثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» (1) .

   دلّت على اختصاص القضاء بما إذا كانت السجدة المنسية من الأخيرتين وأمّا في الأولتين فنسيانها يوجب البطلان ، فيقيّد بها إطلاقات القضاء الواردة في الروايات المتقدّمة .

   ولكنّ الصحيحة غير صالحة للاستدلال بها ، لاضطراب المتن ، حيث إنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 365 /  أبواب السجود ب 14 ح 3 .

ــ[89]ــ

المفروض في السؤال ترك السجدة ، فهو أمر مفروغ عنه ، والسؤال عن حكم نسيانها ، فلا ينطبق عليه الجواب المتعرّض لحكم الشكّ في أ نّه سجد واحدة أو ثنتين .

   ومن هنا حملت على أنّ المراد من قوله : «فلم يدر واحدة أو ثنتين» الشكّ في أ نّها الركعة الاُولى أو الثانية ، فيكون حكمه (عليه السلام) بالاستقبال من أجل عروض الشكّ في الاُوليين ، الموجب للبطلان .

   ولكنّه كما ترى بعيد غايته ، حيث إنّ المفروض في السؤال نسيان السجدة من الاُولى وتذكّرها في الثانية ، فلا شكّ من حيث الركعة ، فلا يرتبط به التعرّض لحكم الشكّ في الركعات .

   ونحوه في البعد ما احتمله في الوسائل من أ نّه مع فرض ترك السجدة شكّ في الركعتين الأولتين ، إذ لا يلائمه التفريع المستفاد من حرف الفاء في قوله : «فلم يدر ... » إلخ . وأيّ علاقة وارتباط بين الشكّ في الركعتين وبين ترك السجدة ليترتّب أحدهما على الآخر ، هذا .

   والمحتمل في الصحيحة أمران :

   أحدهما :  أن يكون المراد من قوله : «إذا ترك السجدة ... » إلخ أ نّه متيقّن بترك السجدة من الاُولى في الجملة، ولكنّه لم يدر أنّ المتروك واحدة أم سجدتان .

   ثانيهما :  أن يكون المراد أ نّه تخيّل الترك واحتمله دون أن يجزم به ، فلم يدر أ نّه أتى بسجدة أم بسجدتين .

   ولا شكّ أنّ الاحتمال الأوّل هو الأظهر . وعلى التقديرين فهي أجنبية عن المقام وغير صالحة للاستدلال .

   أمّا على الاحتمال الثاني فواضح، لكونها حينئذ ناظرة إلى حكم الشكّ الذي هو فرض آخر غير ما افترضه السائل من استيقان الترك ، فيكون قد أعرض

ــ[90]ــ

(عليه السلام) عن الجواب لتقية أو نحوها ، ولا ريب أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الصحّة، لأ نّه من الشكّ في السجدة بعد تجاوز المحلّ بالدخول في ركوع الركعة الثانية ـ كما فرضه السائل ـ المحـكوم بعدم الاعتناء بمقتضى قاعدة التجاوز . فغايته أن يكون حكمه (عليه السلام) بالبطلان تخصيصاً في القاعدة وأ نّها غير جارية في خصوص المقام . وكيف ما كان ، فهي أجنبية عمّا نحن فيه .

   وأمّا على الاحتمال الأوّل ـ الذي عرفت أ نّه الأظهر ـ فمقتضى القاعدة حينئذ الجمع بين الإعادة وبين قضاء السجدة ، للعلم الاجمالي بأحد التكليفين ، الناشئ من العلم بترك السجدة أو السجدتين ، لكن لا مانع من الاقتصار على الإعادة ولا حاجة إلى ضمّ الإتمام والقضاء ، لقصور دليل حرمة القطع عن الشمول لمثل المقام ونحوه ممّا لا يتمكّن فيه من الاجتزاء بتلك الصلاة في مقام الامتثال ، فانّ الدليل على تقدير ثبوته مختصّ بما إذا تمكّن من إتمام الصلاة صحيحة مقتصراً عليها ، وهو منتف في الفرض ، ولعلّه من أجله حكم (عليه السلام) بالاستقبال .

