بيع البول والغائط 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7409


ــ[394]ــ

   [ 162 ] مسألة 2 : لا مانع من بيع البول والغائط من مأكول اللّحم (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لملاقاتهما كما إذا ابتلع درهماً وشرب مائعاً متنجساً فتلاقيا في جوفه ثم خرج الدرهم نقياً ، وفي هذه الصورة لا يمكن الحكم بطهارة الملاقي بوجه ، لأن ما دلّ على وجوب غسل ما أصابه الدم أو الخمر مثلاً يشمل الدرهم حقيقة لأنه جسم خارجي لاقى نجساً فينجس .

   ولا يصغى إلى دعوى أن الملاقاة في الباطن غير مؤثرة ، لأن مواضع الملاقاة داخلة كانت أم خارجة مما لا مدخلية له في حصول النجاسة ولا في عدمه ، وإلاّ لا نتقض بما إذا كانت إحدى أصابعه متنجسة ، وكانت الاُخرى طاهرة فادخلهما في فمه وتلاقيا هناك ثم أخرجهما بعد ذهاب عين النجس عن الاصبع المتنجس في فمه ، فان لازم عدم تأثير الملاقاة في البواطن عدم نجاسة الاصبع الملاقي للاصبع النجس في المثال ، وهو أمر لا يتفوّه به أحد فالحكم بطهارة الملاقي في هذه الصورة غلط ظاهر .

   ومما يدلنا على ذلك ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ موثقة عمار الآمرة بغسل كل ما أصابه الماء المتنجس(1) لأنها بعمومها تشمل الدرهم في مفروض الكلام لأنه مما لاقاه المائع المتنجس ولو في الجوف ، فلا مناص من الحكم بنجاسته .

    بيع البول والغائط

   (1) في المقام مسائل ثلاث :

   الاُولى : جواز بيع البول والغائط مما يؤكل لحمه .

   الثانية : عدم جواز بيعهما إذا كانا من محرم الأكل .

   الثالثة : جواز الانتفاع بهما ولو كانا مما لا يؤكل لحمه ، لعدم الملازمة بين حرمة بيعهما وضعاً وبين عدم جواز الانتفاع بهما .

    أمّا المسألة الاُولى : فالمعروف بينهم جواز بيع البول والروث من كل حيوان محلل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

ــ[395]ــ

شرعاً ، بل ولا ينبغي الاشكال في صحة بيع الأرواث مما يؤكل لحمه للسيرة القطعية المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) الجارية على بذل المال بازائها ، وعلى جواز الانتفاع بهما في الاحراق والتسميد وغير ذلك . فالاشكال ينحصر ببوله وقد عرفت أن المشهور جواز بيعه ، وربما يستشكل في ذلك بوجهين :

   أحدهما : أن البيع ـ زائداً على ما اعتبروه في صحته ـ يشترط فيه أن يكون العوضان مالاً بأن يكونا مما يرغب فيه الناس نوعاً ، ويبذلون المال بأزائه ومن هنا عرّفه في المصباح المنير بمبادلة مال بمال (1) وحيث إن الأبوال مستقذرة لدى العرف وإن كانت طاهرة شرعاً ، فلا يرغب فيها العقلاء بنوعهم ولا يبذلون المال بأزائها والتداوي بها لبعض الأمراض لا يقتضي ماليتها ، إذ لا يبتلى به إلاّ القليل ، ومثله لا يقتضي المالية في المال .

   ويرد على هذا الوجه اُمور :

   الأوّل : أن صحة المعاملات لا تتوقف على مالية العوضين نوعاً والعقلاء والعرف شاهدان على هذا المدعى ، لصحة بيع ما لا مالية له نوعاً كما إذا أراد شراء خط والده مع فرض أنه رديء ولا يساوي عند العقلاء بشيء إلاّ أنه يبذل بأزائه المال بداعي أنه خط والده ، فالمالية النوعية غير معتبرة في صحة البيع بوجه ، وأمّا تعريف المصباح المنير فلا اعتبار له لأنه في مقام شرح الاسم وليس بصدد بيان ما يعتبر في ماهية البيع وحقيقته .

   الثاني : هب أن المالية معتبرة في العوضين إلاّ أن ذلك لا يمنع عن جواز بيع الأبوال لغرض التداوي بها لبعض الأمراض ، فحكم الأبوال حكم سائر الأدوية التي لا يبتلى بها إلاّ في بعض الأوقات ، ومعه يبذل بأزائها الأموال للاتجار بها لا لأجل الحاجة إليها فهل ترى بطلان بيع الأدوية ممن لا يحتاج إليها بالفعل ؟ فالمنع عن بيع الأبوال من جهة أن الحاجة إلى التداوي بها قليلة مما لا يصغى إليه .

