السفر للصيد لقوت نفسه وعياله - سفر الصيد للتجارة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4703


   وأمّا القسم الثاني :  أعني السفر الذي يتصيّد فيه لقوت نفسه وعياله ، فلا إشكال في جوازه ، ولم يستشكل فيه أحد ، بل الآية المباركة قد نطقت بجوازه صريحاً ، قال تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ) (2) .

   والروايات الدالّة على ذلك كثـيرة جدّاً ، مذكورة في باب الصيد والذباحة بل ربما يكون واجباً لو توقّف القوت أو الإنفاق الواجب عليه . كما لا إشكال في تقصير الصلاة فيه .

   وتدلّنا على ذلك جملة من الروايات التي تستوجب ارتكاب التقييد فيما سبق من المطلـقات من صحيحتي حماد وعمار بن مروان (3) وغـيرهما ممّا دلّ على الإتمام في سفر الصيد ، بحملها على غير هذا النوع من الصيد جمعاً .

   فمنها :  موثّقة عبيد بن زرارة المتقدّمة : «عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصّر

ـــــــــــــ
(2) المائدة 5 : 96 .

(3) المتقدّمتين في ص 109 ، 95 .

ــ[113]ــ

أو يتم ؟ قال : يتم ، لأ نّه ليس بمسير حقّ» (1) .

   فانّ التعليل يخصّص كما أ نّه يعمّم ، ويستفاد منه اختصاص المقام بمسير ليس بحقّ ، وأمّا الحقّ السائغ كما في المقام فيجب التقصير فيه ، وبه تقيّد تلك المطلقات .

   ومنها :  صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عمّن يخرج عن أهله بالصقورة والبزاة والكلاب يتنزّه الليلة والليلتين والثلاثة هل يقصّر من صلاته أو لا ؟ قال : إنّما خرج في لهو ، لا يقصّر» (2) ، فانّ كلمة «إنّما» تفيد الحصر ، فتدلّ على ثبوت التقصير في الصيد لغير اللهو كما في المقام .

   ومنها :  ما رواه الشيخ باسناده عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه قال : «سبعة لا يقصّرون ـ إلى أن قال : ـ والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل» (3) .

   فانّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح إلاّ أ نّه يدلّ على عدم تعلّق الحكم بالطبيعة المطلقة ، وإلاّ لأصبح القيد لغواً ، فلا يكون مطلق الصيد موجباً للتمام ، بل خصوص اللهوي ، ويبقى غيره تحت أصالة القصر للمسافر .

   وتؤيِّده مرسلة عمران بن محمد بن عمران القمّي عن بعض أصـحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت له : الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة أيقصِّر أو يتم؟ فقال: إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصّر وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 479 /  أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4 .

(2) الوسائل 8 : 478 /  أبواب صلاة المسافر  9 ح 1 .

(3) الوسائل 8 : 477 /  أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 5 ، التهذيب 3 : 214 / 524 .

(4) الوسائل 8 : 480 /  أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5 .

ــ[114]ــ

   فانّها صريحة في المطلوب ، وإن لم تصلح للاستدلال من جهة الإرسال . وبهذه النصوص يرتكب التقييد في المطلقات المتقدّمة وتحمل على غير الصيد للقوت حسبما عرفت .

   وأمّا القسم الأوّل :  أعني سفر الصيد للتجارة فلا إشكال في جوازه كما ظهر ممّا مرّ ، وإنّما الكلام في أ نّه هل يقصّر ويفطر ، أو يتمّ ويصوم ، أو يفصّل بينهما فيتمّ الصلاة ويفطر ؟ فيه وجوه :

   أمّا الإتمام والصوم فلا قائل به أصلاً ، وإن كان موجوداً في الفقه الرضوي(1) . ولكنّه لا يعتنى به كما سنبيِّن (2) .

   ولكن التفصيل منسوب إلى ثلّة من الأكابر من قدماء الأصحاب ، فقد نقله العلاّمة في المختلف(3) عن الشيخ في النهاية (4) والمبسوط(5) والمفيد(6) والصدوق(7) وابن البراج(8) وابن حمزة(9) وابن إدريس(10) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فقه الرضا : 161 .

(2) في ص 118 .

(3) المختلف 2 : 521 /  المسألة 388 .

(4) النهاية : 122 .

(5) المبسوط 1 : 136 .

(6) المقنعة : 349 .

(7) [ والمقصود هنا هو علي بن بابويه ] .

(8) المهذّب 1 : 106 [ وفيه : فقد ورد أ نّه يتم الصلاة ويفطر الصوم ] .

