حكم المكره والملجأ والمضطر إلى السفر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4758


   [ 2252 ] مسألة 21 : لا إشكال في وجوب القصر إذا كان مكرهاً على السفر أو مجبوراً عليه، وأمّا إذا اُركب على الدابّة أو اُلقي في السفينة من دون اختياره بأن لم يكن له حركة سيرية، ففي وجوب القصر ولو مع العلم بالإيصال إلى المسافة إشكال ، وإن كان لا يخلو عن قوّة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بلداً معيّناً كالحلّة معتقداً عدم بلوغه مسافة غير واضح كما  مرّ التعرّض له ولكلام الشهيد في المسألة السابعة عشرة(1) لتعلّق القصد بواقع الثمانية فراسخ في المقيس عليه قصداً منجّزاً من غير تعليق على شيء ، وإن كان هو جاهلاً به .

   وأمّا في المقام فقصد المسافة معلّق على قصد المتبوع ومنوط به ودائر مداره وليس قصداً فعلياً على سبيل الإطلاق كما في المثال ، فهو من قبيل تردّد المقصد بين مسافات مختلفة ، نظير تردّد مكان الضالّة بين أمكـنة عديدة مردّدة بين القريبة والبعيدة ، الذي عرفت أنّ مثله مانع من وجوب التقصير . فكما أنّ طالب الضالّة قاصد للمسافة على تقدير الحاجـة ، فكذا التابع قاصد لها على تقدير قصد المتبوع كما هو ظاهر .

   (1) السفر كسائر الأفعال الاختيارية يتصوّر على وجوه أربعة :

   الأوّل :  أن يصدر عن المسافر باختيار وإرادة وطوع منه ورغبة ، بلا إكراه من أحد ولا اضطرار .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 55 ـ 56 .

ــ[65]ــ

   الثاني :  أن يكون مكرهاً عليه ، فيسير باختياره وإرادته ولكن من غير طيب النفس ، بل باكراه من الغير وتوعيد منه على العقوبة ، ولولاه لما سافر ، نظير المعاملة المكره عليها .

   الثالث :  أن يكون مضطراً إليه ، لضرورة تدعوه إليه من معالجة مريض أو مضايقة دين ونحو ذلك ، وهو المراد من المجبور في عبارة المتن ، فهو يسافر عن قصد واختيار غير أ نّه لا يرضى به إلاّ بالعنوان الثانـوي ، لما يترتّب عليه من رفع الضرورة الملحّة، نظير البيع الاضطراري المحكوم بالصحّة من أجل أنّ البطلان على خلاف الامتنان، بخلاف البيع المكره عليه كما هو محرّر في محلّه(1).

   وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشـكال في وجوب التقـصير في هذه الصور الثلاث بمقتضى إطلاق الأدلّة، إذ لايلزم إلاّ السير إلى المسافة مع قصدها، المتحقّق في جميع هذه الفروض ، ولم يقيّد شيء من الأدلّة بالاختيار المقابل للإكراه أو الاضطرار كما هو ظاهر .

   إنّما الكلام في الصورة الرابعة :  وهي ما إذا لم يكن السير باختياره أبداً ، كما لو اُخذ وشدّت يداه ورجلاه مثلاً واُلقي في السفينة ونحوها ، فهل يحكم عليه أيضاً بالقصر ، أو أ نّه محكوم بالتمام لانتفاء الإرادة وسلب الاختيار ؟

 الظاهر هو الأوّل ، لإطلاق الأدلّة الشامل لصورتي الاختيار وعدمه ، بعد التلبس بمجرّد القصد وإن لم يستند إلى الاختيار ، مثل قوله تعالى : (فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِن أَيَّام أُخَرَ )(2) بضميمة ما ثبت من الخارج من الملازمة بين الإفطار والتقصير ، ونحوه النصوص(3) الدالّة على لزوم التقصير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقاهة 3 : 293 ، 287 .

(2) البقرة 2 : 184 .

(3) المتقدِّمة في ص 4 ـ 5 .

ــ[66]ــ

في بريدين أو بريد ذاهباً وبريد راجعاً ، أو مسيرة يوم أو بياض النهار ، فانّها مطلقة من حيث الاختيار وعدمه .