   الثالث : هب أ نّا سلمنا كلا الأمرين ، وقلنا بعدم صحة بيع الأبوال المذكورة إلاّ أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصباح المنير 1 : 69 .

ــ[396]ــ

في صدق عنوان التجارة عن تراض على معاملة الأبوال غنى وكفاية ، وبذلك يحكم بصحتها ، والتجارة أعم من البيع وغير مقيدة بالمالية في العوضين .

   وثانيهما : ما ربما يوجد في بعض الكتب من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «إن الله إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنه» (1) وأبوال الحيـوانات مما يحرم أكله وعليه فبيع الأبوال باطل، وهذه الرواية على تقدير ثبوتها كما تدل على بطلان بيع أبوال الحيوانات المحللة كذلك تدل على بطلان بيع أرواثها بملاك حرمة أكلها .

   والذي يسهل الخطب أن هذه الرواية لم تصل إلينا بطرقنا وإنما نقلت من طرق العامة فهي ساقطة عن الاعتبار بل وفي جوهر النقي في حاشية سنن البيهقي (2) أن عموم هذه الرواية متروك اتفاقاً . فاذا كان هذا حال الرواية عندهم فكيف يسوغ لنا العمل على طبقها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 13 : 73 / أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 8 عن عوالي اللئالي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها وإن الله إذا حرّم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه» ونقله عن دعائم الاسلام أيضاً باختلاف يسير .

         وفي السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 13 باب تحريم بيع ما يكون نجساً لا يحل أكله عن خالد الحذاء عن بركة أبي الوليد عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جالساً عند الركن فرفع بصره إلى السماء فضحك وقال لعن الله اليهود «ثلاثاً» إن الله تعالى حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه .

         ورواه أبو داود في السنن ج 3 ص 280 / 3488 من الطبعة الحديثة عن ابن عباس .

         وفي المسند لأحمد بن حنبل ج 1 ص 293 عن خالد الحذاء عن بركة بن العريان المجاشعي قال : سمعت ابن عباس يحدث قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعن الله اليهود ... الخ وليست فيها كلمة «ثلاثاً» وفي ص 247 بهذا السند عن ابن عباس قال كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قاعداً في المسجد مستقبلاً الحجر فنظر إلى السماء فضحك ثم قال لعن الله ... الخ من دون لفظة «ثلاثاً» .

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 13 في الهامش . قلت عموم هذا الحديث «مشيراً به إلى الحديث المتقدم نقله عن البيهقي» متروك اتفاقاً بجواز بيع الآدمي والحمار والسنور .

ــ[397]ــ

وأمّا بيعهما من غير المأكول فلا يجوز ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   المسألة الثانية : هذه هي المسألة الثانية من المسائل الثلاث ، والكلام فيها يقع في مقامين :

   (1) أحدهما : في جواز بيع الأبوال مما لا يؤكل لحمه .

   وثانيهما : في جواز بيع خرئه وإنما جعلناه مستقلاً في البحث ، لورود نصوص في خصوص بيع العذرة .

   أمّا المقام الأوّل : وهو البحث عن بيع أبوال ما لا يؤكل لحمه فالمشهور المعروف بين الأصحاب عدم جوازه ، وقد يدعى عليه الاجماع أيضاً إلاّ أن الصحيح هو الجواز كما ذكرناه في بيع أبوال ما يؤكل لحمه ، وذلك لضعف مستند المانعين فانّهم استدلوا على حرمة بيعها بوجوه :

   الأوّل : الاجماع كما مرّ ويدفعه : أن المحصل منه غير حاصل والمنقول منه ليس بحجة . على أ نّا نحتمل أن يكون مدرك المجمعين أحد الوجوه الآتية ، ومعه لا يكون الاجماع تعبدياً فيسقط عن الاعتبار ، حيث إن اعتباره ليس لأجل دلالة الدليل على حجيته بل إنما يعتمد عليه لكشـفه عن رأي المعصـوم (عليه السلام) ومع احتمال استنادهم إلى مدرك آخر لا يبقى له كشف عن رأيه (عليه السلام) .

   الثاني : ما تقدم في المسألة الاُولى من حيث اعتبار المالية في العوضين ، والأبوال مما لا مالية له ، وقد تقدم الجواب عن ذلك مفصلاً وناقشنا فيه صغرى وكبرى فلا نعيد .