   هذا بناءً على تنجيز العلم الإجمالي في أمثال المقام ، وأمّا بناءً على انحلاله ـ  كما هو الصحيح  ـ بالعلم التفصيلي بترك السجدة الثانية الذي هو مقطوع به على كلّ تقدير ، وبالتعبّد الشرعي باتيان الاُولى المستفاد من قاعدة التجاوز ، إذ هو يشكّ بعدما ركع في ترك سجدة اُخرى زائداً على المتيقّن لكي تبطل الصلاة ومقتضى القاعدة عدم الاعتناء والبناء على الإتيان .

   فعلى هذا المبنى تكون الصحيحة مرتبطة بالمقام ، لكونها متعرّضة لحكم من نسي السجدة الواحدة ، فتدلّ على مختار الشيخ ، لتضمّنها البطلان مع كون السجدة المنسية من الأولتين .

   ولكنّها أيضاً غير صالحة للاستدلال ، إذ لو كان مراده (عليه السلام) ذلك لأجاب بالبطلان ابتداءً من غير حاجة إلى التعرّض لفرض الشكّ في ترك

ــ[91]ــ

الواحدة أو الثنتين ، الراجع إلى نسيان الواحدة بالتقريب المزبور ، الذي هو نوع تعقيد في الكلام وتبعيد للمسافة كما لا يخفى .

   فالإنصاف :  أنّ الصحيحة غير خالية عن الإجمال والإشـكال ، فلا تصلح للاستدلال ، هذا .

   ومع تسليم الدلالة فهي معارضة مع الروايات المتقدّمة الدالة على الصحّة والقضاء مطلقاً ، ولا يمكن تقييدها بهذه الصحيحة ، للزوم حملها على الفرد النادر ، فانّ تلك النصوص بأجمعها متعرّضة للتذكّر في الأثناء ، ومشتملة على التفصيل بين كون التذكّر قبل الركوع أو بعده ، وأنّ السجدة تتدارك على الأوّل وتقضى على الثاني .

   وعليه فهي غير شاملة للركعة الأخيرة من الرباعية وغيرها يقيناً ، إذ لو تذكّر قبل السلام رجع وتداركهـا لا أ نّها تقضى بعد الصـلاة كما هو ظـاهر والمفروض أنّ الركعتين الأولتين أيضاً خارجتان ، بمقتضى التقييد المستفاد من الصحيحة المزبورة . ومنه تعرف خروج الثنائية والثلاثية عنها كما لا يخفى ، فلم يبق تحتها عدا الركعة الثالثة من الصلاة الرباعية ، فيلزم حمل تلك المطلقات الكثيرة على خصوص هذه الصورة ، الذي هو من حمل المطلق على الفرد النادر كما ذكرنا .

   فلا مجال للتقـييد ، بل هي معارضة لها ، ولا ريب أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، فانّها أشهر وأكثر ، وهذه رواية شاذّة فلا تنهض للمقاومة معها . فهذا القول يتلو سابقه في الضعف .

   ثمّ إنّ هناك قولين آخرين :

   أحدهما :  ما عن الشيخ المفـيد (قدس سره) من أنّ السـجدة المنسـية من الركعة الاُولى يؤتى بها في الركعة الثانية لو تذكّرها بعد الركوع ، فيسجد فيها

ــ[92]ــ

ثلاث سجدات ، والمنسية من الركعة الثانية يؤتى بها في الثالثة ، ومن الثالثة في الرابعة ، ومن الرابعة خارج الصلاة(1) . وهذا لم يوجد له مدرك أصلاً كما اعترف به غير واحد ، ولعلّه عثر على ما لم يصل إلينا . مع أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز ، للزوم زيادة السجدة في غير محلّها عامداً كما لا يخفى .

   ثانيهما :  ما عن والد الصـدوق (قدس سره) من أنّ السجدة المنسـية من الركعة الاُولى يؤتى بها في الركعة الثالثة ومن الثانية في الرابعة ، ومن الثالثة تقضى بعد السلام(2) . ومستند هذا القول هو الفقه الرضوي(3) ، لموافقة المحكي عنه مع مضمونه ، لكنّه ليس بحجّة عندنا كما مرّ مراراً. فهذه الأقوال كلّها ساقطة والمتعيّن ما عليه المشهور .
ـــــــــــــــ

(1) حكاه عنه في المختلف 2 : 374 المسألة 263 [ ولكن ذكر خلافه في المقنعة 147 ] .

(2) حكاه عنه في المختلف 2 : 373 المسألة 263 .

(3) فقه الرضا : 116 ـ 117 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net