(9) لاحظ الوسيلة : 109 [ حيث قال فيها : ويلزمه التقصير في الصلاة دون الصوم ] .

(10) السرائر 1 : 327 ـ 328 .

ــ[115]ــ

   ونَسَبَ التقصير في الصلاة والصوم إلى السـيِّد المرتضى(1) وابن أبي عقيل وسلار (2) واختاره هو بنفسه ، وهو المشهور بين المتأخّرين ، فيعلم من ذلك أنّ المسألة خلافية وليست باجماعية ، وإن كان القائل بالتفصيل من القدماء أكثر هذا .

   وقد نقل العلاّمة في المختلف عن ابن إدريس أ نّه روى أصحابنا بأجمعهم أ نّه يتم الصلاة ويقـصّر الصوم ، وحكى نظـيره عن المبسـوط وأ نّه قال : إذا  كان للتجارة دون الحاجة فقد روى أصحابنا أ نّه يتمّ الصلاة ويفطر الصوم .

   وقد تعرّض العلاّمة لهذه المسألة في غير المختلف أيضاً كالتحرير(3) والمنتهى(4) ولكنّه تعرّض إليها في هذا الكتاب تفصيلاً وبنطاق أوسع .

   أقول :  يقع الكلام أوّلاً في أنّ ما حكاه الشيخ وابن إدريس من أ نّه روى أصحابنا هل هذه رواية مرسلة كي يلتزم بحجّيتها بناءً على مسلك الجبر بالعمل أو أ نّه ليست هناك رواية مرسلة أصلاً .

   الظاهر هو الثاني، لأنّ ابن إدريس أسند الرواية إلى جميع الأصحاب مصرّحاً بكلمة (بأجمعهم) وكذا الشيخ على ما يقتضيه التعبير بالجمع المضاف، مع أ نّها لم توجد في شيء من الكتب لا الحديثية ولا الاستدلالية ، حتّى أنّ الشيخ بنفسه أيضاً لم يذكرها لا في التهذيب ولا الاستبصار ولا غيرهما ، وكيف تنسب رواية إلى الكلّ وإلى جميع الأصحاب وهي لا توجد في مصدر من المصادر ولم ينقلها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 47 [ حيث لم يفصّل بين الصـيد وغيره ] .

(2) المراسم : 74 ـ 75 [ حيث لم يفصّل بين الصيد وغيره ] .

(3) التحرير : 56 السطر 11 .

(4) المنتهى 1 : 392 السطر 30 .

ــ[116]ــ

ولا واحد منهم ، وهل هذا إلاّ صريح الكذب المنزّهة عنه ساحتهم المقدّسة .

   وعلى الجملة :  لو عبّرا بمثل أ نّه روي كذا ، أو وردت رواية ، أو روى بعض الأصحاب ، ونحو ذلك ، لأمكن أن يقال : إنّ هناك رواية دلّت على التفصيل بين الصلاة والصيام ولم تصل إلينا ، ولكن مع ذلك التعبير ولا سيما التأكيد بكلمة (بأجمعهم) في كلام ابن إدريس لايمكن أن لاتروى ولاتذكر في شيء من الكتب .

   فلأجل هذه القرينة القاطعة ، وكذا بعد ملاحظة المختلف يظهر أنّ الشيخ وابن إدريس اسـتدلاّ بهذه الروايات الموجودة بأيدينا ، المضبوطة في الكتب الأربعة وغيرها ، ولأجله صحّ أن يقال إنّه روى أصحابنا بأجمعهم .

   وكيف ما كان ، فقد استدلّ بعدّة من الروايات :

   منها :  مرسلة عمران بن محمد بن عمران القمي قال «قلت له الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة يقصّر أو يتم ؟ فقال : إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصّر ، وإن خرج طلب الفضول فلا ولا كرامة» (1) .

   يقول العلاّمة (2) : إنّ الشيخ (قدس سره) استدلّ بهذه الرواية على التفصيل المذكور ، نظراً إلى أنّ مفهومها انتفاء التقصير فيما إذا لم يكن خروجه لقوته وقوت عياله ، الشامل لما إذا كان للتجارة بمقتضى الإطلاق .

   ولكنّه (قدس سره) لم يتعرّض للجزء الآخر من الدعوى وهو الإفطار ، بل اقتصر على إتمام الصلاة فقط .

   ولا بدّ من تتميمه بأن يقال : إنّ مفهوم القضيّة الشرطية وإن كان هو انتفاء التقصير والإفطار معاً إلاّ أنّ الثاني ثابت قطعاً بمقتضى الإجماع ، إذ لا قائل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 480 /  أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5 .