   الثالث : رواية تحف العقول (2) الناهية عن بيع النجس في قوله : «أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرام ومحرم ...» .

   ويدفعها أوّلاً : أن مؤلف كتاب تحف العقول ـ وهو حسن بن علي بن شعبة ـ وإن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط الأولى .

(2) الوسائل 17 : 83 / أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1 ، وفي تحف العقول : 331 .

ــ[398]ــ

كان فاضلاً ورعاً ممدوحاً غايته إلاّ أنه لم يسند رواياته في ذلك الكتاب فرواياته ساقطة عن الاعتبار لارسالها .

   وثانياً : أن الرواية إنما دلّت على عدم جواز بيع النجس معللة بحرمة الانتفاع منه حيث قال : «لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه ...» ومقتضى هذا التعليل دوران حرمة بيع النجس مدار حرمة الانتفاع منه ، وبما أن الأبوال مما يجوز الانتفاع به في التسميد والتداوي واستخراج الغازات منها ـ كما قيل ـ وغير ذلك كما يأتي تحقيقه في المسألة الثالثة فلا مناص من الالتزام بجواز بيعها .

   الرابع : ما رواه الشيخ في خلافه (1) والعلاّمة في بعض كتبه من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «إن الله إذا حرّم شيئاً حرم ثمنه» . وحيث إن الأبوال محرّمة من جميع الجهات أو في أكثر منافعها بحيث يصح أن يقال إن الله حرّمها على وجه الاطلاق فيكون ثمنها أيضاً محرماً . وهذه الرواية وإن كانت موجودة في بعض كتب الشيخ والعلاّمة (قدس سرهما) إلاّ أ نّا لم نقف على مأخذها ـ بعد التتبع الكثير ـ في كتب أحاديثنا ، ولا في كتب العامّة . نعم عثرنا عليها في مسند أحمد حيث نقلها في موضع من كتابه عن ابن عباس في ذيل رواية الشحوم (2) . ولكن الظاهر أن الرواية غير ما نحن بصدده لاشتمالها على كلمة «أكل» إلاّ أنها سقطت فيما نقله أحمد في ذلك المورد لأنه بنفسه نقلها في مواضع اُخرى (3) من كتابه باضافة لفظة «أكل» وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه . كما نقلها غيره كذلك (4) مع أن الراوي عن ابن عباس في جميعها بركة المكنّى بأبي الوليد والراوي عنه واحد وهو خالد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 3 : 184 / 308 ، و ص 185 / 310 .

(2) مسند أحمد ج 1 ص 322 عن خالد عن بركة أبي الوليد عن ابن عباس أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : لعن الله اليهود حرم عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم شيئاً حرم عليهم ثمنه .

(3) كما قدّمنا نقله في تعليقه ص 396 .

(4) كما قدّمنا نقله عن سنن البيهقي ، وعن سنن أبي داود سليمان بن أشعث السجستاني في ص 396.

ــ[399]ــ

   نعم ، نقل الرواية الدميري في حياة الحيوان (1) باسقاط كلمة «أكل» وأسندها إلى أبي داود ولكنه أيضاً خطأ فان الموجود منها في نفس سنن أبي داود (2) مشتمل على كلمة «أكل» وعلى هذا فالرواية المستدل بها في المقام مما لا مأخذ له فلا مانع من بيع أبوال ما لا يؤكل لحمه .

   وأمّا المقام الثاني : وهو البحث عن بيع الخرء من حيوان لا يؤكل لحمه فقد ظهر الحال فيه من مطاوي ما ذكرناه في المقام الأول ، فانّه لا ملازمة بين النجاسة وبين عدم جواز بيعها بل مقتضى القاعدة صحة بيع النجاسات لأنها مشمولة للاطلاقات وأمّا دعوى الاجماع على بطلان بيع الغائط أو غيره من النجاسات فقد عرفت ضعفها ، هذا كله حسبما تقتضيه القاعدة .

   وأمّا بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام فقد وردت في بيع الغائط عدة روايات .

   منها : رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ثمن العذرة من السحت» (3) .