   بل لو كنّا نحن وهذه المطلقات لحكمنا بكفاية قطع المسافة كيف ما اتّفق ولو لا عن قصد ، إلاّ أ نّه قد ثبت من الخارج تقييده بالقصد ، فبهذا المقدار نرفع اليد عن الإطـلاق . وأمّا الزائد عليه ـ  أعني تقييد القصد بصدوره عن الاختيار  ـ فمدفوع بأصالة الإطلاق بعد خلوّ دليل التقييد عن اعتناق هذه الخصوصية . ولمزيد التوضيح ينبغي التعرّض لأدلّة التقييد بالقصد لتستبين صحّة ما ادّعيناه من عدم التقييد بالاختيار .

   فمنها :  الإجماع المدّعى على اعتبار قصد المسافة في وجوب التقصير .

   وهو لو تمّ وكان إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) لم يقتض إلاّ اعتبار طبيعي القصد الجامع بين الاختيار وغيره ، المساوق لمجرّد العلم، نظير اعتبارهم القصد في إقامة العشرة الذي لا يراد به هناك إلاّ هذا المعنى جزماً ، ومن ثمّ حكموا بالتمام في من اُجبر على المكث في مكان عشرة أيام كما في المحبوس وإن كان فاقداً للاختيار .

   وكيف يحتمل تقييدهم القصد فيما نحن فيه بالاختيار مع ذهاب المشهور إلى وجوب التقصير على المكره على السفر ، بل في المستند دعوى الإجماع عليه (1) ويقتضيه إطلاق كلامهم في الأسير كما لا يخفى . وهذا كلّه يكشف عن أنّ مرادهم بالقصد أعمّ من مجرّد العلم كما عرفت ، لا خصوص الحصّة الاختيارية .

   ومنها :  موثّقـة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال فيها : «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فليتم الصلاة» (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستند 8 : 222 .

(2) الوسائل 8 : 469 /  أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3 .

ــ[67]ــ

   دلّت على لزوم قصد المسافة من المنزل ، فلا قصر بدون هذا القصد وإن بلغ به السير هذا الحدّ شيئاً فشيئاً كما هو المفروض في السؤال . فبهذا المقدار تقيّد المطلقات ، ولا دلالـة لها بوجه على لزوم صـدور القصد المزبـور عن الإرادة والاختيار ، بل هي مطلقة يكتفى [  به ] حتّى لو صدر لا عن اختيار .

   ودعوى انسباق الاختيار من الأفعال ظهوراً أو انصرافاً غير مسموعة كما حقّق في محلّه (1) ، هذا .

   وربّما يستدلّ على المدّعى من كفاية العلم في تحقّق القصد وعدم الحاجة إلى الاختيار بما رواه الشيخ الكليني باسناده عن إسحاق بن عمار ، قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوم خرجوا في سفر فلمّا انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصلاة ، فلمّا صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو على أربعة تخلّف عنهم رجل لا يسـتقيم لهم سفرهم إلاّ به فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم وهم لا يستقيم لهم السفر إلاّ بمجيئه إليهم ، فأقاموا على ذلك أياماً لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون ، هل ينبغي لهم أن يتمّوا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم ؟ قال : إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم ، أقاموا أم انصرفوا ، وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة، قاموا أو انصرفوا، فاذا مضوا فليقصّروا»(2).

   ورواه الشيخ الصدوق في العلل بسنده عن محمد بن علي الكوفي عن محمد ابن أسلم (مسلم) نحوه ، وزاد «قال : ثمّ قال (عليه السلام) : هل تدري كيف صار هكذا ؟ قلت : لا ، قال : لأنّ التقصير في بريدين ـ إلى أن قال : ـ قلت : أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2: 146 المسألة الثانية من المقام الأوّل من مبحث التوصلي والتعبدي .

(2) الوسائل 8 : 466 /  أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10 ، الكافي 3 : 433 / 5 .

ــ[68]ــ

قال : بلى ، إنّما قصّروا في ذلك الموضع لأ نّهم لم يشكّوا في مسيرهم وأنّ السير يجدّ بهم ، فلمّا جاءت العلّة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا» (1) ، ومثله رواه البرقي في المحاسن عن محمد بن أسلم (مسلم) (2) .