(2) المختلف 2 : 524 المسألة 388 .

ــ[117]ــ

بوجوب الصيام في سفر الصيد للتجارة، فلأجله يرفع اليد عن المفهوم بالإضافة إلى الصوم ويقتصر على الصلاة .

   وعليه فيصحّ أن يقول الشيخ وابن إدريس : إنّه روى أصحابنـا بأجمعهم يعني في خصوص الصلاة ، للرواية الموجودة ، وأمّا الإفطار فللإجماع .

   ولكن الاستدلال واضح الضعف ، أوّلاً : لإرسال الرواية .

   وثانياً : أنّ مفهوم قوله (عليه السلام): «إن خرج لقوته وقوت عياله» إلخ، أنّ خروجه إن كان لغير القوت فلا يفطر ولا يقصّر ، وهذا مطلق يشمل الخروج للّهو وللتجارة ، فليقيّد بالأوّل ويراد من الخروج للفضول هو اللّهو فقط. وبذلك قد تحفّظنا على إطلاق الجزاء ، وأخذنا بكلا الجزأين ، وراعينا الملازمة بين الصلاة والصيام وأبقيناها على حالها .

   ولا بشاعة في هذا التقييد بعد أن قيّدنا إطلاقات الإتمام في سفر الصيد بما إذا لم يكن للقوت ، لأجل التعليل بعدم كونه مسير الحقّ كما مرّ .

   ويشهد له في المقام قوله (عليه السلام) : «فلا ولا كرامة» إذ لا موجب لنفي الكرامة عن التجارة وهي محبوبة ومرغوب فيها وراجحة شرعاً ، بل قد تجب لو توقّف الإنفاق عليها . فهذا التعبير يكشف عن أنّ المراد خصوص صيد اللّهو كما ذكرنا ، إذن فلا دلالة في هذه الرواية على التفصيل في صيد التجارة بوجه .

   فالاسـتدلال ضعيف جدّاً وإن صحّ قول الشـيخ : إنّه روى أصـحابنا ، كما عرفت ، غاية الأمر أ نّه اعتقد أ نّها تدلّ على التفصيل المزبور ، ولا نقول به .

   ومنها :  موثّقة عبيد بن زرارة المتقدّمة : «عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصّر أو يتم ؟ قال (عليه السلام) : يتم ، لأ نّه ليس بمسير حقّ» (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 479 /  أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4 .

ــ[118]ــ

   وقد ادّعى العلاّمة (قدس سره) (1) دلالتها على الإتمام في سفر الصيد مطلقاً ولكن خرج ما كان لأجل القوت إمّا للإجماع القطعي أو لخبر عمران القمّي المتقدّم ، فيبقى الباقي محكوماً بالتمام ومنه سفر التجارة . غير أ نّه (قدس سره) ناقش بضعف السند نظراً إلى أنّ ابن بكير فطحي .

   ولكن الأمر بالعكس ، فانّها نقية السند ، لوثاقة الرجل وإن كان فطحياً فاسد المذهب ، إلاّ أ نّها قاصرة الدلالة ، إذ التعليل ببطلان المسير يستدعي التخصيص بصيد اللهو المحكوم بالحرمة ، فلا تعمّ التجارة التي هي محلّ الكلام .

   ومنها :  رواية ابن بكير المتقدّمة أيضاً : «عن الرجل يتصيّد اليوم واليومين والثلاثة أيقصّر الصلاة ؟ قال : لا ـ إلى أن قال : ـ فانّ التصيّد مسير باطل ... » إلخ (2) بعين التقريب المتقدّم مع جوابه ، مضافاً إلى أ نّها ضعيفة السند بسهل بن زياد .

   فهذه الروايات الثلاث لا يتم الاستدلال بشيء منها .

   أضف إلى ذلك كلّه ما دلّ على الملازمة بين القصر والإفطار كما في صحيحة معاوية بن وهب : «إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت»(3) أثبتت التلازم بين الأمرين ، إلاّ أن يدلّ دليل على التخصيص ، ولا دليل عليه في المقام ، لعدم نهوض رواية تدلّ على التفصيل .

   نعم ، هو موجود في الفقه الرضوي كما مرّت الإشارة إليه ، فقد تعرّض لصيد التجارة في موضعين ، وذكر في أحدهما التفصيل المذكور ، وفي موضع آخر قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ المختلف 2 : 524 ـ 525 المسألة 388 .

(2) الوسائل 8 : 480 /  أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 7 .

(3) الوسائل 10 : 184 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 4 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net