   ومنها : ما عن دعائم الاسلام من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى عن بيع العذرة (4) وظاهر النهي في باب المعاملات هو الارشاد إلى بطلانها ، فمقتضى هاتين الروايتين بطلان بيع العذرة وفي قبالهما روايتان :

   إحداهما : عن محمد بن مضارب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس ببيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال عند نقل استدلالهم على بطلان بيع ذرق الحمام وسرجين البهائم المأكولة وغيرها وحرمة ثمنه ما هذا نصه : واحتج أصحابنا بحديث ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «إن الله تعالى إذا حرم على قوم شيئاً حرم عليهم ثمنه» وهو حديث صحيح رواه أبو  داود باسـناد صحيح وهو عام إلاّ ما خرج بدليل كالحمار ، حياة الحيـوان 1  :  374 .

(2) كما قدّمنا نقله في ص 396 .

(3) الوسائل 17 : 175 / أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1 .

(4) دعائم الاسلام 2 : 18 / 22 .

ــ[400]ــ

العذرة» (1) وفي بعض نسخ المكاسب وتعليقاته محمد بن مصادف بدل مضارب وهو غلط .

   وثانيتهما : عن سماعة قال : «سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال : إني رجل أبيع العذرة فما تقول ؟ قال : حرام بيعها وثمنها وقال : لا بأس ببيع العذرة» (2) . واختلفت الأنظار في الجمع بينهما ، وقد ذكروا في ذلك وجوهاً لا طائل تحتها ، ولا ترجع إلى محصل سوى ما ذكره الفاضل السبزواري (قدس سره) من حمل أخبار المنع على الكراهة (3) . وتفصيل الكلام في ذلك :

   أن رواية يعقوب بن شعيب ضعيفة بعلي بن مسكين أو سكن لأنه مجهول ، ورواية الدعائم لا اعتبار بها لإرسالها . ودعوى انجبارها بعمل الأصحاب مندفعة : بأن المشهور لم يعملوا بهاتين الروايتين ، لأنهم ذهبوا إلى بطلان بيع مطلق النجاسات بل المتنجسات أيضاً إلاّ في موارد معينة، فلا محالة اعتمدوا في ذلك على مدرك آخر دونهما لأن مدلول الروايتين بطلان البيع في خصوص العذرة دون مطلق النجس . هذا مضافاً إلى أن عمل المشهور على طبق رواية ضعيفة لا يكون جابراً لضعفها على ما مرّ منّا غير مرّة ، فروايتا المنع ساقطتان .

   وأمّا رواية محمّد بن مضارب فهي من حيث السند تامّة (4) ودلالتها على جواز بيع العذرة ظاهرة .

   وأمّا رواية سماعة فان قلنا إنها رواية واحدة فلا محالة تسقط عن الاعتبار لتنافي صدرها لذيلها فتكون مجملة ، وأمّا إذا قلنا بأنها روايتان وقد جمعهما الراوي في الرواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 17 : 175 / أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 3 ، 2 .

(3) كفاية الأحكام : 84 .

(4) وهذا لا لما قد يتوهّم من أنها حسنة نظراً إلى رواية بعض الثقات عنه أو ما روي من لطف الصادق (عليه السلام) في حقه وكونه مورداً لعنايته ، لأن شيئاً من ذلك لا يدرجه في الحسان بل لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات فانّه يكفى في الحكم بوثاقته عند سيدنا الاُستاذ (مدّ ظلّه) .

 
 

ــ[401]ــ

فتكون الجملتان من قبيل الخبرين المتعارضين .

   ويؤيد تعدّدها قوله : «وقال لا بأس ...» لأنها لو كانت رواية واحدة لم يكن وجه لقوله وقال ، بل الصحيح أن يقول حينئذ حرام بيعها وثمنها ولا بأس ببيع العذرة ويؤكده أيضاً الاتيان بالاسم الظاهر في قوله : «لا بأس ببيع العذرة» فانّها لو كانت رواية واحدة لكان الأنسب أن يأتي بالمضمر بدلاً عن الاسم الظاهر بأن يقول لا بأس ببيعها ، وكيف كان فالظاهر أنها روايتان متعارضتان ومقتضى الجمع العرفي بينهما حمل المنع على الكراهة بارادة المكروه من كلمة الحرام بقرينة قوله لا بأس ببيع العذرة كما هو الحال في كل مورد تعارض فيه كلمة الحرام ونفي البأس ، فانّهم يجعلون الثاني قرينة على إرادة الكراهة من الحرام ، كما ذهب إليه السبزواري (قدس سره) ، هذا كلّه مع قطع النظر عن رواية يعقوب بن شعيب . وأمّا إذا اعتمدنا عليها فالأمر أيضاً كما عرفت فنحمل كلمة السحت أو الحرام على الكراهة بقرينة نفي رواية الجواز .