   حيث يظهر من قوله (عليه السلام) : «لأ نّهم لم يشكّوا في مسيرهم» أنّ العبرة في وجوب التقصير بعدم الشكّ في السفر . فكلّ من يعلم به ولم يشكّ في سيره قصّر وإلاّ فلا ، سواء أكان بالاختيار أم بدونه .

   أقول : أمّا السند فهو على طريق الكليني بظاهره خال عن الخدش ، لعدم اشتماله على من يغمز فيه عدا محمد بن أسلم ، الذي هو الطبري الجبلي ، وهو من رجال كامل الزيارات (3) . لكن الاستشهاد لم يكن بمتنه(4) .

   نعم ، هو ضعيف على طريق الصدوق المشتمل على محمد بن علي الكوفي حيث إنّ الظاهر أنّ المراد به في المقام هو أبو سمينة المشتهر بالكذب ، سيما مع التصريح به في طريق البرقي ، ولا أقل من احتمال ذلك ، فتسقط الرواية بذلك عن درجة الاعتبار .

   ومنه تعرف إمكان تطرّق الخدش في طريق الكليني أيضاً ، لعدم احتمال تعدّد الرواية كما لا يخفى ، فيدور الأمر بين حذف الرجل في هذا الطريق وبين زيادته في طريق الصدوق ، ومعه لا يبقى وثوق بصحّة السند .

   وأمّا ما في بعض نسخ العلل والمحاسن من ذكرِ (محمد بن مسلم) بدلاً عن (محمد بن أسلم) فليس المراد به الثقفي المعروف قطعاً ، فانّه يروي عن الباقرين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 466 /  أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11 ، علل الشرائع : 367 / 1 .

(2) المحاسن 2 : 27 / 1100 .

(3) معجم رجال الحديث 16 : 86 / 10257 [ لكنّه لم يوثقه في المعجم فلاحظ ] .

(4) [ بل بالمتن الذي نقله الصدوق ] .

ــ[69]ــ

(عليهما السلام) بلا واسطة ، لا عن أبي الحسن (عليه السلام) مع الواسطة كما في المقام .

   عل أ نّه من غلط النساخ جزماً ، إذ لم تعهد رواية محمد بن علي الكوفي عن محمد بن مسـلم ، وقد روى عن محمد بن أسلم في مواضع كثـيرة كما يظهر بمراجعة المعجم (1) . وكيف ما كان ، فقد عرفت أنّ الرواية غير نقيّة السند .

   وأمّا الدلالة : فالظاهر أ نّها أيضاً قاصرة، نظراً إلى أنّ تلك الجملة المستشهد بها قد وردت في مقام رفع استبعاد السائل عن أ نّهم كيف يتمّون وقد قصّروا قبل ذلك؟ فأجاب (عليه السلام) بأ نّهم إنّما قصروا آنذاك حسب وظيفتهم الفعلية حيث لم يشكّوا في المسير ، وكانوا يعتقدون السفر ، فلمّا انكشف الخلاف اتمّوا .

   فهي مسوقة لذبّ الاستبعاد المزبور عنهم ، وليست في مقام بيان أ نّه لا يلزم في السفر شيء آخر ، وأنّ الموضوع هو العلم فقط ، ولعلّ القصد بمعنى الاختيار أيضاً معتبر ، وليس المقام مقام ذكره . فالعمدة ما ذكرناه .

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأدلّة الأوّلية تقتضي وجوب التقصير لمن سافر ثمانية فراسخ ، سواء أقصد أم لا ، وسواء أكان باختياره أم لا ، ولكن الأدلّة الخارجية دلّتنا على اعتبار القصد في وجوب التقصير ، وبذلك ترفع اليد عن المطلقات بهذا المقدار ، ويكون الموضوع هو القصد وثمانية فراسخ ، ولم نجد في تلك المقيّدات التي اعتبرت القصد ما يدلّ على اختصاص ذلك بالاختياري بل هي مطلقة سواء أحصل عن إرادة واختيار أم لا ، ولازم ذلك أنّ من سافر بلا اختيار كما في محلّ الكلام يجب عليه التقصير ، لدخوله تحت المطلق حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم رجال الحديث 16 : 352 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net