   إلاّ أن شيخنا الأنصاري (قدس سره) استبعد حمل السحت على الكراهة (1) ولعلّه من جهة أن السحت بمعنى الحرام الشديد ، ولكن الأمر ليس كما اُفيد ، لأن السحت قد استعمل بمعنى الكراهة في عدة روايات :

   منها : ما ورد من أن ثمن جلود السباع سحت (2) .

   ومنها : ما دلّ على أن أخذ الاجرة على تعليم القرآن من السحت (3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 1 : 24 .

(2) المستدرك 13 : 120 / أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 2 عن دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) أنه قال : «من السحت ثمن جلود السباع» . وفي المصدر السابق ص 106 ب 22 ح 3 عن الجعفريات عن علي (عليه السلام) قال : «من السحت ثمن الميتة إلى أن قال : ثمن القرد وجلود السباع» .

(3) المستدرك 13 : 116 / أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2 عن ابن عباس في قوله تعالى : (أكّالون للسّحت ) قال : اُجرة المعلمين الذين يشارطون في تعليم القرآن وفي ص 117 ح 5 عن الجعفريات عن عليّ (عليه السلام) قال : «من السحت ثمن الميتة إلى أن قال وأجر القارئ الذي لا يقرأ القرآن إلاّ بأجر» .

ــ[402]ــ

   ومنها : ما ورد من أن ما يأخذه الحجام مع المشارطة سحت (1) وقد حملوه على الكراهة الشديدة لمعارضتها بما دلّ على الجواز (2) بل وفي لسان العرب انّ السحت يستعمل في الحرام تارة ويستعمل في المكروه اُخرى (3) ، ومع ورود استعمال السحت بمعنى الكراهة في الأخبار ، وتصريح أهل اللغة بصحته لا محذور في حمله على الكراهة الشديدة في المقام .

   هذا ثم لو سلمنا عدم إمكان الجمع العرفي بينهما فلا بدّ من الرجوع إلى المرجحات والترجيح مع الروايات الدالة على الجواز لأنها مخالفة للعامة ، كما أن ما دلّ على عدم جوازه موافق معهم لذهابهم قاطبة إلى بطلان بيع النجس (4) ، وما نسبه العلاّمة (قدس سره) إلى أبي حنيفة من ذهابه إلى جواز بيع الغائط (5) على خلاف الواقع ، لأن بطلان بيع النجاسات إجماعي بينهم . بل يمكن ترجيح المجوّزة من جهة موافقتها للكتاب لأنها موافقة لعمومات حل البيع والتجارة عن تراض ، ومع التنزل عن ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 13 : 74 / أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 1 عن الجعفريات عن علي (عليه السلام) أنه قال : «من السحت كسب الحجام» وعن العياشي عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) انّهما قالا : «إن السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام» .

(2) الوسائل 17 : 104 / أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 1 ، 4 وغيرهما .

(3) لسان العرب 2 : 41 .

(4) ففي الوجيز للغزالي ج 1 ص 80 لا يجوز بيع الأعيان النجسة . وفي تحفة المحتاج لابن حجر الشافعي ج 2 ص 8 يشترط في المبيع طهارة عينه فلا يجوز بيع سائر نجس العين كالخمر والميتة والخنزير ولا يجوز بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بالغسل كالخل واللبن والدهن في الأصح . وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج 2 ص 136 الأصل في تحريم بيع النجاسات حديث جابر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام . وفي المغنى لابن قدامة الحنبلي ج 4 ص 302 أنه لا يجوز بيع السرجين النجس وعليه مالك والشافعي وجوزه أبو  حنيفة ، ولنا أنه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة . ونقل في حياة الحيوان للدميري ص  220 ـ 221 عن أبي حنيفة القول بجواز بيع السرجين ثم أورد عليه بأنه نجس العين فلم يجز بيعه كالعذرة فانّهم وافقونا على بطلان بيعها ...

(5) المنتهى 2 : 1008 السطر 41 .

ــ[403]ــ

نعم ، يجوز الانتفاع بهما في التسميد ونحوه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أيضاً فلا مناص من تساقطهما ، ومعه يرجع إلى العموم الفوق أعني إطلاقات حل البيع والتجارة وهي مقتضية لجواز بيع العذرة .

   فالمتحصل أن الأبوال والغائط مما لا يؤكل لحمه كالأبوال والغائط من الحيوانات المحللة فلا إشكال في جواز بيعهما .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net